كيف تتخطى الحواجز التي تعيق الإبداع؟

لا تزال قدرتنا على الإبداع تُميِّزنا عن الآلات في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتقول التوقعات: إنَّ الآلات ستؤدي معظم الوظائف البسيطة بحلول عقدين وستزداد أهمية الإبداع.



فجميعنا بحاجة إلى الإبداع لتطوير أفكار جديدة كل يوم وليس فقط الفنانون والمحترفون في المجالات المشابهة، من حسن الحظ أنَّنا جميعاً نتمتع بالقدرة على الإبداع، لكنَّ بعضنا يواجه حواجز تقف بينه وبين ولوجه، وأحياناً نخسره إلى حد ما.

وفقاً لمقال نشرَته مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review): "الإبداع فطري لدى معظم الناس، ولكن مع مرور الوقت، نتعلم كبح هذه الرغبات الإبداعية، حين ننشغل بإطلاق الأحكام ونتعلم الحذر والتحليل"، فنحن نسعى في هذا المقال إلى مساعدتكم على استعادة إبداعكم وربما تعزيزه أيضاً.

يُعرَّف الإبداع على أنَّه: "القدرة على إنتاج وتحديد الأفكار أو البدائل أو الإمكانات التي قد تكون مفيدةً في حل المشكلات والتواصل والترفيه عن أنفسنا والآخرين"، ووفقاً لاستطلاع شمل ما يزيد عن 1500 مدير تنفيذي من 33 مجال و60 دولة، تُعَدُّ السمات الإبداعية اليوم أهم من الانضباط أو الذكاء أو غيرها من الصفات التي كان يَعُدُّها المديرون هامةً في السابق.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لتنمية الإبداع في نفسك

نستعرض في هذا المقال أسباب مواجهة الناس لحواجز تعيق الإبداع حين يحتاجون استخدامه و3 أساليب لتخطِّيها، مع بعض الاقتراحات الإضافية، قال المخترع "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein): "الإبداع هو الذكاء حين يحظى بالمرح"؛ لذا فلنحظَ نحن أيضاً بالمرح ونحل هذه المشكلة الإبداعية.

1. السيطرة على المشاعر:

الخطوة الأولى هي إدراك أنَّك لستَ الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة، حتى أعظم العقول عبر التاريخ واجهَت حواجز الإبداع قبل أن تصل إلى الأفكار، سواء كانت المنتجات المبتكَرة مثل اختراع المصباح الكهربائي، أم الفن المبدع، وتخطِّي تلك الحواجز لم يكن سهلاً.

هناك طرائق عدَّة لتحسين قدراتك الإبداعية، بالنسبة إلى بعض الناس تتمثل هذه الحواجز بعوائق عاطفية؛ إذ يتطلب الإبداع في بعض الأحيان أن تخرج من منطقة راحتك، ويعني ذلك التفكير في أشياء تجنبتَها في الماضي، وهذا ليس بالأمر السهل دائماً؛ بل في الواقع هذا صعب للغاية، وقد يؤدي أحياناً إلى رفضٍ داخلي يدفعك إلى التسويف، فنحن كبشر لا نحب القيام بأشياء غير مألوفة؛ إذ إنَّنا كائنات تميل إلى اتباع العادات؛ لذا يعاني بعض الناس على الصعيد العاطفي حين يحاولون الخروج من منطقة راحتهم، ولكي تتخطى هذا الحاجز تعلَّم التحكم بمشاعرك، وهذا مفيد لأسباب عديدة، فهو منعش، فيشعر الناس بأنَّهم أقوياء ولا يُقهَرون حين يكونون قادرين على التحكم بمشاعرهم، كما يعزز الإبداع لديهم، لنلقِ نظرةً على بعض المشاعر التي تعوقك بالتحديد:

1. 1. النجاعة الذاتية (Self-Efficacy):

يقف الافتقار إلى شعور "النجاعة الذاتية" (Self-Efficacy) أو عدم إيمانك بقدراتك حائلاً بينك وبين الإبداع، وهو مرتبط بالخوف من تلقِّي النقد، ولكن يتطلب كون الإنسان مبدعاً أن يتقبَّل النقد، ومجرد إدراك ذلك هو أول خطوةٍ نحو الحل.

