فن الإدارة الذاتية وكيفية التحكم في الوقت والتنظيم الشخصي

نجاح الإنسان في حياته العملية والاجتماعية والعاطفية مسؤوليته بالمرتبة الأولى قبل أن تكون مسؤولية الظروف أو الأشخاص المحيطين، فالإنسان يمرُّ بتجارب عديدة ومتنوعة ينجح ببعضها ويفشل بالأخرى، وأحياناً يلقي اللوم على الآخرين، فعندما يخسر صديقاً يعتقد أنَّه محق في البداية، أو عندما ينفصل عن شريكه العاطفي، ثم يفكر لاحقاً ويسأل نفسه إن كان هو السبب في ابتعاد صديقه عنه، وإن كانت طريقة تعامله مع الشريك صحيحة أم لا.



ينطبق الأمر نفسه على الحياة العملية، فعلى الرغم من أنَّ طريق النجاح وعر في كثير من الأوقات، إلا أنَّ الصعوبات ليست مبرراً للفشل، وامتلاك الشهادات الأكاديمية لا يعد الضمان الوحيد لنجاح الإنسان؛ وذلك لأنَّ النجاح يعتمد بالدرجة الأولى على حسن إدارة الإنسان لذاته، واستغلاله للوقت بالشكل الأمثل، وتنظيم حياته الشخصية والعملية بأفضل شكل، وفيما يأتي سنوضح لك فن الإدارة الذاتية لتستطيع تحسين وضعك في مختلف المجالات.

أولا: فن الإدارة الذاتية

هو قدرة الإنسان على إدارة أفكاره وعواطفه ومشاعره، ومن ثم القدرة على التحكم بالسلوك بطريقة واعية وعقلانية ومثمرة تقوده للتميز والنجاح والتفوق أيضاً في الحياة الشخصية أو المهنية؛ وذلك نتيجة القدرة على توجيه المهارات والمواهب إلى الطريق الصحيح، والقدرة على ضبط النفس في المواقف السلبية، ومن ثم التعامل مع الجميع بسلاسة واتزان وحكمة تمكِّنه من تحقيق كافة الأهداف العملية، كما تساعده على الحفاظ على علاقات الصداقة والعلاقات العائلية وعلاقته العاطفية أيضاً.

ثانياً: فن الإدارة الذاتية وكيفية التحكم في الوقت والتنظيم الشخصي

نظراً لأهمية الإدارة الذاتية وتنظيم الوقت في حياتنا لنصبح أكثر كفاءة في جميع ما نفعله، يجب علينا اتباع ما يأتي:

1. التحكم في الوقت وتنظيمه:

يساعد تنظيم الوقت الإنسان على الوصول إلى أهدافه وتحقيق مراده بالشكل المطلوب، وفي وقتنا الحاضر تزداد أهمية التوجيه لتنظيم الوقت؛ وذلك لأنَّنا نعاني من ضغوطات كثيرة، وتوجد عدة أمور قادرة على سرقة وقتنا وهدره، ولتنظيم الوقت والتحكم به، يمكن اتباع ما يأتي:

  • التركيز جيداً على ما تفعله: التركيز على العمل يساعد على إنجازه بأفضل شكل وبأقل وقت، فلا تشغل تفكيرك بالمنزل مثلاً أو بشريكك خلال وقت العمل، وابتعد عن جميع المشتتات كالهاتف المحمول، أو اجعله صامتاً؛ وذلك لأنَّ وصول رسالة من أحد الأصدقاء كفيلة بشغلك ما لا يقل عن 10 دقائق.
  • تنظيم مهامك: يمكنك تحضير قوائم بالمهام منذ بداية الأسبوع؛ إذ تحدد في القائمة الأعمال التي عليك إنجازها في مختلف جوانب حياتك، وتضع تاريخاً محدداً لكل منها، وذلك بحسب الأولوية، ومن الأفضل تجميع المهام المتشابهة معاً حتى لا تضطر إلى التفكير بها أكثر من مرة.
  • التخطيط اليومي: يمكنك الجلوس نصف ساعة قبل النوم تخطط فيها لليوم التالي، بحيث تحدد العمل الذي ستقوم فيه في كل ساعة؛ وذلك لأنَّ تعيين الحدود الزمنية لكل مهمة يساعد على عدم ضياع الوقت، وفي حال وجود مهام صعبة، يمكن البدء بها أولاً كي لا تشغل تفكيرك فيها بينما تنجز المهام الباقية.
  • جعل التنظيم عادة: في حال فشلت في تطبيق المخطط الذي رسمته في بداية الأسبوع أو في اليوم السابق، لا تتراجع حتى تعتاد على إنجاز المهام في الوقت المخطط له؛ وذلك لأنَّ الممارسة المستمرة تجعل العمل أسهل، ولا ضرر من توكيل بعض المهام للآخرين ممن يمكنهم مساعدتك حتى تعتاد على إنجاز المهمة في الوقت المحدد لها.

2. التخلص من التوتر:

صعوبة الحياة بمختلف مجالاتها تجعل الإنسان في حالة توتر دائمة تتسبب في ضياع مواهبه وقدراته، وتعوق تطوره وتميُّزه، لذلك لا يمكن مرافقة التوتر؛ بل يجب التخلص منه من خلال الالتزام بالنوم لعدد ساعات لا يقل عن 7 ساعات يومياً، إضافة إلى اتباع نظام غذائي صحي متنوع، وممارسة الرياضة يومياً.

في حال عدم توفُّر الوقت للذهاب إلى النادي الرياضي مثلاً، يمكن الاكتفاء بالمشي نصف ساعة يومياً في الهواء الطلق لاستعادة الطاقة الإيجابية التي تساعد على تجاوز مختلف الصعوبات، وحاول إيجاد ما يساعدك على الاسترخاء في أثناء اليوم كالاستماع للموسيقى المفضلة، فكل ما سبق يجعلك أكثر يقظة.

شاهد بالفيديو: 8 طرق للتخلص من التوتر

3. تحديد الأهداف في الحياة:

تنظيم الوقت يحدد لك وقت تنفيذ كل مهمة، ولكنَّ الأهمية الكبرى تقع على عملية تحديد الأهداف والمهام التي يجب عليك إنجازها في حياتك عموماً؛ إذ يمكن وضع مخطط لأهدافك، وتحديد المسار الذي يوصلك إليه، والبدء بالعمل مع النظر إلى المخطط بشكل دائم وعدم نسيانه للتأكد من أنَّك تسير في الطريق الصحيح، لكن تذكر دائماً أنَّ عليك تحديد أهداف منطقية في الحياة كي لا يصيبك التشاؤم عند الفشل في تحقيق أحد الأهداف.

4. التحفيز الذاتي:

لا يمكن النجاح في أي عمل أو علاقة إن لم يتوفر الدافع الذاتي، وبالطبع الإنسان أفضل من يستطيع تحفيز نفسه من خلال ترديد عبارات مثل: "أنا قادر على النجاح، وهذه المهمة سهلة، فقد تجاوزت الأصعب منها سابقاً"، فالإنسان المنتج هو الإنسان الذي يملك نظرة إيجابية للحياة والعمل.

في سبيل التحفيز الذاتي يمكنك مكافأة نفسك بعد كل عمل تنجزه بالطريقة التي ترغب، كمن يضع قطعة من الشوكولا داخل كتابه بعد كل درس، فعند الانتهاء من حفظ الدرس، يمكنه أكل قطعة الشوكولا، وكذلك هي الحياة فمثلاً يمكنك الذهاب في رحلة لمدة يومين مع شخص تحبه أو مع العائلة بعد إنجازك لمشروع هام في عملك كي تتذكر دائماً ذلك النجاح.

شاهد بالفيديو: 8 خطوات للحفاظ على التحفيز الذاتي حتى في الأوقات الصعبة

5. إخراج أفضل ما تملك:

كل ما تقوم به من أعمال يستحق أن تجتهد وتتعب من أجله، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقات، فلا تدع فشلك في علاقة عاطفية مثلاً يمنعك عن الاجتهاد في سبيل نجاح علاقة عاطفية حالية، وكذلك العمل، فلا تتوقف عن تطوير نفسك في مجال عملك فلا حدود للعلم، لذلك حاول بمختلف الوسائل تطوير مهاراتك وإخراج كل ما تملك من مواهب كي تتميز في كل عمل تقوم به، وفكر دائماً في نقاط القوة لديك، ففهمك لما تملكه من نقاط قوة يعطيك ثقة بالنفس وشعوراً بالراحة يدفعك إلى إنجاز مختلف المهام المترتب عليك إنجازها.

لمعرفة نقاط القوة جميعها التي تتحلى بها، يمكنك طلب التقييمات من زملاء العمل أو من الأصدقاء أو من العائلة، كما عليك تأمُّل نفسك جيداً وتذكُّر ما مررت به من تجارب خلال دراستك أو عملك.

6. التحلي بالصبر:

صعوبات الحياة كثيرة ولا يمكن توقُّع الأحداث القادمة، وإدارة النفس تصبح أسهل بوجود الصبر والاقتناع بحقيقة أنَّ الإنسان لا يمكنه السيطرة على جميع المواقف، ولا يمكن أن تسير الحياة كما يرغب؛ بل عليه التكيف مع الحياة وتغيُّراتها، وعليه الهدوء والتروي عند ظهور العقبات والصبر للتعامل مع أي تغيُّر أو عقبة بالشكل الأمثل الذي يجعل الأمور في صالحه دائماً.

7. مراقبة نفسك دائماً:

وجود مدير في العمل أو من يراقب التصرفات والسلوك يجعل أحياناً الإنسان يلتزم في عمله ويبتعد عن الإهمال أو هدر الوقت، ولكنَّ الإنسان الناجح لا يحتاج إلى من يراقبه فهو مسؤول عن نفسه، ويقوم بمراقبة تصرفاته، ويحمِّل نفسه مسؤولية النجاح بالدرجة الأولى فيلتزم بما وضعه من خطط، ويلتزم بالوعود التي قطعها على نفسه، ولا يعطي أعذاراً وحججاً، أو يلقي اللوم على المحيطين به عند الإخفاق؛ بل يعترف بالخطأ الذي يرتكبه، ويعتذر عند الإساءة لشخص ما في لحظة غضب، ويحاول عدم تكرار الخطأ، كما يبذل قصارى جهده للتعويض عن الخطأ فيكون مصدر ثقة للعائلة والأصدقاء وزملاء العمل والشريك العاطفي، لذلك يجد الجميع مساندين له عندما يحتاجهم.

إقرأ أيضاً: كيف تلتزم بهدف أو خطة التزاماً طويل الأمد؟

8. تعلُّم مهارات اتخاذ القرارات:

الإنسان المنجِز والفعال في الحياة يستطيع اتخاذ القرار الأمثل في كل موقف يوجد فيه فيحل مختلف المشكلات، ويتم ذلك من خلال تعلُّم مهارات اتخاذ القرارات، مثل القدرة على تحليل كافة المعلومات الأساسية وغير الأساسية عند التعرض لمشكلة، والاستناد في ذلك إلى بيانات حقيقة وأفعال وليس إلى التخمين والتخيل الذي لا يمكننا التأكد من مدى صحته.

لذلك لا تجعل نظرك محدوداً، وانظر إلى كل أمر من جميع الجهات، واستمع لمختلف وجهات النظر مع عدم تبنِّي أي منها؛ بل الأفضل تكوين وجهة نظر خاصة عن كل أمر أو مشكلة لاتخاذ أفضل قرار.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

في الختام:

إدارة الإنسان لذاته ضرورية ليتمكن من النجاح في مختلف جوانب حياته، ويتمكن من تحقيق الأهداف المهنية والشخصية، وفن الإدارة الذاتية يمكِّن الإنسان من مواجهة مختلف مشكلات الحياة، ويحفزه على إخراج أفضل ما لديه، ويتم ذلك من خلال تنظيم الوقت وإدارته في الدرجة الأولى بالابتعاد عن مشتتات الذهن في أثناء العمل، والتركيز على المهمة التي يتم العمل على إنجازها، ووضع قوائم تحدد المدة الزمنية اللازمة لكل عمل، إضافة إلى محاولة التخلص من التوتر والإجهاد باتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة والاسترخاء والنوم الجيد.

لا تنسَ قبل السعي إلى النجاح أن تحدد أهدافاً منطقية يمكن النجاح بها، وتحلَّ بالصبر في أثناء سعيك؛ وذلك لأنَّ الإنسان لا يستطيع السيطرة على حياته كما يرغب، لكن يمكنه بذل قصارى جهده وإخراج أفضل ما يملك، وتعزيز نقاط القوة لديه وتحفيز ذاته باستمرار، كما أنَّه لا يحتاج إلى رقيب؛ إنَّما يمكنه أن يكون الرقيب على ذاته، كما يمكنه اتخاذ أفضل القرارات بعد الاستماع للآخرين، والبحث عن الحقائق دائماً، والنظر إلى كل أمر من مختلف الجهات.




مقالات مرتبطة