كيف تتعلم التخلي عمَّا لا يمكنك التحكم به؟

سيترك كلُّ شيء تضطر إلى التخلي عنه آثاراً في حياتك، وقد يكون التخلي عن الأشياء التي لم تعد قادراً على السيطرة عليها أمراً صعباً للغاية؛ ومن المؤكد أنَّ الكثير منَّا يستطيع فهم هذا.



لا يريد معظمنا التخلي عن الأشياء التي يحبها؛ لذلك ننتظر حتى تُنتزَع من حياتنا قسراً، ونبقى متمسكين بها عقلياً وعاطفياً حتى ذلك الحين، وقد لا ندرك أنَّ التمسك بالأشياء يمكن أن يُلحِق الضرر بحياتنا.

يمكن للتمسك بأشياء لا يمكننا التحكم بها أن يسبب لنا الكثير من التوتر والتعاسة، كما يبقينا سجناء في الماضي، ويمنعنا من التطور وعيش حياتنا بحرية؛ لذا إذا أردنا أن نكون سعداء وأحرار، فعلينا تعلُّم التخلي عن تلكَ الأشياء.

سنكتشف في هذا المقال ما الذي يعنيه ذلك، ولماذا هو صعب للغاية، وكيف ستتحسن حياتك من خلال التخلي عن الأشياء التي لا تستطيع التحكم بها؛ وسنطلعك بعد ذلك على بعض النصائح التي ستساعدك على تعلُّم التخلي عن الأشياء بسهولةٍ أكبر، حتى تتمكن من عيش حياةٍ أكثر سعادةً وإشباعاً.

ما معنى التخلي عن الأشياء غير الهامة؟

غالباً ما نسمع أنَّنا بحاجة إلى التخلي عن شيء لا يمكننا التحكم به عندما يبدو أنَّه يسبب لنا مشكلات معينة؛ ولكن ما الذي يعنيه هذا التخلي بحق؟ لفهم هذا، نحتاج إلى فهم سبب ارتباطنا بالأشياء في المقام الأول.

التمسك هو ارتباطٌ عقلي وعاطفي بشيءٍ نعتقد أنَّنا نحتاجه أو نريده، وغالباً ما نتعلق بأشياء مثل: الناس أو الآراء أو النتائج أو الممتلكات المادية؛ وعادةً ما يكون سبب تمسُّكِنَا بهم هو أنَّنا نخاف من فقدانهم، أو من أنَّنا قد لا نتمكَّن من العيش من دونهم، ومن أنَّنا لن نكون سعداء إن حصل ذلك.

يخلط كثيرون منَّا بين المتعة الحسية (الإشباع العاطفي) وبين السعادة، إلَّا أنَّهما أمران مختلفان؛ إذ تأتي السعادة الحقيقية من التحرر من المعاناة، لا من المتعة الحسية؛ مع أنَّ مجتمعنا يفرض علينا فكرة أنَّنا إذا أنجزنا الأشياء أو حصلنا على أخرى تجلب لنا المتعة، فسنكون سعداء.

تكمن المشكلة في هذا النهج لإيجاد السعادة في أنَّ عواطفنا مؤقتة بطبيعتها؛ فمثلاً: سيتضاءل رضانا عندما تزول بهجة امتلاك سيارةٍ جديدة.

سنستمر بالتعلق بأشياء تجلب لنا المتعة الحسية حتى اللحظة التي نتعلم فيها كيف نجد الحرية من معاناتنا.

لذا، يعني التخلي التوقف عن تمسكنا بهذه الأشياء؛ ولا يعني هذا بالضرورة أنَّنا سنفقدهم، بل أنَّ لدينا ما يكفي من الإيمان بأنَّنا سنحصل على الأشياء الضرورية من أجل صمودنا في هذا العالم، وربَّما حتى نكون سعداء.

شاهد بالفيديو: 14 طريقة لتخلّص دماغك من الفوضى

لماذا يُعدُّ التخلي أمراً صعباً؟

هناك العديد من الأسباب التي تجعل التخلي عن الاشياء أمراً صعباً، أحدها أنَّنا نتعلق بها برومانسية، حيث نتغزل بهذا الأمر في أدبنا وموسيقانا وفنوننا وأفلامنا؛ فالتمسك بشخصٍ نحبه أمر رومانسي، ونحن نريد أن نشعر بالحب تجاه هذا الشخص إلى الأبد.

يجعل الخوف التخلي عن الأشياء صعباً أيضاً، فنحن نخاف ممَّا سيحدث لنا إذا فقدنا شيئاً نعتمد عليه لبقائنا أو سعادتنا؛ لذا نتمسك به بأفضل ما نستطيع.

بالإضافة إلى ذلك، التمسك عادة أيضاً؛ إذ إنَّ سلوكاتنا متأصلة فينا بعمق، بحيث نتمسك بها دون إدراك ذلك؛ بالإضافة إلى أنَّنا نخشى إعادة النظر إلى أنفسنا لأنَّنا قد لا نحب ما نراه.

هنالك سبب آخر يجعل التخلي أمراً صعباً جداً، وهو أنَّ هويتنا الذاتية مرتبطة بالأشياء التي نمتلكها؛ حيث تُبرِز عائلة جميلة ومنزل وسيارة وملكيات أخرى صورتنا للآخرين، والتي نأمل أن تكون صورة عن حياة ناجحة؛ كما ترتبط هويتنا الذاتية بآرائنا أيضاً.

يدمن بعضنا على الدراما، ويستمتع بتحكُّم عواطفه به؛ فنحن نحب بالتأكيد المشاعر الإيجابية، ولكن يمكن حتى للمشاعر السلبية جذبنا، فهي قد تجلب إلينا المتعة أيضاً، وقد تكون جزءاً من هويتنا.

وهم السيطرة:

يتداخل وهم السيطرة مع ارتباطنا بالأشياء؛ فنحن غالباً ما نعتقد أنَّه إذا حصلنا على كلِّ الأشياء والظروف المادية، سنكون سعداء؛ لذا نحاول التلاعب بالناس والظروف من أجل تحصيل ما نريده، وبالطريقة التي نريدها.

لكنَّ المشكلة في طريقة التفكير هذه هي أنَّه لا شيء يدوم إلى الأبد، ولا شيء يبقى على حاله إلى الأبد؛ فنحن نتعلق ببعض الأشياء التي نحبها، ونتوقع أن تبقى على حالها، ممَّا يؤدي دائماً إلى خيبات أمل في حياتنا.

الشيء الوحيد الذي نتحكم فيه في الواقع، هو: أنفسنا؛ لكنَّنا نتصرف كما لو كانت لدينا سيطرة على الآخرين، وليس على أنفسنا.

فوائد تعلُّم كيفية التخلي عن الأشياء غير الهامة:

لماذا يجب أن نتعلم التخلي؟ هناك مجموعة متنوعة من الأسباب؛ من بينها: الحرية، وبناء علاقاتٍ أفضل، واستمرار النمو الشخصي.

الحرية:

يقودنا التخلي إلى الحرية؛ وعندما نتعلَّم ذلك، نتحرر من مصادر آلامنا ومعاناتنا التي تعيقنا؛ فغالباً ما نتمسك بأشياء لم تعد تفيدنا، مثل العلاقات غير الصحية.

ربَّما كنَّا نستفيد من العلاقة في وقتٍ ما؛ ولكن ينفصل الناس في الغالب عندما يكبرون، إذ يكون الوقت قد حان للانتقال إلى علاقات أفضل.

العلاقات الأفضل:

العلاقات الصحية هي العلاقات التي يتمتع فيها كلا الشريكين بالحرية ليكونا على سجيتهما فعلاً.

يتحكم أولئك الذين يتمسكون بشركائهم بشدة بهم، ولا يُفسحونَ لهم المجال ليكونوا أحراراً، ويحاولون تحويلهم ليكونوا الشركاء المثاليين بالنسبةِ إليهم.

عندما نتخلى عن شركائنا، فلا يعني هذا أنَّهم سيتخلون عنا؛ بل أنَّنا نسمح لهم فقط بأن يكونوا كما يريدون، والأمر متروك لنا بأن نحبَّهم كما هم عليه أم لا.

عندما نتعلم التخلي، سنجذب أشخاصاً أسوياء إلى حياتنا، وهؤلاء لا يريدون أن يتواجدوا مع شخصٍ يريد خنقهم والتحكم بهم.

استمرار النمو الشخصي:

لا يمكننا المضي قُدماً إذا تمسكنا بشيءٍ ما، ولا يمكننا النمو عاطفياً إذا تمسكنا بشيءٍ نعتقد أنَّه يجلب إلينا السعادة؛ وإذا استمرينا بالتمسك بالأشياء من حولنا، سنبقى سجناء الماضي، لأنَّ الأشياء تتغير دائماً.

بينما تتعلَّم التخلي عن الأشياء، سيزداد احترامك لذاتك وثقتك بنفسك؛ وعندما تدرك أنَّك لن تموت بسبب التخلي عن الأشياء التي اعتقدت أنَّها ضرورية، بل ستتمكَّن من متابعة القيام بما هو أفضل لك.

إقرأ أيضاً: 5 أخطاء تدمّر الذات عليك أن تتجنبها

5. نصائح لتعلم كيفية التخلي:

إنَّ تعلم التخلي عن الأشياء ليس بالصعوبة التي قد تظنُّها، لكنَّ الأمر يتطلب بعض الشجاعة والتصميم؛ لذا إليك بعض النصائح لمساعدتك:

1. توقَّف عن لوم الآخرين:

كثيراً ما نلقي اللوم على الآخرين بسبب إخفاقاتنا، ونشعر في مثل هذه الحالات أنَّنا ضحية ظلم الآخرين لنا، رغم أنَّ الحال قد يكون كذلك بالفعل؛ لكن لا يجب أن نضيع حياتنا في انتظار الآخرين لإصلاح الضرر الذي ألحقوه بنا، فهم قد لا يرغبون بذلك، أو حتَّى لا يقدرون عليه.

الأمر متروك لنا لتحمل مسؤولية سعادتنا؛ لذا لا تنتظر أن يُصلِح الآخرون أمورك، ولا تنتظر منهم التصرف قبل أن تبدأ عيش حياتك.

2. اتَّخذ قرار التخلي:

لا يلزم الإقلاع عن التدخين عند بعض الأشخاص سوى اتخاذ القرار للقيام بذلك، فكثيراً ما نقول أنَّنا نريد تغيير شيء في حياتنا، ولكنَّنا نبذل القليل من الجهد لتنفيذه.

إذا كنت تريد بالفعل إجراء تغييرٍ في حياتك، فعليك أن تكون جاداً في ذلك، ويبدأ هذا باتخاذ قرار القيام به.

ستكون كتابة هذا القرار مفيدة؛ فمثلاً اكتب عبارة مثل: "لقد قرَّرتُ التخلي عن كذا وكذا"، أو "أنا أدركُ أنَّ التمسك بكذا يمنعني من التطور والسعادة".

يمكنك التوسع في هذا من خلال سرد مزيدٍ من المزايا التي ستحصل عليها، وكم أنت متشوق إلى فصل جديد في حياتك.

بمجرد كتابة بيان القرار، اطبعه وضعه في مكان تراه كلََ يوم، واكتبه في دفتر ملاحظات مرةً واحدةً في اليوم مثلاً، حتى تتأكد من أنَّك لن تعود عنه؛ حيث سيرسخ هذا في عقلك الباطن، ليبدأ السلوك الجديد في إظهار نفسه تلقائياً.

إقرأ أيضاً: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة

3. ثق بأنَّك ستكون على ما يرام:

أحد أسباب تمسكنا بالأشياء هو أنَّنا نعتقد أنَّنا بحاجةٍ إليها كي نحيا.

تذكَّر أنَّ التخلي عن الأشياء سيحررك من التمسك العقلي والعاطفي بشيءٍ ما، وهو لا يعني الاستغناء عن الأشياء مادياً؛ فنحنُ نتمسك أحياناً بالأشياء التي خسرناها بالفعل.

لقد فقدت أشياء كثيرةً في الماضي، وها أنت حيٌّ ترزق؛ لذا فإنَّ التخلي عن الأشياء لن يقتلك، ستكون قادراً حقاً على عيش حياتك وأنت متحررٌ من هذا الارتباط العاطفي.

ثق أنَّك ستكون بخير، فأنت لست الوحيد الذي يحتاج إلى وجود الأصدقاء بجانبه؛ لابدَّ أنَّ الكثير من الأشخاص الآخرين قد مروا بالتجربة نفسها، وقد نجوا.

4. تعلَّم الدرس وامضِ قُدماً:

الحياة عبارة عن سلسلةٍ من التجارب التي تهدف إلى تعليمنا الدروس الهامة؛ فعندما نرفض التخلي عن شيءٍ ما، فهذا لأنَّنا نرفض رؤية ما تحاول الحياة أن تُعلَّمنا إياه؛ ونشعر نتيجةً لذلك بأنَّنا سجناء.

عندما تواجه صعوبةً في التخلي عن شيءٍ ما، اسأل نفسك: ما الذي يمكنني تعلُّمه من هذه التجربة؟ قد لا تجد الإجابة على الفور؛ ولكن عندما تفعل، ستكون قادراً على التخلي عنه والمضي قدماً في حياتك.

5. تأمَّل:

يمكن للتأمل تحسين أيِّ موقف، ومساعدتنا على تهدئة عواطفنا وتوضيحها، ومَنحنِا القوة الداخلية للتخلي عن الأشياء، ومساعدتنا على البقاء هادئين وإيجابيين عندما تصبح الأمور خارجة عن السيطرة في حياتنا.

نحن نمنح عقولنا حين نتأمل استراحةً من كلِّ التحفيزات الحسية في حياتنا، ويؤدي الكثير من التحفيز الحسي إلى اضطرابِ تفكيرنا؛ ممَّا يؤدي إلى مشاعر غامرة. لذا يمكننا عن طريق تهدئة أفكارنا من خلال التأمل، التقليلُ من الأفكار التي تحفز مشاعرنا المؤلمة.

عندما نُهدِّئ أذهاننا، فمن الطبيعي أن تصبح الأمور أوضح؛ وكلَّما قلَّت الأفكار التي لا داعي لها، كانت معالجة مزيدٍ من الأفكار الهادفة أسهل.

يبدو الأمرُ كما لو أنَّك عالقٌ في ازدحامٍ مروري، في مقابل كونك على طريقٍ خالٍ من الازدحام؛ فعندما يكون عقلنا هادئاً، يصبح توضيح المسائل التي تهمُّنا أسهل بكثير.

عندما نُهدِّئ من روعنا ونكتسبُ الوضوح، نطوِّر قوةً داخلية عظيمة، ممَّا يمنحنا الحكمة واحترام الذات والثقة بالنفس؛ وتساعدنا هذه القوة الداخلية على التخلي عن الأشياء غير الصحية في حياتنا. لذا، جرِّب التأمل.

ليس عليك القيام به بطريقةٍ مثالية، أو لفتراتٍ زمنيةٍ طويلة؛ إنَّما كلُّ ما عليك فعله هو الجلوس بهدوء لبضع دقائق ومراقبة تنفسك. سيريح هذا عقلك، ويسمح لأفكارك بالاستقرار طبيعياً.

أفكار أخيرة:

قد يكون التخلي عن الأشياء صعباً حقاً، بل ومخيفاً حتى؛ لكن وخلال مسيرة حياتنا، سيتوجَّب علينا التخلي عن أشياء كثيرة نعتقد أنَّنا نحتاجُها للصمود، وسنصمدُ بالرغمِ من تخلينا عنها، ونكون سعداء للغاية بذلك.

لقد تعلَّم الآخرون التخلي عن أشيائهم الخاصة، ويمكنك فعل ذلك أيضاً؛ إذ يصبح هذا أسهل مع الوقت والتجربة، وستتمكن بمُجرَّد أن تُدرِك كم يُمكنك تحرير نفسك من خلال تخليك عن بعض الأشياء وتحقيق بعض النجاحات جرَّاء هذا التخلي، من فعل ذلك قبل أن تتسبب لك بضررٍ كبيرٍ.

المصدر




مقالات مرتبطة