1. 2. السعي نحو الكمال:

في بعض الحالات نخشى عرض نتاج عملنا على أحد حينما لا يكون مثاليَّاً لأنَّ تأثيره فينا يشغل تفكيرنا، وهذا أحد الأسباب خلف شعار شركة "واي كومبينيتور" (Y Combinator) الذي يقول: إنَّك إن كنتَ راضياً عن أول نسخة من منتجك فقد انتظرتَ أكثر من اللازم قبل إطلاقه، وهناك أسباب عدَّة لذلك، أحدها هو فكرة "يكفي أن تفعل أي شيء"، فقدِّم نفسك للعالم واحصل على تغذيةٍ راجعة.

في حالات أخرى، مثل الكتابة الأدبية أو الأعمال الفنية، يختلف الوضع قليلاً، فهناك إيجابيات للسعي نحو الكمال بالطبع، مثل البحث عن سبب كل مشكلة دون كلل أو ملل حتى يتم حلها، مما يساعد على تعزيز الإبداع أحياناً، وفي النهاية يجب علينا تحقيق توازن بين الرغبة بإنتاج شي مثالي وبين تقبُّل وجود بعض العيوب في المرحلة الأولية.

1. 3. الإرهاق:

بالنسبة إلى بعض الناس، مشكلتهم هي الشعور بالإرهاق، وحقيقة قد تشكل كثرة الالتزامات أو الأفكار أو الخواطر مشكلةً، وفي هذه الحالة، الحل هو التخلي عن بعض منها أو رفض الالتزامات الجديدة، وإذا كانت المشكلة هي كثرة الأفكار، فحاوِل البدء بإحداها والعمل عليها قبل الانتقال إلى التالية.

1. 4. الشعور بالعجز:

هذا هو الشعور الذي يراودك حين تعود مراراً وتكراراً إلى الأفكار نفسها، فحين يشغل تفكيرك مشكلة، أو موقف معيَّن يجب أن تتعامل معه لكن لا تستطيع الوصول إلى أفكار جديدة، وفي هذه الحالة، يمكِنك التفكير تفكيراً فعَّالاً، كما يمكِنك أن تسأل نفسك كيف قد يتصرف شخص آخر، أو جرِّب تغيير محيطك والعمل من مكان مختلف، أو استمِع إلى موسيقى تجدها ملهمةً؛ باختصار، بعض الحلول لهذا النوع من المشكلات هي ممارسة التأمل واليقظة الذهنية واتِّباع روتينٍ معيَّن.

شاهد بالفيديو: 6 عقبات تقف في طريق التفكير الإبداعي

2. تحسين الوظائف الإدراكية:

تُبيِّن دراسات علم الأعصاب عن حالة الإبداع أنَّ "قشرة الفص الجبهي الظهراني" (dorsolateral prefrontal cortex) تنشط خلال التفكير الإبداعي، وهي جزء الدماغ المسؤول عن تقدير الذات والنقد الذاتي، الأمران اللذان يدفعاننا إلى الالتزام بالأعراف الاجتماعية حين يحاول دماغنا حمايتنا كي لا نبدو مختلفين عن المجموعة التي ننتمي إليها، وبالتالي يمنعنا من أن نكون مبدعين وفريدين، ذلك يعني أنَّك أكثر إبداعاً حين تكون أقل وعياً لذاتك.

تعتمد طرائق أخرى لتعزيز الإبداع على فحص قدراتك وعملياتك الإدراكية، والتي تعود إلى نموذج عالم النفس "غراهام والاس" (Graham Wallas) الذي - على الرغم من أنَّه طُوِّر منذ قرن - لا يزال يُدرَّس حتى اليوم ويُعَدُّ نموذجاً بسيطاً وثميناً، لكن إذا كنتَ ترغب في الاطلاع على نماذج أخرى، فيمكِنك ببساطة البحث عن العمليات الإبداعية باستخدام محرك البحث "غوغل" (Google) والعثور على العديد من النماذج الجديدة القائمة على هذه العملية.

مراحل نموذج "والاس" الأربع:

  • الإعداد: محور التركيز في هذه المرحلة هو البحث، واستكشاف المشكلة التي تحاول حلها أو وصفها من جميع النواحي.
  • الحضانة: هذه هي مرحلة الامتناع الطوعي عن التفكير الواعي في المشكلة، وقد تأخذ شكلين، إما التفكير في مشكلات أخرى أو الاسترخاء والامتناع عن النشاطات الذهنية الواعية. وفقاً لـ "والاس"، الخيار الأول هو الأفضل لأنَّه يستثمر الوقت بشكل أفضل، من ناحية أخرى، يتحدث العديد من علماء النفس هذه الأيام عن أهمية الملل للوصول إلى الأفكار الجديدة.
  • الاستنارة: تلك هي اللحظة حين تقول لنفسك بحماس: "لقد وجدتُها!" وفقاً لـ "والاس"، لا يجب أن تتوقع الوصول إلى فكرة مبتكرة على الفور، ويقول: "إذا حصرنا تعريف الاستنارة بأنَّها تلك اللحظة التي تلمع فيها الفكرة في رؤوسنا، فمن الواضح أنَّنا لا نستطيع التأثير فيها مباشرةً بإرادتنا"، والخبر السار هو أنَّ الفكرة تكشف عن نفسها بنفسها في مرحلة ما، وقد يحصل ذلك بينما تستحم أو تتنزه أو تفعل شيئاً آخر حين تداهمك لحظة الكشف هذه.
  • التحقق: هذه هي مرحلة تحويل الفكرة إلى واقع؛ حيث تقوم بتطوير الفكرة التي توصَّلتَ إليها وتنفيذها.

تذكَّر أنَّ هذه المراحل لا تحصل بهذا التسلسل بالضرورة.

3. الاعتناء بجسمك:

بعد فهم دور المشاعر والعقل، لنتعرَّف إلى باقي الجسد الآن وكيف يمكِن أن يساعدك على تعزيز قدراتك الإبداعية وتجاوز الحواجز التي تعيق الإبداع:

3. 1. التأمل واليقظة الذهنية:

وفقاً لمجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، تشجع الشركات الرائدة مثل: شركة "غوغل" (Google)، وشركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) موظفيها على ممارسة التأمل واليقظة الذهنية، ووفقاً للباحثين، "يقول المسؤولون التنفيذيون في هذه الشركات وغيرها: إنَّ التأمل مفيدٌ كأداة للتخفيف من التوتر، ويمكِن أيضاً أن يعزز الإبداع، فتنكشف الفرص والإمكانات حيث فُقِد الأمل من قبل"، كما اختبرَ الباحثون فاعلية التأمل ووجدوا أنَّ 10 إلى 12 دقيقة من التأمل يومياً يمكِن أن تعزز الإبداع.

3. 2. الاستحمام:

قد تتعجب من هذه الطريقة بعض الشيء، لكن اطمِئن، هناك تفسير جيد لها، قال كاتب السيناريو "آرون سوركين" (Aaron Sorkin)، الذي اشتُهِرَ بكتابة العديد من البرامج التلفزيونية الرائعة: إنَّه يستحم أحياناً 6 مرات في اليوم الواحد، ويقول: "أنا لا أعاني من رهاب الجراثيم، فبالنسبة إليَّ الاستحمام هو طريقتي للمحاولة مجدداً، وعدم القدرة على الكتابة هي وضعي الطبيعي، وحين أتمكن من إنتاج شيء جديد فتلك اللحظات هي الخارجة عن المألوف"؛ أي يساعده تغيير بيئته المحيطة ومزاجه على الوصول إلى الحالة الإبداعية، فأنت لستَ مضطراً للاستحمام مراتٍ عدَّة في اليوم، ولكنَّ الجلوس خلف مكتبك طوال اليوم ليس الطريقة الصحيحة لإطلاق العنان لجانبك الإبداعي.

3. 3. الراحة:

الحصول على حاجتك من النوم والراحة أمرٌ هام للغاية أيضاً، تذكَّر أنَّه إذا أردتَ تخطِّي الحواجز الإبداعية، فأنت بحاجة إلى قسط كافٍ من الراحة.

3. 4. المشي:

وفقاً لبحث أجرته جامعة "ستانفورد" (Stanford)، "يتحسن التفكير الإبداعي في أثناء المشي وبعده بوقت قصير"، يقول هذا البحث المثير للاهتمام: "إنَّ المشي في الأماكن المغلقة أو في الهواء الطلق يعزز الإلهام الإبداعي، فكان فعل المشي بحد ذاته وليس البيئة التي يسير فيها الشخص، هو العامل الرئيس لتحفيز الإبداع، وكانت مستويات الإبداع أعلى بشكل ملحوظ في المجالات جميعها بالنسبة إلى أولئك الذين يمشون مقارنةً بالذين كانوا جالسين"، الأرقام التي توصل إليها البحث مذهلة؛ إذ يرتفع الإبداع بنسبة 60% في أثناء المشي وبعده.

إقرأ أيضاً: 8 طرق فعّالة للتخلص من التعب الجسدي والشعور بالراحة

اقتراحات إضافية:

● اتباع روتين وتحسين العملية:

وفقاً لمقال آخر من مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review): "إذا كان الفريق يواجه حاجزاً يعيق الإبداع، فيجب على المديرين أولاً فحص ما إذا كانت العمليات التي تحيط بأفراد الفريق تقيِّد تفكيرهم"، فالهدف هنا هو خلق بيئة من الأمان النفسي تحفز الإبداع عبر فهم الفريق أنَّه يمكِنهم اقتراح أيَّة فكرةٍ تخطر لهم، فقد تبدو بعض الأفكار المثيرة للاهتمام غبيةً للوهلة الأولى، وتذكَّر أيضاً أنَّ الفِرَق التي تتمتع بعقلية نمو - أي التي يعتقد أفرادها أنَّه يمكِنهم تطوير قدراتهم الأساسية إذا كرسوا الوقت والجهد اللازم - تكون أكثر إبداعاً.

● حمل دفتر ملاحظات:

كما ذكرنا، يمكِن أن تخطر لك الأفكار في أيَّة لحظةٍ؛ لذا احرص على أن تتمكن من تدوينها أينما كنت.

● استشارة خبير:

يناقش العديدون موضوع الإبداع، وهناك الكثير من المنهجيات للمساعدة في تحفيز الإبداع، فقراءة مقال عبر الإنترنت أمرٌ مفيدٌ، واستشارة خبير فكرةٌ جيدةٌ أيضاً إذا كان بمقدورك ذلك.

● قراءة كتاب:

اقرأ كتاباً، وشاهِد فيلماً، ووسِّع آفاقك عبر التفكير من منظور جديد، كما سيساعدك هذا على كسر أنماط التفكير التي قد تكون عالقاً فيها.

● إزالة مشتتات الانتباه:

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع ليس مفيداً للإبداع من دون شك، ويمكنك استخدام تطبيقات إدارة الوقت التي تمنعك من تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي أو تحظر المواقع المشتتة للانتباه أو تقطع اتصالك بالإنترنت تماماً لفترة تُحدِّدها أنت كي تتمكن من التركيز على العمل أو الدراسة، وقد تجد تطبيقات أخرى كالتي تشغِّل لك موسيقى هادئة في الخلفية مفيدةً.

إقرأ أيضاً: 4 تقنيات فعالة لتتوقف عن التشتت وتركز على عملك

في الختام:

أنت تعرف الآن أنَّه بإمكانك التعامل مع مشكلات الإبداع وتخطِّي الحواجز التي تقف بينك وبين الإبداع، فلقد وُلِدنا جميعاً ونحن نمتلك نوعاً من الإبداع، ويمكِن أن يساعدنا استخدام الأدوات المذكورة أعلاه في العودة إلى أهبة إبداعنا.

المصدر




مقالات مرتبطة