كيف تُبدل مهنتك؟

لقد غيرت الطبيعة المتسارعة لمجتمع اليوم وما تزال مستمرة في تغيير الطريقة التي نعيش بها حياتنا اليومية؛ فلقد تغيَّر كلُّ شيء من طريقة التسوق إلى الطريقة التي نتواصل بها.



نحن نعيش الآن في عالم يمكن للناس فيه التواصل مع بعضهم بعضاً من أيِّ مكان في العالم وفي أيِّ وقت، وقد انتقل هذا التحول الهائل أيضاً إلى عالم العمل، فسواء كنت في مكتبك أم جالساً على أريكتك أم على قمة جبل، فقد دخلنا رسمياً في حقبة جديدة من التواصل والحياة وطرائق العمل.

أصبح لدينا بسبب هذا التحول الهائل أرقام قياسية لعدد الموظفين الذين يتركون وظائفهم طواعية، ووفقاً لإحصاءات مكتب العمل والإحصاء (Bureau of Labor and Statistics)، غادر 20.2 مليون شخص عملهم في الفترة ما بين شهري أيار وأيلول من عام 2021.

الحقيقة هي أنَّ الناس يتغيرون ويتأقلمون ويتقدمون ويفقدون الاهتمام ويكتسبون وجهات نظر أُخرى ويبدلون أولوياتهم، ومع تغيُّر العالم يُدرك كثيرون أنَّ الوظيفة التي اختاروها في سن العشرين قد لا تكون الوظيفة التي ما زالوا يحبون القيام بها في سن الأربعين؛ لذلك قد تفكر في تغيير مهنتك في منتصف العمر، فإذا حصل الأمر بالفعل؛ تأكَّد أنَّه لا بأس بذلك وأنَّه طبيعي تماماً.

إذا كنت تتساءل عن الكيفية التي تُغير بها المسار المهني بنجاح، لنبدأ بفعل ما تحب، فقد وصلت إلى المكان الصحيح.

لماذا علينا تغيير المسار المهني؟

قد يكون لديك عدة أسباب تجعلك تفكر في إجراء تغيير مهني، منها:

  1. ربما لأنَّ إمكاناتك قد فاقت الحالية أو أصبح لديك اهتمام بشيء جديد.
  2. ربما لأنَّك قررت أنَّك تريد أن تفعل مزيداً لنفسك.
  3. لأنَّك تريد كسب مزيد من المال.
  4. لأنَّك ترغب ببساطة في التغيير.

بصرف النظر عن السبب؛ فإنَّ إجراء تغيير مهني قد يبدو أحياناً وكأنَّه مهمة شاقة؛ فإذا كنت قد شعرت بالتوتر بشأن كيفية إجراء تغيير وظيفي، فلا داعي للقلق؛ وذلك لأنَّ الأمر قد لا يكون مُخيفاً كما تظنُّ.

سنُقدم في هذا المقال بعض النصائح المفيدة عن التغيير الوظيفي، ونُجيب عن أسئلتكم المتعلقة بكيفية إجراء تغيير للمسار المهني بأكثر الطرائق الممكنة سلاسة.

ما هو الوقت الأفضل لتغيير المهنة؟

يمكنك التشاور مع مئة شخص حيال الوقت الأفضل لتغيير مهنتك، ويمكن أن يقدموا لك مئة إجابة مختلفة تبدو صحيحة، ولكنَّ الشخص الوحيد الذي يمتلك الإجابة الصحيحة هو أنت.

الحقيقة هي أنَّه لا يوجد وقت أو عمر مناسب لتغيير المسار المهني، فأفضل وقت للقيام بذلك هو عندما ترى أنت أنَّه الوقت الأفضل لحياتك وأهدافك، وإنَّ أفضل نصيحة لتغيير مهنتك في وقتنا الحالي هي أن تتبع حدسك.

قد لا يحدث الأمر في لحظة خاطفة، لكن مثل تتويج تدريجي للمشاعر التي توجهك في اتجاه جديد، وعلى الرَّغم من أنَّ الوقت المناسب لك قد لا يظهر بوضوح تمام، إلا أنَّ لديك لحظات هامة في الحياة تُسهِّل عليك رؤية المسارات الجديدة التي تظهر أمامك.

فيما يأتي بعض تلك اللحظات:

1. الدخول في مرحلة جديدة من الحياة:

يمكن للجميع سرد اللحظات المحورية في حياتهم؛ فنحن نختبر أحداثاً هامة تمثل دخولنا إلى مرحلة جديدة من حياتنا، بدءاً من التخرج من الكلية، والانتقال من المكان الذي يُعدُّ مسقط رأسنا، وصولاً إلى إنجاب الأطفال، وحتى الاستيقاظ في صباح أحد الأيام، وأخذ قرار بالرغبة في تجربة شيء جديد.

تسمح لنا هذه اللحظات بالتأمل لمعرفة ما هو الأمر الذي نريد متابعة السعي وراءه بالفعل، وتجبرنا تلك اللحظات على التخلص من حياتنا المريحة، والتحول إلى شيء جديد، فعلى سبيل المثال: قد يقرر خريج جديد الاستفادة من شهادته لمتابعة مهنة تتعلق بالمجال المالي والارتقاء في السلم الوظيفي للشركات.

قد يفكر الأب الجديد في أخذ معسكر تدريبي عن البرمجة على أمل العثور على وظيفة تساعده على توفير مزيد من المال لعائلته المتنامية، وتعمل هذه المراحل الجديدة في الحياة بوصفها مُحفِّزات لأنواع التغيير جميعها، وهي تُعدُّ أوقاتاً ممتازة لإعادة تقييم حياتك الشخصية والمهنية.

2. فتور الشغف والحماسة:

إذا شعرت بالانزعاج أو عدم الحماسة تجاه العمل الذي تقوم به يومياً، فقد تكون معرضاً لتغيير مسارك المهني؛ وذلك لأنَّ لديك سبباً لظهور هذه المشاعر، فلنفترض مثلاً أنَّك درست في الجامعة لتصبح مُحاسباً، لكن بعد 10 سنوات من العمل في هذا المجال، والتعامل مع الأرقام طوال اليوم، بدأت تشعر بعدم الارتباط، وعدم الرضى عن دورك الوظيفي.

يجعلك هذا الشعور غير مرتاح مُحاولاً دفعه بعيداً؛ لأنَّ ترك الوظيفة سيبدو خياراً مكلفاً في الوقت الحالي، فأنت لا تريد التضحية في العمل كلِّه الذي أنجزته والتقدم الذي أحرزته، لكنَّ المشكلة هي أنَّك لا تشعر بالرضى.

تطلب منك هذه المشاعر غير المريحة النظر إلى داخلك، لإعادة التوافق مع غايتك، وأهدافك الحقيقية؛ لأنَّك تقضي معظم وقتك في العمل؛ لذا سيكون من الهام أن تشعر بالشغف تجاه ما تفعله.

لنفترض الآن أنَّك لطالما كنت مُهتماً بالكتابة، ولكنَّك لم تزاولها أبداً؛ لأنَّك كنت قلقاً من أنَّ سيرك بهذا الاتجاه لن يحقق لك النجاح، والآن، بعد عشر سنوات من انغماسك في عالم الأرقام أصبحت تحلم باتخاذ الكتابة بوصفها مهنة، فأنت تدرك الآن أهمية الاستمتاع بعملك، وهذا بحدِّ ذاته سببٌ كافٍ لتغيير الوظيفة.

إقرأ أيضاً: ما هي أسباب فقدان الشغف وعلاماته وكيف نعالجه؟

3. التأثير السلبي في صحتك العقلية أو الجسدية:

يمكن للعمل أن يكون مرهقاً بلا شك؛ فتوجد أوقات تقول لنفسك فيها: "أشعر بالتوتر في العمل"، وفي حين أنَّ الشعور الطبيعي بالتوتر هو أمر صحي، ويحفِّزك على أن تكون منتجاً، إلا أنَّ المستويات العالية منه قد تؤثِّر سلباً في صحتك الجسدية والعقلية.

أظهرت الدراسات أنَّ التوتر في مكان العمل هو عامل خطر قوي يمكن أن يؤدي إلى أمراض القلب، والأوعية الدموية، والنوبات القلبية، والسكتة الدماغية، ويؤدِّي إلى آثار ضارة في الصحة العقلية للعمال، ممَّا يزيد من مخاطر القلق، والاحتراق الوظيفي، والاكتئاب، ومن المُرجح أن يمارس الموظفون المرهَقون سلوكات مدمرة للذات، مثل التدخين وتعاطي المخدرات واتباع أنماط غير صحية من الطعام.

إذا كنت تلاحظ أنَّ التوتر الذي تشعر به في العمل يفوق استمتاعك بالوظيفة، فقد يكون الوقت قد حان للنظر في كيفية إجراء تغيير وظيفي.

4. تحصيل المزيد لنفسك:

سواء كنت لا تتفق مع ثقافة الشركة أم تتطلع إلى كسب مزيد من المال؛ فإنَّ الرغبة في تغيير المهن تنبع في بعض الأحيان من مجرد الرغبة في تحصيل المزيد لنفسك.

يُشير استطلاع لشركة جوب ليستس ميدلايف كارير كرايسس (Joblist's Midlife Career Crisis)، إلى 5 أسباب رئيسة تجعل الناس يُغيرون وظائفهم:

  1. 47% منهم يريدون أجراً أفضل.
  2. 39% منهم يظنُّون أنَّ وظائفهم الحالية مُجهدة للغاية.
  3. 37% منهم يبحثون عن توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية.
  4. 25% منهم يُريدون أن يخوضوا تحدِّياً جديداً.
  5. 23% منهم لم يعودوا شغوفين بمجال عملهم.

قد يبدو البقاء في نفس الوظيفة إلى الأبد أمراً مُشرفاً، لكن إذا كنت لم تعد تتعلم أو تواجه تحديات في هذه الوظيفة، فما هي الفائدة منها إذاً؟ وإذا كنت تشعر أنَّ التغيير سيؤدي إلى مزيد من السعادة، فلماذا لا تجربه؟

شاهد بالفديو: طريقة إجراء تغيير مهني بنجاح

كيفية تغيير المسارات المهنية، إليك الدليل خطوةً بخطوة:

بصرف النظر عن سبب رغبتك في إجراء تغيير وظيفي، فتوجد نصائح يجب عليك اتباعها للقيام بذلك بأقل قدر ممكن من التوتر، وبأكثر الطرائق سلاسة:

1. حدِّد ما يُعجبك وما لا يعجبك في حياتك المهنية الحالية:

عند إجرائك لتغيير مهني، من الهام جداً أن تفهم التغييرات التي تأمل أن تراها في حياتك المهنية الجديدة، فتُعدُّ هذه فرصة لك للنظر في الأسباب التي جعلتك تبغض حياتك المهنية الحالية.

يمكنك إنشاء قائمة بالإيجابيات والسلبيات المتعلقة بوظيفتك الحالية، ويُمكنك بهذه الطريقة أن تكون واضحاً بشأن العوامل التي تأمل في تكرارها، وتلك الأُخرى التي تأمل في تجنبها في حياتك المهنية الجديدة، وفي حين أنَّ الوظائف جميعها لها محاسنها ومساوئها، إلا أنَّه من الهام أن تُدرك أولوياتك الشخصية في حياتك المهنية الجديدة.

قد تكون إحدى عيوب وظيفتك الحالية أنَّها لا تدفع لك قدراً جيداً من المال، لكنَّ الميزة الإيجابية لذلك العمل هو أنَّك تحبُّ زملاءك في العمل؛ إذاً أصبحت تعلم الآن أنَّك عندما تبحث عن وظيفة جديدة، يجب عليك البحث عن فرص تُوفر رواتب أفضل، وتتمتع بثقافة تنظيمية إيجابية.

2. كن متأكداً بنسبة 100% بشأن المهنة التي تريدها:

قد يبدو العشب أكثر اخضراراً على الجانب الآخر، لكن في الواقع يكون العشب أكثر اخضراراً في المكان الذي تسقيه فيه؛ وهذا لا يعني أنَّك يجب عليك البقاء في مكانك والمعاناة في وظيفة لا تستمتع بها؛ بل ما يعنيه أنَّك يجب عليك العثور على شيء تريده وتستمتع ببذل الجهد فيه، وقد يتطلب ذلك ممارسة أمور قد تُجهدك، لكنَّ الأمر يستحق العناء في النهاية.

سيتطلب منك الأمر القيام ببعض البحث؛ فإذا كانت لديك بالفعل فكرة عن خطوتك المهنية الآتية، فركز على معرفة مزيد عنها، واسأل الأصدقاء الموثوق بهم والعائلة وشبكة زملائك في هذا المجال عن ملاحظاتهم؛ وذلك لأنَّ ملاحظاتهم الصادقة وخبراتهم الشخصية على تحديد ما إذا كان بإمكانك النجاح في تلك المهنة، ستساعدك.

يُمكنك إضافة إلى ذلك تجربة تلك المهنة أولاً للتأكد من أنَّك تستمتع بالفعل بها، الأمر الذي سيساعدك على تحويل نظريتك إلى حقيقة.

3. ضع خطة عمل لمتابعة أهدافك:

عند التفكير في إجراء تغيير مهني، فإنَّك تقضي وقتاً طويلاً في التفكير، والحلم بما سيكون عليه الأمر، وعندما تقرر أخيراً أنَّك تريد القيام بذلك؛ فإنَّ وضعك لخطة سيُحوِّل أحلامك إلى حقيقة، فإنشاء خطة للعمل خطوة بخطوة سيُبقيك متحمساً، ويساعدك على أن تتحمل المسؤولية عن أهدافك.

فيما يأتي بعض النصائح الرائعة لتُبقيك جاهزاً عندما يحين الوقت:

  1. تأكد من أنَّ خطابات الدافع، والسيرة الذاتية الخاصة بك مُحدَّثة لتعكس دورك الحالي.
  2. حافظ على ملفات تعريفك الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبة بحيث تكون مناسبة للعمل.
  3. ابدأ بتحديد الوظائف، والمهِن التي ترغب في القيام بها.
  4. ابحث عن الشركات النامية التي ترغب في العمل فيها.

شاهد بالفديو: 6 نصائح تساعدك على وضع خطة عمل ناجحة

دليلك الشامل لإعداد ميزانية

4. ضع ميزانية:

من الهام أن تقوم إضافة إلى وضع خطة عملك بوضع ميزانية تترافق مع تغييرك لحياتك المهنية، وعلى أمل أنَّ تغيير حياتك المهنية سيجلب لك مزيداً من التدفق النقدي، لكن عليك التأكد من أنَّك مستعد لأيِّ شيء يحدث.

قد يكون الانتقال بين الوظائف عملية طويلة؛ لذا سيتعين عليك وضع ميزانية تساعدك على البقاء على المسار الصحيح لمواصلة إعالة نفسك في أثناء البحث عن فرصتك المذهلة التالية.

ضع ميزانية للنشاطات والاشتراكات الشهرية والنفقات الأخرى؛ وذلك لمعرفة ما يمكن تعديله في الفترة الانتقالية إذا لزم الأمر، وخُذ بحسبانك البقاء في وظيفتك الحالية ريثما تجد وظيفة أُخرى، في حال كانت ميزانيتك ضيقة، وقد يتطلب الأمر بعض العمل الإضافي لفترة من الوقت، لكن إن كنت تشعر بالراحة المالية، ستشعر بالتالي بقلق أقل حيال إجراء تغيير مهني.

إقرأ أيضاً: دليلك الشامل لإعداد ميزانية

5. احصل على أكبر قدر ممكن من الخبرة في المسار الوظيفي المثالي الجديد الذي اخترته:

يستغرق البحث عن وظيفة جديدة وقتاً، ولا يتمتع معظمنا برفاهية تعليق مهنتنا الحالية في أثناء البحث عن وظيفة أخرى.

على الرغم من أنَّ الأمر سيتطلب مجهوداً إضافياً منك، إلا أنَّه يجب عليك الآن أن تفكر فيه باستخدام وقت فراغك لصقل المهارات التي تحتاج إليها في حياتك المهنية الجديدة؛ وقد يعني هذا الحصول على شهادات، وتلقِّي دورات، وتعلُّم برامج جديدة تساعد على إعدادك للوظيفة الجديدة.

6. اجعل انتقالك بسيطاً ولطيفاً:

عندما تجد مهنتك الجديدة أخيراً، وتخطط لترك وظيفتك الحالية، تأكد من أن يسير خروجك من مكان عملك الحالي بطريقة لطيفة، لتجنب قطع الجسور، وتدمير العلاقات التي قد تكون مفيدة لك في المستقبل.

في الختام:

عبِّر عن امتنانك للتجربة التي مررت بها، وإن كان ما تعلمته هو الشيء الوحيد الذي لم تُحبه في عملك القديم، فمن يعلم من الأشخاص الذين سيتعين عليك التفاعل معهم مرة أُخرى في المستقبل، أو ما هي الروابط والصِلات التي قد تحتاج إلى الاعتماد عليها؛ لذا امنح شركتك الحالية عندما يحين وقت مُضيك قُدماً الوقت الكافي للعثور على بديل، واعرض عليهم المساعدة في ذلك.

عندما تبدأ بعد ذلك حياتك المهنية الجديدة، كُن صادقاً، ورحِّب بالأشخاص الجدد، والنصائح، والتغذية الراجعة، فهذه فرصتك لترك انطباع رائع والانطلاق بحماسة.

المصدر




مقالات مرتبطة