كيف تتخلص من العصبية وتحتفل بالهدوء؟

صارحنا القول: "كم فقدتَ فرصاً هامة خلال مسيرة حياتك من جراء فقدان سيطرتك على انفعالاتك ورضوخك المستمر إلى نوبات غضبك الجنونية التي لا تطاق؟"، "كم عدد المرات التي حاولتَ فيها العدول عن تصرُّفك اللَّامسؤول والاعتذار من الطرف الآخر إلَّا أنَّك تُقابَل بالرفض والنفور من قِبله، فقد نال نصيبه من الجروح والإهانات ما يمنعه حتَّى من النظر إلى وجهك مجدداً؟".



نحن نخسر الكثير من العلاقات الإنسانية في حياتنا نتيجة سوء إدارة نوبات غضبنا وانفعالاتنا، ونصاب بالكثير من المشكلات الجسدية والنفسية نتيجة استخدامنا التعابير القاسية والسلوكات الحادة، ونبرمج ذواتنا على التعامل القاسي، وكأنَّ العنف المصدر الأساسي لاسترجاع صورتنا الاجتماعية أو مكانتنا المُعتدَى عليها، وكأنَّنا نُرسِّخ المشاعر السلبية في ذواتنا والتي يترأسها مشاعر الحقد والغل التي لا يمكن أن تُشفَى إلَّا باتباع أقسى الإهانات والتعبيرات ضد الآخرين.

هل أستطيع الوصول إلى الهدوء، بحيث أتحكَّم في انفعالاتي، وأحسن الظن بالآخر، ولا أربط قيمتي بكلام الآخرين عني، وأصنع التفسيرات المنطقية للموقف التي تحافظ على هدوئِي وتوازني؟

إن كنت مهتماً في معرفة الإجابة؛ تابع معنا هذا المقال.

الغضب:

الغضب انفعال يشعر به الإنسان لتحفيزه على العمل والسعي، كأن يغضب شخص ما نتيجة حصوله على نتائج متدنية في العمل، أو يغضب لتأخره عن الوصول إلى أهدافه المخططة. يشجِّع هذا النوع من الغضب الإنسان على البحث والعمل من جديد، ولكنَّه يتحول إلى غضب مدمِّر في حال أدَّى إلى إعاقة حقيقيَّة في حياته، كأن يغضب الإنسان ويتوتر كثيراً بحيث لا يستطيع العمل بكفاءة، أو كأن يُثَار من أتفه الأمور دون امتلاك السيطرة على أعصابه، ممَّا يؤدي إلى نفور الآخرين منه.

الإنسان الغضوب هو ذلك الذي يتعدَّى الخطوط الحمراء، فلا وعيٍ يُوقِفه ولا حدٍّ يردعه؛ إنَّه عبد اللاوعي الثائر دون أن يملك أدنى سيطرة على ألفاظه أو تصرفاته.

إقرأ أيضاً: العصبية عند النساء: تعريفها، أعراضها، أسبابها، أضرارها، وطرق علاجها

الهدوء:

الهدوء هو عكس الغضب، أي القدرة على المحافظة على الوعي في أثناء لحظات الانفعال، وعلى إدارته وتحويله إلى شكل مقبول وراقٍ.

لقد تشوَّه مفهوم الهدوء في مجتمعنا وبات يُنظَر إلى مَن يتحكَّم في انفعالاته على أنَّه شخص ضعيف وهش، أو يوصف بأنَّه "بارد" و"عديم الإحساس"، في حين يُنظَر إلى مَن يستخدم سلطة القوة والألفاظ النابية والتعبيرات الحادة على أنَّه قوي ومدافع شرس عن حقِّه، وكأنَّك لا يمكنك الدفاع عن حقك بهدوء وتوازن.

لماذا تغضب؟

1. التوقعات العالية:

يتبنَّى الكثير من الأشخاص معاييرَ عالية غير متلائمة مع واقعهم وإمكاناتهم، ويعقدون الآمال على المحيطين بهم، الأمر الذي يصيبهم بالصدمات النفسية وبنوبات من الانفعال والغضب المحموم في حال عدم تلبية الآخرين لتوقعاتهم، وعدم توافق المعايير الموضوعة مع ظروف الحياة المحيطة بهم.

2. فقدان الذكاء الأخلاقي:

يعدُّ الكثير من الأشخاص أنَّ الغضب وسيلة لاسترجاع الحق المهدور، فيميلون إلى استراتيجية "التعامل بالمثل" بحيث يضربون مَن يضربهم، ويشتمون مَن يشتمهم، الأمر الذي يجعل أخلاقهم ضعيفة وقيمهم هشة، ولا يدري أولئك أنَّ الذكاء الأخلاقي من أهم أنواع الذكاء القائم على المحافظة على القيم والأخلاق مع ابتكار طريقة لائقة للدفاع عن الحقوق دون اللجوء إلى القوة والعنف.

إقرأ أيضاً: أنواع الحيل الدفاعية النفسية ومنشؤها

3. التجارب الطفولية:

إن اعتدتَ على الصراخ والبكاء بينما كنت طفلاً من أجل الحصول على ما تريد، فهناك احتمال كبير لاستمرار هذا السلوك السلبي إلى حين مرحلة بلوغك ورشدك.

4. التقليد:

قد تنشأ في بيئة أسرية غير واعية، كأن يكون الأب أو الأم من النوع الغضوب والانفعالي، الأمر الذي يزيد من احتمالية تشرُّبك لهذه الخصلة السلبية؛ حيث يحاكي الطفل سلوك أبويه تماماً.

5. نظرية الطبع:

يتبنَّى الكثيرون مقولة: "لا يمكن أن يتغيَّر طبع الإنسان؛ فمَن طبعه عصبي وانفعالي؛ سيحافظ على طبعه ذاك مدى العمر"، في حين أنَّه لا يوجد شيء دائم في الحياة، فالتغيير أساس الحياة وجوهرها؛ لذلك في إمكان الإنسان تغيير أي طبع سلبي لديه بالإرادة القوية والالتزام.

6. عدم احترام حق الرفض:

لا يحترم مَن يغضب بشدة حق الآخر في الرفض؛ بل يتَّبع أسلوب الإكراه؛ حيث يجبر الآخرون على تنفيذ تعليماته، ويصاب بالجنون في حال رفضهم تنفيذها، أو في حال امتلاكهم وجهة نظر مختلفة عنه، ولا يملك أدنى احترام لاحتياجات الآخرين ورغباتهم وأولوياتهم.

7. الضغوط المتزايدة:

يسبب تراكم الضغوط الحياتية على الإنسان مع عدم وجود آلية فعالة لإدارة الوقت؛ الإحساس الدائم بالغضب والانفعال.

كيف أصل إلى الهدوء؟

1. تقنية خداع العقل:

يملك الكثير من الأشخاص فكرة مفادها "لن أهدأ إلَّا إذا حطَّمتُ الزجاج أو الباب"، معتقدين بفعالية هذا السلوك في تهدئة الأعصاب؛ إذاً لكي يصل شخص ما من ضمن المجموعة السابقة إلى الهدوء؛ عليه أن يخدع عقله بتبني أسلوب جديد؛ فعوضاً عن تحطيم الباب في لحظة العصبية؛ سيقوم بالركض مثلاً أو ممارسة الرياضة القاسية؛ كنوع من تحويل طاقة الغضب إلى طاقة حركية مفيدة.

2. التفسير:

عندما تغضب كثيراً من موقف ما؛ فتأكد أنَّك مَن فسَّره تفسيراً سلبياً، وكن واثقاً أنَّك ستحظى بمشاعر إيجابية في حال غيَّرتَ تفسيرك له، على سبيل المثال: في حال تحدَّث شخص ما من عائلتك معك بطريقة هجومية وقاسية، فبدلاً من أن تثور غضباً عليه؛ تستطيع أن تلتمس له العذر؛ كأن تقول: "لعلَّه غاضب وهجومي؛ وذلك لأنَّه يختبر مرحلة قاسية في عمله".

يساعدك صنع تفسيرات مختلفة لموقف الطرف الآخر نحوك؛ على الهدوء ومن ثمَّ بناء ردة فعل عقلانية ومنطقية حيال الأمر.

إقرأ أيضاً: ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

3. المثيرات:

عليك أن تحدد المثيرات التي تثير غضبك، مثل الجوع، الصراخ، الثرثرة، بكاء الطفل وما إلى ذلك، ومن ثمَّ تعمل جاهداً على تخفيض تعرُّضك لها، أو أن تتدرَّب على التعامل معها بطريقة مختلفة، كأن تتخيَّل نفسك جائعاً إلَّا أنَّك مرتاح وغير غاضب، أو تتخيل طفلك يبكي كثيراً إلَّا أنَّك متماسك الأعصاب ولم تضربه، ومن ثمَّ تقوم بتكرار هذه الصورة يومياً، إلى أن يتبنَّاها عقلك ويطبقها على أرض الواقع.

4. الاسترخاء:

للغضب مراحل ثلاث؛ ما قبل الغضب وفي أثنائه وبعده، ويندم أغلب الناس بعد نوبة الغضب المجنونة التي يقومون بها، لذلك سيطِر على المرحلة التي تسبق الغضب، فهي المرحلة التي يكون فيها الوعي موجوداً، فابتعد عن المثير، واتَّخذ لك مكاناً هادئاً واسترخِ، وتنفس بعمق وتخيل نفسك في وضع إيجابي، كأن تتخيل نفسك على شاطئ البحر والأمواج ترتطم بقدميك.

شاهد بالفديو: 6 طرق لتصفية ذهنك

5. الكتابة:

اعترف بمشاعر الغضب واكتبها، فالكتابة أكبر مفرِّغ للطاقة السلبية، فاكتب الموقف الذي تعرَّضت له، وردة فعلك تجاهه، ومن ثمَّ اسأل نفسك عن ردة الفعل التي كان يجب عليك القيام بها للحفاظ على هدوئك وتوازنك.

في الختام:

ازرع في أسرتك قيمة "الهدوء" فهي من أعظم القيم على الإطلاق؛ حيث يحترف الإنسان الهادئ الحياة ويعشق الاحترام والتقدير، ويسعى جاهداً إلى القرب من الله، في حين يبتعد الشخص الغضوب عن الله وكذلك عن الأشخاص وتتشوَّه نظرته إلى الحياة بكل تفاصيلها.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة