كيف أتعامل مع طفلي العنيد؟

يُعاني الكثير من الآباء والأمهات مع طفلهم العنيد، وتُصيبهم الحيرة في كيفية التعامل معه؛ إذ إنَّه يتحداهم طوال الوقت، ويرفض الاستماع لكلامهم، ويصرُّ على فعل الأشياء التي يُريدها، وبالطريقة التي تُناسبه؛ لذا فالتعامل مع الطفل العنيد ليس بالأمر السهل، ولا يصحُّ إهماله أو تركه يتفاقم، ولا بدَّ من وعي الأهل به، والاستفادة من نصائح التربويين وعلماء النفس في حل هذه المشكلة.



العناد عند الطفل:

تُصنَّف حالة العناد عند الطفل كنوع من أنواع السلوك المضطرب؛ حيث يتمرد الطفل، ويُقاوم أوامر وقواعد الأبوين بعصبية وإلحاح ونوبات من الغضب أو البكاء، بهدف تنفيذ طلباته، ومخالفة التعليمات والقواعد، وهذا العناد ما هو إلا محاولة منه لإثبات النفس، والشعور بحرِّيته الخاصة.

قد يكون هذا السلوك ناتج عن وعي وإدراك من الطفل، أو قد يكون من غير وعي؛ بل هو عادةً ما يُمارسها من دون وعي.

وتُعدُّ هذه الحالة من المشكلات التي يجب على الأهل الاهتمام بها، والوعي لها، والاطلاع على وجهة نظر علم النفس والتربويين في علاجها، حتى لا تُصبح سلوكاً مُتجذِّراً في نفس الطفل.

بعض من صور العناد لدى الطفل:

  • صعوبة إطعامه: إذ يُبدي الطفل العنيد عناداً ورفضاً شديداً للطعام الذي لا يرغب فيه، فيجد الأهل صعوبة في إطعامه.
  • إكمال واجباته الدراسية: غالباً ما يُعاني الأبوان مع الطفل العنيد في إكمال واجباته الدراسية؛ وذلك لأنَّه يريد الدراسة بحسب مزاجه، وفي الوقت الذي يرغب فيه، ثم يُعاند في ذلك.
  • اختيار الملابس: يميل الطفل العنيد إلى اختيار ملابسه بنفسه، ويصرُّ عليها وإن كانت غير ملائمة لمناسبة معيَّنة، أو للطقس في الخارج.
  • التهرب من النوم: لا يرضى الطفل العنيد بفرض أوقات النوم عليه؛ لذا غالباً ما نجده يتهرب منه، ويُحاول معاندة الأهل فيه.
  • التزام القواعد: إذ غالباً ما يرفض الطفل العنيد القواعد التي يفرضها الأهل عليه، ويُحاول فرض قواعده.

أسباب العناد لدى الطفل:

يُعدُّ العناد صفة مكتسبة لدى الطفل؛ إذ إنَّها لا تولد معه؛ بل يكتسبها في أثناء مراحل نموه، وهناك عوامل عدة تُساهم في اكتسابه هذه الصفة، من أهمها:

1. حالة الطفل الصحية:

قد يكون سبب عناد الطفل خللاً في بعض وظائف الجسم، كفرط النشاط وزيادة طاقته الجسمية، أو زيادة إفرازات الغدة الدرقية، أو سوء تغذية ينتج عنها اضطراب في سلوكه يُعبِّر عنه الطفل بالعناد والعصبية.

2. الحالة النفسية للطفل:

غالباً ما تكون أسباب العناد لدى الطفل نفسية متعلقة بنمط التعامل معه في البيت أو المدرسة؛ لذا فإنَّ دراسة الحالة النفسية للطفل أمر في غاية الأهمية، ويجب دراسة وتحليل الأسلوب المتَّبع في تربيته والتعامل معه من قبل الأهل، وما يتعرض له في المدرسة، سواء من المدرسين أم من أصدقائه.

3. الدلال الزائد:

قد يتساهل الأبوان مع الطفل، ويُفرطان في دلاله، والاستجابة لكل طلباته، ومُسامحته عند الخطأ، فيكبر الطفل وقد اعتاد الحصول على كل ما يُريد، ويلجأ في حال واجهته أي معارضة لاحقاً، إلى العناد كوسيلة للحصول على ما يُريد.

4. السيطرة الشديدة من الأبوين:

قد يفرض الأبوان سيطرة شديدة على الطفل، وتكون التربية قائمة على التسلط وفرض الأوامر، من دون أي نقاشٍ أو نظرٍ في رأي الطفل، ممَّا يُولِّد رد فعل عكسي لديه، فيتمرد على هذه السلطة بالعناد والعصبية.

شاهد بالفديو: كيف تتعاملين مع الطفل العنيد؟

5. عناد أحد الأبوين:

قد يكون أحد الأبوين أنفسهم سبباً في اكتساب الطفل صفة العناد، وذلك عندما يكون عنيداً في تحقيق رغباته؛ إذ من المعروف أنَّ الطفل يأخذ من أبويه قدوة له، فيكتسب العناد من دون أن يشعر.

6. الفضول:

قد يلجأ الطفل إلى العناد، وخاصةً في سنواته الأولى، بدافع الفضول لاكتشاف العالم المحيط من حوله.

7. إثبات النفس:

قد يلجأ الطفل إلى العناد والتمسك برأيه، كنوع من إثبات النفس ولفت الانتباه، خاصة في العائلات التي تتَّبع أسلوب الأوامر والطاعة.

صفات الطفل العنيد:

هناك مجموعة من الصفات التي تُميِّز الطفل العنيد، ومن أبرزها:

1. نوبات من الغضب الشديد:

يمرُّ كل الأطفال بنوبات غضب في بعض المواقف، ويُعدُّ هذا أمراً طبيعياً، ولكنَّ الأمر يختلف عند الطفل العنيد؛ إذ نراه يمرُّ بنوبات غضب شديدة يصعب على الأهل السيطرة عليها أو تهدئته، فهو يُعبِّر عن غضبه بسلوكات عنيفة كضرب قدميه على الأرض بقوة، أو رمي نفسه على الأرض، أو الصراخ والبكاء بصوت عالٍ.

2. الإلحاح في معرفة الأسباب:

من الصفات المميزة للطفل العنيد، إلحاحه في معرفة أسباب أهله في منعه من أمرٍ ما، وأكثر ما يستفزه ويزيد من غضبه، إجابة أحد الأبوين: " لأنِّي قلت لا"، أو " لا أعرف".

3. المجادلة الطويلة:

من أهم الصفات التي يمتاز بها الطفل العنيد، أنَّه مستعد دائماً للمجادلة والنقاش ساعات طويلة من دون ملل أو تعب، فضلاً عن إيجاد التبريرات والحجج لتصرفاته، والتذكير بمواقف استثنائية مُشابهة للموقف القائم، حصلت منذ زمن بعيد، وسُمح له في حينها القيام بالأمر.

4. التسلُّط:

يميل الطفل العنيد إلى التسلط وفرض الأوامر، خاصة على أقرانه، فهو يريد أن يكون كل من حوله رهن رغباته وأهوائه، ولا يتقبَّل الرفض أو مُخالفته الرأي من أحد.

5. عدم الصبر:

من أبرز صفات الطفل العنيد عدم التحلِّي بالصبر، خاصةً عندما يُطلب منه الانتظار؛ وذلك لأنَّه دائماً ما يُريد القيام بالأعمال بسرعة كبيرة ووفق رغباته الخاصة، فنراه لا يطيق الانتظار في عيادة طبيب الأسنان مثلاً، أو عندما تطلب منه أمه تأجيل أمر ما إلى وقت لاحق.

6. فرض قواعده الخاصة:

يميل الطفل العنيد إلى وضع قواعده الخاصة، وغالباً لا يهتم بسماع رأي غيره، ولا يتَّبع قواعد الآخرين، ويصرُّ على فعل الأمور بطريقته.

7. تجاهل التحذيرات:

يتجاهل الطفل العنيد التحذيرات، وكلَّ ما لا يُناسب رغباته، ويميل إلى فعل ما يُريده، فهو انتقائي بما يسمع ويُطبِّق.

إقرأ أيضاً: 4 صفات يتميّز بها الطفل العنيد عن غيرهِ من الأطفال

كيف نتعامل مع الطفل العنيد؟

التعامل مع الطفل العنيد ليس بالأمر السهل على الأهل، ويحتاج إلى ذكاء وخبرة من نوع معيِّن، إليك بعض النصائح التي يُقدِّمها التربويون وعلماء النفس بهذا الخصوص:

1. احترم الطفل:

يكره الطفل العنيد الأوامر وفرض السلطة عليه، وهذا ما يدفعه إلى العناد وعدم الاستجابة؛ لذا من النصائح الهامة عند التعامل معه، الحرص على إشعاره بأنَّه يحظى بالاهتمام والاحترام من قبل أبويه، وتقديم التعاطف، والتعاون معه، وعدم تجاهل أفكاره ومشاعره، وتقدير اختياراته وقراراته الخاصة، ومُحاولة مناقشته بهدوء، وإقناعه بوجهة نظر غيره.

2. تفاوَض معه:

يتململ الطفل العنيد من تلقِّي الأوامر دوماً من الأبوين، ويحتاج إلى الشعور ببعض الحرية في التعبير عن رأيه؛ لذا من الطرائق المفيدة في هذا الأمر، أن يلجأ الأبوان إلى التفاوض معه، ومناقشته فيما يُريد، وسماعه وفهمه، ويُمكن أن يُساعد طرح أسئلة معيَّنة على الطفل، من قبيل: "كيف يمكن أن أساعدك؟"، "لماذا تشعر بالانزعاج؟"، "هلَّا تُخبرنا ما الذي يجري؟"، "هل يُمكننا مناقشة الأمر بهدوء؟"، في إشعار الطفل بأنَّ رأيه مسموع.

3. شاركه في العمل:

يجب أن يُشارك الأبوان الطفل فيما يعمل، وفي مهامه، فكما قلنا هو يكره الأوامر وفرض العمل عليه؛ لذا يُنصح باقتراح العمل معه بدلاً من إجباره، ورفع الصوت عليه، كأن نقول له مثلاً: "ما رأيك أن نُرتِّب البيت معاً؟"، بدلاً من فرض الأمر عليه بقولنا: "اذهب فوراً ورتِّب البيت".

4. رسِّخ السلوك الجيد لدى الطفل:

من أهم أساليب التعامل مع الطفل العنيد، أن يُرسِّخ الأبوان السلوكات الجيدة لديه، من خلال المدح والثناء على تصرفاته الجيدة، ومكافأته بهدايا مُحببة إليه، كأن تقول الأم لطفلها: "أنت جيد جداً في هذا الأمر"، "أنت أفضل منِّي به، علِّمني ذلك".

5. اشرح سبب الرفض له:

من أهم النصائح عند التعامل مع الطفل العنيد، أن يشرح الأبوان سبب رفضهما سلوكه، أو منعه من القيام بأمر ما، وألَّا يكتفيا بقول كلمة "لا" فحسب؛ بل يجب أن يُقدِّما شرحاً مختصراً له، ويعملا على إقناعه بأنَّ الغاية من الرفض والمنع ضمان مصلحته وحمايته من الأذى والضرر، وبذلك يفهم الطفل أنَّ قرارات أهله لم تأتِ من فراغ، أو لمجرد منعه من الاستمتاع بطفولته.

فمثلاً، إن أراد الطفل اللعب خارجاً في الجو الماطر، لا يصحُّ أن تمنعه الأم من دون شرح السبب له؛ وإنَّما التصرُّف السليم معه، هو شرح مضار ذلك عليه، وكيف أنَّه قد يمرض ويتعب ويتألم، ومن ثم تعِده بالخروج عندما يتحسَّن الطقس.

6. قدِّم له أكثر من خَيار:

كما قلنا، إنَّه من الصعب جداً على الطفل العنيد، أن يقبل الأوامر من دون شعوره بهامش من الحرية؛ لذا يُنصح الأهل بتقديم الخيارات، عند طلب أو عرض أمر ما على الطفل العنيد.

فمثلاً، إن أرادت الأم من طفلها العنيد أن يُنظف غرفته، وبدلاً من فرض الأمر عليه فرضاً، ممَّا يجعله يُستَفز ويُعاند ويرفض التنفيذ، فالأصحُّ أن تلجأ الأم إلى تقديم الخيارات له، ومنحه بعض الحرية بقولها: "هل تريد أن تنظف غرفتك الآن أم بعد قليل؟".

7. بسِّط المهمة المطلوبة منه:

يلجأ الطفل العنيد إلى مزيد من العناد، عندما يشعر بعدم قدرته على إتمام المهمة المطلوبة منه؛ لذا من المفيد هنا أن يُبسِّط الآباء المهمة المطلوبة منه، وذلك من خلال تقسيمها إلى أجزاء أصغر، مع إعطائه فترات للاستراحة، ممَّا يحدُّ من عناد الطفل، لشعوره بسهولة المهمة.

8. اهتم بنوم الطفل وتغذيته الجيدة:

من المعروف أنَّ الطفل يحتاج يومياً إلى 10-12 ساعة نوم، وعندما تقلُّ مدة نومه عن ذلك، أو في حال عدم حصوله على التغذية الجيدة الغنية بالفيتامينات والعناصر التي يحتاج إليها، فقد يضطرب سلوك الطفل، ويلجأ إلى العناد والتصرفات التخريبية.

9. كن حازماً:

تحتاج بعض المواقف إلى التعامل مع الطفل العنيد بحزم وصرامة، خاصةً في حال إصراره على تكرار التصرُّف الخاطئ على الرغم من تنبيه الأبوين المتكرر له.

10. كن ثابتاً في المواقف:

يجب على الأبوين اتخاذ الموقف نفسه من سلوك الطفل العنيد؛ فمثلاً عندما يُتشدد عليه أحدهما في موقف ما، في حين يتساهل معه الآخر، عندها سيتمادى الطفل، ولا يشعر بخطئه ويلجأ إلى العناد.

11. انظر في عينيه:

يؤكد التربويون وعلماء النفس على ضرورة التواصل البصري مع الطفل العنيد في أثناء الموقف القائم، ويكون ذلك بالنزول إلى مستواه والنظر في عينيه، وهذا ما يُعرف بـ "الاستماع الفعَّال"، والذي أثبت فعَّاليته في تهدئة الطفل العنيد.

12. تعاطف معه:

غالباً ما يُقابل الأهل عناد الطفل بالتوبيخ والعقاب، وهذا ما قد يزيد من رد فعله وعناده، وعلى العكس من ذلك، فإنَّ إبداء التعاطف معه، وقبول ما يقول من خلال تحريك الرأس مثلاً، يُشعِره بأنَّ أبويه يفهمانه، فيهدأ، ويقتنع بوجهة نظرهما.

13. تحدَّاه وامرح معه:

من النصائح المفيدة في التعامل مع الطفل العنيد، تجنُّب مخاطبته بصيغة الأمر، والتحايل عليه بتحويل الطلب إلى تحدٍّ ولعبة مرحة؛ فمثلاً إن أرادت الأم من طفلها العنيد، ترتيب ألعابه التي نشرها في كل مكان على الأرض، وبدلاً من الامتعاض، والصراخ العالي، وإصدار الأوامر بترتيبها فوراً، يُمكنها تحويل الأمر إلى تحدٍّ مرح، عبر دعوته إلى ترتيبها خلال 5 دقائق مثلاً، فيُسارع الطفل إلى قبول التحدي والربح فيه.

14. تنفَّس مع الطفل:

أثبتت آلية التنفس بعمق فعَّاليتها في تهدئة الأعصاب، وإيصال الأوكسجين إلى الدماغ، ممَّا يُساعد على الاسترخاء؛ لذا من النصائح المفيدة في الحالات التي يكون فيها الطفل في حالة عناد وعصبية، أن نصطحبه إلى مكان منعزل، ونطلب منه أن نتنفس بعمق معاً؛ وذلك بأن يستنشق الهواء بعمق عبر الأنف، ثم يحبسه ولا يتنفس مدة ثانيتين، ثم يخرج الهواء بالزفير عبر الفم.

15. لا تُقابل العناد بالعناد:

يقع الأهل في مطبٍّ خطيرٍ، وهو مقابلة عناد الطفل بعناد من قِبلهم، فلا يتقبَّلون فكرة التنازل والتفاوض مع الطفل، ممَّا يزيد الوضع سوءاً وقد يوصل الطفل إلى الانفجار غضباً وبكاءً؛ لذا يكون الحل باستيعاب الطفل والتفاوض معه، وتجنُّب المعاملة بالمثل.

16. لا تركِّز في عناد الطفل:

من النصائح الهامة في التعامل مع الطفل العنيد، أن يُراعي الأب والأم عدم التركيز في عناده، أو الترديد على مسامعه بأنَّه طفل عنيد، أو التكلم عن ذلك وذمِّه في المجالس أمام الأصدقاء والأقارب، فتكرار الفكرة يجعلها راسخة في ذهنه، ويزيد من رد فعله السلبي.

إقرأ أيضاً: 6 حلول فعّالة للتعامل مع الطفل العنيد

في الختام، الاحتواء والشراكة مع الطفل العنيد هما الحل:

ينصح التربويون وخبراء علم النفس اليوم، باتباع أسلوب التربية الحديثة الخالية من العقاب والتهديد، والقائمة على الحوار مع الطفل ومُصادقته، والابتعاد عن التعالي والتسلُّط وفرض الأوامر، واللجوء إلى الاحتواء، واستخدام لغة الحب والتعاطف، ونبرة الصوت الهادئة، فضلاً عن الشراكة مع الطفل "العنيد" بشكل خاص، فهو حسَّاس بدرجة أكبر من غيره لهذا الأمر؛ لذا يجب إعطاؤه مساحة من الحرية يُعبِّر فيها عن نفسه وعن رأيه، ومن ثم إشعاره بأنَّه يُشارك في اتخاذ أي قرار يتعلق به.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة