كيف تحقق أهدافاً كبيرة في وقت محدود؟

إذا عَرَضْتُ عليك واحداً من شيئين؛ الحصول على 100 دولار اليوم، أو 120 دولار بعد أسبوع من الآن، فأيهما ستختار؟ على الأغلب، ستختار كمعظم الناس الحصول على 100 دولار الآن؛ إذ وجدت دراسة تقليدية أنَّه عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار، فإنَّ معظمنا يختار المكاسب الفورية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المحامي ورائد الأعمال "جاي هارينغتون" (Jay Harrington)، والذي يقدم فيه نصائح لتحقيق أهداف كبيرة في وقت محدود.

تغدو هذه الحقيقة وما ينتج عنها بالغة الأهمية عند الحديث عن النجاح؛ وذلك لأنَّك إذا أردت تحقيق النجاح، فيجب أن تكون قادراً على الموازنة بين المكاسب قصيرة الأمد والمكاسب طويلة الأمد، كما يجب أن تكون قادراً على تحديد أولوياتك وكيف تستثمر وقتك بالأمور التي تهمك.

وكمثال يستوعبه معظم الناس، فإنَّ الاستثمار طويل الأمد له فوائد كثيرة، ومنها الحصول على الأرباح المركَّبة كما فعل رجل الأعمال "وارن بافيت" (Warren Buffett).

من الممكن بناء ثروة حتى لو كان لديك استثمارك الذي يتطور تدريجياً، ففي معظم الحالات يكون الشيء المنطقي الذي يجب فعله هو تبنِّي نهج بطيء وثابت في الاستثمار.

بالطبع لا يوجد أحد عقلاني تماماً؛ وهذا هو السبب في أنَّ الكثيرين منا يتخذون قرارات دون المستوى المثالي سواءً كانت هذه القرارات صغيرة أم كبيرة.

نتأثر جميعنا في الانحياز المعرفي الذي يُضلنا ويجعلنا ننحاز إلى قرارات دون قرارات أخرى، وعلى الرغم من أنَّنا جميعاً نفضِّل المكافآت الكبيرة على المكافآت الصغيرة، إلَّا أنَّنا في الوقت نفسه نميل إلى الحصول على المكافآت الفورية أكثر من المكافآت المستقبلية، وحتى عندما تكون المكافآت المستقبلية أكبر بكثير من المكافآت الحالية.

يُسمى هذا المفهوم في علم الاقتصاد بالخصم الزائد؛ وباختصار، كلَّما كانت المكافأة بعيدة في المستقبل، انخفض الدافع المباشر للحصول عليها، ونظراً لأنَّه من الصعب الحفاظ على التركيز على الأمد الطويل، فإنَّ الأهداف والتغييرات التي تستغرق فترات طويلة لتحقيقها تبقى بعيدة المنال.

الإجراءات اليومية تقودك إلى تحقيق الهدف الكبير:

إنَّ تفضيل المكاسب قصيرة الأمد على المكاسب طويلة الأمد ليس السبب الوحيد الذي يجعل الكثيرين منا يواجهون الصعوبات في تحقيق الأهداف.

تُثقل الواجبات أيضاً كاهلنا، بدءاً بواجبات العمل إلى الواجبات الأسرية وحتى الضغوط الاجتماعية التي تخفِّض إلى حد كبير من تركيزنا في أولوياتنا الحالية، ولكن ليس الوضع كذلك بالنسبة إلى الأهداف طويلة الأمد.

غالباً ما يكون تفكيرنا وتقاويمنا مليئة بالمهام والالتزامات، ونجد أنفسنا في وضع نولي فيه الاهتمام لأولويات الآخرين بدلاً من أولوياتنا، سواءً كان الأمر يتعلق بتعلُّم مهارة جديدة أم بدء عمل تجاري أم قراءة المزيد من الكتب أم مجرد ممارسة هواية جديدة.

فإنَّنا نستمر بالتأجيل معتقدين بأنَّه سيكون هناك المزيد من الوقت لاحقاً، ولكن في الحقيقة فإنَّك لن تمتلك المزيد من الوقت مستقبلاً، والظروف المؤقتة تصبح دائمة لأنَّك حالما تلجأ إلى توسيع إمكاناتك لتستوعب متطلباتك الكثيرة سيصبح من الصعب إيجاد مساحة ووقت للتركيز فيما يهم حقاً على الأمد الطويل، ولن تعود الأمور إلى ما كانت عليه أبداً، فالأمور التي كانت عادية في وقت ما لم تعد كذلك، إلَّا إذا استعدت السيطرة على الوضع.

تكمن جذور هذه المشكلة في حقيقة أنَّه في حين أنَّ معظم الناس لديهم أهداف على الأمد الطويل، إلَّا أنَّهم لا يسعون إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال أعمالهم اليومية.

إنَّ الرغبة في شيء ما في المستقبل لا تكفي لوحدها وتحتاج إلى وضع خطة، والأهم من ذلك العمل عليها، فالهدف دون عمل هو مجرد حلم، وصحيح أنَّ الأهداف تحدد وجهتك إلَّا أنَّ العمل يحدد مدى التقدم الذي تحرزه.

لقد سررتُ جداً عندما رأيتُ زوجتي تضع هذا المبدأ موضع التنفيذ، فقد أمضت زوجتي وشريكتي في العمل والسبب الرئيس في تأسيسنا لوكالةِ الألبسة "لايف آند ويم" (life and Whim) هو شهور من العمل والتخطيط الاستراتيجي الذي تتوَّج في النهاية بإطلاق مهرجان "فيري فيست-بيليف" في عام 2019 (Fairy Fest 2019-Believe)، وهو الحدث الذي ضم آلاف الأشخاص من مجتمعنا.

وكأم لثلاث فتيات صغار وشريكة في وكالتنا التسويقية ومصممة لجميع ملابس وإكسسوارات "لايف آند ويم" بما في ذلك تشكيلة الصيف لعام 2019، فإنَّ زوجتي لم يكن لديها الوقت الكافي لإقامة حدث كبير مثل مهرجان "فيري فيست"، إلَّا أنَّها استطاعت القيام بذلك؛ إذ استطاعت فعل ذلك من خلال وضع رؤية واضحة لتحقيق هدفها، ثم حددت وقتاً للعمل على تحقيقه، وكانت تعلم أنَّه من المتعذر إيجاد الوقت؛ وذلك لأنَّنا جميعاً نملك عدد الساعات نفسها خلال اليوم والأسبوع والشهر؛ لذلك أجرت نوعاً من المفاضلة بين الأولويات وكرست وقتاً للعمل على هدفها.

كما تستطيع أنت أيضاً تحقيق أهدافك مهما كانت كبيرة أو تعبِّر عن طموح كبير، ولكنَّ هذا لن يحدث عن طريق المصادفة؛ لأنَّ تحقيق الأهداف الكبيرة يبدأ بامتلاك رؤية واضحة لما تريده حقاً.

كيف تحوِّل الحلم إلى حقيقة؟

لتجعل عملية تحديد الأهداف أكثر فاعلية، إليك بعض المبادئ التي يجب أخذها في الحسبان:

1. تحديد الهدف بوضوح:

لكي تكون عملية تحديد الهدف ذات فائدة، فيجب أن تضع أهدافاً مُحددة، وعلى سبيل المثال قول: "أريد البدء بمشروع تجاري" فقط، يبدو أقرب إلى هدف عام لأنَّ العبارة فضفاضة؛ لذلك يفضَّل أن تقول بدلاً من ذلك: "سأبدأ بمشروعي في غضون 12 شهراً".

إقرأ أيضاً: أهمية وضوح الهدف وطرق الوصول إليه

2. عدم تحديد الكثير من الأهداف:

عندما يكون لديك هدف واحد واضح، فإنَّك تعرف تماماً إلى أين تتجه؛ إذ إنَّك تستطيع توجيه جهودك نحو تحقيق نتيجة محددة، أمَّا إذا وضعت الكثير من الأهداف، فإنَّك ستجد نفسك تدور في حلقات مفرغة، أو أنَّك لن تبدأ بشيء محدد من الأساس.

3. استيعاب الأجزاء المكوِّنة للهدف:

هدفك المستقبلي الكبير ليس إلَّا مجموعة من الأهداف الآنية الصغيرة، ومن خلال وضع هذه المبادئ في الحسبان، فإنَّك ستكون قادراً على تحقيق أكثر مما كنت تعتقد على الأمد الطويل؛ وذلك من خلال عملية تُسمى التحديد التحليلي للأهداف.

وهي مثل جميع ممارسات تحديد الأهداف، تبدأ بتصور هدف أو طموح كبير، ولكنَّها تفرض عليك العمل على الخطوات التي تسبق تحقيق هدفك؛ من أجل أن تحدد هذه الخطوات وتُعرِّفها تمهيداً إلى الوصول إلى هدفك.

لنفترض أنَّك تطمح إلى أن يكون لديك عمل ناجح ومزدهر خلال خمس سنوات؛ من خلال عملية التحديد التحليلي للأهداف، فإنَّك يجب أن تأخذ الوقت الكافي أولاً لفهم ما يتطلبه الأمر لتحقيق نشاط تجاري ناجح.

وفي معظم الحالات يتطلب هذا الهدف وجود سلعة أو خدمة ترضي فئة معينة من العملاء، ومن خلال وضع هذا التعريف التفصيلي في الحسبان، يصبح الأمر متعلقاً بتحليل هذا الهدف إلى مجموعة من خطوات العمل المحددة ضمن حدود الوقت المخصص لذلك.

وفي هذا المثال، ستكون لديك خمس سنوات للعمل على هذا الهدف؛ وهذا يعني أنَّك حتى تكون على المسار الصحيح نحو تحقيق هدفك خلال السنوات الخمس، فينبغي إحراز تقدم نحو هدف جزئي خلال عام واحد.

ولكي تصل إلى هذا الهدف الجزئي، سيكون عليك اتخاذ إجراء خلال هذا الشهر، ولكنَّ الشهر يمر بشكل سريع؛ لذلك يُفضَّل أن تكون لديك خطة جاهزة منذ الأسبوع الأول، ولكن إذا كنت تنوي إحراز تقدم خلال هذا الأسبوع، فينبغي عليك التركيز في أولوياتك على الأمد الطويل منذ اليوم.

بهذه الطريقة تعمل آلية التحديد التحليلي للأهداف، فهي تساعدك على تحقيق نتائج مذهلة في المستقبل، لكنَّ القيام بذلك في الواقع يتوقف على اتخاذ إجراءات يومية؛ لذلك يجب ألَّا تماطل أو تكتفي بمجرد التخطيط ووضع أهداف غير محددة للمستقبل؛ بل ابدأ العمل من الآن لتحقيق ما تطمح إليه.

لتحقيق ذلك، اتبع هذه النصائح:

1. عرِّف هدفك:

فكر بوضوح فيما ترغب في تحقيقه واكتبه؛ إذ سيسمح لك هذا باستيعاب ما يتطلبه تحقيق الهدف، ولا تركِّز في النتيجة، مثل امتلاك مشروع تجاري ناجح؛ بل ركِّز في المهارات والصفات التي يتطلبها تحقيق الهدف، وسيتعيَّن عليك القيام بالمفاضلة كثيراً بين أولويات عدَّة، ومن الضروري أن تفهم هذا منذ البداية.

شاهد بالفيديو: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟

2. حلِّل الهدف إلى مجموعة من الإجراءات اليومية:

اعمل بآلية عكسية لفهم الأجزاء المكوِّنة لهدفك الكبير، وحدد سلسلة من الأهداف الأصغر التي تجعلك تعمل في مسار ثابت خلال الوقت المتاح لديك، ويجب عليك تحليل هدفك الكبير؛ إذ تصل إلى فهم واضح للإجراء الذي يتعيَّن عليك اتخاذه اليوم لتحقيق الهدف؛ وبذلك تضمن بقاءك على المسار الصحيح.

3. خصِّص وقتاً لتحقيق الهدف:

ستعاني من ضغط جميع العوامل الخارجية، بدءاً بمتطلبات العمل المُلحَّة إلى القضايا الشخصية، وكل هذه الأمور ستجعلك تشعر بصعوبة إحراز التقدم نحو أهدافك.

قد تجد أنَّ تقويمك ممتلئ بأولويات ليست أولوياتك؛ بل أولويات أشخاص آخرين هو أحد أكبر العوائق أمام إحراز التقدم.

لكن قد يكون ذلك لمصلحتك إذا ما تعلمتَ كيف تجد المساحة والوقت لنفسك، حتى لو كان ذلك لمدة 15 أو 30 دقيقة في اليوم، فإنَّ ذلك كفيل بجعلك تتابع على المسار الصحيح.

باختصار، خصِّص وقتاً للعمل على أهدافك كل يوم إذا أردت تحقيق هذه الأهداف، فمستقبلك المثالي يعتمد على ما تفعله اليوم، ولن تكون الظروف أفضل غداً؛ لذلك امتلك الإرادة وابدأ من اليوم، وسيدهشك ما يمكنك تحقيقه إذا التزمتَ بتحقيق تحسُّن تدريجي كل يوم.

المصدر




مقالات مرتبطة