في ظلال رمضان: نعمة شهر رمضان وفضائله

تستعد أمة الإسلام لاستقبال نعمة عظمى من نِعم رب العالمين، نعمة لم يُختص بها فرد أو قبيلة، بل هي تتنزّل سنويّاً على سائر الأمة، والسعيد حقّاً من أحسن استقبالها، تلك هي نعمة شهر رمضان.



1. كيف وصف رسول الله تلك النعمة الغالية؟

لقد روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة قال: لمَّا حضَرَ رمضانُ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قد جاءَكم رمضانُ، شهرٌ مُبارَكٌ، افترَضَ اللهُ عليكم صِيامَه، تُفتَحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجَحيمِ، وتُغَلُّ فيه الشَّياطينُ، فيه لَيلةٌ خَيرٌ مِن ألْفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خَيرَها فقد حُرِمَ".

إنّ لرمضان في ميزان الإسلام ثقلاً خاصّاً فما هو بالشهر العابر الذي يبدأ لينقضي، بل هو ركن أساس من الأركان التي يرتفع فوقها بناء الإسلام الشامخ، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله: "بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ".

سيقوم رمضان بثلاثة أدوار عظيمة الأهمية في الأُمَّة، وهي: التنقية.. والتميُّز.. والتربية!

إنّه ينقِّي صف المؤمنين من الشوائب.. ويميِّزُه عن غيره من الصفوف.. ثم هو أخيراً يربِّي المؤمنين على أمور لابدّ منها لكي تصلح أمتهم لقيادة العالمين.

إقرأ أيضاً: أعمال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان

2. رمضان وتنقية الأمّة الإسلامية:

يمثل رمضان اختباراً مهمّاً، تتم فيه وبعده تنقية الصف المسلم من الشوائب، ولا يكون الاختبار حقيقيّاً إلّا إذا كان صعباً، وكذلك اختبار رمضان الذي ترجع صعوبته إلى عدة أمور منها:

  • أنّه فرض، وطبيعة النفس الإنسانية أن تنفر من الفروض والتكاليف.
  • أنّه شهر كامل متصل، والأعذار فيه محدودة.
  • أنّه خروج على المألوف، بترك ما يعتاده الإنسان بل يحتاج إليه من الطعام والشراب والشهوة.

ولكن أصعب من كل ذلك أن تصوم صياماً حقيقيّاً كما أراد الله، فليست المسألة تركاً للطعام والشراب والشهوة فقط، ولكن الأمر أكبر من ذلك، والاختبار أصعب من ذلك، وهو أن يوجِّه رمضان حركة حياة الإنسان كلّها (قولاً وعملاً وفكراً وشعوراً وجوارح) نحو مرضاة رب العالمين واجتناب محرّماته، فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "من لم يدَعْ قولَ الزورِ و الجهلَ والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه و شرابَه".

إقرأ أيضاً: 8 من أفضل الأعمال في شهر رمضان

3. رمضان وتميّز الأمة الإسلامية:

يعتبر تخصيص شهر رمضان بالصيام تمييزاً للأمة الإسلامية التي أرادها الله في منزلة خاصة، وسطاً شاهدةً على الناس؛ ذلك أنّ الرسول والمسلمين في عامهم الأول بعد الهجرة كانوا يصومون عاشوراء مع اليهود.. وكان ذلك اليوم فريضة عليهم.. كما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: ما هذا؟، قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ في الجَاهِلِيَّةِ، وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قالَ: مَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ.

إقرأ أيضاً: فضل صيام الست من شوال وأيام البيض

4. رمضان وتربية الأمة الإسلامية:

لم يكن من قبيل المصادفة أن يقترن شهر رمضان من أول مرة صامه فيها المسلمون بالجهاد في سبيل الله، ورفع راية الإسلام. كما أنّه ليس من المصادفة كذلك أن يبدأ هذا الاقتران بيوم الفرقان (يوم بدر) الذي منَّ الله به على المؤمنين في رمضان 2هـ - وهو أول شهر تصومه أمة الإسلام.. وكأنَّ الله تعالى يريد لهذه الأمة أن تفقه جيِّداً دروس التربية الإيمانيَّة التي يربينا رمضان عليها، ومن هذه الدروس:

أولاً: الاستجابة الكاملة لأوامر الله بصرف النظر عن حكمة الأمر:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} الأحزاب: 36

ثانياً: يتربَّى المسلمون في رمضان على كبح جماح شهواتهم:

أو قُلْ: على التحكّم في الشهوات إلى أن تُصرف في المكان الصحيح، استمع إلى الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصيامُ: أيْ ربِّ إنِّي منعتُه الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفعْنِي فيهِ، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعْنِي فيهِ، فيُشَفَّعَانِ".

ما قيمة التحكّم في الشهوات في بناء الأمة المجاهدة، وفي بناء الفرد الصالح للانتصار وللتمكين؟ أو لماذا يحتاج الفرد المجاهد أن يتدرّب جيداً في مدرسة الصيام؟ وما عَلاقة الجهاد بالصيام؟

إنّ الجهاد مشقة كبيرة وستأتي على الأمة المجاهدة أوقات لا تجد فيها طعاماً ولا شراباً ولا زوجة، ومن كان معتاداً على الصيام فهو على الجهاد أقدر من غيره، كما أنّ المجاهدين سيفتحون بلاداً كثيرة، وستقع السلطة في أيديهم، وسيباشرون أمور الناس، وإن لم يكن المؤمن مؤهلّاً تربويّاً للتحكّم في شهوته فسيقع في كثير من المحظورات، فقد يعتدي على حرمات الغير من الأقوات أو الممتلكات، لكن المسلم المدرَّب في مدرسة الصيام على التحكّم في شهوته يسيطر على هذه الأمور، كما كان يسيطر عليها وهو صائم باختياره.

إقرأ أيضاً: التخلّص من حب الشهوات في شهر رمضان

ثالثًا: التحكّم في الأعصاب، والقدرة على كظم الغيظ:

فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ.

إقرأ أيضاً: العصبية في رمضان: أسبابها وكيفية التغلّب عليها

رابعاً: رمضان يربِّي على الإنفاق في سبيل الله:

فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.

إقرأ أيضاً: أهمية الصدقة في الإسلام والسنة النبوية وأنواعها

خامساً: يربّي رمضان المسلمين على شعور الوَحْدة والأخوَّة والألفة:

 فكل المسلمين في شتّى بقاع الأرض سيصومون في يوم واحد، ويفطرون في يوم واحد، وسيصومون في وقت واحد وهو الفجر، ويفطرون في وقت واحد وهو المغرب. 

سادساً: سيتربَّى الصائم في رمضان على الشعور بآلام الغير ومشاكل الآخرين:

ولا شك أنّ المؤمن الذي يشعر بألم الجوع والعطش لفترة معينة في نهار رمضان، سيدرك أن هناك إخواناً له في الدين يعانون نفس الألم ولكن بصورة دائمة ولا ينتظرون إفطاراً عند غروب الشمس. 

ما أكثر الثمار التربويَّة التي يمنحنا إياها رب العالمين بصوم صادق لرمضان، غير أنّ التقوى تظل هي أجلّ تلك الثمار، حيث قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:183

 

المصدر: موقع قصة الإسلام




مقالات مرتبطة