كيف تتخلص من العادات السيئة؟

بدلاً من التخبط في الحياة، يجب أن نلاحظ ونُقيِّم كيف تُحدِّد العوامل التي تأثرنا بها شكلَ أفعالنا؛ حيث يعتقدُ الكثير من الناس أنَّه من الممكن تغيير أفكارهم من خلال تحديد هدفٍ ما، ثم توجيه أنفسهم؛ ليكونوا أكثر تركيزاً أو صبراً أو حضوراً أو انضباطاً؛ إنَّهم مُخطئون، وأيُّ شخصٍ لم يفِ بالعهود التي قطعها على نفسه عشيَّة رأس السنة يعرف ذلك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب نيل تشيلسون (Neil Chilson)، والذي يُحدِّثُنا فيه عن كيفية التخلُّص من العادات السيئة.

كما تعلَّمتُ في أثناء قيامي بالبحث من أجل كتابي الجديد "الخروج عن السيطرة: القيادة الناشئة في عالمٍ معقَّد" (Getting Out of Control: Emergent Leadership in a Complex World)، يفشل الناس عادةً في التغيير؛ وذلك لأنَّهم يسعون إلى السيطرة على ما لا يمكنهم التحكم به، ويدرك معظم الناس أنَّهم لا يستطيعون السيطرة الكاملة على الاقتصاد أو الثقافة أو ما يفعل الآخرون، ولكن لا يدرك الجميع أنَّنا لا نستطيع حتى السيطرة على أنفسنا بالكامل.

لماذا لا نستطيع السيطرة على أنفسنا؟ ذلك لأنَّ كلَّ واحدٍ منا هو نظامٌ تكيفيٌّ مُعقَّد فيه خصائص ناشئة، بهذا المصطلح يبيِّن العلماء أنَّك أكثر من مجرَّد حصيلةٍ لأجزائك المختلفة.

تُشكِّل جميع الأنظمة البيولوجية في جسمك، وحلقات التغذية الراجعة النفسية في عقلك، والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية التي تشارك فيها، الكيانَ الذي أنت عليه الآن وتؤثر فيه، وغالباً ما تؤدي محاولات التحكم المباشر بهذه الأنظمة إلى تحقيق هدفٍ معيَّن إلى نتائج مُعقَّدة لا يمكن التنبؤ بها، وكلَّما كانت محاولة التغيير أكبر، زادت التغذية الراجعة من أنظمتك الحالية؛ وذلك لأنَّها تقاوم التغيير.

1. التركيز:

لحسن الحظ، يمكنك التحكم بما تهتم فيه، حتى لو كان ما تفعله بدافع العادة، فهذه القدرة على تركيز عقلك الواعي على ما تفعله هي عاملٌ قويٌّ لتغيير نفسك كما تبيَّن.

لن يجعلك أحدٌ تركز على أي شيء، فقد تختار الانسياق وراء المؤثرات من حولك، فإذا كانت الأنظمة المحيطة بك داعمة وإيجابية، فقد يتحول هذا الأمر إلى "شيءٍ جيد"؛ بمعنى أنَّه قد يكون لديك حياةٌ مريحة ومزدهرة وناجحة ظاهرياً، لكنَّ الكثير من الأنظمة التي تحيط بالناس غير سليمة.

وبصرف النظر عن مدى دعم البيئة المحيطة بنا ورعايتها لنا، فإنَّنا كبشر نشعر بالإشباع أكثر، عندما نحسِّن بشكلٍ واعٍ من أنفسنا والأنظمة التي نشارك فيها.

يبدأ التحسين بإيلاء الاهتمام، فبدلاً من الانجرار إلى المشتتات في الحياة، يجب أن نبدأ بمراقبة وتقييم كيفية تشكيل المؤثرات لأفعالنا.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتحسين مدى انتباهك وتركيزك

2. تغيير البيئة المحيطة:

تتمثل إحدى الطرائق العمليَّة لاختبار المؤثرات وتغييرها في تشكيل بيئتك بشكلٍ واعٍ.

