كيف تحقق الأم العاملة التوازن بين العمل وتربية الأطفال؟

إنَّ المرأة هي ضلع أساسي في المجتمع إلى جانب الرجل، فلا يقتصر دورها على الاهتمام بشؤون المنزل؛ إنَّما عُرفت المرأة على مر العصور بوصفها أماً وعاملةً ومنتجةً وحرفيةً بكفاءة عالية، وساهمت في تنمية المجتمع الذي توجد فيه في مختلف المجالات؛ إذ عملت بالزراعة والتجارة والصناعة على الرغم من العديد من العوائق الاجتماعية التي وقفت في طريقها، وهنا علينا السؤال كيف استطاعت المرأة تحقيق التوازن بين عملها خارج المنزل وبين تربية أطفالها والاهتمام بشؤون المنزل؟



على الرغم من اعتقاد الكثيرين أنَّ عمل المرأة خارج المنزل يعود بآثار سلبية على تربية الطفل وتكوين شخصيته وخاصةً في السنوات الأولى من حياته، إلا أنَّ العديد من الأبحاث الحديثة أكدت أنَّ المرأة العاملة هي الأكثر سعادة من ضمن الأمهات؛ وذلك لأنَّ تحقيقها للإنجازات في عملها يتسبب في شعورها بالرضى النفسي، ويعود ذلك بآثار إيجابية على أطفالها ويجعلها أماً ناجحة.

طبعاً لا يحدث ذلك إلا إن استطاعت القيام بكافة واجباتها بصفتها عاملةً أو أماً، وتحقيق هذا التوازن بين العمل وتربية الأطفال يحتاج إلى تخطيط وتنظيم، وهذا ما سنقوم بشرحه في مقالنا الحالي.

كيف تحقق الأم العاملة التوازن بين العمل وتربية الأطفال؟

تُعطى الأم بعد الولادة استراحة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وقد تختلف بحسب طبيعة العمل الذي تقوم به، وبعد انتهاء هذه المدة من المفترض أن تعود الأم لتمارس حياتها العملية السابقة، وهنا تبدأ المهمة الأصعب وهي كيفية تحقيق التوازن بين تربية طفلها وبين عملها.

تستمر هذه المهمة لسنوات طويلة؛ وذلك لأنَّ تربية الأطفال والاهتمام بشؤونهم مهمة تسعى الأم دائماً إلى إنجازها طوال حياتها حتى بعد أن يكبروا أطفالها إلى أن يصبحوا شباباً ويخرجوا من المنزل ليصبح لكل منهم حياة مستقلة؛ لذلك سوف نشرح لك بعض النقاط الهامة التي تساعد الأم على تحقيق التوازن بين العمل وتربية الأطفال:

1. التخلص من الشعور بالذنب:

لا يمكن أن تحقق الأم النجاح في عملها إن كانت تشعر بالذنب تجاه أطفالها، فقد تعتقد أنَّها تركتهم أو فضَّلت عملها عليهم، لكنَّ هذا التفكير خاطئ تماماً، فمعظم الأمهات استطعن النجاح في تربية أطفالهن وفي أعمالهن أيضاً؛ بل حققن إنجازات هامة ما استطاعت غيرهن تحقيقها، فتذكري دائماً أنَّ إنجاب الأطفال وتربيتهم ليس سبباً لإيقاف حياتك العملية أو فشلها؛ إنَّما أنت المسؤولة عن ذلك.

إقرأ أيضاً: كيف تُحرّر نفسك من سجن الشعور بالذنب؟

2. الحصول على المساعدة:

لا يمكن للأم العاملة أن تترك أطفالها في المنزل وتذهب إلى عملها؛ لذلك يجب الاستعانة بشخص آخر، وهناك العديد من الاحتمالات أمام الأم العاملة؛ إذ يمكنها الاستعانة بالأب إن كانت طبيعة عمله تسمح بذلك، فيمكن أن يعتني بالأطفال عند وجود الأم في العمل، أو يمكن الاستعانة بأحد الأقارب مثل أم الزوجة أو أم الزوج أو الأخت أو غير ذلك، أو يمكن الاستعانة بمربية مختصة بالاعتناء بالأطفال، ومن ثمَّ تستطيع الأم ترك أطفالها مطمئنة.

في حال لم تتوفر أمامها أي من الاحتمالات السابقة، عندها يجب اللجوء إلى دور الحضانة المختصة، وهنا يجب أن ننوه إلى وجود دور للحضانة مختصة باستقبال الأطفال الرضع حتى عمر الخامسة؛ إذ تضم كوادر مدربين على الاهتمام بالطفل بمختلف الأعمار، لكن قبل اختيار الحضانة وكي لا تتسببي بإلحاق الضرر بطفلكِ نتيجة عملكِ عليكِ القيام بما يأتي:

  • السؤال جيداً: فمن الضروري أن تقوم الأم بسؤال الجميع من أصدقاء أو أقارب أو زملاء عمل أو حتى صفحات الإنترنت عن أفضل الخيارات الموجودة في منطقتها.
  • زيارة الحضانة شخصياً: بهدف التأكد من تحقيقها للشروط والتحدث إلى العاملين فيها لتكوين فكرة واسعة عن الخدمات التي يتم تقديمها.
  • التحدث إلى أصحاب التجربة: ممن وضعوا أبناءهم في هذه الحضانة، للتأكد من صحة المعلومات التي حصلت عليها الأم من إدارة الحضانة، فقد تكون المعلومات لا تمت للواقع بصلة، وهذا ما قد يتسبب بحصول مشكلات يصعب حلها لاحقاً.

حتى بعد وضع الطفل في حضانة يجب زيارة الحضانة زيارات مفاجئة دون التنظيم مع الإدارة، وإن كانت الحضانة ترفض ذلك يُعَدُّ حينها الأمر مثيراً للشكوك ولا يجب وضع الطفل بها.

3. تنظيم الوقت والمهام:

إنَّ التنظيم هو سر النجاح دائماً في الحياة عامةً وفي تحقيق التوازن بين العمل وتربية الأطفال خاصةً، ففي حياة الأم العاملة العديد من المهام، منها مهام كبيرة يمكن توزيعها على أيام الأسبوع وإنجازها على مراحل عدة، ومهام يومية لا مفرَّ منها مثل تجهيز الأطفال للذهاب إلى المدرسة أو إعداد وجبة الفطور لهم أو إعداد الغداء أو ترتيب المنزل.

يمكن أن تقوم الأم بإنجاز المهام الكبيرة في العطلة الأسبوعية، مثل القيام بتنظيف المنزل كغسل الأرضيات أو النوافذ أو الستائر؛ وذلك لأنَّ هذه الأعمال تحتاج إلى ساعات عدة، أما خلال الأسبوع، فيمكن الاكتفاء بترتيب المنزل وتنظيفه من الغبار بالاستعانة بالأدوات الكهربائية مثل المكنسة الكهربائية التي تختصر الكثير من الوقت وتوفر الجهد أيضاً.

يمكن أيضاً القيام بالتجهيز للعديد من الأطباق ثم وضعها في الثلاجة وتجميدها كي يكون تحضير الطعام أسهل وأسرع خلال أيام الأسبوع، ولا مانع من الاستعانة بأشخاص مختصين بتنظيف المنزل أو إعداد الطعام لمساعدتها إن سمحت الحالة المادية بذلك.

حتى في حال كانت الأم لا تفضل إقامة أشخاص غرباء في المنزل، يمكن الاستعانة بأشخاص بدوام جزئي فقط لساعات عدة خلال النهار؛ لأنَّ كل ذلك يساعد على منح الأم لأطفالها المزيد من الوقت يومياً فهم أحق به.

وإن كانت الأم غير قادرة على تحديد أولويات كل يوم يمكن الاستعانة بدفتر، فتقوم بتخصيص ساعة في نهاية الأسبوع تجلس بها وتقوم بتدوين كافة الأعمال التي يجب إنجازها في الأسبوع القادم مع تحديد اليوم والوقت لكل منها.

4. تخصيص وقت يومياً للجلوس مع الطفل:

يجب أن يكون هذا الوقت مقدساً بالنسبة إلى الأم ولا يجب أبداً الاستهانة بأهميته؛ وذلك لأنَّ الطفل يحتاج إلى وجود أمه إلى جانبه، ولا يقتصر وجودها على تحضير الطعام له أو تنظيف ملابسه أو إحضار الهدايا؛ إنَّما يجب أن تجلس معه يومياً.

يمكن ذلك بعد العودة من العمل وتناول الغداء والانتهاء من ترتيب المنزل لمدة لا تقل عن ساعتين تقوم فيها الأم بالتحدث إليه ومناقشته فيما يدور في ذهنه من أفكار، وسؤاله عما يحدث معه في الحضانة أو المدرسة، ومشاركته اللعب بألعابه المفضلة، أو الدراسة وإنجاز الوظائف، أو حتى القيام بإعداد طبق من الحلويات يحبه الطفل ومشاركته بذلك، فمن الضروري أن يكبر الطفل ضمن جو من الحب والاهتمام.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لرفع معنويات كل امرأة

5. القيام بنشاطات عائلية دائماً:

يمكن التخطيط للقيام بنشاط عائلي جماعي مرة خلال الأسبوع؛ وذلك بحسب طبيعة عمل الأم والأب، فمن الضروري أن تكون العائلة مجتمعة إلى جانب الطفل؛ إذ يمكن مثلاً الخروج في نزهة أو الذهاب إلى البحر أو إلى مدينة الألعاب أو حتى مشاهدة فيلم عائلي معاً عند المساء، فمهما كان عمل الأم صعباً أو الأب يمكن تخصيص ساعات عدة أسبوعياً كي تجتمع العائلة معاً.

6. جعل فترة الصباح مميزة:

هذا الأمر قد يضطر الأم العاملة إلى الاستيقاظ باكراً قبل باقي الأسرة؛ وذلك كي تقوم بإعداد فطور بسيط لأطفالها ثم تقوم بإيقاظهم ومساعدتهم على تجهيز أنفسهم وتجهيز حقائب المدرسة أو الحضانة أو حتى توصيلهم إن أمكن ذلك، فهذه التفاصيل ليست بسيطة في نظر الطفل وإهمالها يتسبب بجرح لمشاعره، وقد يترك عنده مشكلات نفسية تستمر معه طيلة حياته؛ وذلك لأنَّ الإهمال سبب لضياع الكثيرين.

7. تجنب إضاعة الوقت في المنزل:

يجد الكثيرين صعوبة في الفصل بين العمل والمنزل، فنجد الأم تقوم بتفقد بريدها الإلكتروني باستمرار، أو تقوم بإجراء اتصالات هاتفية لحل أمور تتعلق بالعمل، أو قد تضيع وقتها في مشاهدة التلفاز مثلاً؛ لذلك عليكِ التركيز على إنهاء كافة مهامك خلال العمل ليكون تفكيرك ضمن المنزل متعلقاً بالعائلة فقط؛ لأنَّ هذا الوقت من حق أطفالك.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعد المرأة العاملة على إدارة وقتها بفعالية

8. الحصول على ظروف عمل مناسبة:

يجب أن تكون ظروف العمل مراعية لوضعك بصفتك أماً، مثل ساعات الانصراف، فمن الضروري عدم العمل لساعات إضافية؛ لأنَّ ذلك يتسبب بتخريب برنامجك اليومي الذي قمتي بتحديده سابقاً، بالإضافة إلى أهمية معرفة نظام الإجازات في الشركة؛ إذ يجب التأكد من إمكانية الحصول على إجازة مدفوعة الأجر وإمكانية تمديدها بوصفها إجازة غير مدفوعة إن تطلَّب الأمر ذلك.

9. البقاء على تواصل مع الطفل خلال النهار:

يمكن إجراء مكالمة هاتفية خلال وجود الأم في عملها تطمئن بها على أطفالها أو تتحدث إليهم إن أمكن ذلك، وحتى خلال وجود الطفل في الحضانة يمكن التواصل مع المعلمة والتحدث إلى الطفل.

10. الاهتمام بالنفس:

قد يجد بعض الناس أنَّ الاهتمام بالنفس ليس له علاقة بتربية الأطفال، وكي تكوني أماً ناجحة وعاملة في وقت واحد يجب أن تكوني قوية ومتماسكة وبعيدة قدر الإمكان عن التوتر؛ وذلك لأنَّ توتر الأم سوف ينتقل لأبنائها فيتسبب بخلل في العلاقة بينهما، وقد يتسبب بتقصير الأم في إنجاز واجباتها المنزلية.

لذلك من الضروري تخصيص القليل من الوقت للاهتمام بالنفس، مثل ممارسة الرياضة لمدة ساعة يومياً أو حتى نصف ساعة، أو يمكن التخطيط للجلوس مع الصديقات والأصدقاء مرة أسبوعياً، أو تخصيص نصف ساعة يومياً للقراءة، أو حتى زيارة صالون التجميل بين الحين والآخر، فكل ما ذكرناه يساعد على استعادة الطاقة للقيام بكافة المهام المطلوبة على أكمل وجه، ويضمن عدم تسرُّب الروتين أو الملل إلى الحياة سواء العملية أم العائلية.

في الختام:

الأم العاملة هي المرأة كثيرة المشاغل والمسؤوليات التي قد تجعلها ضمن ضغط كبير في كثير من الأحيان؛ وذلك لأنَّ المرأة بطبعها تسعى إلى الكمال؛ إذ تحاول أن تكون مميزة في عملها وزوجة رائعة وأماً ناجحة، وأكثر ما ترغب فيه في الحياة هو رؤية أطفالها أشخاصاً مميزين وناجحين في حياتهم، لكن كل ذلك يتطلب منها الجهد والوقت.

لذلك لا يجب أن تستسلمي؛ إنَّما يجب أن تكوني على ثقة تامة أنَّك تستطيعين النجاح في كل ما سبق من خلال تنظيم الوقت والأعمال وإيجاد الوقت للقيام بنشاطات ترفيهية مع أفراد الأسرة، كما أنَّ الأهم من ذلك هو إيجاد وقت يومياً للجلوس مع الطفل والتقرُّب منه، ومن الضروري ألا تنسى الأم أنَّ الاهتمام بنفسها ضروري جداً لتبقى طاقتها عالية وثقتها بنفسها عالية أيضاً لتكون الأم التي يستحقها كل طفل في هذا العالم.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة