في عالم مليء بعوامل التشتيت: التركيز قوة خارقة

التشتيت هو أحد أكبر التحديات التي تواجه رواد الأعمال اليوم. وسوف أُفشي لكم سراً صغيراً وأخبركم بما شعرتُ به عندما تحدَّثَت زوجتي عن مشكلتها الأخيرة، ولكن قبل ذلك، سوف أتحدث عن الظروف المحيطة بهذه القصة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب أدريان شيفرد (Adrian Shepherd) والذي يُحدثنا فيه عن كيفية النجاح في عالم مليء بعوامل التشتيت.

مثل كثير من الناس، تحوَّلَت شركتها إلى نظام العمل من المنزل منذ مارس-آذار من العام الماضي. لقد كانت تعمل على طاولة في غرفة الطعام كل يوم من الاثنين إلى الجمعة، دون أن تلوح نهاية في الأفق. ويبدو واضحاً لي أنَّ مزيداً من الشركات سوف تتبنَّى هذا المفهوم حتى بعد الوباء، وهناك سببان رئيسان لهذا:

1. التخلص من الحاجة إلى التنقل: يُتيح هذا للموظفين توفير ما بين 30 دقيقة حتى ساعتين يومياً من وقت التنقل، مما يعني الحصول على مزيدٍ من النوم وتقليل التوتر وزيادة إنتاجية الموظفين.

2. مساحة مكتبية أقل: يمكِن للشركات تقليص مساحة مكاتبها في المدن التي يُعَدُّ استئجار هذه المساحات فيها باهظ الثمن، مما يوفر لها جزءاً صغيراً من النفقات العامة ويزيد أرباحها النهائية.

على أي حال، مرَّت زوجتي يوم أمس بالقرب من منزل معروض للبيع، ولم نكن ننوي شراء منزل جديد، لكنَّها دخلت لتلقي نظرة، بطبيعة الحال، عندما عادت إلى المنزل، حدَّثَتني عن تفاصيل ما أحبَّته وما لم تحبه؛ قالت: إنَّها أحبَّت المطبخ، والإضاءة، والنوافذ، لكنَّها لم تُحب الطابق العلوي، كانت إحدى الغرف صغيرة جداً، بحجم الخزانة تقريباً، أما الغرفتين الأخريين، فقد كانتا جميلتين، ولكن لا تتسعان لسرير كبير.

نظراً لأنَّه كان يوماً ماطراً، لم يكن لدينا كثيرٌ لنفعله، فقلت لها إنَّني أودُّ إلقاء نظرة عليه، بالنسبة لها، كان هذا أمراً ممتعاً، أما بالنسبة لي، كان أكثر من ذلك.

في الوقت الحالي، أستأجر شقة صغيرة أستخدمها كمكتب للاستشارات، إنَّه مثالي لاحتياجاتي، ولكنَّ المال يذهب هباءً كل شهر، فلماذا لا أشتري المنزل وأحوِّله إلى مكتب أنيق؟

بعد إلقاء نظرة على المنزل، سألتُ زوجتي: "إذا اشترينا هذا المنزل، هل تودين استخدام إحدى الغرف كمكتب لك؟" فأجابت ببساطة "لا"، ثم بدأَت تشرح أنَّه بينما لا تعجبها حقيقة عدم وجود فاصل بين حياتها المهنية وحياتها العائلية، كانت هناك مزايا أيضاً؛ إذ يمكِنها القيام ببعض الاستعدادات لتناول العشاء في أثناء انتظار رد من زميلها في العمل، ويمكِنها ممارسة التمارين الرياضية قبل أن تبدأ العمل، وعلاوةً على ذلك، يمكِنها الوصول إلى كل ما تحتاجه بسهولة.

إقرأ أيضاً: كيف تحقق التوازن بين العمل وحياتك الشخصية؟

تحدَّثتُ للتو عن إيجابيات العمل من المنزل، لكنَّ هناك سلبيات أيضاً، فقد كانت المشكلة الكبيرة هي عدم الفصل بين حياتها المهنية وحياتها العائلية، والنتيجة هي أنَّنا لا نستطيع الكف عن التفكير في العمل، والمشكلات العالقة، والتأخيرات، والاجتماعات المقبلة، والأخطاء وغيرها من الأمور.

قبل ذلك، عندما كنا في المنزل، كان من السهل التفكير فيما يتعين علينا القيام به في المنزل، ثم عندما نتوجه إلى المكتب، نبدأ التفكير في العمل، وكان هناك فاصل واضح بين النموذجين، حيث يمكِننا التفكير في شيء واحد والكف عن التفكير في شيء آخر، ولكنَّنا الآن لا نستطيع ذلك.

هذه بالضبط هي المشكلة التي تواجهها زوجتي الآن، ومن خلال التحدث إلى عملائي، يبدو أنَّها ليست وحدها مَن يعاني من هذه المشكلة. إذاً، كيف يتعلم رواد الأعمال والرياضيون الناجحون التخلص من عوامل التشتيت وتقديم أداءٍ جيد؛ ففي النهاية هم تحت ضغط مستمر للنجاح؟

يَحمل المدير التنفيذي لشركة تيسلا للسيارات إيلون ماسك (Elon Musk) ولاعب كرة السلة ستيفن كريس (Stephen Currys) أعباء العالم على كتفيهما، فكيف يمكِنهما توجيه تركيزهما بدقة مع كل عوامل التشتيت المحيطة بهما؟

لقد وجدتُ بعض الإجابات في كتاب عقلية الأفعى (Mamba Mentality) الذي ألَّفه لاعب كرة السلة كوبي براينت (Kobe Bryant) وقد قرأتُه منذ فترة؛ إنَّه يعطينا نظرة عميقة عن الخفايا في ذهن أحد أعظم الرياضيين على الإطلاق. أتذكَّر مشاهدته وهو يلعب وكان غريباً مدى تشابهه مع لاعب كرة السلة مايكل جوردان (Michael Jordan)، لكنَّ قراءة كتابه أعطتني نظرة عميقة عن كيفية التعامل مع الضغط، وإليك 4 خطوات بسيطة للتخلص من عوامل التشتيت:

1. التأمل:

هذا هو الشيء الذي قدَّمه لاعب كرة السلة فيل جاكسون (Phil Jackson) لفريقي البطولة بولز (Bulls) وليكرز (Lakers)، فالتركيز على موضوع واحد هو ما نحتاجه لتحقيق أداء رائع في الرياضة والأعمال، إذ يبدأ لاعب كرة القدم الأمريكية كايل ويلسون (Kyle Wilson) جميع جلساته بتأمل موجَّه قبل الخوض في التفاصيل الدقيقة.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات تساعد المبتدئين على تعلُّم رياضة التأمل

2. الموسيقى:

كان السبَّاح العالمي مايكل فيلبس (Michael Phelps) يرتدي سماعات الرأس دائماً قبل بدء السباق. قال "براينت": رغم أنَّ بعض الرياضيين يحبون الاستماع إلى الموسيقى إما لإثارة الحماس فيهم وإما لتهدئتهم، إلا أنَّ سماعات الرأس بالنسبة له كانت مزيفة، فقد كان يضعها فقط لإبعاد الناس عنه، وهذه حيلة لطيفة.

3. التحديات الذهنية:

هناك سبب وجيه وراء شهرة الكلمات المتقاطعة ولعبة سودوكو (Sudoku)، فمثل هذه التحديات تحثنا على إعمال عقولنا، فعقولنا قوية بشكل لا يُصدق، ولكن عندما تُمنح مساحة للتفكير، نملأها بأي شيء، وهذا هو سبب أهمية التركيز، حيث يُتيح لنا منح عقولنا تحديات ذهنية التركيز على مهمة واحدة وإغفال الباقي.

إقرأ أيضاً: ألعاب العقل: 12 تمريناً ذهنياً سريعاً ومسلياً

4. ألعاب الفيديو:

كمستشار في مجال الإنتاجية، أتردد في ذكر هذا لأنَّني أعرف كم من الوقت يمكِن أن تُضيِّعه ألعاب الفيديو، ومع ذلك، تُعدُّ ألعاب الفيديو وسيلة رائعة للتركيز، وما عليك سوى سؤال أي والد اشترى لأطفاله جهاز بلاي ستيشن 5 (PlayStation 5). بعض الألعاب، مثل: مونيومنت فالي (Monument Valley)، تُثير الإبداع، والتفكير بعمق، وتسمح الألعاب مثل: وورلد أوف تانك بيلتز (World of Tank Blitz) بالتفكير الاستراتيجي، وإذا كانت الألعاب هي ملاذك، فتأكَّد فقط من ضبط مؤقت لأنَّه من السهل تضييع الوقت في عالم الفيديو.

الخلاصة:

قد يكون التشتيت هو التحدي الأكبر الذي يواجه رواد الأعمال العصريين، حيث تتنافس وسائل التواصل الاجتماعي، ورسائل البريد الإلكتروني، والزملاء، والرؤساء، والعملاء، والأصدقاء، والعائلة على جذب اهتمامنا باستمرار، ولكن غالباً ما يتوقف نجاحنا على تعطيل عوامل التشتيت هذه، بغضِّ النظر عن مجال عملنا.

 

المصدر




مقالات مرتبطة