كيف تحقق توازناً أفضل بين العمل والحياة الشخصية؟

بعض الأشياء في الحياة تتطلب التوازن لكي تنجح. فمثلاً؛ تعلُّم كيفية التزلج على الجليد ليس بالأمر الهين، فالصعوبة ليست بالحركات نفسها، فأنت تعرف كيفية أداء المهمة السهلة المتمثلة في تحريك قدميك وتحويل وزنك، فلماذا يكون التزلج صعباً جداً؟ التحدي يكمن في إيجاد التوازن المناسب.



يمكن أن يكون التوازن بعيد المنال، وهذا صحيح في العديد من المجالات بما في ذلك إيجاد التوازن في العمل والحياة الشخصية؛ إذ يكمن الخطر بالنسبة إلى معظم المهنيين في العمل المستمر دون انقطاع.

وفقاً لـ "قاموس كامبريدج" (Cambridge dictionary)، يمكن تعريف التوازن بين العمل والحياة الشخصية على أنَّه مقدار الوقت الذي تقضيه في أداء وظيفتك، مقارنةً بالوقت الذي تقضيه مع عائلتك، والقيام بالأشياء التي تستمتع بها. مع التوازن الصحيح بين العمل والحياة الشخصية، ستكون بصحة جيدة وستكون منتجاً، أما دون توازن يصبح من السهل جداً الشعور بالإرهاق.

إنَّ إيجاد التوازن بين العمل والحياة الشخصية أمر هام؛ وذلك لأنَّ معظمنا على حافة الخطر، ويمكن أن يكون لعدم التوازن عواقب سلبية خطيرة، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي عدم التوازن إلى الشعور بالضغط الذي يمكن أن يؤثر سلباً في صحتك الجسدية، والعلاقات الهامة، وبالطبع، تتأثر الإنتاجية الشخصية والمهنية عندما لا يكون هناك توازن بين العمل والحياة الشخصية.

الشعور بالإرهاق بسبب نقص التوازن بين العمل والحياة الشخصية:

يقول "بول جارفيس" (Paul Jarvis)، مؤلف كتاب "مصاحبة الذات" (Company of One) الأكثر مبيعاً: "لطالما أردت عملاً يدعم حياتي، وليس حياة تدعم عملي".

إنَّ الناس والأشياء يتنافسون بانتظام على وقتك. والهدف من التوازن بين العمل والحياة الشخصية هو إيجاد وقت في أيامك لكل شيء هام لحياتك الشخصية والمهنية. وفي هذا المقال، سنتحدث عن كيفية إيجاد التوازن، والاستفادة القصوى من وقتك، والفوز في العمل والحياة الشخصية.

ما الذي يسبب الإرهاق؟

1. كثرة التفكير:

وفقاً لبحث نُشِر في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، فإنَّ كثرة التفكير لفترة زمنية طويلة يمكن أن تؤدي إلى التعب الإدراكي، وتضاؤل قدرة العقل على التركيز، فعندما يحاول عقلك إدارة الكثير من المسؤوليات في الوقت نفسه، فإنَّ الحمل الزائد يسبب إحساساً بالارتباك، فما تحتاجه هو الوضوح والتركيز لخلق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

توضيح أهم الأولويات:

عندما تهبط طائرة ليلاً هناك أضواء على المدرج توجه الطائرة نحو الهبوط الآمن، وتحدد تلك الأضواء طريق هبوط الطائرة بنجاح، كذلك الأولويات تفعل الشيء نفسه للمهنيين المشغولين؛ إذ تحدد الأولويات الواضحة المسار الصحيح لتحقيق أفضل استثمار لوقتك، وتزوِّدك بجزأين هامين من المعلومات التي تضاعف فاعليتك، وتوفر لك الراحة من الإرهاق:

  • تخبرك الأولويات بما يجب عليك فعله أولاً. يقول المؤلف ورجل الأعمال "ستيفن كوفي" (Stephen Covey): "إذا لم يستند السُلَّم إلى الحائط الصحيح، فإنَّ كل درجة تصعدها ستوصلك إلى المكان الخطأ بسرعة"؛ لذا ستساعدك معرفة أولوياتك على استثمار وقتك للتحرك في الاتجاه الصحيح والوصول إلى أهدافك.
  • تخبرك الأولويات بما لا يجب عليك فعله على الإطلاق. عندما تشعر بالإرهاق، يكون السبب على الأرجح أنَّك تفعل أشياء كثيرة جداً، وتتمثل إحدى طرائق إيجاد التوازن بين العمل والحياة الشخصية في التخلص من الأشياء غير الضرورية.

عندما يرى الطيَّار الأضواء على المدرج، سيستعمل أدوات التحكم الخاصة لتوجيه الطائرة إلى الهبوط الآمن؛ لذلك استعمل أولوياتك بوصفها دليلاً، وتحكَّم بإدارة المهام، وراجع مسؤولياتك الحالية، هل من الأفضل أن تتعرَّف مصدر الإرهاق؟ إذا كان ذلك ممكناً، ففوِّض تلك المهام أو ألغِها.

2. البحث عن ذاتك في حياتك العملية:

من الصعب الامتناع عن الإفراط في العمل إذا كنت تجد نفسك في العمل الذي تؤديه؛ إذ يكفي أن تدرك أنَّ عملك لا يعكس شخصيتك حتى تتحرر. يذكر مقال نشرته مجلة "علم نفس اليوم" (Psychology Today) أنَّه من الهام فصل فكرة العمل الهادف عن الحياة ذات المعنى.

الأساس المنطقي هو أنَّه إذا عمل المرء لساعات أكثر مع التزام لا هوادة فيه بوظيفته قبل كل شيء، فسيحقق النجاح، ومع ذلك، تُظهر الأبحاث أنَّه عندما تكون مرهقاً، تكون في الواقع أقل إنتاجية، فالعمل الهادف هو جزء واحد فقط من حياة شاملة؛ لذا يتضمن التوازن بين العمل والحياة الشخصية علاقات هامة، ورعاية ذاتية مناسبة، والمشاركة في نشاطات بعيدة عن العمل.

إيجاد التوازن:

1. حدد أسباب عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية:

أولاً، عليك أن تعرف ما الذي تحاول تحقيق التوازن فيه، ما هو الهام بالنسبة إليك في العمل والحياة الشخصية؟ الأمر يستحق الوقت والجهد لتوضيح ما تريده حقاً، والطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها تخصيص الوقت لما هو هام هي معرفة ما هو الأكثر أهمية.

كتب "جيمس كلير" (James Clear)، المؤلف للكتاب الأكثر مبيعاً "العادات الذرية" (Atomic Habits)، كيف أمضى بضعة أسابيع في العمل للتأكد من أنَّه يعرف غرضه الحقيقي. كان يستيقظ كل يوم ويكتب، ويبدأ بصفحة فارغة، كل صباح كان يجيب عن سؤال سهل كتابياً، "ماذا أريد حقاً؟".

إنَّ معرفة مَن تريد أن تكون، وماذا تريد أن تفعل في حياتك يجعل من الممكن تقييم تقدُّمك، وكيف حالك إذا كان اليوم يوماً جيداً أو سيئاً؟ وتستند الإجابة إلى قيمك الشخصية ورؤيتك وأهدافك.

على سبيل المثال، إذا كنت كاتباً، وهدفك المهني هو أن تكتب 3 ساعات في اليوم، فإذا قمت بذلك، فيمكنك أن تَعُدَّ نفسك ناجحاً في هذا المجال من حياتك، وإذا قضيت أسبوعاً كاملاً لسبب ما دون جلسة كتابة مخصصة، فاعلم أنَّ هناك شيئاً خاطئاً، وقد انحرفت عن مسار التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

2. مجالات الحياة:

غالباً ما يتحدث المؤلف والمتحدث ورائد الأعمال "مايكل هايت" (Michael Hyatt) عما يسميه الفوز المزدوج: الفوز في العمل والنجاح في الحياة الشخصية، إنَّه داعمٌ قوي للتوازن بين العمل والحياة الشخصية.

إحدى الطرائق التي يوصي بها لتحقيق ذلك هي تقييم صحتك في 10 مجالات مختلفة من الحياة، وهي الجسدية، والمهنية، والتدريبية، والعاطفية، والمالية، والروحية، والتربوية، والزوجية، والاجتماعية، والفكرية، عندما تعرف ما تريده في كل مجال من مجالات الحياة، يمكنك رسم المسار نحو حياة مهنية وشخصية متوازنة.

3. تمرين عجلة الحياة:

إطار آخر مفيد لتقييم التوازن بين العمل والحياة الشخصية يسمى تمرين عجلة الحياة (Wheel of Life). اشتُهرَت عجلة الحياة في شكلها الحالي على يد المؤلف الشهير والمتحدث التحفيزي "زيغ زيغلر" (Zig Ziglar)، و"ديف رامزي" (Dave Ramsey) في "مدخل إلى عالم القيادة" (Entre Leadership).

إنَّها تمثيل مرئي لجميع مجالات حياتك التي تحتاج فيها إلى تحديد الأهداف، حيث اختار "زيغ زيغلر" (Zig Ziglar) سبعة مجالات للتركيز أصبحت فئاته هي المعيار الذهبي الذي ما يزال يستعمله الكثير من الأشخاص والشركات حتى اليوم.

الفئات السبع لعجلة الحياة:

  1. المهنية: النهوض بأهدافك المهنية أو التجارية.
  2. المالية: السيطرة على أموالك أو تحسينها.
  3. الروحانية: تنمية روحانياتك.
  4. الجسدية: تحسين صحتك وسلامتك.
  5. الفكرية: تنمية عقلك.
  6. الأسرية: تقوية عائلتك.
  7. الاجتماعية: تعزيز العلاقات الشخصية والمهنية.

شاهد: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

تحسين إدارة الوقت:

في حالة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، يعتمد ذلك على الاستعمال الأمثل لوقتك في أثناء العمل، وكيفية إدارتك لوقتك خارج العمل.

إيجاد التوازن في العمل:

كيف تقيس فاعليتك في العمل؟ لا ترتكب خطأ مساواة العمل بالإنجاز، هناك بعض النشاطات التي يمكن أن تستهلك قدراً هائلاً من الوقت، لكنَّ هذا لا يعني أنَّها استعمال مثمر لوقتك، بعض المشتتات الأكثر شيوعاً هي البريد الإلكتروني والاجتماعات والمقاطعات.

  • رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل: عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تردُّ عليها في الأسبوع ليس مؤشراً على الإنتاجية. وفقاً للبحث، فإنَّ الوقت الضائع مع رسائل البريد الإلكتروني غير الضرورية يكلف نحو 1800 دولار في السنة.
  • الاجتماعات: ماذا عن الاجتماعات غير الضرورية؟ كم عدد الاجتماعات التي تحضرها كل أسبوع، وتستغرق وقتاً بعيداً عن القيام بالعمل الفعلي؟
  • المقاطعات: لا أحد يطلب المقاطعة، فهي تكلف الوقت والمال. يتعامل الموظف العادي مع أكثر من خمسين مقاطعة كل يوم، ويقضي أكثر من ساعتين لاستعادة التركيز.

من الواضح أنَّ النشاطات ليست كلها مثمرة، فالوقت الذي تقضيه في العمل على أولوياتك القصوى هو أفضل قياس ليوم منتج؛ إذ يمنحك وجود أولويات واضحة المعرفة التي تحتاج إليها لتقييم الطريقة التي تقضي بها وقتك.

قد تكون على دراية بـ "مبدأ باريتو" (Pareto Principle) الذي ينص على أنَّ نحو 80% من العواقب بالنسبة إلى العديد من النتائج تأتي من 20% من الأسباب. وتحصل على 80% من نتائجك من نحو 20% من نشاطك. ويحدث الإرهاق عندما تفقد التركيز على 20% من نشاطاتك المثمرة.

إيجاد التوازن خارج العمل:

خصص وقتاً لما هو أكثر أهمية خارج العمل، صحتك الجسدية والعاطفية والعقلية كلها جزء من حياة متوازنة، فيما يأتي بعض التوصيات:

  • النوم ضروري للصحة والإنتاجية: النوم الجيد ليلاً يمكن أن يضاعف من فاعليتك.
  • الاسترخاء: يحتاج عقلك وجسمك إلى استراحة للعودة للعمل.
  • الابتعاد عن العمل: الابتعاد عن العمل يعني فصل العمل عن حياتك الشخصية، لكنَّ العالم الذي نعيش فيه اليوم شديد الترابط، وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يمتلكون جهازاً جوَّالاً - هاتفاً أو جهازاً لوحياً أو حاسوباً محمولاً - قد يبدو من المستحيل الهروب من العمل. عملك دائماً معك، ومع ذلك، فإنَّ القيام بشيء أساسي مثل إيقاف الإشعارات على أجهزتك خارج ساعات العمل يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً.
  • تعلُّم الرفض: تعلَّم أن تقول "لا" في كثير من الأحيان، الناس معظمهم لا يرفضون شيئاً يُطلَب منهم، ومع ذلك، دون حدود شخصية، ستعيش في حالة دائمة من الإرهاق.

3 قرارات لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية:

كن متأكداً أنَّ يومك لن يتوازن من تلقاء نفسه، يحدث ذلك فقط نتيجة اختياراتك المدروسة؛ لذا عليك أن تخطط ليومك عن طريق ما يأتي:

1. مراجعة جدول أعمالك:

الوقت محدود الموارد؛ لذا كُن صادقاً مع نفسك لإدارة وقتك إدارة جيدة.

ابدأ بالتقويم الخاص بك؛ تخيَّل زيارة محل بقالة، وافترض أنَّ لديك ميزانية لمبلغ معين من المال، تضع جميع العناصر التي تريدها في سلة التسوق الخاصة بك حتى تصل إلى الحد الأقصى، وفي هذه المرحلة، إذا كنت تريد وضع شيء آخر في عربة التسوق، فيجب عليك إزالة شيء ما.

التقويم الخاص بك هو عربة التسوق، اليوم هو 24 ساعة وكل نشاط له تكلفة ووقت. إنَّه محدود الموارد، ويجب أن تكون على دراية بمهامك، لذا تأكد من وجود وقت في تقويمك للأحداث الهامة مثل الإجازة، والنشاطات اليومية الصغيرة مثل التأمل والتفكير من أجل صحتك العقلية.

2. وضع حدودٍ صحية لعملك وحياتك الشخصية:

الحدود مفيدة لأنَّها تجبرك على استعمال وقتك استعمالاً أكثر إنتاجية؛ فمثلاً، يعرف أي شخص يسافر بالطائرة أنَّه يجب أن يكون على متن الطائرة عند الإقلاع، وهناك حدود لأنَّ المسافر يجب أن يصل في الوقت المحدد للمغادرة.

إشارات تدلُّ على أنَّك تجاوزت الحدود:

  • اسأل نفسك: "هل ما أفعله مستدام؟" إذا واصلت العمل بالطريقة المتبعة اليوم، فهل ستكون قادراً على الحفاظ على هذه الوتيرة إلى أجل غير مسمَّى؟
  • توقفت عن فعل شيء هام بالنسبة إليك لأنَّه لم يكن لديك الوقت لفعله.
  • لم تعد تمارس الرياضة.
  • أنت لا تنام جيداً لفترة طويلة من الوقت.

3. تنفيذ العادات الصحية للتأكد من أنَّك على المسار الصحيح:

عاداتك تحمي حدودك، فالانضباط الذاتي هو خيار تقوم به، ولكن تعززه قوة العادات الصحية.

يقترح مقال في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review) "أنَّ هذا ليس إصلاحاً لمرة واحدة؛ بل هو دورة يجب أن نشارك فيها باستمرار مع تطوُّر ظروفنا وأولوياتنا".

سيسمح لك الإطار الصحيح بمواجهة التغييرات، فالحياة ليست ثابتة، فهي تتغير باستمرار؛ وهذا يعني أنَّ التوازن بين العمل والحياة الشخصية هو هدف متحرك.

إقرأ أيضاً: تخلص من التوازن بين العمل والحياة وتبن فكرة الانسجام بينهما

أمثلة عن عادات التوازن في المنزل والعمل:

  • تطوير عادات الصباح.
  • الالتزام بالتوقف عن العمل في وقت محدد.
  • تحديد موعدٍ منتظمٍ في تقويمك للحصول على الرعاية الذاتية.
  • أعد النظر في تقويمك ليوم الغد.
  • وخطِّط للوقت الذي ستتوقف فيه عن العمل خلال اليوم.
  • واختر نشاطاً مرتبطاً بحياتك خارج العمل.
  • وحدد ذلك الوقت في تقويمك.

نصائح للبدء:

إنَّها خطوة سهلة، ويمكنك تنفيذها على الفور، وستساعدك الاختيارات اليومية الصغيرة التي تصبح عادات صحية على تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة