كيف تجعل طفلك مبدعاً؟

الأسرة هي المحيط الاجتماعي الأول الذي يُربَّى فيه الطفل، ويتزوَّد من خلالها بالخبرات والمعارف والمهارات المختلفة، ومهما تنوعت المؤسسات الاجتماعية التي يمر بها الطفل وتعددت، تبقى الأسرة من أكبر العوامل الاجتماعية الثابتة في حياته وأكبر قوة تستطيع أن تؤثِّر فيه، ومع أنَّ الإبداع يظهر خلال مرحلة مبكرة من الطفولة بصورة غير ناضجة فإنَّ الأسرة هي المسؤولة الأولى عن تنميته أو طمسه؛ ففي حقيقة الأمر الموهبة لا تُدفن فهي ليست قابلة للدفن؛ لكنَّك تستطيع قمعها وإخفاءها إذا كان الطفل يعيش في بيئة لا تعمل على تشجيعه وتنمية ما يمتلك من مواهب وقدرات إبداعية.



إنَّ عملية تربية الإبداع عملية تسير وفق مراحل نمو الطفل، ويجب أن تتوافق مع إشباع حاجاته الأساسية؛ فالاهتمام بالعملية الإبداعية للطفل يجب أن يكون هدفاً أساسياً يسعى إليه الجميع بدءاً من الوالدين انتقالاً إلى المعلمين؛ ومن ثَمَّ الباحثين في هذا المجال من أجل الارتقاء بالفرد والمجتمع معاً.

إنَّ القدرات الإبداعية التي هي من ضرورات العصر الحالي موجودة في الغالب لدى الأطفال جميعهم، لكن بدرجات متفاوتة وتستطيع استثارتها عن طريق التعليم والتدريب الموجَّه واستخدام الوسائل التي تكفل توظيف المحتوى المعرفي في استثارة السلوك المعرفي والوجداني المرتبط بالتفكير؛ ومن ثَمَّ أي تدريب أو برنامج أو أسلوب لتنمية الإبداع لا ينتظر منه اختلاق طفل مبدع من العدم؛ بل إنَّه يزيد من فرصة الكشف عن الطاقات المبدعة الكامنة لدى الطفل.

ما هو الإبداع وما دور الأسرة في تربية الطفل المبدع؟

الإبداع هو مزيج من الخيال العلمي المرن لإيجاد فكرة جديدة أو تطوير فكرة قديمة موجودة سابقاً، مهما كانت الفكرة صغيرة ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف تستطيع تطبيقه واستخدامه، والطفل الذي يتمتع بصفات الإبداع غالباً ما تكون لديه عادات مميزة مثل حب الاستطلاع والرغبة في استكشاف كل ما يقع تحت يديه والتعرف إليه وفحصه بتمعن، وطرح الأسئلة المتنوعة ومحاولة ربط الإجابات ليتوصل من خلالها إلى نتيجة خاصة به، فهو طفل يقوم باستخدام حواسه كلها في اكتشاف العالم المحيط به.

توجد مجموعة من العوامل التي تؤثِّر في نمو القدرات الإبداعية للطفل وتدفعها إلى التحسن، منها:

1. إقامة العلاقة الجيدة بين الطفل ووالديه:

تلك العلاقة القائمة على الاحترام والحب والألفة والمودة والعطف.

2. التسامح مع الطفل وإبعاده عن مسببات الخوف:

وعدم استخدام أساليب التخويف في تربيته، فعندما يقع في الخطأ يجب ألا توبخه؛ بل يجب أن تعطيه الفرصة ليجرب من جديد، وإن تعدى ذلك محاولات عديدة، والاستمرار في ذلك حتى ينجح؛ لأنَّ شعور الطفل بالخوف يعوق العملية الإبداعية ويمنعه من تحقيق التقدم في بناء القدرات الإبداعية.

3. يجب على الأسرة أن تدرب الطفل بطريقة قائمة على التسامح والعطف:

وجو من الألفة والمرح يبعث في نفسه الاطمئنان ويحثه على مزيد من الاسترخاء.

4. دفع الطفل وحثه على التحرك بحرية بين الواقع والخيال:

وتجاوز الأشياء المحسوسة ومحاولة تكوين افتراضات جديدة، وتجاوز صور الغموض التي ترافق التفكير الخيالي.

5. تربية الطفل على حرية الاختيار واتخاذ القرارات والمرونة في التفكير:

وعدم التشبث بالرأي والتصلب، وابتكار حلول جديدة وعدم الاعتماد على حلول موجودة سابقاً؛ إذ يجب تعويد الطفل على الانطلاق بنفسه نحو البحث عن حلول جديدة غير مطروقة وحثه على الاستقلالية في ذلك، وعدم الاعتماد على الأفراد الآخرين في إيجاد الحلول.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لتنمية الابتكار لدى الأطفال

6. يجب أن تكون توقعات الأهل لأداء أبنائهم متوسطة:

أي غير منخفضة تتسبب في تحطيم ثقة الطفل بذاته وبما يملك من قدرات، وغير مرتفعة تدفع الطفل إلى الشعور بالعجز وبأنَّه غير قادر على تحقيق ما يطمح إليه الوالدان؛ بل توقعات متوسطة تمنح الطفل الثقة بنفسه وتدفعه إلى بذل الجهود لتجاوز تلك التوقعات، ونيل رضى الوالدين والحصول على الثناء والمدح الاجتماعي.

7. عدم اللجوء إلى الضغط على الأطفال:

فضغط الأسرة على الطفل لتحقيق أداء عالٍ يُعرِّض الطفل للإصابة بالإحباط والبقاء متوتراً وقلقاً لفترة طويلة، مما يؤثِّر في إبداعهم وإنجازهم وطريقة تفكيرهم وبالتأكيد في نفسياتهم وشخصياتهم.

8. توفير الجو الأسري المناسب للإبداع:

فالطفل المبدع يحتاج إلى بيئة تتميز بمستوى منخفض من القلق والتوتر، يسود فيها الحب والمودة، جو بعيد عن المشاحنات الأسرية، جو بعيد عن تحديد معايير لقبول الطفل في الأسرة مثل تحقيق إنجاز محدد أو الحصول على نتيجة معينة في المدرسة؛ بل جو ينتشر فيه الدفء والراحة النفسية بصرف النظر عن سلوك الطفل وتحصيله الأكاديمي، هذه البيئة التي تدفع باتجاه مزيد من الخيال الإبداعي والوصول إلى إنتاجات إبداعية أكثر أصالة.

9. الابتعاد عن الأساليب التربوية غير السوية:

هذه الأساليب التي لا شك في أنَّها تضعف التفكير الإبداعي؛ فالقسوة والتسلط يقومان بإطفاء الرغبة في التعبير عند الطفل، كما أنَّ الأسرة قد تقوم بقتل الإبداع من غير قصد عند استخدامها للألفاظ السلبية مثل: "أنت طفل غبي"، و"أنت لست طفلاً جيداً مثل فلان من الناس"، و"أنت طفل فاشل لا تجيد القيام بشيء"، إضافة إلى تلك الألفاظ عدم القيام بتشجيع محاولات الطفل لإنجاز شيء ما، وعدم حثه على التعرف والاكتشاف، والاستهزاء بأفكاره ومحاولاته الإبداعية، وزرع الخوف في قلبه من الكبار؛ يجعله يخشى التعبير عما يجول في نفسه من أفكار وأسئلة.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

10. الحالة الاقتصادية للأسرة تؤدي دوراً هاماً في تربية الإبداع:

فالقدرة المالية هي التي تحدد مدى قدرة الأسرة على تأمين الوسائل والأدوات التي تساعد الطفل على تربية الإبداع، فكلما كان وضع الأسرة المادي أفضل كانت قدرتها أعلى على دعم الأعمال التي يرغب طفلها في القيام بها.

11. مساعدة الأسرة الطفل على تكوين بنائه المعرفي:

عن طريق تهيئة ظروف البحث والتنقيب له وإتاحة الفرصة له للاشتراك بالنشاطات المدرسية والمجتمعية مثل الرحلات العلمية، وتشجيعه على قراءة الكتب والمجلات الهادفة، وتوفير الجو الملائم لحرية التعبير؛ فالصحة العقلية السليمة هي سر الإبداع.

طرائق تنمية الإبداع عند طفلك:

1. فتح باب الحوار والنقاش:

كلما هُيِّئ الجو المناسب للنقاش مع الطفل والسماح له بطرح الأسئلة التي تجوب في ذهنه، أثرى ذلك الخلايا التخزينية في العقل، وأدى إلى خصوبة الخيال ومساعدته على تحقيق مزيد من تداعي الأفكار الإبداعية.

2. المكافأة:

مهما كان عمر طفلك فلا بد أنَّه يحب الحصول على مكافأة وعلى كلمات الثناء، فكل كلمة مدح تخفف عنه عناء كبيراً وتنسيه ما بذل من جهد في سبيل تحقيق ما أنجز؛ لذا يجب على الأهل ألا يبخلوا في كلمات المدح والشكر والعطف على أطفالهم.

إقرأ أيضاً: تربية الأطفال: المكافآت والعقوبات تجاه أخطاء الأطفال

3. القصص والحكايات:

يجب اختيار القصص الهادفة التي تُغني عقل الطفل وتُثريه، وضرورة التركيز خلالها على توضيح ما قام به الأفراد المبدعون الذين أغنوا المجتمع والبشرية بعطائهم الفكري، وكيف حصلوا على المكانة الاجتماعية المرموقة جرَّاء ذلك الجهد الإبداعي الذي قاموا به.

4. تأمين البيئة المحيطة المريحة للطفل التي تساعده على الشعور بالراحة:

ومن ثَمَّ تفتح قدراته الإبداعية بعيداً عن أي خوف يحيط به.

5. إلحاق الطفل ببرامج تنمية الإبداع:

والتي تساعد على تدريب المهارات الإبداعية مثل برنامج (القبعات الست).

6. تقنية تمثيل الأدوار:

هنا يقوم الطفل باختيار شخصية إبداعية تتفق مع ما يحب ويميل إليه ويترك له الحرية في التعبير عن آرائه تجاه تلك الشخصية، والهدف من هذه التقنية هو إتاحة الفرصة للطفل للتعبير متجاوزاً الحدود المسموحة له، وقادراً على ممارسة أساليب سلوكية جديدة؛ إذ يستطيع من خلالها النطق بالخبرات اللاشعورية التي لم تظهر سابقاً شعورياً.

7. مساعدة الفرد على تنمية مهارات التواصل الفاعلة:

كي يستطيع التعبير عن آرائه تعبيراً سليماً وصريحاً.

8. تدريب الطفل على طريقة حصر الصفات:

هي طريقة تقوم على اختيار شيء ما أو موضوع ما مراد تطويره، وتحديد صيغه كلها والعلاقات ضمنه؛ ومن ثَمَّ قيام الطفل بتعديل كل صفة ضمنه بأكثر من طريقة، ولا يجوز نقد الطفل فيها؛ بل يجب تشجيعه وإتاحة الفرصة أمامه لطرح أفكاره الإبداعية كلها.

9. طريقة العصف الذهني:

هي طريقة تقوم على دفع الطفل إلى التفكير بمشكلة ما وتقديم كل الحلول التي يمكن أن تكون حلاً لها؛ ومن ثَمَّ اختيار الحل الأنسب لها، ويجب تقبُّل أي فكرة يطرحها، ووضعها بين الخيارات مهما كانت بسيطة أو غير واقعية.

10. طريقة التقصي والاكتشاف:

هذه الطريقة تؤكِّد التعلم الذاتي؛ إذ يسلك الطفل هنا سلوك العالِم الصغير، فيحدِّد المشكلة ويبدأ باقتراح الحلول لها؛ ومن ثَمَّ اختيار الحل الذي وجده مناسباً.

11. الألغاز:

ربما تكون كلمات يُطلب إلى الطفل العثور على الحل الصحيح لها، أو ربما تكون صوراً يُطلب منه إيجاد الفروق بينها.

12. الألعاب التربوية:

مثل ألعاب الكبريت أو ألعاب الدُّمى أو تجسيد مسرحية ما؛ إذ يجب حث الطفل على صناعة اللعبة بنفسه لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الطريقة.

13. الألعاب العلمية:

تهدف إلى تنشيط القدرات الذهنية؛ إذ تسمح بالبحث والتقصي وتجعل من التعليم عملية ممتعة، مثل عملية اكتشاف المتناقضات وأسلوب تحسس النواقص وأسلوب تآلف الأشتات التي تجعل غير المألوف مألوفاً.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لزيادة القدرات العقلية لدى الأطفال

14. تعزيز مواهبه:

سواء كان الطفل يحب الموسيقى أم الرسم أم لعبة رياضية، فينبغي تشجيعه وفتح المجال أمامه لممارستها، ويضاف إلى ذلك تعليمه بعض المهارات والأعمال اليدوية مثل التلوين والتصوير وحفر الخشب.

15. تأمين التغذية السليمة للطفل:

يؤدي نوع الطعام الذي يقدَّم للطفل دوراً هاماً في نمو عقله نمواً سليماً؛ لذا يجب الحرص على تأمين الغذاء الذي يسهم في نمو ذكاء الطفل وأعضاء جسمه مثل البيض والحليب والأسماك وغيرها.

في الختام:

إنَّ التفكير الإبداعي لدى الطفل هو قدرة أساسية من قدراته التي يستطيع أن يُنميها بالطرائق نفسها التي تُنمَّى بها أية مهارة يقوم الطفل بتعلمها عن طريق التدريب والتعليم واحترام الأفكار، وعدم توجيه النقد اللاذع له؛ بل الاكتفاء بتنبيه بسيط إلى الأخطاء الواقعة وأوجه النقص الموجودة فيه، ومنحه الوقت الكافي والمناسب للتأمل فيما ينتجه من أفكار وتقويمها بنفسه.




مقالات مرتبطة