كيف تحدد توجهك المهني؟

لقد أخبرتُ أحد أصدقائي منذ فترة أنَّني أشعر بالرضى والاكتفاء، وأؤدي واجباتي على أكمل وجه عندما أساعد الآخرين بطريقة مباشرة، وأعمل في بيئة تشجع على التعاون والتعلم، فلم يكن بوسعي التعبير عن أفكاري بمثل هذه الدقة والوضوح فيما مضى؛ بل وكانت وجهات نظري ومعاييري مختلفة عما ذكرته آنفاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "نيك هولت" (Nick Holt)، ويُحدِّثنا فيه عن أدوات التقييم التي تُستخدَم في تحديد التوجه المهني.

لقد قضيت وقتاً طويلاً في دراسة اهتماماتي وشغفي وفي كيفية الاستفادة من هذه العوامل في تحديد الخيارات المهنية المتاحة أمامي، كما قرأت عدداً كبيراً من الكتب المتعلقة بهذه الموضوعات، وشاهدت وثائقيات، وحضرت محاضرات تساعدني على تحديد مساري المهني، وطلبت مساعدة "المنتورز" وبعض الأفراد الملهمين، وأجريتُ عدداً من اختبارات التقييم الوظيفي.

رموز هولاند (Holland Codes):

وَضَعَ عالِم النفس "إدوارد سترونج" (Edward Strong) اختبار "سترونج لتحديد الميول المهنية" (The Strong Interest Inventory) للتقييم الوظيفي بالاعتماد على "رموز هولاند"، قد تختلف نتائج الاختبارات من وقت لآخر، كما تتغير وجهات نظر الأفراد حيالها بنفس الطريقة، على الرغم من أنَّني استخدمت هذا الاختبار في الماضي، إلَّا أنَّ وجهات نظري تغيرت عندما جربته مؤخراً، وقد اكتشفت عدة أمور كنت أجهلها في السابق.

كنت قد خصصت بعض الوقت لمقابلة المستشار الوظيفي "ديفيد ثيرمان" (David Thiermann) في أثناء زيارتي لمسقط رأسي لكي أناقش معه مسألة توجيهي المهني الحالي، فقد كنت أعتزم تغيير توجهي المهني آنذاك،  والانتقال من التسويق الترفيهي إلى مجال الصحة النفسية، وعملت في الماضي مع أشخاص يعطون الأولوية لإنجاز المهمة المطلوبة والنتائج النهائية، ولا يهتمون بظروف العمل وأساليب تأدية المهام، كما أنَّني بدأت أشعر بتفاقم الهوة بين اهتماماتي ومهنتي، من ثم حدثت "ديفيد" عن هذه الأمور وشرحت له شعوري تجاه عملي الحالي، ثم بدأنا بإجراء بعض التحسينات في قيمي ومبادئي الشخصية.

يُفضَّل الاطلاع على "رموز هولاند" لتكوين فكرة واضحة عن اختبار "سترونج لتحديد الميول المهنية"، وفيما يأتي تصنيف الشخصيات الذي وضعه العالِم "هولاند":

1. الواقعية:

يحبذ الشخص الواقعي التطبيقات العملية الملموسة التي تتيح له استخدام الأدوات والآلات والأشياء، ويتميز الفرد ضمن هذه الفئة بكونه عملياً وميالاً لاستخدام الأدوات والآلات، والتعامل مع الأشياء المحسوسة.

2. الاستقصائية:

يستمتع الفرد الاستقصائي بالتعامل مع النظريات والمعلومات، وإجراء الدراسات التحليلية والاستكشافية والأبحاث، كما يتميز بسعة ثقافته واطلاعه وشغفه بالعلوم.

3. الفنية:

يتميز الفرد ضمن هذه الفئة بكونه مختلفاً وخلاقاً وفوضوياً ومبدعاً.

شاهد بالفديو: كيف تكتشف شغفك وتصل إليه؟

4. الاجتماعية:

الشخص الاجتماعي مساعد وداعم ومعطاء، ويحب العمل في البيئات التعاونية.

5. المبادرة:

يتمتع الشخص المبادر بمهارات إقناع وقيادة بارزة، ويستمتع بالبيع والترويج وشغل المناصب القيادية، ويحب العمل في البيئات التنافسية.

6. التقليدية:

الشخص التقليدي دقيق ومنظم، ويركز على التفاصيل، ويحبذ العمل المكتبي، ويهتم بأدق التفاصيل.

تحديد التوجه المهني:

تختلف نتائج أدوات التقييم الذاتي والاستبيانات التي تساعد الفرد على اختيار مهنته من وقت لآخر، فقد أجريتُ اختبار علم النفس "سترونج" بحضور "ديفيد"، الذي اكتشف أنَّني أمتلك مقومات الشخصية الاجتماعية والمبادرة والفنية.

ذكر ديفيد أنَّ المجتمع يميل لتشجيع الأفراد ضمن فئة الشخصية الاجتماعية إلى الانتقال للوظائف الخاصة بالشخصية المبادرة.

لقد تعرضتُ لهذا التمييز تجاه مهاراتي، وخياراتي المهنية الاجتماعية في السابق، لكنَّني حاولت تجاوزه عبر العمل في بيئات اجتماعية ضمن مجال التسويق، لطالما رغبت في شغل المناصب القيادية والإدارية التي تتطلب التخطيط والتنظيم، ولكنَّني بت أدرك الآن أنَّ عجزي عن الوصول للمناصب القيادية في مجال التسويق في ذلك الوقت، كان ناجماً عن افتقاري لعاملين رئيسين ألا وهما الصبر، وتوجيهات المنتورز.

أعتقد أنَّ مشكلة قلة صبري كانت ناجمة عن عدم استمتاعي وشغفي بعملي، وقلة المردود المادي على الرغم من الجهد المضني وساعات العمل الطويلة والضغط والتوتر النفسي الذي كنت أتعرض له، فقد ساعدني عملي على إعالة نفسي، وتنمية مهاراتي لكنَّه كان مملاً جداً النسبة إلي، لم يخطر لي حينها أنِّي كنت أستمتع بمساعدة الآخرين وحسب، ولم يكن يعنيني العمل بحد ذاته، كما أنِّي لم أدرك أنَّ بلوغ المناصب القيادية يتطلب إثبات الفرد لجدارته، وأهليته في مساره المهني حتى لو كان الراتب قليلاً؛ لذا أتمنى لو أنِّي اكتشفت هذه الحقائق في وقت مبكر من حياتي المهنية.

تجدر الإشارة إلى أنَّ العمل في البيئات الاجتماعية ينطوي على عدد كبير من التحديات المتمثلة في خيبات الأمل، والتعامل مع أشخاص مرهقين وتعساء، وهو يتطلب من الموظف التحلي بالصبر والتعامل مع الصعوبات بروية.

شعرت بالاستقرار المهني عندما بدأت العمل في البيئات الاجتماعية، كما تبيَّن لي أنَّ توجهي الوظيفي الحالي منطقي أكثر ويناسبني تماماً، فتقتضي وظيفتي مساعدة الآخرين، ولست مجرد موظف مبيعات يعمل على استقطاب الزبائن وإقناعهم بشراء الخدمات والمنتجات، بل أستمتع بالعمل ضمن البيئات التعاونية، وأقدِّر نظيرتها التنافسية، ولكنِّي لا أتقبلها عندما تتعدى على مصالح الآخرين.

أحتاج الآن إلى استثمار مهاراتي الشخصية الاجتماعية والمبادرة والفنية، والابتعاد عن الأعمال المرتبطة بباقي أنماط الشخصية المهنية التي وضعها العالِم "هولاند"، وقد يبدو هذا المفهوم بسيطاً لكنَّ فهمه وتطبيقه يساعد الفرد على إحداث تغييرات جذرية في حياته المهنية.

إقرأ أيضاً: 40 مثالاً يبين لك كيف تضع أهدافاً مهنية طموحة

في الختام:

لا يمكنك أن تتجاوز سقف توقعاتك وطموحاتك المهنية، ما يعني أنَّ إنجازاتك ونجاحاتك، هي رهن إرادتك وطموحاتك الشخصية، وقدرتك على الاستفادة من بعض التقنيات والأدوات مثل التفكير العميق والجد والدافع والصدق والانفتاح والجرأة في خوض المخاطر المحسوبة، حتى لو كنت تعتقد بأنَّ مسارك المهني يعبِّر عن شخصيتك ويناسبك تماماً، فإنَّ وجهات نظرك عرضة للتغير مع الوقت، كما أنَّ الحياة مليئة بالمفاجآت التي يمكن أن تجعلك تعيد النظر في توجهك المهني من أساسه.

لقد خضت تجربة مماثلة في الآونة الأخيرة؛ لهذا السبب أنصحك بإعادة النظر في توجهك الوظيفي، والاستعانة بمدرب مهني أو معالج نفسي أو صديق أو أحد أحبتك.

فكما يقول صديقي العزيز "ديفيد": "يتوقف الإنسان عن التقدم في حياته عندما يتوقف عن إجراء التغييرات فيها".




مقالات مرتبطة