كيف تحدد مشروع حياتك وتسعى إلى تحقيقه؟

قد يكون الموضوع وجودياً، لكنَّني أشعر بقليل من الإحباط، فقد شهدت شروق الشمس في الدار البيضاء، وسأرى غروب الشمس في سان فرانسيسكو في الوقت الذي سأنتهي فيه من كتابة هذا المقال؛ أي في اليوم نفسه؛ وذلك كلُّه بفضل رحلات الطيران والمناطق الزمنية المختلفة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب إيڤان تارفر (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية معرفة مشروع حياتك وتحقيقه.

أعلم أنَّكم تتساءلون كيف لي أن أشعر بالاكتئاب بعد أن زرت قارة إفريقيا للتو؟

أولاً، سيشير غروب الشمس الليلة إلى نهاية رحلة لمِّ الشمل مع بعض أصدقائي، وأفراد عائلتي المفضلين، فعندما يكون لديك أصدقاء، وعائلة فريدة مثل الذين أحظى بهم؛ فإنَّ تركهم سيكون أمراً قاسياً.

أمَّا ثانياً، فقد أدركت شيئاً ما في رحلتي، وهو أمر يرتبط ارتباطاً مباشراً بالموضوع الحالي المتعلق بالقلق الوجودي، وهو أنَّه ليس لحياتي وجهة محدَّدة، بالتأكيد دائماً ما عرفت في أعماقي أنَّني أريد أن أُحدث تأثيراً في العالم، وأنَّني أريد ترك إرث إيجابي، ولكنَّني أدركت أنَّني لا أعرف حتى ما يعنيه التأثير والإرث؛ وبذلك اكتشفت جذور قلقي الوجودي، وسبب اكتئابي المنخفض المستوى، والذي من الممكن أن يكون سبب مشكلتك أيضاً.

من الصعب جداً تحقيق هدف أو تحقيق مشروع حياتك عندما لا تستطيع حتى تحديد ماهيتها لنفسك، فما هي أهدافك طويلة الأمد؟ والأهم من ذلك ما هو مشروع حياتك؟ ما هو الإرث الذي ستتركه بعد موتك؟

بالنسبة إلي، لطالما اعتقدت أنَّ مشروع حياتي إحداث تأثير على المستوى المجتمعي، وترك إرث لأجيال متعددة، ويبدو هذا رائعاً، لكنَّه سبب غير كافٍ للاستمرار؛ فهذه الكلمات الطنانة لا توفر اتجاهاً ملموساً للتحرك نحوه أو أداة قياس كمية للنجاح الشخصي.

إذا كان إحداث تأثير، وترك إرث يعني أنَّ حياتي ستكون ذات أهمية، لكنَّني لست قادراً حتى على تحديد ما تعنيه هذه الكلمات، فكيف سأشعر أنَّني أحقق تقدماً أو أتجه نحو أيِّ شيء على الإطلاق؟ ولا أعتقد أنَّني وحدي في هذا الموقف؛ لذلك، إن فكَّرنا في عدم قدرتنا على تحديد أهدافنا النهائية حقاً، سيكون من السهل جداً معرفة سبب خضوعنا للحالة البشرية، ولماذا نقع ضحية للقلق الوجودي.

لذلك أدركت أنَّني كنت بحاجة إلى تحديد أهدافي النهائية، ومعرفة ماذا سيكون مشروع حياتي من أجل التخلص من اكتئابي الوجودي، وأعتقد أنَّكم يجب عليكم أن تفعلوا نفس الشيء.

لكن يبدو الأمر مخيفاً، أليس كذلك؟ فمن الممكن أن يكون تحديد الغاية من حياتنا عملية تستمر مدى الحياة، ولن يكون الأمر ممتعاً للغاية أن نستمر بالشعور بالاكتئاب والغضب حتى سن السبعين أو حتى لعمر أكبر.

لكن، ولحسن حظنا إنَّ أهدافنا النهائية، وأداة قياس نجاحنا لا تحتاج إلى أن تكون أمراً معرَّفاً بدقة؛ بل كلُّ ما تحتاجه هو فقط إطار عمل يُستخدم لاتخاذ القرارات، فإذا كان إطار العمل الخاص بك قوياً بما يكفي، ومبنياً بطريقة راسخة على قيمك ومبادئك الأساسية، فسوف يدفعك نحو الأهداف والنتائج والمعنى الذي تسعى إليه.

بدلاً من تحديد هدف لحياتك، حدِّد إطاراً:

على سبيل المثال: لا توجد طريقة يمكن بها في هذه المرحلة من حياتي معرفة ما سيكون عليه مشروع حياتي بالتحديد، في الواقع قد لا يجد معظمنا الغاية من حياته إلا بعد فترة أو مرحلة متأخرة من الحياة، لكن لا تقلقوا؛ فتوجد طريقة قادرة على منحكم معنى لحياتكم في الوقت الحالي، وتدفعكم في نفس الوقت نحو اكتشاف هدفكم النهائي.

مرة أخرى كانت الرغبة الدائمة بالنسبة إلي أن أُحدث تأثيراً هائلاً، وأترك إرثاً دائماً، فهذه أشياء يجب أن نطمح إليها، لكن عليَّ أن أشير إلى أنَّه إذا كانت طموحاتك تتعلق بأن يكون لديك عائلة محبة أو أن تحصل على مكافأة مالية، فهذا عظيم أيضاً؛ إذ إنَّ لكلِّ شخص القرار بكيفية عيش حياته؛ لذلك بدأت أفكر في معنى "التأثير الهائل" و"الإرث الدائم" بالنسبة إلي، لقد كنت بحاجة إلى معرفة معانيهم حتى أتمكن من البدء في البحث عن كيفية تحقيقهم. هذا ما توصلت إليه:

إقرأ أيضاً: ما هو الطموح؟ وكيف تحقق طموحاتك؟

1. التأثير:

  • ما يتذكرك الناس به.
  • المساهمة المباشرة في تقدُّم الجنس البشري وبقائه.
  • زيادة المعرفة وتحقيق الوعي البشري.

2. الإرث:

  • كيف تُذكر.
  • ترك أثرٍ لأجيال متعددة.
  • تراكم الخبرات الإيجابية مع الأشخاص الذين تدخلهم في حياتك.

يكمن إحداث تأثير واسع النطاق بالنسبة إلي بالمساهمة المباشرة في تقدُّم الإنسانية، وأنا أعِّرف نفسي بأنَّني مهووس في علوم الفضاء، وإذا لم نتوصل إلى كيفية مغادرة نظامنا الشمسي أو مجرتنا أو حتى كوننا، فسوف ينقرض الجنس البشري.

صحيح أنَّ هذا لن يحدث بملايين بل بمليارات السنين، وربما سنتسبب في انقراض ذاتي لجنسنا قبل أن يحدث ذلك، لكن لا يوجد من يستطيع إنكار أنَّ شمسنا ستنهار يوماً ما، وأنَّ الكون سيتوسع كثيراً إلى أن يصبح من الصعب إيجاده.

عندما ألقي نظرة على لعبة كاندي كراش (Candy Crush)، والقوارب السريعة لا يسعني إلا أن أسأل، لماذا؟ كيف يمكن لهذا أن يُحدث تأثيراً؟ كيف قد يُغير هذا وجودنا؟ حسناً، إنَّ هذه اللعبة لا تفعل هذا، فلإحداث تأثير هائل ستحتاج إمَّا إلى المساهمة في اختراعٍ أو حدثٍ يؤدِّي تأدية مباشرة أو غير مباشرة إلى زيادة طول عمر الإنسان أو إلهام شخص أن يفعل ذلك.

عندما أتحدث عن الإرث، فإنَّني أقصد النوع الدائم؛ إذ تتغلغل هذه الأفكار والآراء في أجيال متعددة، وبالمقابل إن كنت قادراً على إحداث تأثير هائل، فإنَّك تعتني بإرثك بطريقة أو بأخرى؛ لذا في أثناء قيامك بتكريس هذا التأثير تأكَّد من أنَّك تترك إرثاً إيجابياً مع الأفراد الموجودين في حياتك أيضاً؛ فالإرث الدائم هو أن تترك تأثيراً إيجابياً على المستويين المجتمعي والشخصي.

أعلم أنَّ الأمر قد يبدو كأنَّني أظنُّ نفسي أفضل من الآخرين، لكن ثقوا أنَّني أريد قارباً سريعاً بالقدر الذي أريد فيه أن أُحدث تأثيراً؛ ما أقوله فقط هو أنَّني أحتاج إلى العمل من أجل إحداث تأثير، وترك الإرث لإخماد قلقي الوجودي، وأريد أن أحقق كلَّ ذلك في أثناء جنيي للأموال وعيشي حياة رائعة طبعاً.

إنَّ رغبتك في مساعدة العالم فقط لا تعني أنَّ عليك أن تصنع السلام في العالم، فلا بأس في الرغبة في الحصول على ممتلكات مادية أيضاً، والتي أعلم أنَّنا جميعاً نريدها.

بصرف النظر عن كلِّ ذلك، فقد منحني هذان التعريفان الإطار الذي أستطيع بواسطته اتخاذ الإجراءات اللازمة؛ لذا ينبغي لي أن أسأل نفسي بسهولة عند المُضي قُدماً في أيِّ قرار هام: هل سيساعدني هذا على إحداث تأثير هائل، ويساعدني على ترك إرث دائم، بناءً على التعريفات أعلاه؟ إذا كان الجواب "نعم"، اذهب وافعل الأمر، أمَّا في حال كانت الإجابة "لا"؛ فهذا يعني أنَّه عليك مواصلة البحث الآن.

لكن على الرَّغم من أنَّني لا أعرف بالضبط ماذا سيكون مشروع حياتي، لكن لدي الآن إطار عمل لاتخاذ القرار الذي سيساعدني على التحرك في اتجاه هذا المشروع؛ الأمر الذي سيمنح حياتي مغزى ومعنى؛ وذلك لأنَّني أعلم أنَّني سأستمر في المحاولة، وسيكون لدي تجارب جديدة؛ فسوف أجد ما أحتاجه بالضبط.

في الواقع، أعلم أنَّني باستخدام إطار العمل هذا، سأقوم ببناء المهارات المناسبة مع كلِّ إجراء أقوم به أو قرار أتخذه، فعندما أجد ندائي الباطني سيكون لديَّ الأدوات اللازمة للنجاح، وأعتقد أنَّ حتى إيلون ماسك (Elon Musk) لم يكن ليُنشئ شركة سبيس إكس (SpaceX) لو لم يكن جاهزاً.

شاهد بالفديو: 5 أسئلة تحدد هدفك في الحياة

3. لا تنسَ الوقت:

نحن متفقون على أنَّ إحداث تأثير، وترك إرث هما أمران رائعان، لكنَّ الحياة تتركز حول التجربة أيضاً؛ لذا سأكون مُقصِّراً إن لم آتي على ذكر المعنى الأساسي للحياة: الرحلة.

بينما أنا أكرس نفسي للنهوض بالإنسانية، وتغيير العالم لكنَّني أحبُّ أيضاً السفر والتعرف إلى أشخاص مثيرين للاهتمام وتذوق أنواع جديدة من الطعام.

المسؤولية عن الوقت أمر هام للغاية؛ ستحتاج إليها للاستمرار بالسعي وراء مشروع حياتك كما ستحتاجها لقضاء وقت رائع؛ لذلك أضفت جزءاً ثالثاً إلى إطار عملية اتخاذ القرار الخاصة بي ألا وهو الوقت، فبالنسبة إلي أنا أُعرِّف الوقت بالطريقة الآتية:

الوقت:

  • نسبة مسؤوليتك عن حياتك.
  • مقدار وقت الفراغ في حياتك.
  • القدرة على قضاء وقت الفراغ هذا بالطرائق التي تحقق أكبر قيمة شخصية لك.

امتلاكك لوقتك يعني امتلاكك لحياتك، سواء كنت ترغب في ابتكار شكل جديد من رحلات الفضاء أم الذهاب للتزلج في جبال الألب (Alps)، فمن المفيد دائماً الحصول على أقصى قدر من وقت الفراغ؛ وهو مقدار الوقت المتاح لك لقضاء ما تراه مناسباً.

يكمن جمال هذا التعريف للوقت في أنَّه لا يقول لك كيف يجب أن تقضيه؛ بل يمنحك حرية إنفاقه بالطريقة التي تحلو لك، وعندما تقضي وقتك بالطريقة التي تريدها، سيوفر لك التجارب اللازمة إمَّا للعثور على مشروع حياتك أو تجميع المهارات اللازمة للنجاح في مشروعك الحياتي.

توجد علاقة تكافلية بين ندائك الباطني، ووقتك في الأساس:

زيادة وقت فراغك وإنفاقه بطرائق تمدُّك بالقيمة، سيساعدك على العثور على ندائك الباطني، وبعد أن تحقق رغبتك وتذهب إلى جبال الألب على سبيل المثال، سيكون لديك الوقت لمتابعة ندائك الباطني.

بالنسبة إلي، لديَّ الآن إطار عمل كامل لمساعدتي على تقليل القلق الوجودي واتخاذ القرارات الصحيحة في حياتي؛ لذلك يجب أن يزيد كلُّ قرار أو إجراء كبير أتخذه من تأثيري - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - ومن إرثي ومن وقت فراغي، وإذا لم يحقق ذلك القرار هذه الأمور، فما هو الهدف منه؟

إقرأ أيضاً: كيف تمضي وقت فراغك بما هو نافع

في الختام:

أظنُّ أنَّ الوقت قد حان لكي يحدِّد كلٌّ منا قراراته وأفعاله، وقد لا نعرف إلى أين نحن متجهين، لكنَّنا نعرف الاتجاه الذي نرغب فيه، وبتحديد إطار اتخاذ القرار الخاص بك ستكون على بعد خطوة واحدة من مشروع حياتك وهدفك النهائي، وماذا بعد ذلك؟ حسناً، لن تكون سوى التجارب والتجارب والتجارب التي تتناسب جميعها مع إطار العمل الخاص بك.

المصدر




مقالات مرتبطة