كيف تتخلص من التشتت في أثناء التعلم؟

يُعَدُّ التشتت في أثناء التعلم من أكبر معوقات التحصيل العلمي، ويعني عدم القدرة على التركيز في المادة التعليمية والانشغال عنها بأفكار أو أشياء جانبية ثانوية، والتشتت في أثناء التعلم حالة شائعة ومنتشرة بين أوساط الطلاب انتشاراً كبيراً، ولكنَّها في أيامنا هذه تزداد أكثر فأكثر، كون عقولنا تتعرض يومياً لضخٍّ معلوماتي هائل عبر هواتفنا الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي.



على الرغم من أنَّ التشتت في أثناء التعلم ظاهرة طبيعية، إلا أنَّ تجاوزها الحد المنطقي يؤثر تأثيراً كبيراً في عملية التعلم ويسبب هدر الوقت والطاقة؛ لذا فإنَّنا قررنا أن نسلط الضوء على علاج هذه الظاهرة في هذا المقال، ونخبرك كيف تتخلص من التشتت في أثناء التعلم.

تعريف التشتت:

قبل الحديث عن علاج التشتت في أثناء التعلم لا بد من تعريف التشتت بوصفه مفهوماً عاماً؛ فهو الانشغال عن أداء المهمة الرئيسة التي عزمنا على القيام بها بمؤثرات جانبية لا قيمة لها، وفي موضوع التعلم تحديداً يعني التشتت في أثناء التعلم الانشغال بأشياء جانبية عن حضور المادة التعليمية أو مذاكرتها أو أداء واجباتها، فبدل أن تفتح جهازك الحاسوبي على موقع جامعتك أو المنصة التعليمية التي تدرس فيها، تفتح منصات التواصل الاجتماعي أو "يوتيوب"، وتمضي الوقت الذي خصصته للتعلم أو جزءاً منه في شيء غير التعليم، كالتسلية والتواصل.

يشمل التشتت في أثناء التعلم الشرود الذهني في أثناء الاستماع للمحاضرات، وكتابة خواطر ومذكرات بدلاً من كتابة الواجبات، والانشغال بالأحاديث الجانبية في منتديات الحوار التعليمية، وهذا ما يسبب انخفاض الإنتاجية التعليمية، فبدل أن تنهي مذاكرة درسين من واجباتك تنهي واحداً فقط أو أقل، كما يسبب التشتت في أثناء التعلم صعوبة في فهم المواد الدراسية التي تشتت الطالب في أثناء حضورها، فتغيب عن ذهنه مفاتيحها وتقنيات استيعابها.

أسباب التشتت في أثناء التعلم:

قبل الدخول في علاج التشتت في أثناء التعلم من الضروري أن نعرِّج على أسباب التشتت في أثناء التعلم لنحيط بها وندرك كيفية اتخاذ قرارات سليمة تصب في إبطال مفعولها، ومن أسباب التشتت في أثناء التعلم نذكر ما يأتي:

1. فقدان الدافع:

من أسباب التشتت في أثناء التعلم فقدان الدافع نحو عملية التعلم، وهذا يعني قلة وعي المتعلم لأهمية العملية التعليمية، وكثيراً ما نلمس هذا السبب في التعليم الإلزامي؛ إذ تكون إلزامية التعليم أو الضغوطات الأسرية هي السبب الذي يدفع الطالب للالتحاق بالصف التعليمي، أما في حالات التعلم الذاتي فنجد نسبة وجود هذا السبب أقل بكثير؛ وذلك بسبب كون الشغف والرغبة بالتعلم هما الدافع الرئيس للطالب وراء نيل العلم، فنراه متيقظاً بكل حواسه لتلقف المعلومات والاحتفاظ بها.

شاهد بالفيديو: طريقة تطوير التعلم الذاتي

2. أسباب صحية:

قد تكون أسباب التشتت في أثناء التعلم صحية؛ إذ تؤثر العديد من الاضطرابات والأمراض الجسدية في عملية التركيز عند الطالب، ومنها قلة النوم ونقص فيتامين ب 12 وارتفاع درجة الحرارة والإصابة بمرض السكري واضطرابات الغدد ونقص حمض الفوليك أو الحديد أو فقر الدم والسمنة وسوء التغذية والتدخين ومشكلات السمع والرؤية، وغيرها من الاضطرابات الجسدية التي تعزز صحة مقولة "العقل السليم في الجسم السليم".

أي اضطراب أو ألم مهما كان نوعه سيسبب انشغال تركيز الدماغ عن العملية التعليمية، ومن ثمَّ فإنَّه يسبب التشتت في أثناء التعلم، ويندرج ضمن الأسباب الصحية الإصابة باضطرابات الدماغ والتوحد ونقص الانتباه وفرط الحركة.

3. أسباب نفسية:

قد تكون الأسباب النفسية جزءاً من أسباب التشتت في أثناء التعلم، وهي تسبب انشغال الدماغ عن معالجة المعلومات الدراسية التي تُطرَح أمامه بمعالجة القضايا والأفكار التي تفرضها الحالة النفسية، فعلى سبيل المثال نذكر الاضطرابات العاطفية والمشكلات الأسرية والهموم الحياتية وانعدام الشعور بالأمان والاكتئاب والإرهاق الشديد وغيرها من الأسباب النفسية التي تعوق عملية التركيز وتسبب التشتت في أثناء التعلم، فلا يمكن لطفل يعيش في بلد يخوض حرباً ويسمع أصوات القصف وإطلاق النيران حول مدرسته أن يركز في المادة التعليمية.

4. أسباب لوجستية:

تندرج الأسباب اللوجستية ضمن أسباب التشتت في أثناء التعلم، ونذكر منها تغيير المدرسة أو ضعف الإضاءة أو تغيير مكان الدراسة أو وجود فوضى؛ إذ يصعب على بعض الناس التركيز في مكان فوضوي، ويضاف إليها الضجيج، وقلة اعتياد الإنسان على التركيز، وهنا سوف نوضح بأنَّ لكل إنسان فترة تركيز محددة تتناسب مع عمره وتمرنه على التركيز، فالأطفال في سن العامين يستطيعون الاحتفاظ بتركيزهم لمدة 5 دقائق مثلاً ومن ثم يتشتتون، لكن بالتمرين تزداد مدة تركيزهم، ويمكن أن يصلوا إلى تركيز مدته ربع ساعة في سن ثلاث سنوات.

لكنَّ طفلاً في الثالثة لن يستطيع التركيز لمدة ربع ساعة إذا لم يتلقَّ تمرينات أو ألعاب للتركيز من قبل، والأمر ذاته ينطبق على البالغين، فالمعتادون منهم على القراءة التي تُعَدُّ نشاطاً يتطلب التركيز يستطيعون ضبط تشتتهم في أثناء التعلم، لكن قلة التمرين والقراءة تسبب ضعف التركيز، ومن ثمَّ التشتت في أثناء التعلم.

علاج التشتت في أثناء التعلم:

فيما يأتي بعض الممارسات التي تساهم في علاج التشتت في أثناء التعلم:

1. الوعي لأهمية العملية التعليمية:

من أجل علاج التشتت في أثناء التعلم لا بد من النظر إلى الهدف من العملية التعليمية، فالتعليم ليس مجرد معلومات نحفظها لنذاكرها فيما بعد وننجح في اختباراتها فحسب؛ بل إنَّه منهاج مدروس من أجل بناء سلسلة تراتبية من المعلومات تهدف إلى تكوين معرفة بموضوع ما؛ لذا فمن الضروري أن ننظر إلى الهدف البعيد لعملية التعلم.

دخول كلية الإعلام مثلاً لا يعني حفظ المحاضرات عن ظهر قلب واجتياز التدريبات والاختبارات فقط؛ بل إنَّه إعداد لشخصية ستتولى مهمة الظهور على الشاشة وتقديم البرامج أو الأخبار بطريقة تؤثر في الجمهور وتوجه ذهنه لتبني رؤية معينة، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى عملية تناول الطعام، فهو أكثر من كونه كمية ومذاقاً، إنَّه غذاء لخلايا الجسم.

2. وضع أهداف منطقية:

في علاج التشتت في أثناء التعلم لن تضع لنفسك خطة دراسية تقتضي بإنهاء مذاكرة كتاب كامل خلال ساعة من الزمن، فهذا الهدف غير المنطقي سيشعرك بالإحباط وسيقتل عزيمتك تجاه التعلم، فضع لنفسك هدفاً منطقياً قصير الأمد مثل مذاكرة 10 صفحات خلال ساعتين، وإياك أن يكون الهدف متراخياً وسهلاً؛ لأنَّ لذلك يؤثر سلباً في التعلم ويدخلك في دوامة التسويف، فضع أهدافاً منطقية، لا مستحيلة ولا سهلة جداً، واجعل الأمر تحدياً بينك وبين ذاتك.

3. تنظيم الوقت:

لا يمكن علاج التشتت في أثناء التعلم دون تنظيم الوقت؛ وذلك لأنَّ تنظيم الوقت يعزز لديك رؤية واسعة وشاملة لأحداث يومك، ويمكِّنك من السير وفق خطة زمنية واضحة تضمن لك التحصيل العملي بأريحية، بعيداً عن الضغط والعمل في اللحظة الأخيرة.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح فعالة لإدارة الوقت وتحقيق الإنجازات

4. مكافأة نفسك:

إذا ما نفذت الهدف الذي رسمته لنفسك وأنجزت كمية الدراسة التي حددتها خلال الفترة الزمنية التي قدرتها لها، فكافئ نفسك بشيء تحبه ليكون ذلك دافعاً لك على إتمام المزيد من المهام وعلاج التشتت في أثناء التعلم، ولا نعني بالمكافأة رحلة إلى المالديف؛ إذ يمكن للوح من الشوكولاتة الفاخرة وكوب من القهوة في أثناء محادثة مع صديق تحبه أن يثيرا لديك دافعاً وحافزاً لا يمكن إيقافهما.

5. النوم جيداً:

إنَّ النوم الجيد ضروري لعلاج التشتت في أثناء التعلم، ويشمل النوم ليلاً لساعات كافية تلبي حاجة الجسم إلى الراحة، وتبعد عنه الأرق والإرهاق اللذين يُعَدَّان من أقوى أسباب التشتت في أثناء التعلم.

6. ممارسة الرياضة:

للرياضة دور هام في علاج التشتت في أثناء التعلم، فهي تنشط الدورة الدموية وتبعث في النفس مشاعر الرضى والإنجاز، وتحرك عضلات الجسم المتعبة من الجلوس الطويل أمام الحاسوب أو في المقعد الدراسي، كما أنَّها تحسِّن المزاج والصحة النفسية وتخفف من الضغوطات التي تسببها الامتحانات والاختبارات.

إقرأ أيضاً: الرياضة وأهم فوائدها النفسيّة والجسدية

7. تناول غذاء صحي:

تثبت الكثير من الدراسات أضرار الأطعمة غير الصحية على عملية التحصيل العلمي، وخاصةً السكريات المصنعة التي تسبب الخمول والكسل؛ لذا لا بد من اتباع نمط غذائي صحي نمدُّ فيه خلايا الجسم عموماً وخلايا الدماغ خصوصاً بكل ما تحتاجه من عناصر غذائية لحفظ المعلومات وتثبيتها، ورفع معدلات التركيز، ومن ثمَّ علاج التشتت في أثناء التعلم، كما أنَّه من الضروري شرب كميات وافرة من الماء؛ وذلك لما له من دور هام في تعزيز التركيز وفاعلية نقل السيالات العصبية.

8. اختيار جو مناسب:

من أجل علاج التشتت في أثناء التعلم لا بد أن تبعد نفسك عن مسببات هذا التشتت، فإذا كنت تدرس في الشرفة وجيرانك يسمعون الموسيقى بصوت عالٍ ننصحك بالدخول إلى غرفتك حتى لا تكتب الأغنية على ورقة الاختبار، وإذا كنت ممن تزعجهم رؤية الفوضى في أثناء الدراسة فرتب غرفتك أولاً وابحث عن أي سبب يدفعك للانشغال عن العملية التعليمة، ومن الضروري إبقاء هاتفك المحمول بعيداً عن متناول يدك أو في وضع صامت على الأقل حتى لا يشتت تركيزك صوت الإشعارات كل لحظة.

9. عدم الضغط على نفسك:

قد يكون رسم خطة دراسية مجدولة زمنياً من طرائق علاج التشتت في أثناء التعلم، لكن تذكر "أنت لست روبوتاً"؛ لذا أصغِ إلى احتياجات جسدك وحاول أن تكون مرناً في خطتك، فإذا ما فاتك وقت دراسي ما لسبب صحي أو نفسي طارئ فلا تجلد نفسك وتدخلها في نوبات تأنيب الضمير؛ بل عوِّض ما فاتك في وقت آخر، فأنت أعلم الناس باحتياجك وظرفك.

إقرأ أيضاً: التشتت الذهني: أسبابه، وأعراضه، وتشخيصه، وطرق علاجه

في الختام:

إنَّ التشتت في أثناء التعلم من السلوكات المنتشرة كثيراً بين أوساط الطلبة في أيامنا هذه التي تُعَدُّ معوقاً رئيساً عن عملية التعلم قد يكون مبرراً لكثرة ما يدخل أدمغتنا من معلومات يومياً، ولكنَّ علاج هذه المشكلة ليس أمراً مستحيلاً، وكل ما يتطلبه هو القليل من الانضباط والمثابرة والوعي إلى أهمية عملية التعلم - مهما كان نوعه - التي تُعَدُّ جوهر أي نجاح في الحياة.




مقالات مرتبطة