كيف تتوقف عن السعي نحو الكمال؟

في حين يُنظَر إلى الكمال على أنَّه الرغبة في أن تكون مثالياً أو أن يكون شيء ما صحيحاً تمام الصحة، فقد يظهر الكمال بطرائق أخرى خفية، مثل:



  • الحاجة إلى التحقُّق من كل شيء مراتٍ عدَّة.
  • المماطلة والاعتقاد أنَّ هذا الوقت ليس الوقت المثالي لبدء شيء ما.
  • كونك الشخص الأول الذي يجب عليه اكتشاف الأخطاء طوال الوقت.

يعكس الكمال في الواقع أموراً أكثر ممَّا نتصور، وقد يكون سلا ذا حدين.

يقول توماس إس. جرينسبون (Thomas S. Greenspon): "ليس الكمال مجرد دفع نفسك إلى بذل قصارى جهدك من أجل تحقيق هدف ما فحسب، بل هو انعكاس لشعور داخلي مرتبط بالقلق"؛ وبعبارة أخرى: ينبع السعي وراء الكمال من الشعور بعدم الارتياح والقلق والشك، وليس من مجرد الرغبة الأساسية البسيطة في القيام بالأمور على نحو جيد.

الدافع النفسي وراء السعي إلى الكمال:

هناك العديد من الأسباب التي تجعل سمة الكمال أقوى عند بعض الأشخاص مقارنة بغيرهم، ويرجع ذلك إلى عقلية نفسية معينة؛ فبينما ينظر بعض الناس إلى الأخطاء على أنَّها دروس، يراها المثاليون عيوباً شخصية، وكثيراً ما يجلدون ذواتهم ويشعرون بالفشل، ممَّا يخلق فيهم الرغبة في بلوغ الكمال.

كما ينبع هذا التعطش إلى الكمال من الغرور؛ إذ يريد العديد من الناس أن تكون الأمور مثالية لكونهم يهتمون اهتماماً مبالغاً فيه بما سيظنه الآخرون فيهم، وأنَّه قد يُحكَم عليهم سلباً إذا كان ما يفعلونه لا يرقى إلى مستوى معين، وكأنَّهم ليسوا بشراً عاديين مُعرَّضين إلى الخطأ أو الخسارة.

قد تؤثر تجارب الطفولة أيضاً في رغبتك في الكمال، خاصة إذا كنت قد تعلمت من أحد والديك أنَّك لن تكون محبوباً ما لم تكن مثالياً، ممَّا يؤثر في طريقة تفكيرك حتى عندما تبلغ من العمر عتياً.

كما يمكن للقواعد المقيدة التي أُجبِرت على الخضوع إليها في أثناء سنوات تعليمك أن تعلِّمك منذ نعومة أظافرك أنَّ اتباع القواعد هو أهم ما يجب عليك فعله، وقد تتعرض إلى الأذى أو حتى الضرب إذا خرقتها بأي شكل من الأشكال.

كيف يؤثر فيك السعي إلى الكمال؟

يشعر الكثير من الناس بالراحة لكونهم ساعين إلى الكمال، وذلك اعتماداً على الأسطورة الشائعة أنَّ الكمال يجلب الكمال؛ ولكنَّ للسعي إلى الكمال جوانب سلبية من شأنها التأثير سلباً في حياتك وإنجازاتك، فعلى سبيل المثال: المماطلة وإهدار الكثير من الوقت في أثناء العمل على شيء ما لكي تجعله مثالياً؛ ممَّا يقوِّض إنتاجيتك، ويحبطك في حال لم تكن النتيجة كما توقعتها.

كثيراً ما يكون قضاء مزيد من الوقت في العمل على شيء ما مجرد وهم؛ فنحن نعتقد أنَّنا نعمل على تحسين العمل أو الأداء، ولكنَّ هذا الوقت ليس مجدياً بالضرورة، وقد يعيق أداك حرفياً.

لنضرب مثالاً أكثر تفصيلاً: لنفترض أنَّك عملت على مشروع هام يمثل 15٪ من مبيعات الشركة، وقد استغرق منك إكماله 4 أشهر؛ بينما أكمل زميلك مشروعاً آخر في شهر واحد، ولم يمثِّل سوى 7 ٪ من إجمالي مبيعات الشركة.

رغم أنَّه لم يحقق مبيعات أكثر منك، إلَّا أنَّه استطاع توفير الوقت لإكمال مزيد من المشاريع التي حققت إجمالي مبيعات يبلغ 21٪ في المدة نفسها.

هذا مثال على فكرة أنَّ الفشل السريع أفضل من النجاح شديد البطء؛ فعندما تفشل بسرعة، تتعلَّم الكثير في مدة أقصر، ممَّا يؤهلك للنجاح في المستقبل، وهذا ما قد يحرمك إياه السعي إلى الكمال.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب رئيسّية مسؤولة عن ضياع الوقت

كيف تغيِّر عقلية السعي إلى الكمال؟

إذا كنت تشعر أنَّ السعي إلى الكمال يعيقك فعلاً، فقد حان الوقت لتغيير عاداتك وطريقة تفكيرك؛ وإليك بعض الاستراتيجيات التي يمكنك اتباعها لتغيير عقلية السعي إلى الكمال وتعزيز نجاحك في الحياة:

1. تخلَّ عن عقلية "إمَّا العمل المثالي أو عدم إنجاز شيء على الإطلاق":

تكمن مشكلة التطلع إلى الكمال في رغبتك في جعل كل شيء مثالياً، وإلَّا فلن تقوم بأي شيء على الإطلاق؛ دون أن تدرك أهمية المحاولة على كلِّ حال.

ينبع تحقيق الجودة المرجوة من الخبرة، والأفكار المكتسبة من المحاولة؛ ممَّا يتيح لك الفرصة لضبط عملك وتحسينه من أجل تحقيق النجاح في المستقبل، ويقلل هذا تلقائياً من احتمالات الفشل عموماً؛ وهذا ما تحاول العقلية الساعية إلى المثالية إنكاره.

إقرأ أيضاً: 5 مشاكل تتسبب لك بها المثالية

2. ضع في اعتبارك قاعدة 80/20 وقاعدة 70٪:

إنَّه لمن السهل أحياناً تجاهل جوهر الأمور عندما يتعلق الأمر بالكمال، ولكن ما دام الجوهر واضحاً، والهدف محدداً في كل ما تفعله؛ فلن يحتاج الأمر إلى نتيجة مثالية بنسبة 100٪، بل إنَّ كل ما تحتاجه هو 70٪ فقط لتنتج عملاً رائعاً، ومن ثمَّ يمكنك ضبطه وتمحيصه؛ حيث ستلاحظ بهذه الطريقة أنَّ النتيجة النهائية تساعدك بصورة أوضح على رؤية المشكلات المحتملة.

أمَّا قاعدة 80/20، فهي قاعدة جيدة يجب وضعها في عين الاعتبار، ومفادها أنَّ 20٪ فقط من جهودك قد تُحقِّق ما يصل إلى 80٪ من النتائج، ويكون أي جهد مبذول أكثر من ذلك مُهدَراً تقريباً، ولن يُحدِث فارقاً كبيراً؛ كما يمنحك اتباع هذه القاعدة المهلة المناسبة لضبط التفاصيل وتعديلها وتمحيصها فيما بعد.

3. اطلب التغذية الراجعة باستمرار:

تُعدُّ التغذية الراجعة كابوساً بشعاً لكل من يسعى إلى الكمال؛ ورغم أنَّ الحصول على تغذية راجعة -إيجابية كانت أم سلبية- أمر ضروري، إلَّا أنَّ الساعي إلى الكمال يرفضه تجنُّباً لإدراك أوجه القصور ومواطن الضعف لديه؛ ومع ذلك، قد يساعد طلب التغذية الراجعة بانتظام في مواجهة ذلك، وتدريب ذهنك على تحقيق التوازن بين الآراء.

4. فرِّق بين "الأمور الضرورية" و"الأمور المستحبَّة":

قد تكون الكثير من الأفكار رائعة ما لم يكن السعي إلى الكمال نقطةَ ضعفك؛ فتحديد الأولويات أمر أساسي للنجاح، ولكنَّ الشخص المثالي قد يجد صعوبة في استبعاد الأفكار التي يعتقد أنَّ عليه تضمينها، حتى ولو كانت غير هامة؛ ممَّا يضر بجودة عمله أو مشروعه، ويتسبب بتراجع أدائه وشعوره بمزيد من التوتر.

لذا احرص على إنشاء قائمة بـ "الأمور الضرورية" و"الأمور المستحبة" قبل البدء بأي مشروع، وامنح "الأمور الضرورية" أولوية قصوى مع تضمين "الأمور المستحبة" إذا سمح الوقت بذلك.

شاهد بالفديو: 5 أسئلة تساعدُكَ على تحديد الأولويات

5. احتفِ بالمكاسب الصغيرة كل يوم:

تميل عقلية الشخص المثالي إلى التفكير السلبي، لذا قد تساعد كتابة 3 إنجازات يومية في تحويل هذه العقلية إلى عقلية إيجابية.

دوِّن أي شيء جيد مهما بدا صغيراً، مثل: "لقد استيقظت مبكراً اليوم قبل جرس المنبه"، أو "لقد التقيت بشخص جديد ورائع"؛ إذ قد تجعل مثل هذه العبارات العقل يفكِّر في الجوانب الإيجابية بدلاً من السلبية، وتنسب إحدى الدراسات هذا إلى بعض التفاعلات الكيميائية التي تتفاعل مع نظام المكافأة في أدمغتنا؛ ممَّا يسمح لنا بتلقي الشعور بالإنجاز، ويدفعنا هذا الشعور إلى تكرار العملية مرة أخرى من أجل تحقيقها؛ ولذلك، يساعدك التفكير في الجوانب الإيجابية اليومية -مهما كانت صغيرة- على تدريب عقلك ليكون أكثر إيجابية.

6. حدِّد أهدافاً واقعية:

عادة ما يحدد الساعي إلى الكمال أهدافاً غير واقعية، حتى ينتهي به الأمر إلى الشعور بالإحباط وعدم الكفاءة نظراً إلى صعوبة تحقيق الأهداف التي وضعها.

فلنفترض أنَّك ممثل تهدف إلى أن تصبح نجماً في هوليوود في غضون عام، أو كاتبٌ تريد نشر كتاب ناجح يتردد صداه لدى الناس خلال الأشهر الستة المقبلة قبل أن تكون قد كتبت كلمة واحدة؛ إنَّه لمن المؤكد أنَّك ستُصاب بالإحباط وخيبة الأمل؛ نظراً إلى صعوبة تحقيق هذه الأهداف في الوقت المحدد.

إنَّ تحديد الأهداف أمر رائع، لكنَّ رفع سقف الطموحات بصورة مبالَغ فيها قد يرسخ بداخلك مشاعر الإحباط والنقص؛ لذلك، ضع أهدافاً كما تشاء، ولكن ليس للدرجة التي تُشعِرك بالعجز وعدم الكفاءة.

إقرأ أيضاً: 5 قواعد ذهبية مثبتة علميًا في تحديد الأهداف

الخلاصة:

لن تستطيع التخلص من شخصية "الساعي إلى الكمال" الكامنة في داخلك، ولكن يمكنك تهذيبها وجعلها "مثالية بصورة مقبولة" من خلال وضع الصورة الكبرى في الاعتبار دائماً.

كلَّما بدأت التعمق في أحد جوانب مشروع ما أو أي شيء آخر، اسأل نفسك عن مدى تأثير كل هذا في النتيجة النهائية؛ وإذا وجدت أنَّ النتيجة النهائية لا تستحق الوقت والجهد، فاترك هذا المشروع فوراً، أو ابذل فيه جهداً ووقتاً أقل إن كان تنفيذه ضرورياً.

هذا مثال على "تكلفة الفرصة البديلة"، والتي تعني احتمالية الخسارة في جوانب عديدة بسبب التركيز المُفرِط على فكرة واحدة.

قد يوفر لك التراجع في الوقت المناسب الكثير من الوقت، ويُمكِّنك من التركيز على تحقيق نتيجة أفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة