كيف تبني أساساً للعمل وتثق به دون رؤيته؟

كُتِبَ على قصاصة صغيرة من الورق الرقم "ثمانية وستون" وأُلصِقَت فوق شاشة الكمبيوتر المحمول الخاص بي لأكثر من ثلاث سنوات، حتى إنَّ الحبر الذي كُتِبت به بَهَتَ لونه إلى درجة أنَّه أصبح غير مقروء. لقد وضعتها هناك لتذكيري بالاستمرار في فعل ما أفعله والتحلي بالصبر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن جوني أوبنغ (Jonny Auping)؛ والذي يحدثنا فيه عن تجربته الشخصية في بناء أساس لعمله.

تعود أهمية هذا الرقم إلى إحدى اللحظات المرعبة التي واجهتني في مسيرتي في عالم الكتابة، حيث كنت قد تخليت حينها عن مقابلة ثانية لوظيفة تحرير في إحدى المجلات؛ إذ كنت أعلم أنَّ الوظيفة التي عُرِضَت عليَّ لم تكن الوظيفة التي أريدها، فلم تتطلَّب الكتابةَ أو التحريرَ بقدر ما كانت تتطلَّب مني تنظيم محتوى ذي علامة تجارية؛ بعبارةٍ أخرى، كانت المهمة هي جعل الإعلانات تشبه القصص، والأهم من ذلك أنَّها كانت ستمنعني من الكتابة في مكان آخر.

لم تكن مسيرتي المهنية في العمل الحر مزدهرة؛ لكنَّني قطعت أشواطاً كبيرة، لقد نجحت في عرض بعض القصص الجيدة؛ لكن نادراً ما عُرِضَ عليَّ عمل.

كنت أعلم أنَّني سألوم نفسي إذا تابعت مهنتي المستقلة؛ لذلك وجدت نفسي أستبعد اسمي من الترشح لهذا المنصب في منتصف المقابلة، وعدت إلى منزلي متوتراً بعض الشيء؛ لكنَّني وثقت في المسوِّغ الذي اتَّخذتُ على أساسه قراري هذا.

وبعد مضي أقل من ساعة، تحققت من حسابي المصرفي - وهو شيء لم أعتد القيام به؛ كنت أملك 68 دولاراً يمكنني سحبهم؛ لست بحاجة لأصف لك ردة فعلي حينها، كان يجب عليَّ دفع إيجار المنزل خلال 11 يوماً؛ لذا أغلقت حاسوبي بهدوء، وخرجت للتنزه قليلاً.

يقول البعض إنَّ تقبل الإخفاق يكون أسهل عندما تعلم أنَّك بذلتَ قُصارى جهدك، لا أعرف فيما إذا كان هذا الأمر صحيحاً في اللحظات التي تلي رفضك في عمل ما.

بالنسبة لي، من المؤلم أن أعرف أنَّني بذلت قصارى جهدي في العمل؛ إذ كنت أكتب كل يوم لمدة خمس سنوات في تلك المرحلة، لم أكن آخذ عطلة نهاية الأسبوع أو إجازة، ولم أكن من الأشخاص الذين يَصعُبُ العمل معهم؛ لقد بذلت الكثير من الجهد؛ لكنَّ الواقع يشير إلى أنَّ الأمر كله ضاع سدىً؛ إذ لم يظهر ما يثبت خلاف ذلك في نفس الوقت؛ لكنَّه بدأ بالظهور بعد فترة وجيزة؛ لقد كنت قد أدنت بعضَ المال لأحدهم، وقد كان ذلك كافياً لتسديد فواتيري المستعجلة، كما قُبِلَت بعض العروض التقديمية التي قدمتها وتواصل معي محرر رفض عرضي مسبقاً وطلب مني الكتابة عن موضوع مختلف.

لم يكن عرضاً مغرياً؛ لكنَّه كان كافياً ليساعدني على العيش بطريقة جيدة في ظل الظروف المالية التي تواجهني، والأهم من ذلك، أنَّه يمكنني إرجاع ذلك إلى الجهود أو الإجراءات أو الاقتراحات المحددة التي شعرت بأنَّها ضاعت سُدىً حتى ذلك الحين.

إقرأ أيضاً: عشرة سلوكيات قد تضر مسيرة تقدمك المهني

لقد تمكَّنتُ أخيراً من رؤية هذا العمل الشاق واقعياً، لقد بدأت برؤية الأساس لمساعدتي على العمل، وواصلت بناءه؛ والآن، سأذكر لك بعض المواضيع التي كنت أرغب دائماً في الكتابة عنها ونشرها، وسأذكر بعض الوظائف أو الأهداف أو المشاريع طويلة الأمد، بالإضافة إلى الإرشادات المُفصَّلة.

لذا إليك بعض الأمور التي يمكنك تجربتها:

1. وضع تعريف أوسع للإنتاجية:

من أصعب الأمور التي تمنع القدرة على رؤية أساس لعملك هو السعي إلى امتلاك الرغبة في أن تكون شخصاً مُنتجاً دون أن تعرف كيف تفعل ذلك؛ سيكون من المناسب أن تتكون كل مهنة من قائمة مهامَّ تتفق تمام الاتفاق مع سلم النجاح؛ ولكن هذا نادراً ما يحدث؛ إذ يمكن أن يؤدي عدم معرفتك ما إذا كان عملك اليومي سينجح بأي طريقة ملموسة، إلى استسلامك وتخليك عن فكرة الإنتاجية تماماً؛ لذا قاوم هذا الشعور من خلال إيجاد الأشياء المُنتجة في حياتك الشخصية والمهنية التي يُسمَح لك بالاستمتاع بها؛ فأنا مثلاً: أُحب قراءة أعمال الكُتَّاب العظماء، وأعلمُ أنَّ قراءة بعض المقالات الجيدة يمكن أن تجعلني كاتباً أفضل؛ ومن الواضح أنَّ التمرن على الكتابة جعلني كاتباً أفضل؛ لذلك لا أشعر بالذنب عندما أقرأ قصةً رائعةً في منتصف الأسبوع، أو إذا كنت أكتب شيئاً لا يُنشَرُ أبداً، أو إذا كنت أتريَّضُ أو أتأمل أو أفعل أي شيء يجعلني أشعر بأنَّني في حالة جيدة وأقاوم الإرهاق؛ فأنا تقريباً لا أفعل أشياء أجدها غير مُنتجة، ليس لأنَّني شديد الطموح أو مدمن على العمل، وإنَّما لأنَّني وسعت نطاق معرفتي بالأشياء المنتجة وأبعدت الأشياء التي لا أريدها ضمن حياتي.

إقرأ أيضاً: استثمار الوقت... أوّل خطوة لزيادة الإنتاجيّة في العمل

2. السيطرة على الكفاءة:

تحتاج أحياناً إلى الاستفادة من وقتك بشكل جيد، كما تحتاج إلى معرفة طريقة تحديد أولويات المواعيد النهائية؛ لكن في النهاية تحتاج إلى أفكار مميزة؛ ففي بعض الأحيان يكون من الجيد اختيار الأساليب المُمتعة بدلاً من الأساليب المباشرة؛ إذ يمنحك أسلوب الحياة المرتبط بالمهام الوقتَ لإنجاز المزيد؛ لكنَّ تحديد الأساس قد يتطلب موافقتك على احتمال أنَّ ما تعمله اليوم قد لا يفيدك بأي طريقة مالية أو ملموسة.

لذا فأنا دائماً ما أُنفِّذ خمسة أو ستة مشاريع، وأطرح أفكاراً جديدة، وأستمع إلى أفكار الآخرين، وأبحث عن الهدف الذي في حين قد يبدو غير واقعي؛ لكنَّه من الممكن أن يكون أكثر واقعية ويستحق المحاولة.

لقد استغرق تأسيس المُسوَّدات ورسائل البريد الإلكتروني والتجارب سنوات عديدة حتى جمعتُ بعض المال وحصلتُ على مزيد من الفرص والتجارب المثمرة؛ وما زلت أقضي أياماً في العمل على أشياء قد لا تؤدي إلى أي نتيجة معينة؛ لكنَّني جربت مجموعة متنوعة من الخيارات، ولا أستطيع معرفة أي الخيارات سيؤدي إلى نتيجة رائعة؛ ولكن أفضل فرصة لتكون محظوظاً هي التعامل مع كل شيء يمكن أن تكون متحمساً لعمله بنفس الطاقة والحماس؛ إذ لا ترتبط المسألة بالنسبة لي بالتكلفة؛ بل بالطريقة التي أقضي بها أيام عملي.

شاهد بالفديو: 13 تقنية فعّالة لتحديد الأولويات

3. اللطف هو استثمار طويل الأمد:

تعني هذه النصيحة غالباً الثقة في العملية؛ إذ ليس هناك شيء أكثر أهمية من علاقاتك؛ حيث تؤدي الطبيعة الثابتة المتعلقة بالسعي نحو مهنة ما إلى الشعور بالغيرة المهنية تجاه الأشخاص الأقل موهبة، والذين يحصلون على الفرص أمام عينيك، فمن الممكن ألَّا تستطيع مقاومة هذه المشاعر؛ لكنَّ العمل وفقاً لها لن يوصلك إلى شيء.

لقد عملت مع عشرات المحررين ولم تكن كل التجارب رائعة؛ لكنَّني حاولت التعبير عن امتناني تجاه المحررين على الوقت والجهد الذي التزموا به في قراءة كتاباتي.

من المهم أن ترسِل رسائل تهنئة عبر البريد الإلكتروني عندما يتلقى شخص عملت معه ترقية في عمله، أو أن ترسل رسائل لدعمه عند تسريحه، فأنا غالباً ما أحاول تقديم النصيحة لأي كاتب شاب يطلبها، فالشيء الذي ساعدني على السير في مسيرتي المهنية بشكل لا يقدر بثمن هو أنَّني شخص لا ينتظر المعروف، فأنا لست مديناً لأي شخص بأي معروف ولا أحد يدين لي؛ فأنا أحاول أن أعامل الناس معاملة حسنة فحسب، وأستطيع أن أعزو كل فرصةٍ سنَحَت لي إلى شخصٍ عاملني معاملةً حسنة.

إقرأ أيضاً: أسرار الإبداع والنجاح في العمل والحياة

4. الطريقة الوحيدة لانهيار ركيزتك هي التخلي عنها:

أمضى والدي 40 عاماً بوصفه منظماً لمعارض الفن الحديث، وهي الوظيفة التي أَحبَّها وتفوق فيها، ولقد كانت النصيحة المهنية الوحيدة التي قدمها لي بسيطة للغاية إذ قال: "إذا فعلت شيئاً لفترة طويلة بشكل كافٍ، ستُجيده في النهاية، وسيدفع لك شخص ما مقابل ذلك".

لم أكن أفضل كاتب في مدرستي الثانوية، ولم أتمكن من الحصول على التدريب المناسب في كُليَّتي، فإذا كانت المهنة التي تريدها مهنة شائعة، فيجب أن تكافح لتُجيدها فعندما كان عمري 23 عاماً.

لقد كان هناك الكثير من الشباب في سن 23 عاماً يحاولون أن يصبحوا كُتَّاباً أيضاً، لا أعرف كم كنت أفضل منهم؛ لكن لم يكن هذا هو الفارق بالفعل؛ ففي سن السادسة والعشرين، تخلى الكثير منهم عن الكتابة، وكنت لا أزال أزاولها.

قد لا يبدو الأمر رومانسياً أن تقول بأنَّك تحتاج إلى التحمل والمقاومة أكثر من منافسيك؛ ولكن تذكر أنَّك ستتحسن في الوقت الذي تحاول فيه التحمل والمقاومة؛ إذ كنت أعتقد دائماً أنَّ مواهبي كانت موضع تجاهل؛ لكن بالرجوع إلى الماضي، وجدت أنَّ الوقت الذي حصلت فيه أخيراً على فرصي كان متزامناً مع الوقت الذي كنت فيه مستعداً للتعامل معها.

المصدر




مقالات مرتبطة