كيف تتعامل مع الضغوطات؟

يتعرض رواد الأعمال، ورجال الأعمال، والقادة اليوم لضغوطات هائلة في حياتهم المهنية والشخصية، من تحقيق أهداف محددة، وتسليم النتائج في مواعيدها، والرغبة في تخفيف الوزن، وممارسة التمرينات الرياضية لتحسين الصحة، وحتى الحفاظ على العلاقات الشخصية والمهنية وغيرها، والتي تُشكِّل جميعها ضغوطات نفسية تؤدي بدورها إلى القلق والتوتر.



التوتر هو آلية تطور طبيعية تُنشِّط استجابة الكر أو الفر عند التعرض للخطر ساعدَت أسلافنا على النجاة منذ ملايين السنين؛ إذ كان هناك خطر محدق بالإنسان دوماً حينها، سواء كان ذلك الخطر الحيوانات البرية والأفاعي، أم الأعاصير، أم النباتات السامة، وهكذا تَطوَّر لدينا دماغ الزواحف - وهو اسم مُعطَى للعقد القاعدية في دماغ الإنسان وفقاً لنموذج الدماغ الثلاثي - لمواجهة مواقف تهدد حياتنا، مثلاً: حين لاحقَ نمر جائع الإنسان القديم، ولكن لا نمور تتربص بنا اليوم، وعوضاً عنها نواجه الاجتماعات مع العملاء والتقارير التي علينا تسليمها والأهداف التي يجب أن نحققها.

يفرز دماغنا في مثل هذه الحالات "الأدرينالين" (adrenaline)، وهي مادة كيميائية تؤدي إلى مجموعة من التغيرات، بهدف استنفار الجسد وتهيئته لمواجهة الخطر بأفضل شكل ممكن، ورغم أنَّنا لا نتعرض لهذا النوع من التهديدات اليوم، لكن لم تتغير ردات فعل الدماغ البشري منذ آلاف السنين، وهذا يحصل لنا في مواقف مثل: بدء عمل جديد، أو الاستقالة من منصب، أو تقديم عرض أمام مجموعة من المستثمرين؛ إذ تنشط غريزة البقاء فتمنعنا من اتخاذ قرارات سليمة؛ لذلك من الضروري أن تتعلم كيف تتعامل مع التوتر، وسنستعرض في مقالنا هذا استراتيجيات تساعدك على فعل ذلك.

تحديد مصدر القلق وتصنيفه:

أول ما يجب أن تتعلمه هو أن تُفكِّر ثمَّ تستجيب، لا أن تسمح لردة فعلك التلقائية بالتحكم بأفعالك؛ فردَّات الفعل العفوية هذه دون إدراك واعٍ لها هي سبب القرارات الخاطئة، ولتستجيب بشكل واعٍ، يجب أولاً أن تُحدِّد مصدر القلق وتصنِّفه ضمن أحد الحقول التالية تبعاً لنوعه:

  1. حقل التحكم: هذه هي الضغوطات التي يمكِنك السيطرة عليها أو تغييرها؛ فأنت المسؤول الوحيد عن حصولها أو تنفيذها، على سبيل المثال: المهام المحددة الموكلة إليك، أو المشاريع المسؤول عنها لوحدك.
  2. حقل القلق: هنا تُصنَّف الضغوطات التي لا يمكِننا التأثير فيها بأيِّ شكل أو تغيير نتيجتها، على سبيل المثال: الطقس، أو الوضع الاجتماعي السياسي أو الاقتصادي، أو الأنظمة الحكومية، وغيرها.
  3. حقل التأثير: لا تعتمد نتائج هذه الضغوطات علينا كلِّيَّاً، لكن يمكِننا التأثير فيها، على سبيل المثال: المشاريع، أو النشاطات التي نتشارك مسؤوليتها مع شخص آخر، أو فريق عمل.
إقرأ أيضاً: كيف تتعلم التخلي عمَّا لا يمكنك التحكم به؟

استراتيجيات التعامل مع الضغوطات:

يمكِن تصنيف جميع الضغوطات النفسية ضمن أحد الحقول السابقة، ولكلِّ واحدة استراتيجية مناسبة للتعامل معها:

1. المبادرة:

للتخلص من ضغوطات حقل التحكم، عليك أن تكون مبادراً، فكل ما يشمله هو أمور تستطيع السيطرة عليها وتقع ضمن نطاق مسؤولياتك؛ لذا ابدأ العمل على حلها مباشرة، وكلما سارعتَ إلى معالجة الوضع أو إنجاز المهمة، سيتبدد الضغط المصاحب لها، على سبيل المثال: إن كنتَ تخشى التأخر عن اجتماع هام، فعليك مغادرة المنزل باكراً، أو إن كان لديك مشروع يجب تسليمه قريباً، فعليك أن تبدأ العمل عليه لا أن تؤجله حتى آخر دقيقة، فطالما أنَّ مصدر الضغط خاضع لسيطرتك، فعليك معالجته بأسرع وقت ممكن.

2. التوقف عن القلق:

للتخلص من حقل القلق، عليك أن تتوقف عن القلق، فلا يمكِنك التحكم أو تغيير أيِّ شيء متعلق بهذه الضغوطات؛ لذا ليس هناك منطق في القلق بشأن أمرٍ خارج عن سيطرتك؛ فلا فائدة من التفكير في التغيرات السياسية والاقتصادية طالما ليس بيدك حيلة، وبالطبع تطبيق هذه الاستراتيجية ليس بتلك البساطة؛ إذ تؤدي المشاعر دوراً فيها؛ لذا عليك أولاً أن تتعلم ضبط مشاعرك والتحكم بها، وقد يكون ذلك أسهل بالنسبة إلى بعض الأشخاص من غيرهم؛ فإذا كنتَ إنساناً عاطفياً ويصعب عليك ضبط مشاعرك، فننصحك بممارسة التأمل، لأنَّه سيساعدك على تمرين "القشرة المخية الجديدة" (cerebral neocortex) مما يمنحك تحكُّماً أفضل بمشاعرك.

3. مزيج من المبادرة والتوقف عن القلق:

أما بشأن حقل التأثير، فأنت بحاجة إلى تطبيق مزيج من الاستراتيجيات السابقة، ففي هذا النوع من الحالات التي نتشارك فيها المسؤولية، يجب أن تكون مبادراً لتحاول التأثير في النتيجة بقدر ما تستطيع، لكن إن لم تكن النتيجة كما تتوقع، فيجب أن تتحكم بمشاعرك كي لا تصبح هي الأخرى مصدر ضغط خارج عن سيطرتك، على سبيل المثال: إن كنتَ فرداً من فريق عمل، فيجب أن تبذل قصارى جهدك كي تضمن أفضل نتائج ممكنة، وإن لم تُحقِّق نتيجةً جيدة رغم ذلك، فيجب أن تسيطر على نفسك وتتوقف عن التفكير بما قد حدث ومن الممكن أن يَحدث.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح للقضاء على القلق والعيش بسعادة وراحة

هناك أشخاص يعيشون تحت ضغط دائم بسبب أمور لا يستطيعون السيطرة عليها، ويصبُّون كامل تركيزهم على الأمور داخل حقل القلق، فهذا النوع من الأشخاص هم الذين يعانون من الاكتئاب والإجهاد المزمن.

الهدف هنا هو تطبيق استراتيجية مناسبة وفقاً لمصدر التوتر وتدريب عقلك على التركيز على الأمور الواقعة ضمن مجال سيطرتك، وصحيح أنَّه يستحيل إزالة جميع مسببات الضغط من دائرة التأثير والقلق، ولكن يمكِنك تخفيض عددها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة