كيف تجعلك المبالغة في اللطف تخسر سعادتك وتبتعد عن تحقيق أهدافك؟

هل سبق أن سألت نفسك عند مشاهدة فيلم، لماذا تقع الشخصية اللطيفة في المشكلات؟ نتعلَّم منذ نعومة أظفارنا أن نكون لطفاء مع الآخرين، لكن ما إن نبلغ العشرينات من عمرنا حتى ندرك أنَّ كوننا لطفاء للغاية هو أمر يوقعنا في المتاعب على الصعيد المهني والعاطفي، ويمنعنا من تحويل فكرة نؤمن بها إلى حقيقة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكوتش والكاتبة "ماندي هولجيت" (Mandi Holgate)، وتتحدث فيه عن تأثير المبالغة في اللطف في جوانب الحياة المادية والعاطفية والصحة النفسية.

توجد أسباب عديدة تجعل اللطف المبالغ فيه أمراً خطيراً، وسنذكر هنا إحدى العواقب التي تترتب على كونك لطيفاً أكثر من اللازم، وقد تُفاجأ بهذه الحقيقة، وهي أنَّ الأشخاص المُبالغين في اللطف يجنون مالاً قليلاً.

أيضاً كونك لطيفاً أكثر ممَّا ينبغي يجعلك متوتراً، وتَقُل احتمالات حصولك على ترقية وظيفية وتزداد احتمالات إصابتك بالإرهاق؛ بل بالانهيار والإصابة بالأمراض النفسية والفيزيولوجية؛ بل إنَّ اللطف الزائد عن اللازم يعوقك عن إنجاز مهامك.

سنقدِّم ثلاث نقاط للمساعدة على توضيح ما نعنيه، وفي كلِّ واحدة منها سنساعدك على فهم كيف تتسبب لك المبالغة في اللطف في الوقوع بالمشكلات، وكيف يجب أن تتصرف، وبالمقابل أمثلة توضِّح كيف يمكن للتقليل من لطفك أن يصب في مصلحة صحتك وسعادتك ونجاحك؛ بل حتى راتبك الشهري.

أخذت دراسة أجراها كلٌّ من تشارلز هيرست (Charlice Hurst)، وبيث ليفنغستون (Beth Livingston) وتيموثي جادج (Timothy Judge) آلاف الأشخاص كانوا من عداد القوى العاملة في العقد الماضي، وأجروا معهم مقابلات تتعلق بحياتهم المهنية؛ ومن ثمَّ أُخضعوا لاختبارات شخصية قُيسَت لاحقاً ببيانات الدخل لكلِّ واحد منهم.

حصلت النساء على أسوأ النتائج، وبصرف النظر عن مستوى الطيبة إلا أنَّ النساء حصلوا على رواتب أقل بنسبة 14% من الرجال، كان دخل الرجال اللطيفين أقل بمعدل 7000 دولار موازنةً بأقرانهم من الرجال الأكثر جرأةً في التعبير عن الرفض.

بات الآن واضحاً أنَّ اللطف المبالغ فيه يتناسب عكساً مع الراتب، لكن ينبغي ألا تتخلى عن لطفك حتى تحصل على راتب جيد؛ بل يجب فقط أن تكون على استعداد للتعبير عن رفضك، وتفهم كيف يؤثِّر اللطف الزائد في أدائك وفي نظرة الآخرين إليك:

1. مجتهد ولا يحصل أبداً على ترقية:

اشتكى على سبيل المثال أحد عملائي من أنَّه لا يحصل على ترقية أبداً على الرَّغم من أنَّه يعمل بجد كبير، وقد أُتيحت في الشركة التي يعمل بها الفرصة لتولي مناصب وظيفية ذات مستوى أعلى، لكن اسمه لم يكن مُقترحاً أبداً.

أضاف أنَّه على الرَّغم من كونه يقود فريقاً مكوناً من 15 موظفاً إلا أنَّ مجلس الإدارة ما يزال يَعدُّه غير مؤهل لتولي مناصب قيادية أو حتى تحقيق تقدُّم أكبر في مسيرته المهنية.

إحدى الأمور التي طُلبت من هذا العميل أن يفعلها هي أن يسأل زملاءه عن رأيهم فيه، وبالطبع هذا ليس أمر سهلاً، وخاصةً إذا ما كان الشخص يخشى أن يكون لدى الآخرين رأي سلبي فيه، وقد اكتشف أنَّه كان محبوباً للغاية، ولم يكن لديه خلاف حقيقي مع أيِّ أحد وكان دوماً على استعداد لاستقبال أيِّ شخص، وكان يساعد الآخرين ويقدِّم لهم الدعم.

قد تتساءل ما هي المشكلة في كون الشخص لطيفاً أكثر من اللازم؟

الإجابة أنَّ المشكلة تكمن في أنَّ الأشخاص اللطفاء إلى حد مبالغ فيه، مثل الشخص الذي ذكرناه في هذا المثال، هي أنَّه لم يتمكن من إظهار الجانب القوي من شخصيته.

لذلك فشل في أن يجعل مجلس الإدارة مقتنعاً بأنَّه يرغب حقاً في تحقيق تقدُّم في مسيرته المهنية؛ لأنَّه بدا عليه أنَّه سعيد وراضٍ عن وضعه الوظيفي، ما جعل مجلس الإدارة يعدُّه غير ملائم للحصول على الترقية الوظيفية.

عندما أظهر لطفاً كبيراً لم يبدُ عليه أنَّه مسرور، وعندما شجعته للتعبير عن شعوره فقد وجد صعوبةً في التعبير عن غضبه، لكن هذه كانت حقيقة مشاعره؛ لذلك، كان الهدف الذي وضعته له هو أن يظهر أمام زملائه وأمام مجلس الإدارة بمظهر الشخص الذي يمتلك قدرات قيادية.

طلبت منه بداية أن يشرح لي ما يعتقده عن الأشخاص الذين وصفهم بـ "المذهلين"، وما الذي يجعلهم "مذهلين" بنظره، لقد وضَّح لي أنَّ هؤلاء الأشخاص يتميزون بكونهم عمليين، وذوي عزيمة لا تلين، ويستطيعون التغلب على أيِّ ظرف، وهم أشخاص محبوبون حتى عندما يحملون للآخرين أخباراً غير سارَّة أو يتصرفون مع الآخرين بقسوة.

لقد راقب عميلي سلوكات هؤلاء الأشخاص وأسلوب تواصلهم وممارستهم للإدارة، وما إلى ذلك، وبدأ يقلِّد أسلوبهم، بالطبع لن يعلم أحد بأنَّه يفعل ذلك.

الخطوة الثانية، هي الاستلهام من الذين ينظر إليهم بإعجاب والذين يمتلكون ما يطمح للحصول عليه في الحياة، فكان عميلي مغرماً بالرياضة، وعدَّد بعض أسماء نجوم الرياضة ذوي اللياقة العالية والانضباط الفائق والعزيمة التي لا تلين.

أضاف العميل خلال أسابيع أهدافاً ونشاطات جديدة إلى روتين حياته، ودون أن يجبره أحد بدأ يمارس التمرينات الرياضية ثلاث مرات على الأقل في الأسبوع، والسبب أنَّ الرياضة جعلته يشعر بتحسُّن.

لقد جعلته ممارسة الرياضة يشعر أنَّه قوي وأنَّه قادر على فعل أيِّ شيء، وهنا نجد أنَّه من المفيد أن نوضِّح أنَّ النشاطات والنتائج الإيجابية في أحد المجالات تنعكس على مجالات أخرى.

كانت نتيجة الكوتشينغ الذي تلقاه عميلي أنَّه أصبح الآن قائداً لثلاثة فرق عمل أخرى في شركته، ويقدِّم الآن مبادرات لمجلس الإدارة، وهو شيء لم يعطه مجلس الإدارة أيَّة أهمية سابقاً، والأفضل من كلِّ ذلك أنَّه الآن في طريقه للوصول إلى مجلس الإدارة.

شاهد بالفديو: 20 سبباً لعدم حصولك على ترقية

2. التعاون لا يعني الموافقة دائماً:

أحياناً يبدو من المستحيل الحصول على ما تريده في الحياة، وعندما أسمع أحدهم يقول: "الوضع على ما هو عليه ولا يمكن تغييره" أو "لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك". أعلم عندها أنَّ هذا الشخص وقف أمام ما يُعدُّ من وجهة نظره عقبات.

تلقي الكوتشينغ هو أحد الطرائق للتعبير عن أشياء تجول في خاطرك لكن لم تؤمن أبداً أنَّ بمقدورك القيام بها، فنرغب نحن البشر في أن نكون محبوبين، ولا نختار في الظروف الطبيعية حياة العزلة، وجائحة كورونا خير دليل على ذلك.

لذلك غالباً ما نكتم مشاعرنا حيال شيء ما رغبةً منا في الحفاظ على السلام، وإذا كنت تعتقد أنَّ عدم المبالغة في اللطف من أجل الحصول على ما تريده في الحياة يعني أن تصبح عدوانياً، فأنت مخطئ، كلُّ ما هنالك أنَّه ينبغي أن تحرص على فعل ما يأتي:

  • ضع نفسك في رأس قائمة الأولويات.
  • عبِّر عمَّا تريده.
  • ضع حدوداً للآخرين.
  • تقبَّل أنَّ تعبيرك عن الرفض هو أمر لمصلحتك.
  • خطط لما تريده وابدأ بالسعي إليه.

إذا كنت تجد صعوبة في التعبير عن مشاعرك، فأعد صياغة مفهومك عن الحياة، ولاحظ ما الذي يدفعك إلى عدم التعبير، وكيف يؤثِّر ذلك سلباً فيك، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى الأشخاص الذين تعمل أو تعيش معهم والذين يعانون ذلك أيضاً.

إنَّ الشعور بالضيق نتيجة عدم القدرة على تغيير الأشياء هو غالباً علامة على أنَّك في طريقك إلى تغييرها.

كنت أقدِّم الكوتشنغ لمجموعة من الأشخاص جماعياً، وكان أول شيء فعلناه هو محاولة التعرُّف إلى المشاعر السلبية التي يعانيها كلُّ واحد منهم بسبب المبالغة في اللطف، وقد اعترف أحدهم أنَّه كان يتصرف بلطف مبالغ فيه حتى في المنزل، ما جعله يشعر وكأنَّه خادم في المنزل وليس فرداً في العائلة.

أجمَع أعضاء الفريق على أنَّ جلسات يوم الإثنين كانت بلا جدوى، واقترحنا عدداً من الإجراءات، منها مثلاً عدم تلقي رسائل البريد الإلكتروني في نهاية أسبوع العمل، وكانت نتيجة هذا الإجراء مدهشة في تجنُّب رسائل البريد الإلكتروني التي يطلب فيها بعضهم من الآخرين القيام بعملهم بدلاً منهم.

كما اخترنا المضيف من بين أعضاء الفريق؛ وبذلك يحصل كلُّ واحد منهم على فرصة ترَّؤس الجلسة، وقد أدت هذه الإجراءات إلى أفكار عديدة مبتكرة، وقد شعر الشخص الذي وصف نفسه بخادم العائلة بتحسُّن وظهر تغيُّر في سلوكه أيضاً.

إذا كنت تريد أن تعتاد على التعبير عن الرفض، فيجب أن تتعلَّم كيف تتواصل مع الآخرين، فكونك لا تبالغ في إظهار اللطف لا يعني أنَّك سيئ، كلُّ ما هنالك أنَّك تتواصل بطريقة جيدة وتلتزم بهذه الطريقة، وتحرص على ألا يكون الدافع وراء أفعالك هو إرضاء الآخرين.

فإذا كنت أباً، أو مديراً، أو حتى لديك حيوانك الأليف، فيجب أن تراعي أنَّ الغاية من القرارات التي تتخذها هي حماية الأشخاص الذين يقعون تحت مسؤوليتك وليس إرضاء الآخرين.

قد لا تكون عملية اتخاذ القرار هكذا ممتعة؛ ولكنَّك لا تفعل ذلك للاستمتاع؛ بل بدافع الاهتمام والحب، وهذا ما يجب أن يتذكَّره كلُّ شخص يسعى إلى إرضاء الناس فقط.

إقرأ أيضاً: 4 طرق فعالة لتعزيز التعاون بين أعضاء فريقك

3. السعي إلى المثالية يدمِّر الصحة البدنية والنفسية:

قد يكون من الصعب فصل الواقع عن الخيال، لكن إذا كنت في عالم ينشد فيه الجميع المثالية فإنَّه من الأفضل أن تكون حقيقياً وصادقاً.

لا أحد لديه كلُّ شيء ولا أحد مثالي وهذه هي الحقيقة التي يجب أن تتذكَّرها، ويجب أن تتذكَّر أنَّنا جميعاً بوصفنا بشراً لدينا الحاجات الفيزيولوجية والسيكولوجية نفسها، وتذكُّر الأمور التي نشترك فيها مع الآخرين بدلاً من تذكُّر ما يميزنا يساعدنا على الشعور بأنَّنا متشابهون بدلاً من السعي غير الواقعي إلى الكمال.

غالباً ما يعاني الأشخاص الذين يدعُّون المثالية؛ لأنَّهم يسعون إلى تجنُّب أيَّة هفوة؛ بل وحتى التصرف بما يتماشى مع طبيعتهم البشرية، هم لا يحتاجون إلى النوم كثيراً، ولا يسمحون لأنفسهم بالظهور إلا بكامل أناقتهم وما إلى ذلك.

من الصعب جداً تغيير هؤلاء الأشخاص لأنَّهم لا يتقبلون فكرة أنَّهم بشر طبيعيون، وإنَّ المعايير الصارمة التي يضعها هؤلاء الأشخاص ومحاولة القيام بما يتوقعه الآخرون منهم، تصيبهم بالإنهاك والتعب الجسدي والنفسي مع شعورهم غالباً بأنَّهم غير محبوبين.

الأسوأ من ذلك أنَّك إذا أخبرت هؤلاء الأشخاص بأنَّهم مخطئون في سلوكهم، فإنَّهم يرفضون ذلك ويدَّعون أنَّ المشكلة في الآخرين وليس فيهم، وإذا كنت من هذا النوع، فاعلم أنَّ وضع معايير صارمة يمكن أن يضر بأحبائِّك وزملائك.

قدمت الكوتشينغ لوالدين شابَّين، وكانا يسعيان دائماً إلى إرضاء الجميع، الأمر الذي جعلهما يعانيا، فلم يكن لديهما وقت للقيام بمهامهم الخاصة في حياتهما؛ ولذلك فقد بلغا من التعب حداً لا يوصف.

ذات مرة قلت لهما: "إذا لم تساعدا نفسيكما، فعلى الأقل ساعدا أطفالكما" نظرا إليَّ باستغراب، فأضفت: "إذا استمررتما بهذا السلوك، فإنَّ أطفالكما سيصبحون كذلك أيضاً، عندما يصلون إلى سن البلوغ سيحرمون أنفسهم من متعة الحياة بسبب سعيهم إلى إرضاء الآخرين".

ليس من السهل دوماً إجراء التغيير؛ لذلك يجب أن تقوم ببعض الإجراءات البسيطة التي تحفِّز على إفراز الهرمونات الضرورية للشعور بالسعادة خاصةً عندما تحتاج إلى التغلب على أفكار سلبية والقيام بشيء جديد.

شاهد بالفديو: كوني الأمّ المثالية بتطبيق هذه النصائح

إليك بعض الأمثلة على هذه الهرمونات:

1. الدوبامين:

ويمكن تحفيز الدوبامين بمكافأة نفسك على حُسن إنجازك لعمل ما، ووضع علامة "تم" على الأشياء التي أنجزتها في قائمة المهام الخاصة بك، ويمكنك تحفيز الدوبامين أيضاً بتحقيق الأهداف ومساعدة الآخرين وتناول أنواع معينة من الأطعمة.

2. السيروتونين:

يمكنك تحفيزه بممارسة الرياضة والنوم الجيد والتعرُّض المعتدل لأشعة الشمس، وجلسات التدليك وتعزيز الثقة بالنفس.

3. الإندورفين:

ويمكنك تحفيز إفرازه بالضحك واستنشاق الزيوت العطرية وتناول الشوكولا الداكنة.

4. الأوكسيتوسين:

يمكنك تحفيز إفرازه بالتعاطف مع الذات، ومنح الحب للآخرين ورعاية الحيوانات الأليفة.

أصبح واضحاً لهذين الوالدين ما هو الحل، فقد كانا يتجاهلان احتياجاتهما ومن الطبيعي إذاً ألا يشعر الآخرون بأنَّ هناك ما ينقصهما لأنَّهما يخفيان ذلك، بعد ذلك أصبح وقتهما ثميناً، ولم يعبِّروا عن حاجاتهما فقط؛ بل وضعا الحدود اللازمة للمحافظة على توازن حياتهما.

وأخيراً تغيَّر مفهومهما عن التسلط والأنانية، فأصبح الرفض نوعاً من الحزم وليس تسلطاً، وأصبحت محبة الذات رعاية ذاتية وليست أنانية؛ لقد تعلَّما كيف يعبِّران عن نفسيهما بثقة، ولم يخشيا أن يُتجاهلا؛ وبذلك أصبحا أكثر تفانياً في سبيل تحقيق أهدافهما، وبالفعل بدؤوا بتحقيقها؛ لذلك، أعد النظر في مفاهيمك، فقد يكون كثير منها خاطئاً، وتعوقك عن تحقيق أهدافك بدلاً من أن تساعدك على ذلك.

إقرأ أيضاً: كيف نمارس الرعاية الذاتية؟

في الختام:

ضع نفسك في رأس قائمة أولوياتك، وعبِّر عمَّا تريده، وضع حدوداً وافهم أنَّه لا عيب في الرفض، وخطط لما تريده وابدأ بالعمل على تحقيقه، فعدم المبالغة في اللطف هو حالة سوية، ولا تعني أنَّك شرير؛ بل هي تعبير عن كونك صادقاً مع نفسك ومع الآخرين.

المصدر




مقالات مرتبطة