كيف تتحكم في طاقتك العاطفية للحفاظ على سلامتك النفسية؟

يتألف اليوم من 24 ساعة، فبعض الأشخاص يجدونها كافيةً فيكونون قادرين على إحراز الإنجازات، وأخذ الإجازات، والتفاعل تفاعلاً تامَّاً مع جميع جوانب حياتهم دون أن تَنفد طاقتهم الجسدية والذهنية والعاطفية، كأنَّ أيامهم أطول من أيامنا، وبعضهم الآخر يظلُّ متأخراً دائماً عن الركب، إذاً ما السبب في ذلك؟



يحاول معظمنا تدبُّر أمورهم، فنحب أن نستهل يومنا بفنجان من القهوة الذي يمنحنا الطاقة في الصباح لمباشرة العمل. وفي ظل انشغالنا، نختار الوجبات السريعة كيلا نُفوِّت المشاركة في الاجتماعات، أو الأنشطة، أو المهام المُدرَجة على جداول أعمالنا.

تجعلنا ضغوط العمل ومتطلباته نفقد الصبر، فنكون سريعي الانفعال وعلى عجلة دوماً ونرتكب الأخطاء أو ننسى أشياء بسيطة، وبحلول المساء، نشعر بالإرهاق الشديد ونريد فقط الاستلقاء والابتعاد عن العمل والاسترخاء، كما نشعر أنَّنا نحتاج أكثر من 24 ساعة في اليوم لنتمكن من إتمام أعمالنا جميعها والاعتناء بأنفسنا، ونحس بالإرهاق واستنزاف طاقاتنا.

وفقاً لعالِم النفس "جيم لوهر" (Jim Loehr) والصحفي الأمريكي "توني شوارتز" (Tony Schwartz)، مؤلفي كتاب "قوة التفاعل التام: إدارة الطاقة لا الوقت هي مفتاح الأداء العالي والتجديد على الصعيد الشخصي" (The Power of Full Engagement: Managing Energy, Not Time, Is the Key to High Performance and Personal Renewal)، لا يتعلق الأمر في الواقع بإدارة وقتك؛ بل بإدارة طاقتك العاطفية.

ووفقاً لمؤلفي الكتاب: "إنَّ عدد الساعات في اليوم ثابت، ولكن تختلف كمية الطاقة المتاحة لنا ونوعيتها، وهي أثمن مواردنا، فكلما تحمَّلنا مسؤولية الطاقة التي نُقدِّمها للعالم، أصبحنا أكثر قوةً وإنتاجية".

شاهد بالفيديو: 5 أمور أساسيّة مسؤولة عن استنزاف الطاقة

ما هي الطاقة العاطفية؟

ببساطة، الطاقة العاطفية هي الطاقة التي تَصدر عن عواطفنا؛ وبمعنى أوضح: تنبع طاقتنا من عواطفنا وتكون العواطف المختلفة ذات درجات شدة مختلفة.

توقَّف لبرهة للتفكير في الوقت الذي شعرتَ فيه بالبهجة والحيوية وكمِّ السعادة التي أحسستَ بها حينما حصلتَ على ترقيةٍ أو زيادةٍ على المُرتَّب مثلاً، أو أول نزهة مع شريكك، أو السفر إلى بلد جديد، أو مقدار الضحك الذي تحظى به عندما تكون مع أصدقائك.

كانت عواطف الفرح، والحب، والشغف، والحماس التي شعرتَ بها في ذلك الوقت شديدةً، فقد شعرتَ في تلك اللحظات أنَّ طاقتك متفجرة ولا تنضب لأنَّ عواطفك كانت شديدة، وكانت طاقتك في أقصاها، لقد كنتَ في أحسن حالاتك.

الطاقة العاطفية

في المقابل، توجد بعض العواطف المحبطة للنفس مثل: الخوف، والحزن، والاكتئاب، وانعدام الأمن، فعندما تتذكر الفترة التي انفصلتَ فيها عن شريكك أو سُرِّحتَ من عملك، ستتذكَّر كم كنتَ مكتئباً أو حزيناً وكانت طاقتك العاطفية منخفضةً.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن رفع الطاقة؟ من كتاب المفاتيح العشرة للنجاح لإبراهيم الفقي

ما الذي يستنزف طاقتك العاطفية؟

إليك أشهر الأمور التي تستنزف طاقتك العاطفية:

  • القلق المفرط.
  • السلبية.
  • الشعور بالذنب.
  • التردد.
  • الالتزام المفرط فيه / الإرهاق.
  • عدم وجود حدود صحية.
  • التفكير السلبي.

كيف تُعزِّز طاقتك العاطفية؟

عواطفنا هي مصدر طاقاتنا، وبعبارة أخرى: تصبح العواطف التي نشعر بها هي الطاقة التي نبثُّها إلى العالم، ونميل إلى جذب الطاقة التي نشرناها، وقد اختصرَت عبارتا: "الطيور على أشكالها تقع" و"قل لي مَن تصاحب أقل لك مَن أنت" قانون الجاذبية.

راقِب حياتك والأشخاص الذين يحيطون بك، وقل بصراحة: هل ترى تأثيرهم في أكثر الأحيان سلبيَّاً أم إيجابيَّاً؟ وهل هم متشائمون أم متفائلون؟ العالم الخارجي هو مرآتك، وهو يعكس تماماً ما يجري في داخلك.

المسألة ليست مسألة "جيِّدٍ" و"سيِّءٍ" فقط؛ بل تقبَّل الأمر كما هو، وتجنَّب إطلاق الأحكام، وقيِّم الأمر كما هو عليه.

أجرِ تقييماً حقيقياً لظروفك، أو أحوالك المالية، أو صداقاتك، أو أيِّ مجال تريد التركيز عليه، واسأل نفسك ما إن كنتَ راضياً عن هذه المجالات وحقَّقتَ فيها ما تصبو إليه، وإذا كان جوابك النفي، فعليك النظر ببعض المعتقدات والأفكار والعواطف المرتبطة بهذه النواحي، والجيد في الأمر أنَّ باستطاعتك تغييرها إن أردتَ.

إذا كانت طاقتنا مصدرها عواطفنا، فهذا يعني أنَّ لدينا القدرة على تغيير عواطفنا وبالتالي تغيير طاقاتنا، فكلمة عاطفة التي تعني (emotion) باللغة الإنكليزية مشتقة من اللاتينية "إموفر" (emovere)، وتعني حرفياً "اخرج، ثُر" لتحريك الطاقة؛ لذا دعونا نُحرِّك هذه الطاقة، وفيما يلي خمس نصائح حول كيفية التحكم بطاقتك العاطفية من أجل سلامتك النفسية.

1. افعل الأشياء التي تحبها وتستمتع بها:

يبدو هذا بسيطا بما فيه الكفاية، لكنَّنا نغفله كثيراً فنرهَق وتُستنزف طاقاتنا، فحاوِل تخصيص بضع ساعات في يوم العطلة للقيام بالأشياء التي تستمتع بها حقاً وتُشعرك بالسعادة لأنَّك تستحق ذلك.

2. أحِط نفسك بالأشخاص الإيجابيين الذين يشحنون طاقتك:

أحِط نفسك بأشخاص إيجابيين، وابتعِد عن الصداقات والعلاقات السامة، وإذا كانت العلاقة السامة تتمثل بأحد أفراد الأسرة، فحاوِل الحد من مقدار الوقت الذي تقضيه معه، وتفاعَل معه بإيجابية، فقد يكون هذا صعباً في البداية، ولكن إذا كانت عواطفك شديدة (انظر الرسم البياني أعلاه)، ستزداد حيوية هذه العلاقة.

3. تعلَّم رفض تلبية طلبات الآخرين دون الشعور بالذنب:

لا بأس في رفض طلبات الآخرين، فقول: "لا" للآخرين هو قول "نعم" لنفسك، وأنت أهم شخص في العالم بالنسبة إلى نفسك، وإذا لم تكن موجوداً فمَن سيعتني بالأشخاص المقربين منك؟ ساعِد نفسك أولاً قبل مساعدة الآخرين، فالرعاية الذاتية ليست أنانيةً.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تُمكنك من قول 'لا' لطلبات الآخرين

4. كفَّ عن منعِ نفسك:

الكلمات ذات تأثير قوي جداً، ولطريقة صياغة الكلمات واستخدامها القدرة على بناء تجاربنا، فاحذف كلمة "لا ينبغي" من مفرداتك، لأنَّها تحمل الكثير من الثقل والعبء والندم والحُكم.

انتبِه كيف غيَّر حذفُ كلمة لا ينبغي على الأمثلة:

  • ما كان يجب أن أمضي ساعات طويلة على التلفاز: لقد قضيتُ ساعات طويلة في مشاهدة التلفاز.
  • ما كان يجب أن أضيع الوقت في فعلِ هذا: لقد ضيعتُ وقتي في فعلِ هذا.
  • ما كان يجب لهذا الأمر أن يحدث: حدثَ هذا الأمر.

حذفُ كلمة "لا ينبغي" تجعل الإجراء أو الحدث محايداً تماماً، وينقله من شيء "سلبي" إلى مجرد حقيقةٍ لا جيدةٍ ولا سيئة؛ بل كما هو، فمِن هذا المكان المحايد، تستطيع الانتقال إلى الشعور بالمسؤولية، وإذا كان هناك شيء لا يجب عليك فعله، فاسأل نفسك "ماذا تعلَّمتُ؟".

عندما تستمر في مخاطبة نفسك ووصف الأحداث والأفعال بكلماتٍ يغلب عليها طابع الإلزام، فإنَّ ذلك يبقيك عالقاً في الماضي، ولا يمكِننا تغيير الماضي فجأة وتأدية دور الضحية أو لوم الذات.

السؤال الأكثر أهميةً الذي يمكِنك طرحه على نفسك هو "ماذا يمكِنني أن أفعل بدلاً من ذلك؟" تعلَّم وفكِّر وامضِ قدماً، وفكِّر ماذا ستفعل في المستقبل.

بدِّل كلمة "ينبغي" بـ "اخترتُ"، وراقِب كيف تُغيِّر هذه الكلمات إحساسك بهذه العبارات:

  • يجب أن أباشر الجري وممارسة الرياضة: اخترتُ الجري وممارسة الرياضة.
  • يجب أن أكف عن الحديث السلبي عن النفس: اخترتُ الكفَّ عن الحديث السلبي عن النفس.
  • يجب أن أكون أكثر صبراً: اخترتُ أن أكون أكثر صبراً.

وهكذا تصبح أنت المسيطر وأنت المُفوَّض لأنَّك أنت مَن يختار، حيث يتيح لك هذا التبديل في الكلمات إمساك زمام المبادرة وتحمُّل المسؤولية.

إقرأ أيضاً: 5 أنواع من الحديث مع النفس يُحبِّها العقل أكثر من غيرها

5. مارِس التأمل واليقظة الذهنية:

اليقظة الذهنية هي ممارسة الانتباه إلى المشاعر التي تظهر، وليس تحديدها كجزء من الذات ولكن ببساطة ملاحظتها وإثارة الفضول، فعندما يكون هناك فضول، لا يوجد مكان لإصدار الأحكام، وعندما لا يكون هناك أحكام، يكون القبول أسهل بكثير.

تُظهر العديد من الدراسات أنَّ التأمل الواعي فعَّال في تقليل التوتر، ويمكِن أن يُحسِّن الصحة البدنية والذهنية عن طريق تغيير الذهن والجسم بطرائق إيجابية، واستعرضَ الباحثون أكثر من 200 دراسة حول اليقظة الذهنية لمجموعة من الأشخاص الأصحاء ووجدوا أنَّ العلاج القائم على اليقظة الذهنية كان أكثر العلاجات فاعليَّةً في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب.

الخلاصة:

يقول عالِم النفس المختص بتطوير الأداء "جيم لوهر" (Jim Loehr): "كلما تحمَّلنا مسؤولية الطاقة التي نبثُّها في العالم، أصبحنا أكثر قوةً وإنتاجية".

الطاقة التي تبثُّها هي مسؤوليتك، وستشعر بالقوة عندما تدرك ذلك، وهذا يعني أنَّ لديك القدرة على التحكم في طاقتك وسلامتك النفسية وليس البيئة المحيطة أو الأشخاص الآخرين؛ بل أنت فقط؛ لذا حان لك أن تستلم دفة قيادة حياتك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة