كتاب الموارد البشرية للأطفال؟ أم كتاب أطفال للموارد البشرية؟

ماذا سيحدث عندما تكتشف طفلة ما أنَّ البالغين في مكان عمل والديها قد يعاملون بعضهم بقسوة أحياناً؟ ربما ستأخذ الأمر بسخرية تامة. قد يرجع ذلك إلى أنَّ الكثيرين منا لديهم عقلية "ما حصل قد حصل" عندما يتعلق الأمر بالتسامح، ما لم يكن التقبل التام أو حتى توقُّع الطرائق اللاإنسانية التي يتعامل بها الزملاء مع بعضهم بعضاً.



وعلى الرغم من أنَّ هذا ليس ما نشأنا عليه، ولكنَّنا ننسى في وقت ما بين الطفولة والحياة المهنية الدروسَ التي تعلمناها كأطفال حول الاهتمام بالآخرين، كما لو أنَّنا نحتاج إلى كتاب للأطفال لتذكيرنا بأنَّ مكان العمل يمكن؛ بل ويجب أن يكون مكاناً للرعاية.

يتحدث كتاب يسمى "الرعاية" (Take Care) عن فتاة تدعى "لويز" تعلمت في صفها قاعدةً لا يجري اتباعها في مكان عمل والدتها تنص على: "تولِّي رعاية نفسك ورعاية الأخرين"، وما سيحدث بعد ذلك ينتهي بتذكير والدتها ببعض دروس الحياة القيمة.

ألَّف كتاب "الرعاية" كلٌّ من "لورا هاميل" (Laura Hamill) وهي مسؤولة قسم الموارد البشرية ومسؤولة قسم العلوم في شركة "ليمايد" (Limeade)، و"جولين كريمر" (Jolene Cramer)، المديرة الأولى للتسويق المتكامل في "ليمايد". أجرى موقع "تي إل إن تي" TLNT مؤخراً مقابلة مع "لورا" حول سبب تأليفها لكتابها الجديد وبعض دروسه الموجهة إلى الأطفال والبالغين.

ما الذي دفعكِ إلى تأليف كتاب للأطفال؟

أجابت "لورا": قمنا مؤخراً ببعض الأبحاث حول علم الرعاية، الذي يتعلق بالفكرة المدعومة جيداً بأنَّه كلما شجَّعَت المنظمات موظفيها ودعمتهم، كانت تلك المنظمات أفضل حالاً، وبعد رؤية "جولين" العرض الذي قدمته حول هذا الموضوع، اقترحت أن نؤلف كتاباً للأطفال لتعزيز هذه المفاهيم لديهم؛ إذ أردنا أن نُظهِر أهمية كل ما نتعلمه كأطفال عن رعاية الآخرين وأهمية تطبيقه لاحقاً في مكان العمل.

 يبدو هذا الكتاب في بعض الأحيان وكأنَّه كتاب للكبار في هيئة كتاب للأطفال.

الكتاب موجَّه إلى كليهما، فالآباء والأمهات سوف يقرؤون هذا الكتاب لأطفالهم، ويستند هذا الكتاب إلى النقاء وتمني الأفضل للأطفال. "جولين" لديها طفلان صغيران وأنا لدي ابن يبلغ من العمر 20 عاماً وابنة في الـ 16 من عمرها، وتريد كلانا أن يخوض أطفالها تجارب إيجابية عندما يبدؤون العمل، فنحن لا نريد لهم الوجود في بيئات سامة.

شاهد بالفديو: 7 عادات تجعلك أكثر تأثيراً على الناس

يدرك الأطفال بطبيعتهم قيمة رعايتهم لبعضهم بعضاً، ولكن لمَ ننسى في وقت لاحق من الحياة وعند بداية العمل تطبيق مثل هذه الدروس الحياتية؟

أتعلَم؟ منذ وقت ليس ببعيد كنت ألقي محاضرةً لقادة أحد الأقسام في شركة كبيرة حول أهمية رعاية الناس؛ إذ عبَّر لي المدير التنفيذي حينها - وهو رجل مسن ولطيف - عن استمتاعه وحماسته للعرض، وأكمل كلامه قائلاً: "هذا مفهوم غريب بالنسبة إليَّ، فلم يعاملني أحد بإنسانية خلال حياتي المهنية كلها"، فلقد عمل لمدة طويلة وكان دائماً يتوقع تعامل الناس معه بطريقة معينة.

هذا يدلنا على ضرورة تغيير نظرتنا إلى العمل، فنحن حقاً نحتاج إلى التركيز في معاملة الناس كبشر.

صحيح، لكن أين نخطئ؟ ولماذا لا نعامل بعضنا بعضاً بطريقة أكثر إنسانية؟

في أول وظيفة لي في عصر الإنترنت، كان مكتبي مقابل قاعة مؤتمرات؛ حيث كان يُوبَّخُ الناس، فأطلَقنا عليها اسم "غرفة العقاب"، وألقى أحدهم بكرسي هناك.

أعتقد أنَّنا وصلنا إلى مرحلة رمي الكراسي أو القيام بأمور أسوأ لا تُظهِر الرعاية؛ وذلك من خلال الكثير من الممارسات التي لا تدعم فكرة الرعاية، مثل الإدارات التي تعتمد مبدأ القيادة والسيطرة، التي لم تكن نموذجاً جيداً لإدارة التصنيع منذ سنوات وما تزال كذلك، ومع ذلك ما تزال هذه الممارسات قائمة؛ إذ نتوقع في الوقت الراهن من الناس التفاعل في العمل والإبداع، ولكنَّنا ما زلنا نتعامل معهم بالطرائق القديمة ذاتها.

ومع ذلك، فقد شهدتُ الكثير من التطور في الشركات مع مرور الوقت؛ إذ أتذكر قبل بضع سنوات حديثنا مع المنظمات حول الاهتمام بالموظفين ومعاملتهم بطريقة إنسانية. قال الناس إنَّ هذا سخيف وتهكموا قائلين حظاً سعيداً، ولكن لحسن الحظ أصبحت الشركات الآن تتبنى وبشكل متزايد فكرة أنَّ طريقة معاملة الناس أمر أساسي لنجاح العمل.

على الرغم من أنَّ الأمر قد يستغرق المزيد من الوقت لإقناع بعض الأشخاص؛ إذ كنتُ أجتمع مع زبون محتمل لتقديم عرض عن الاحتراق الوظيفي وعرضت عليه شريحةً للعرض التقديمي، ولكنَّه عندما رأى الشرائح التي تُظهِر مسؤولية المنظمة عن الاحتراق الوظيفي سأل: "هل يمكننا حذف هذه الشرائح؟ فنحن لا نريد أن نناقش الدور الذي نؤديه بخصوص الاحتراق الوظيفي"؛ وهذا يدل على وجود الكثير من التقاعس.

إقرأ أيضاً: 9 طرق لمواجهة الاحتراق الوظيفي

في الكتاب، ترى طفلة أمها وهي تفقد أعصابها في العمل، وتشعر بالصدمة لرؤية والديها يتصرَّفان بهذه الطريقة.

نعم، والمفارقة هي أنَّ سبب تصرفنا بهذه الطريقة في كثير من الأحيان ليس لأنَّنا لا نهتم؛ وإنَّما هو ناجم عن شعورنا بالإحباط وعن اهتمامنا المفرط، ويستثمر العديد من الناس الكثير من الوقت في العمل، ويريدون أن يستثمر الآخرون أيضاً الكثير من الوقت، وإنهاء الخلاف بطريقة مرضية. كل ما في الأمر أنَّ هناك طرائق أفضل لحل الخلاف، ويُظهِر الكتاب أهمية الاعتذار كوسيلة لإثبات اهتمامك بالآخرين عند ارتكاب خطأ ما وتوبيخ الآخرين في العمل.

خطر لنا في أثناء قراءة كتابك أهمية تعليم فكرة الرعاية للفتيان الصغار بشكل خاص؛ إذ يبدو أنَّنا نربي أولادنا بطرائق تمنعهم عن الحديث عن مثل هذه العواطف وتدفعهم إلى النظر إلى الاهتمام بالآخرين في العمل على أنَّه نقطة ضعف.

نعم، فمجتمعنا يضع الأدوار الصارمة المبنية على أساس نوع الجنس؛ الأمر الذي يمكن أن يشلَّ حركتنا، فمن الهام تربية أولادنا على الاهتمام، وأن نظهر لهم أنَّ الاهتمام أمر طبيعي وإنساني وليس خاصِّيَّة بجنس محدد.

وفي الوقت نفسه تواجه النساء اللاتي يشغلن أدواراً قيادية وضعاً صعباً. لطالما اعتمد أسلوبي على إرضاء الآخرين وتلبية رغباتهم، ولكنَّني شعرت في وقت مبكر من مسيرتي المهنية بأنَّه عليَّ التوقف عن ذلك؛ إذ لم يَعُد في إمكاني أن أكون كما يريدني الآخرون أن أكون، ووصلت إلى نقطة حيث قلت في نفسي تباً لذلك، ومن ثم وقررت أن أتصرف على طبيعتي، ولحسن الحظ لقد كنت أعمل في مكانٍ تقبَّل الأمر.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح للتوقف عن الاهتمام أكثر من اللازم

ما هي برأيك بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة لدى الأطفال بخصوص العمل؟

ستلفت الأمور غير الأساسية في العمل انتباه الأطفال؛ كتناول الوجبات الخفيفة في المكتب أو تغيير أماكن المكاتب ونقلها صعوداً وهبوطاً، بينما حدثني أطفالي عن مدى سعادة الناس في عملي، فلقد أحبوا الأمر واستمتعوا به في الوقت نفسه؛ إذ قالوا: "يتعامل الجميع بلطف بالغ مع بعضهم بعضاً!"، ولكنَّ جزءاً من هذه المسألة هو أنَّنا الآباء نرسل لأطفالنا رسائل بهذا الخصوص من خلال طريقة حديثنا عن العمل في المنزل.

يساعد تحديد توقعات الأطفال حول العمل في وقت مبكر من حياتهم على تشكيل قدوة لهم، فمن الهام أن يشعر الآباء بالإيجابية والحماسة للعمل، بالطبع نحن أيضاً لا نريد أن نخلق الأكاذيب بخصوص العمل وتصويره على أنَّه ممتع دائماً، ولكن من الهام مع ذلك أن ندرك أنَّ الأطفال يأخذون في الحسبان الطريقة التي ننظر بها إلى العمل.

على سبيل المثال، نشأت في كوخ خشبي بمساحة 60 فداناً دون كهرباء من الصف الرابع حتى الكلية.

هل قلتِ دون كهرباء؟

صحيح! على أي حال كان والدي نجاراً، وخاض العديد من التجارب السيئة في العمل، ولم يحتفظ بوظيفة لفترة طويلة، كما أنَّه كان يتحدث دائماً عن مدى كرهه للبشر، وشعرت في ذلك الوقت بأنَّ تجربته كانت مروعة، ولكنَّها من ناحية أخرى جعلتني مهتمة بأن أصبح عالمة نفس تنظيمية.

لم يكن منطقياً بالنسبة إليَّ حينها كيف يمكنك أن تكره الأشخاص الذين تعمل معهم؛ إذ لم يكن هذا ما أردته لحياتي المهنية؛ وإنَّما أردتها أن تكون جيدة جداً، وكان هذا هو السبب الأساسي لاهتمامي بخلق أماكن عمل يعامل فيها الناس بعضهم بعضاً بإنسانية.

المصدر




مقالات مرتبطة