عندما كنتُ مراهقاً صغيراً، قمتُ بتسليم الصحيفة المحليَّة إلى ما يقرب من خمسين شخصاً من جيراني في التجمُّع السكني في إحدى الضواحي في شمال ولاية نيويورك، كنتُ أَعبُرُ فناء أحد الجيران مشياً على مساحةٍ أرضية خالية من الأعشاب بجانب رصيف المنزل يومياً، وتساءلتُ، في أحد الأيام التي كانت الفلسفة تسيطر فيها على تفكيري، عمَّا إذا كنت أَمرُّ من هناك يومياً لأنَّه كان خالياً من العشب، أم أنَّه كان خالياً من العشب لأنَّني أمر من هناك يومياً؟

وفجأةً أدركتُ أنَّ كلاهما صحيح، فأنا أقوم بتشكيل الكون وهو يعيد تشكيلي مرةً أخرى، ومعرفة ذلك أمرٌ مبهج بعد توزيع الجرائد في ظهيرة ذلك اليوم.

وبالمثل، يمكننا تغيير أنفسنا بطرائق مستدامة ومعزَّزة إذا بذلنا جهداً واعياً لإنشاء "مساحات خالية" في بيئتنا، والتي من شأنها أن تشجعنا على العودة، وإذا استطعنا وضع أحجار الأساس واحدةً تلو الأخرى في الاتجاه الذي نريد الذهاب إليه، سنجد أنفسنا نسير في هذا الطريق تلقائياً.

إقرأ أيضاً: كيف تغير حياتك نحو الأفضل؟

3. بناء الأساليب والعادات:

تُصبح فكرة تشكيل بيئتنا من أجل تشكيل أنفسنا أكثر سهولة إذا فكَّرنا في العادات على أنَّها جزءٌ من بيئتنا، وهو جزءٌ خاص من البيئة يكون أكثر مرونة وخاضعاً لتأثيرنا بشكلٍ مباشر.

عندما نُشكِّل العادات، فإنَّنا ننقل شيئاً ما من عملية اتخاذ القرار الواعية إلى بيئتنا، وإنَّ هذا التكوين اللاواعي، والطبيعة الناشئة للعادات، هما ما يجعلاها قوية جداً وخطيرة، فهي قويَّة؛ وذلك لأنَّ أدمغتنا يمكنها تجميع كميَّة ضخمة من البيانات في روتينٍ مفيد يوفِّر الوقت والطاقة.

لكنَّ العادات خطيرةٌ أيضاً؛ وذلك لأنَّها تُزيل السيطرة الواعية عن قراراتٍ وأفعالٍ معينة، وهذا يمكن أن يقودنا إلى الشُّعور بأنَّنا خارج نطاق السيطرة على أفعالنا.

ونظراً لأنَّ العادات هي نتيجة لعملية ناشئة، فإنَّها تستغرق وقتاً في البناء، فخطوةٌ واحدة على طريق توزيع الجرائد، تتكرَّر يومياً، تُشكِّل في النهاية المساحة الخالية، ولكن بمجرَّد تأسيسها، تكون العادات مرنة جداً مع الظروف المتغيرة، ومن ثم نستمر في المضي فوق تلك المساحة.

عندما نتقبَّل أنفسنا على أنَّها نُظمٌ معقدة ذات خصائص ناشئة، يصبح من الأسهل رؤية أنَّ تطوير الذات لا يعني تحقيق سلسلةً من الأهداف؛ بل هو نتيجة تحسين عملياتنا وأنظمتنا الواعية وغير الواعية؛ أي عاداتنا.

في النهاية، يبدأ تحسين أنفسنا بفهم ما يمكننا وما لا يمكننا التحكم به، وإنَّ قوة الإرادة المطلقة ليست كافية لإحداث تغييرٍ كبير؛ بل يجب أن نعمل بإصرار وتدريجياً، لتحويل السلوكات التي نرغب فيها إلى عادات، وإراحة أذهاننا الواعية ورسم مسارٍ لنتبعه في المستقبل.

إذا قمنا بزيادة وعينا بما نقوم به وفكَّرنا في التحسين على أنَّه عملية وليست نتيجة، فيمكننا عندها بناء عاداتٍ أفضل، وتشكيل بيئتنا، وتغيير أنفسنا.

المصدر




مقالات مرتبطة