كن أكثر إقناعًا من خلال سرد قصص جذابة ومقنعة

في هذا المقال ستساعدك خمس خطوات بسيطة على سرد قصص جذابة ومقنعة؛ فعندما كنت طفلاً، كان لدى أمي قصص عن كل شيء: لماذا يجب عليك تنظيف أسنانك، وتناول الخضار، وعدم التحدث إلى الغرباء أو تعاطي المخدرات، لكن ما أتذكَّره بوضوح هو الكذب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "تايلر ترفورين" (Tyler tervooren)، يُحدِّثنا فيه عن 5 خطوات لتأليف قصة جذابة ومقنعة.

عندما كنت في السادسة من عمري كنت في فريق بيسبول، ومع أنَّني أحببت اللعب في المباريات، إلا أنَّني لم أهتم كثيراً بالتدريب، وللتهرب من التدريب كنت أتظاهر بأنَّني مريض، وعندما أدركت أمي أنَّني كنت أتظاهر بالمرض قالت: لأنَّني مريض ولم أستطع التدرُّب البارحة، فلا بدَّ أنَّني مريض اليوم أيضاً ولا أستطيع المشاركة في المباراة.

لقد بكيت وغضبت كثيراً، وعندها أخبرتني أمي بقصة الراعي الكذاب الذي كان يدَّعي دوماً بأنَّ الذئاب ستلتهم أغنامه، والحكمة من القصة أنَّ لا أحد يصدِّق الكاذب حتى عندما يقول الحقيقة، وبعد سماعي لهذه القصة امتنعت عن الكذب؛ وذلك لأنَّني في كل مرة كنت فيها على وشك قول كذبة، كنت أتذكَّر ما حدث للراعي في القصة.

لقد غيرتني القصة، وجعلتني شخصاً أفضل، وما زلت أتذكَّر هذه القصة حتى اليوم في كل مرة أشعر بالرغبة في الكذب، وقد لا تكون الكذبات الصغيرة أمراً سيئاً بحد ذاته، لكن مع مرور الوقت ستضعف مصداقيتك لدى الآخرين حتى تختفي تماماً.

إنَّ سرد القصص هو أداة فعالة جداً لتحفيز الآخرين على التغيير؛ لذلك إذا كان لديك رسالة تريد إيصالها، أو إذا كنت تحاول حث الأشخاص على تغيير طريقة تفكيرهم وتصرفهم، فقد يكون سرد القصص هو أفضل وسيلة لتحقيق ذلك.

لماذا تُعَدُّ القصة وسيلة قوية للتحفيز؟

فكِّر في جدال دار بينك وبين شخص آخر، على وجه التحديد، الوقت الذي حاول فيه شخص ما إقناعك بتغيير شيء ما في شخصيتك؛ فربما أوضح لك أحدهم كيف أنَّه لا يحب الطريقة التي تتصرف بها، وأنَّه يجب عليك تغييرها لأسباب مختلفة، ومع ذلك، فأنت لا ترى أنَّه يجب أن تغيِّر في نفسك أي شيء، وكلما أصرَّ الآخرون على ذلك، تجاهلتَه، وفكرَّت في شيء مختلف تماماً، مع إصرارك على البقاء كما أنت أكثر من أي وقت مضى.

يتطلب تغيير الطريقة التي يفكِّر أو يتصرف بها شخص ما مواجهته مباشرة؛ أي ينبغي عليك أن تشير إلى النقاط غير المرغوبة في سلوكهم أو تفكيرهم، وتحاول قول أو فعل شيء من شأنه أن يجعلهم يتغيرون، لكن في الواقع لا يحب الناس هذه الطريقة، خاصةً عندما يكون ما تحاول تغييره عادةً قديمة.

فبدلاً من أن يصغوا إلى ما تقوله، فإنَّهم يتجاهلونك ويبحثون عن دليل يثبت أنَّهم مثاليون في الطريقة التي يعيشون ويفكِّرون وفقها، وهذا ما يُطلَق عليه اسم التحيز التأكيدي، لكن عندما تسرد قصة تحاكي واقع الناس بطريقة معينة، فمن الممكن أن يتغير رد الفعل الذي يقوم به الشخص الذي يستمع لك.

فإذا قال لك أحدهم إنَّك تعاني من زيادة الوزن وتحتاج إلى خسارة 20 كيلوغراماً، فمن المحتمل أنَّك لن تحب ذلك، لكن إذا أخبرك - دون أي حُكم - بقصة صديقه الذي خسر الوزن الزائد، فمن المحتمل أن تستمع باهتمام، فقد تقول لنفسك: "أنا أيضاً يمكنني فعل ذلك"، وربما إذا سمعت القصة عدَّة مرات وبطرائق مختلفة فربما ستعمل فعلاً على خسارة الوزن؛ والسبب أنَّ القصة فيها عنصران قويان يعملان على إقناعك:

1. تقوم بإيصال الفكرة بطريقة غير مباشرة:

عندما تروي قصة فأنت لا تخبر الشخص بما يجب عليه أو ما لا يجب أن يفعله؛ بل أنت تضع سيناريو يمكن للشخص اتباعه ويؤدي إلى النتيجة التي تريدها.

2. الشخص الذي تروي له القصة سيستمع لأنَّه يتخيل تلقائياً أنَّ القصة تحدث معه:

فإذا أخبرتك عن صديقي الذي بنى مشروعاً تجارياً ناجحاً خلال عام عن طريق الاستيقاظ أبكر بساعة كل يوم، فلا يمكنك إلا أن تضع نفسك مكان هذا الشخص في القصة؛ فتتخيل أنَّك تستيقظ مبكراً، وتتخيل أنَّك تكتب الملاحظات، وتتخيل نفسك تتحقق من حسابك المصرفي الذي يزداد.

هذه هي الآلية التي يتفاعل بها عقلك مع القصة، إنَّها تجعلك تضع نفسك في مكان بطل القصة، وهذه الرؤية تشكِّل حافزاً قوياً جداً لإجراء التغيير، ويكفي أن نتذكَّر تأثير التلفاز في سلوك الأشخاص، فالتلفاز وسيلة رائعة لسرد القصص؛ ولهذا السبب يحدد الممثلون صيحات الموضة، ويشجعون على فقدان الوزن واتباع حميات غذائية صحية وغيرها من الجوانب في الحياة اليومية.

شاهد بالفديو: كيف تمتلك مهارة الإقناع والتأثير في الآخرين

5 خطوات لتأليف قصة جذابة ومقنعة:

لا يكفي أن نفهم كيف تؤثر القصة في التفكير والمشاعر؛ بل يجب أن تكون قادراً على تأليف قصتك الخاصة؛ فإذا كان لديك رسالة تريد إيصالها للناس، وتريد تغيير الطريقة التي يفكِّر بها الناس أو يتصرفون بها في بعض جوانب حياتهم، فإنَّ نجاحك سيعتمد على قدرتك على سرد القصص الرائعة، والصيغة بسيطة جداً، فيمكنك إنشاء قصتك المقنعة في بضع دقائق:

1. تحديد التغيير المطلوب للسلوك:

تتمثل الخطوة الأولى في تحديد ما تريد تغييره، وكلما كان ذلك واضحاً بالنسبة إليك، أصبح من السهل عليك إيجاد قصة من شأنها أن تجعل الطرف الذي يستمع لها مقتنعاً بفائدة التغيير الذي تريد منه أن يقوم به.

إليك هذا المثال: أظن أنَّ أسلوب العمل التقليدي من خلال العمل في المكاتب هو مضيعة للوقت، وأظن أنَّ معظم الشركات المعاصرة يجب أن تسمح لموظفيها بالعمل عن بُعد، دون إضاعة وقت الموظفين في التنقل من أجل الوصول إلى مكاتبهم والجلوس وراء الحواسيب التي يمتلكونها أصلاً في المنزل.

إذا كنتُ موظفاً في إحدى هذه الشركات وأردت العمل من المنزل، فسأرغب في أن يتوقف مديري عن فرض سياسة صارمة في الحضور إلى الشركة يومياً.

2. البحث عن فوائد التغيير:

يوجد شيئان مختلفان يحفِّزان الناس لاتخاذ إجراءات، وهما:

  1. توقُّع المكاسب.
  2. الخوف من الخسارة.

لكي تكون قادراً على سرد قصة رائعة وإقناع الآخرين باتخاذ إجراء لتنفيذ فكرتك الرائعة، فيجب أن تكون قادراً على تلبية كل من هذين الدافعين، لكن يجب أن تركِّز أولاً على المكاسب التي سيحصل عليها الأشخاص من خلال اتباعهم للطريقة التي تقترحها، وفي المثال الذي طرحناه آنفاً، يوجد العديد من الفوائد التي تنتج عن السماح للموظفين بالعمل من المنزل، ومنها:

  1. جعل الموظفين يشعرون بالسعادة؛ الأمر الذي يؤدي إلى بقائهم في الشركة لفترة أطول وتفانيهم في العمل أيضاً.
  2. تحسين صحة الموظفين؛ وذلك لأنَّهم غير مضطرين إلى تحمُّل مشاق التنقل وانتقال العدوى لهم من زملائهم المرضى.
  3. استقطاب أصحاب المواهب الذين عبروا سابقاً عن رغبتهم في العمل لديك.
  4. توفير التكاليف المترتبة على بيئة العمل التقليدية.
  5. العمل التجاري الذي يركِّز على المستقبل.

لذلك عندما سأقوم بتأليف قصة، فلا بد أن أستعرض هذه النقاط، لتحقيق غايتي في تعديل سلوك الشخص الآخر.

إقرأ أيضاً: أهم منهجيات التغيير في المؤسسات

3. لفت نظر المستمع إلى الخسائر التي سيتعرض لها بسبب رفضه لإجراء التغيير:

إذا أُتيحت لك فرصة لإجراء التغيير لكنَّك ما زلت ترفضها، فالسبب هو أنَّ إدراك الفوائد لا يكفي وحده لإجراء تغيير حقيقي في السلوك؛ لذلك يجب أن تلعب على وتر المخاوف.

تؤكِّد الدراسات المتتالية أنَّه من المرجح أن يتخذ الناس إجراءات لتلافي الخسارة أكثر من الإجراءات التي يتخذونها لتحقيق المكاسب، ولرواية قصة مقنعة، ستحتاج إلى توضيح كيف أنَّ تجنُّب التغيير الذي تريد منهم القيام به سيؤدي إلى خسارتهم لشيء ذي قيمة.

إنَّ أسهل طريقة للقيام بذلك هي ذكر الأمور المعاكسة للفوائد التي ذكرتها في الخطوة الأولى، وفي نفس سياق المثال الذي ذكرناه آنفاً، سنقول إنَّ حرمان الموظفين من العمل عن بُعد يؤدي إلى:

  1. شعور الموظفين بالتعاسة وبحثهم عن فرص أفضل في شركات أخرى.
  2. مرض الموظفين بسبب التقاطهم للعدوى من زملائهم المرضى، ومن ثمَّ تغيُّبهم عن العمل.
  3. الخسارة أمام الشركات المنافسة التي تستطيع توظيف أصحاب المواهب.
  4. تكاليف باهظة بسبب ما تحتاج إليه المكاتب من تجهيزات.
  5. انخفاض بطيء في الإنتاجية والأرباح بسبب تجنُّب التغيير.

الآن، يمكنك البدء برؤية مقدار تأثير هذا الأسلوب في الإقناع؛ وذلك من خلال ذكر المكاسب والمخاوف على حدٍّ سواء؛ فأنت تجعل الطرف الآخر على دراية بالخسارة التي ستلحق به، ومن ثم تحولها إلى مكاسب عن طريق ذكر الحلول.

شاهد بالفديو: 20 مهارة تجعل الجميع يوافق على ما تقوله

4. التحديد المسبق لمآخذ المستمع على قصتك:

لديك الآن أساس متين لقصتك، لكنَّك لم تنتهِ بعد، ولجعل قصتك مؤثرة فعلاً، يجب أن تعرف كيف ستكون اعتراضات المستمعين؛ وذلك لأنَّك عندما تحاول إقناع شخص ما بإجراء تغيير كبير، فسيكون لديه بعض التردد الذي قد يصعب التخلص منه.

لكي تضمن النجاح، يجب أن تعرف مسبقاً ما هي مآخذ المستمعين على قصتك، فلا بد أن تسمع أحدهم يقول: "نعم، لكن ماذا عن…؟"، وفي مثالنا، يمكن أن تكون هذه هي الاعتراضات:

  1. التغيير الذي تطلبه قد يتسبب في فوضى عارمة في الشركة.
  2. ماذا عن المكاتب الكبيرة التي تتسع للجميع، ألا يعني هذا أنَّنا بددنا أموال الشركة؟
  3. كيف سأعرف أنَّ الموظفين ينجزون المطلوب منهم إذا لم يحضروا إلى الشركة؟
  4. ماذا لو خسرنا ثقافة الشركة التي عملنا بجد لبنائها؟
  5. ماذا لو شعرت بالوحدة؟

بعد أن تكون قد تنبأت بالاعتراضات على قصتك، يبقى عليك أن تمتلك إجابة مقنعة لكل تساؤل من هذه التساؤلات، وهذه هي الخطوة التالية.

5. دمج القصص والأمثلة معاً للحصول على قصة جذابة:

لقد انتهيت من كل الأعمال التمهيدية وتستطيع أن تنسج قصتك الآن، ومهمتك الحالية هي جعل حجتك مقنعة من خلال إيجاد أمثلة واقعية، ودراسات عن الحالة التي تتحدث عنها، وقصص توضِّح قيمة حجتك، فهذا ما سيجعل قصتك مقنعة أكثر.

لكي تكون فعالاً قدر الإمكان، يجب أن تركِّز في قصتك على الاعتراضات التي حددتها سابقاً؛ وذلك لأنَّها هي العقبة الأكبر أمام نجاح قصتك، ومن ثمَّ يجب أن تعمل على دحضها.

في مثالنا، سترغب في سرد قصص عن الشركات الأخرى التي سمحت للموظفين لديها بالعمل عن بُعد، وكيف تجاوزوا المشكلات التي تم الحديث عنها، وستركِّز القصص على الآتي:

  1. كيف أجرت إحدى الشركات هذا التحوِّل إلى أسلوب العمل عن بعد بوتيرة بطيئة وحافظت على ثقافتها القيِّمة.
  2. كيف وجدت شركة أخرى طريقة جديدة تستخدم بها مكاتبها الفارغة، وكيف حصلت على فائدة كبيرة من تقليص حجم مكاتبها.
  3. الاستراتيجيات التي تستخدمها الشركات التي تسمح بالعمل عن بُعد لتتبع إنتاجية الموظفين.
  4. الطرائق التي يظل بها الجميع على اتصال ببعضهم بعضاً حتى لا يشعروا بالوحدة.

إذا تمكنت من العثور على أمثلة من الواقع تُناسب هذه القصص ونسجها معاً، فسيكون لديك قصة مُقنعة جداً تساعدك على تحقيق هدفك.

إقرأ أيضاً: أنواع مهارات الإصغاء مع أمثلة عليها

الإقناع لا يتطلب الكمال:

يوجد شيء آخر يجب أن تتجنَّبه، وهو عدم جعل قصتك مثالية تماماً، فالحجة التي ليس فيها أي سلبيات قد تبدو رائعة بالنسبة إليك، لكنَّها قد لا تكون مقنعة بالنسبة إلى المستمع، وكنا قد ذكرنا الانحياز التأكيدي، ومعناه أنَّ الناس يميلون إلى البحث عن البيانات التي تؤكِّد معتقداتهم الحالية ويتجاهلون البيانات التي تتعارض مع معتقداتهم.

لكي تصبح أكثر إقناعاً، عليك أن تجد طريقة لجعل الناس يستمعون ويقدِّرون القصة التي لا تتناسب مع معتقداتهم، والقصة المثالية لا تحقق لك المطلوب؛ وذلك لأنَّها تبدو غير ممكنة الحدوث في الواقع.

أسهل طريقة لتلافي الوقوع في فخ القصة المثالية، هي إبراز العيوب في القصة من حين لآخر؛ لذا دع الناس يرون أنَّ حجتك ليست مثالية، وتوجد بعض العقبات التي يجب تجاوزها.

في البداية، قد تظن أنَّ إبراز العيوب في قصتك سيجعلها غير مقنعة، لكن في الواقع، هذا الأمر مفيد جداً في الإقناع؛ وذلك لأنَّك ضمَّنتَ قصتك بعض العناصر التي يؤمن بها الجمهور فعلاً.

هذا يجعلهم يشعرون بأنَّهم كانوا محقين في مخاوفهم بالدرجة الكافية لشد انتباههم، وعندها تبدأ تدريجياً بسرد الأمور التي تريد منهم أن يؤمنوا بها، وهكذا سيصبح لديك وسيلة تتمكن من خلالها من تغيير طريقة تفكير الآخرين، ومن ثم تغيير سلوكهم، وهي القصة المُقنعة.

المصدر




مقالات مرتبطة