فوائد تعليم الموسيقى للأطفال

تعليم الموسيقى للأطفال أمر ينطوي على فائدة مضاعفة نابعة عن أمرين اثنين؛ أولهما تعليم الأطفال بحد ذاته، والذي يُعَدُّ من أفضل الاستثمارات في العقل البشري الغض وشديد التعطُّش للمعرفة، وثانيهما يكمن في أهمية تعليمهم الموسيقى دون غيرها؛ وذلك لما تضفيه من صفاء إلى ذهن المتعلِّم، وزيادة في التركيز.



وتفريغ لكل المشاعر الحبيسة في النفس بطريقة عذبة وراقية؛ لذا ومن أجل الحصول على هذه الفائدة المضاعفة خصصنا هذا المقال للحديث عن فوائد تعليم الموسيقى للأطفال وتأثيراتها في نموهم العقلي والنفسي.

أهمية تعليم الموسيقى للأطفال:

تبرز أهمية تعليم الأطفال الموسيقى في كثير من النواحي؛ إذ إنَّ الخبراء يؤكدون أنَّه يساعد على تطوير حزمة واسعة من مهارات الأطفال، كما يساعدهم على تحسين ذاكرتهم، ويضيف إليهم مهارات إتقان القراءة والرياضيات والكتابة.

يؤكد عالم النفس في جامعة زيوريخ لوتز جانكي أنَّ تعلُّم العزف على آلة موسيقية يزيد من معدلات الذكاء عند الأطفال بشكل مؤكد بما يقارب السبع نقاط عند كل من البالغين والأطفال، وتمتد التأثيرات الإيجابية لتعلُّم الموسيقى لتشمل المهارات المطلوبة لإتقان العزف، وينسحب ليصل إلى مهارات التركيز والاستماع والحفظ.

تتجلى أهمية تعليم الموسيقى للأطفال أيضاً في تعويد الطفل على المثابرة والانضباط اللازمين لإتقانه لمقطوعته الموسيقية وانتظار دوره في العزف في الفرقة، فضلاً عن تعزيز مهارات التركيز والتحفيز الذاتي، والتي تصب في مصلحة التحصيل الدراسي كون هذه المهارات مطلوبة أيضاً في عملية التعلُّم.

تساعد الموسيقى على التعبير عن الإبداع عن طريق التفنن في عزف المقطوعات الموسيقية، كما أنَّها تحرِّض مَواطن الإبداع الأخرى وتجعل الأطفال أكثر اجتماعية واستعداداً للمشاركة وقدرة على التواصل مع أقرانهم.

تصرح الأستاذة ناديا لافوي من كلية التربية في جامعة أوتاوا بأنَّ الموسيقى طريقة مثلى للتعبير عن مشاعر الأفراد، وأنَّ الأفراد الذين يعبرون عن مشاعرهم هم أعضاء فعالون في المجتمع، كما أنَّ تعليم الموسيقى للأطفال من شأنه أن يساعدهم على تنمية الثقة بأنفسهم.

كان هذا التصريح مشابهاً لتقرير فورستد عن التعليم الموسيقي عام 2011، والذي أكد فيه أنَّ التعليم الموسيقي الجيد يقدم الكثير من الفوائد والمميزات، والتي لا يقتصر الحصول عليها على الأطفال العازفين فقط؛ بل ينال الآباء والمجتمعات نصيباً وافراً منها أيضاً.

فوائد تعليم الموسيقى للأطفال:

لا يمكن إحصاء فوائد تعليم الموسيقى للأطفال، وينصح الاختصاصيون بأهمية استماع الأطفال للموسيقى وسبر وجود ميولهم نحوها من أجل استثماره في تعلُّمها، لما له من فوائد هامة لهم على كافة الأصعدة.

نستعرض منها ما يأتي:

1. تحفيز نمو الدماغ عند الأطفال:

من فوائد تعليم الموسيقى للأطفال تحفيز نمو الدماغ لديهم، والمقصود هنا الأطفال الذين تلقوا تعليماً موسيقياً للعزف على واحدة من الآلات وليس الأطفال الذين يقومون بنشاط ما وشُغِّلَت لهم موسيقى للاستماع لها في الخلفية كما تقول الدراسات.

وجدت دراسة أجراها طلاب في جامعة نورث وستون أنَّ المعالجة العصبية عند الأطفال الذين عزفوا على آلة موسيقية أفضل منها مقارنة بالطلاب الذين لم يعزفوا واكتفوا بالاستماع.

أثبتت دراسة أخرى أنَّ نقاط الذكاء عند الأطفال الذي يعزفون الموسيقى أكثر عدداً منها عند أقرانهم الذين لا يعزفون والذين لم يتلقوا دروساً موسيقية في العزف من قبل، كما أنَّ الأطفال الذين يشاركون في الموسيقى أفضل في نتائج الفهرس واختبارات الذكاء الفرعية والمقياس المعياري للإنجاز الأكاديمي.

2. تعزيز عملية التواصل مع الآخرين:

من فوائد تعليم الموسيقى للأطفال مساعدتهم على إنشاء جسور التواصل مع الآخرين؛ فهي وسيلة لاستغلال الجانب الاجتماعي المشترك فيما بينهم من أجل إنشاء علاقات اجتماعية قائمة على تزويدهم بالخبرات اللازمة لإتمام وتنظيم عملية المشاركة مع بعضهم بعضاً.

إنَّ إنشاء فرقة موسيقية مدرسية أو فرقة موسيقية صغيرة في الحي، وانخراط الأطفال بشكل جماعي في عمليات العزف والإنشاد يعزز بينهم روح التعاون من أجل تحقيق هدف مشترك يكون على شكل إنجاز جماعي نهائي، ويترك لهم ذكريات جميلة للمستقبل، ويعلمهم احترام التنوع والاختلاف وتكامل الأدوار في الحياة، وهنا تكون الموسيقى علاجاً للعزلة الاجتماعية التي قد يعاني منها بعض الأطفال.

3. تطوير جوانب مختلفة على التوازي:

من فوائد تعليم الموسيقى للأطفال أنَّها تساعدهم على تطوير مهارات عقلية وتعليمية إلى جانب المهارات الموسيقية في الوقت ذاته؛ وذلك لأنَّ تعليم الموسيقى للأطفال يطور مهاراتهم الحسابية في الرياضيات بالإضافة إلى مهارات العلوم والمعارف التاريخية ومهارات الكتابة والقراءة في أثناء عملية التعلُّم الموسيقي.

شاهد بالفديو: 6 وسائل لتنمية حس الخيال عند الأطفال

4. تعليم الأطفال الانضباط:

إنَّ تعويد الأطفال على النظام والانضباط يُعَدُّ من أهم فوائد تعليم الموسيقى؛ وذلك لأنَّ عملية التعلُّم الموسيقي تطوِّر لدى الأطفال مهارات إدارة الوقت، ويبدأ ذلك من لحظة تنظيم وقت التعليم الموسيقي بشكل يتناسب مع التعليم المدرسي، ومحاولة إيجاد التوازن بين هاتين العمليتين التعليميتين وغيرهما من النشاطات الحياتية اليومية للأطفال.

كما أنَّ تعلُّم الأطفال للأزمنة في الموسيقى يجعلهم يدركون دور الفارق الكبير الذي يُحدثه تأخير لحظة زمنية أو تقديمها على اللحن وينطبق ذلك على إدراكهم لقيمة الوقت في حياتهم.

5. تخفيف التوتر:

من أهم فوائد تعليم الموسيقى للأطفال أنَّها تساعد على تخفيف توترهم والتقليل من إرهاقهم، فضلاً عن تحسين حالتهم المزاجية، ويكون لجوء الأطفال إلى الموسيقى مثالياً جداً في حالات الإرهاق من العمل المدرسي ومحاولة إنشاء التوازن بين النشاطات غير المنهجية؛ إذ يفرِّغون في صفوفهم الموسيقية التراكمات السلبية التي تثقل كواهلهم والتي ترسبت في أنفسهم بفعل النشاطات التعليمية، فيعودون بحالة نفسية ومزاجية أفضل تؤهلهم إلى استكمال نشاطهم المدرسي بحماسة أكبر.

إقرأ أيضاً: كيف تسيطر على التوتر في دقائق قليلة؟

6. تحسين المقدرات اللغوية:

قد يكون غريباً أن نربط تحسن المقدرة اللغوية للطفل بتعلُّمه الموسيقى ولكنَّ هذا حقيقي، ويكون التفسير العلمي للظاهرة هذه بالارتباط الوثيق بين منطقة الدماغ التي تتحكم بالقدرة الموسيقية وتلك المسؤولة عن فهم اللغة، ويبدو هذا منطقياً لأنَّ تعليم الموسيقى للأطفال يملي عليهم التعرُّف إلى النغمات والنبرات ونطق الكلمات وتكرارها.

7. تحسين الذاكرة:

إنَّ تحسين الذاكرة هو أيضاً من فوائد تعليم الموسيقى للأطفال الملموسة؛ وذلك لأنَّ هذا النمط من التعلم يتطلب منهم مستوى عالياً من الحفظ، بالإضافة إلى القدرة على قراءة النوتات الموسيقية بالنظر، وكذلك عزف الألحان على آلاتهم الموسيقية واستذكار كلمات الأغاني، وقد يقوم الطفل بكل هذه العمليات في الوقت ذاته معاً؛ مما يجعل ذاكرته في حالة تأهُّب ونشاط مستمرين.

8. تحقيق التركيز والتآزر البصري والحركي:

في عملية العزف الموسيقي يجب على الطفل تحريك يديه أو أصابعه وأحياناً قدميه من أجل استخراج الصوت المطلوب من الآلة الموسيقية، كما أنَّه يطَّلع في الوقت ذاته على النوتة الموجودة أمامه وتحريك جسده لإصدار النغمة التي يمليها عليه المكتوب ومتابعة توجيهات الموصل، وهذا ما يعزز تركيزه والتناسق بين حركات اليدين ومشاهدات العين.

9. تعزيز الثقة بالنفس واحترام الذات:

إنَّ تعليم الموسيقى للأطفال من شأنه أن يرفع من تقديرهم لذواتهم ويعزز من ثقتهم بأنفسهم، وهاتان الميزتان هما من أعظم فوائد تعليم الموسيقى للأطفال؛ وذلك لأنَّ التعليم الموسيقي يجعل الطفل يتعرَّض في أثناء تعلُّمه لعزف مقطوعة ما أو إنشادها للحظات عديدة من اليأس والإحباط، كون تعلُّم الموسيقى ليس بالأمر السهل، ولكنَّه بسبب رغبته وشغفه يتجاوز هذه العقبات ويتقن مهمته؛ مما يرفع ثقته بذاته وقدراته، ويزيد من ثقته بنفسه على تجاوز العقبات والصعاب في الحياة، كما أنَّ تقديره لذاته سوف يرتفع؛ وذلك لأنَّه يصبح كل يوم نسخة أفضل عن نفسه بالأمس.

إقرأ أيضاً: علاقة تقدير الذات بالصحة: 3 نصائح تزيد من احترامك لذاتك

10. تعليم الأطفال الصبر:

يميل الأطفال بطبعهم إلى الاستعجال والتسرُّع، فيأتي التعليم الموسيقي ليهذب هذا الإلحاح والاندفاع الطفولي لديهم؛ وذلك لأنَّ إتقان عزف لحن ما يتطلب الكثير من الوقت والتمرين، وهذا يحتاج إلى الصبر والتأني، كما أنَّ عزف الطفل في جوقة موسيقية يملي عليه تعلُّم الصبر لانتظار أن يحين دوره في العزف.

11. تحسين الجهاز التنفسي:

هي من فوائد تعليم الموسيقى للأطفال التي يمكن الحصول عليها عند اختيار الطفل لآلةٍ موسيقية نفخية مثل الكلارينت أو الفلوت أو الناي وغيرها؛ وذلك لأنَّ هذه الآلات تتطلب من العازف أن يأخذ نفساً عميقاً كبيراً، ليزفره بشكل مضبوط ومحدد يساعد على إنتاج الصوت الموسيقي المطلوب؛ وهذا ما يجعل الطفل يخطو الخطوة الأولى على طريق تدريبات التنفس الضرورية في تمرينات التأمُّل والتي تعزز جهازه التنفسي.

12. التغلب على الخجل والتعبير عن الذات:

يمكن بسهولة ملاحظة الحرية في التعبير عن الذات بين العازفين وصناع الموسيقى، ويمكن أن نعزو ذلك إلى تحررهم من الخوف والخجل واعتيادهم على الوقوف أمام جموع الناس لتأدية مهمتهم.

من فوائد تعليم الموسيقى للأطفال تحريرهم من خجلهم من تحديق الناس إليهم بسبب انصرافهم إلى التركيز في العزف وقراءة النوتة؛ مما يجعلهم معتادين على نظرات الناس إليهم، وغير آبهين بنظرات المجتمع في حال قاموا بأمر ما مخالف للمعتقدات النمطية السائدة.

شاهد بالفديو: 6 طرق بسيطة للتخلص من الخجل الزائد

13. تعويد الطفل على تقبُّل الاختلاف:

إنَّ الموسيقى هي لغة الشعوب؛ لذا فإنَّ الطفل الذي يتلقى تعليماً موسيقياً، يتعرَّض لأنواع مختلفة من الموسيقى وينتمي كل منها إلى ثقافة مختلفة؛ مما يجعله أكثراً انفتاحاً وقدرة على تقبُّل التنوع والاختلاف.

في الختام:

إنَّ تعليم الموسيقى للأطفال له فوائد عديدة على نموهم النفسي والعقلي، فهو يحسِّن قدراتهم الدراسية والمنطقية بشكل ملحوظ ويطوِّر علاقاتهم الاجتماعية ويعلمهم الانسجام مع الآخرين والانخراط في المجموعات، كما أنَّ آثاره في شخصياتهم ونفسياتهم يمكن لمسها بوضوح، فهو يزيد الثقة بالنفس، ويعوِّد على الصبر والانضباط ويجعل الطفل أكثر انفتاحاً وتقبُّلاً.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة