فقر الدم الانحلالي: الأسباب والأعراض والعلاج

يصل إلى أسماعنا في كثيرٍ من المرات حديث ما عن مرض فقر الدم الانحلالي، وهذا ما يدفعنا كثيراً للتساؤل عن هذا المرض وأسبابه وطرائق علاجه إن وُجدت، وفي هذا المقال ستجد ما يُشبع أيَّ فضول لديك تجاه هذا المرض.



أولاً: مفهوم فقر الدم الانحلالي

قبل التعرُّف إلى مفهوم فقر الدم الانحلالي سنتعرَّف بدايةً إلى مفهوم الخلايا الحمراء أو كريات الدم الحمراء؛ إذ تُعَدُّ هذه الخلايا مسؤولةً عن نقل الأوكسجين من الرئتين إلى باقي أجزاء الجسم ونقل غاز ثنائي أوكسيد الكربون إلى الرئتين للتخلص منه، وتمتلك كريات الدم الحمراء هذه الميزة الخاصة بنقل الغازات من خلال استخدامها لبروتين متخصص ندعوه الهيموغلوبين، ويتمُّ إنتاج خلايا الدم الحمراء في جزء من العظم يسمى نخاع العظم، ويتمُّ ذلك باستخدام الحديد الموجود في الجسم لإنتاج الهيموغلوبين بين كريات الدم الحمراء، تنتشر كريات الدم الحمراء في الدم لمدة 120 يوماً قبل إزالتها، وبعدها يتمُّ إنتاج كريات دم جديدة.

الآن وبعد التعرُّف إلى كريات الدم الحمراء أصبح من السهل تعريف فقر الدم الانحلالي؛ فهو خلل أو نقص في وظيفة وعدد الكريات الحمراء؛ وذلك بسبب تكسُّرها قبل اكتمال عمرها الطبيعي؛ أي 120 يوماً، ويحدث بهذه الحالة إنتاج أجسام مضادة من قِبل الجسم تلتصق بكريات الدم الحمراء، تنتبه لوجود هذه الأجسام المضادة الخلايا المناعية في الجسم فتقوم بمهاجمتها، وقد يحدث التكسر أيضاً نتيجةً لعوامل مرضية أو خارجية أخرى؛ وفقر الدم الانحلالي إذاً هو أحد أنواع فقر الدم ويضم مجموعة من الاضطرابات والأمراض.

ثانياً: أسباب الإصابة بفقر الدم الانحلالي

تنقسم مسببات فقر الدم الانحلالي إلى قسمين؛ القسم الأول يرجع إلى عوامل وراثية وينتقل من الآباء إلى الأبناء، والقسم الثاني يرجع إلى مسببات مكتسبة، ومن الجدير بالذكر أيضاً أنَّه في بعض الأحيان لا يمكن تحديد سبب لحدوث فقر الدم الانحلالي.

سنتحدث فيما يأتي بالتفصيل عن كل نوع من أنواع المسببات:

1. فقر الدم الانحلالي الوراثي:

يسمى أيضاً بفقر الدم الحقيقي، ويكمن السبب الأساسي بوجود خلل في الجين المسؤول عن ولادة كريات الدم الحمراء، وهذا الخلل يمكن أن يكون في تصنيع الهيموغلوبين أو تصنيع غشاء الخلية أو بسبب عيوب خلقية في أحد أنواع الأنزيمات؛ وهذا يؤدي إلى خلل في وظيفة كريات الدم الحمراء، وتُعَدُّ العديد من الأمراض الوراثية سبباً في حدوث فقر الدم الانحلالي الوراثي، وسنذكر فيما يأتي أهم هذه الأمراض:

  1. كثرة الكريات الحمراء الكروية: يكون في هذا المرض شكل الكريات كروي وليس بالشكل الطبيعي أي على شكل أقراص مقعرة السطحين، ويعمل الطحال على تكسيرها وإخراجها من الدورة الدموية، وتظهر أعراض هذا المرض على شكل اصفرار الجلد وبياض العينين، وفي بعض الحالات يتطلب العلاج استئصالاً للطحال.
  2. نقص البيروفات كينيز: يحدث في هذه الحالة تكسر شديد لكريات الدم الحمراء؛ ويرجع السبب في ذلك إلى عدم تصنيع أنزيم بيروفيت كينيز داخل هذه الكريات، وقد تظهر الأعراض على المريض منذ الولادة وتكون على شكل فقر دم شديد، وقد يكون فقر الدم طفيفاً بحيث لا يُكتشف قبل الكهولة، ويتم العلاج بنقل الدم المتكرر حسب الحاجة أو تبديل الدم حتى يتم التخلص من البيليروبين الزائد الناتج عن تفتت الكريات الحمراء.
  3. كثرة الكريات الحمراء البيضاوية: في هذا المرض يكون شكل الكريات بيضوياً، ويعمل الطحال أيضاً على تكسيرها وإخراجها من الدورة الدموية، وفي أغلب الأحيان لا تظهر أعراض واضحة على المريض.
  4. التلاسيميا: الخلل في هذا المرض يكون في تصنيع الهيموغلوبين داخل كريات الدم الحمراء، وتبدأ أعراض التلاسيميا بالظهور على الطفل بدءاً من عمر 3 إلى 6 أشهر، وتكون الأعراض على شكل اصفرار، وقيء، وإسهال، والتهابات متكررة وتضخم البطن والطحال، ويحتاج المريض إلى نقل الدم بشكل متكرر.
  5. فقر الدم المنجلي: وهنا يحدث الخلل في تصنيع الهيموغلوبين داخل كريات الدم الحمراء وتأخذ الشكل المنجلي وتفقد مرونتها على المرور بسهولة في الأوعية الدموية الدقيقة؛ وهذا يسبب انسداداً في الأوعية الدموية، وتظهر الأعراض على شكل اصفرار، وإرهاق، وضعف مناعة، وجلطات المخ، واعتلال شبكية العين، بالإضافة إلى خشونة في مفصل الورك، ويعالَج المريض عن طريق نقل الدم واستخدام أدوية للوقاية من الجلطات.
  6. انحلال الدم الفولي: المشكلة تكون في تصنيع أنزيم داخل كريات الدم الحمراء وهو أنزيم سداسي فوسفات الجلوكوز النازع للهيدروجين؛ إذ يحدث تكسر شديد لكريات الدم الحمراء نتيجة تناول أدوية كيميائية معينة، أو نتيجة تناول الفول أو الأطعمة التي تحتويه، وتظهر الأعراض على شكل آلام في البطن واصفرار وشحوب وبول دموي، وتتم المعالجة بتغيير الدم في الحالات الشديدة أو تناول مكملات الحديد ومكملات حمض الفوليك وتجنب تناول الفول.

2. فقر الدم الانحلالي المكتسب:

ويُعرَف أيضاً باسم فقر الدم العرضي، وقد يحدث للإنسان في مرحلة من حياته ولا يولد مصاباً به، وفي هذه الحالة يحدث تكسر لكريات الدم الحمراء الطبيعية نتيجةً لعوامل خارجية أو بسبب الإصابة بأمراض معينة، وسنذكر فيما يأتي أهم هذه الأمراض:

  1. انحلال الدم المناعي الذاتي: يتسبب جهاز المناعة بإتلاف جزء طبيعي من الجسم في هذه الحالة، وقد تلتصق بعض الأجسام المضادة بكريات الدم الحمراء، فتقوم الخلايا المناعية بمهاجمة خلايا الدم الحمراء الملاصقة للأجسام المضادة، وتوجد العديد من الحالات المسببة لانحلال الدم المناعي ومنها سرطان الغدد الليمفاوية، وأمراض المناعة الذاتية الأخرى كمرض الذئبة الحمامية الجهازية.
  2. فقر الدم الانحلالي بالمناعة المتباينة: وفي هذه الحالة تقوم الأجسام المضادة الموجودة في جسم المريض بمهاجمة كريات الدم الحمراء التي تمَّ نقلها للمريض من شخص آخر غير متوافق معه في زمرة الدم، وقد تحدث هذه الحالات عند حديثي الولادة عندما ينتقل جزء من دم الأم إلى دم الجنين أو عند نقل الدم من متبرع إلى آخر، وتظهر الأعراض بعد دقائق وتشمل ألماً شديداً في البطن وارتفاع حرارة وإحساساً بالحرقة على طول الوريد.
  3. فقر الدم الانحلالي نتيجة تناول الأدوية: ومن هذه الأدوية البنسلين والعقاقير المضادة للالتهاب أو الملاريا وأدوية الباراسيتامول والعلاج الكيميائي.
  4. فقر الدم الانحلالي الميكانيكي: ويحدث نتيجةً للحركات المتكررة كالمشي والجري، أو بعد عمليات زراعة صمامات القلب الصناعية وهنا يحدث انفجار في كريات الدم الحمراء.
  5. البيلة الهيموغلوبية: تتكسر كريات الدم الحمراء داخل الأوعية الدموية؛ وهذا يؤدي إلى ظهور الهيموغلوبين في البول وهذا مرض نادر.
  6. فرط عمل الطحال: وهنا يقوم الطحال بتكسير وتفتيت كريات الحمراء بمعدل أعلى من المعدل الطبيعي.

شاهد: 6 فوائد للتبرع بالدم تحفزك على التبرّع الدوري

ثالثاً: أعراض فقر الدم الانحلالي وكيفية تشخيصه

تتباين الأعراض وتتفاوت من عدم ظهور أية أعراض على المريض إلى ظهور أعراض شديدة، لكن عموماً يشترك فقر الدم الانحلالي مع أنواع فقر الدم الأخرى بمجموعة من الأعراض وهي:

  1. اليرقان؛ وهو اصفرار ملتحمة العين والجلد نتيجة لتكسر كريات الدم الحمراء وانطلاق الهيموغلوبين في الدم متحولاً إلى البليروبين صفراء اللون.
  2. عدم انتظام ضربات القلب.
  3. الشحوب والاصفرار.
  4. صعوبة في التنفس وصداع ودوار.
  5. الإجهاد.

بعد ملاحظة الأعراض يتمُّ تشخيص الحالة من خلال إجراء مجموعة من الفحوصات مثل: فحص تعداد الدم الكامل، وتحاليل خاصة لتحديد نوع فقر الدم الانحلالي مثل (platelet count)، و(serum LDH)، و(coombs)، وفحوصات مثل فحوصات البول أو خزعة نقي العظام.

إقرأ أيضاً: أعراض فقر الدّم وأهم الأغذية للوقاية منه

رابعاً: علاج فقر الدم الانحلالي

الهدف الأساسي من العلاج هو إيقاف تكسر كريات الدم الحمراء ورفع عددها إلى الحد المناسب ومعالجة السبب الأساسي للحالة إن أمكن ذلك، ويعتمد اختيار العلاج المناسب على سبب المرض وشدته وعمره وتاريخه المرضي، علماً أنَّ حالات فقر الدم الانحلالي الوراثي يستمر فيها المرض مع المريض طوال حياته، ولكنَّه بالطبع يحتاج إلى إشراف طبي، وفي حالات فقر الدم الانحلالي المكتسب قد يمكننا السيطرة على السبب والوصول إلى مرحلة التعافي من المرض.

سنعدد فيما يأتي طرائق العلاج الممكنة:

  1. نقل الدم: نلجأ إلى نقل الدم في الحالات التي تهدد حياة المريض مع ضرورة إجراء اختبار توافق بين المتبرع والمريض.
  2. العقاقير: مثل الكورتيزون؛ إذ يعمل الكورتيزون على إيقاف جهاز المناعة عن تكوين الأجسام المضادة التي تسبب تكسر كريات الدم الحمراء، ونستخدم الكورتيزون في حالات فقر الدم الانحلالي بالمناعة الذاتية.
  3. حمض الفوليك: عند تكوين كريات الدم الحمراء في نخاع العظام لتعويض ما يتم تكسره يتم استهلاك كميات كبيرة من حمض الفوليك؛ لذلك يُعطى حمض الفوليك تجنُّباً لحدوث نقص فيه.
  4. علاج ريتوكسيماب: في كثير من الحالات أثبتت التجارب أنَّ إعطاء ريتوكسيماب إلى جانب الكورتيزون لمدة 12 شهراً أعطى نتائج مُرضية لدى 75% من الحالات.
  5. علاج الإريثروبويتين: وهو عبارة عن هرمون يتحكم بعملية تكوين كريات الدم الحمراء، والهدف منه تقليل الحاجة إلى نقل الدم في بعض الحالات مثل الأطفال المصابين بفشل كلوي أو فقر الدم المنجلي المصاحب للفشل الكلوي.
  6. استئصال الطحال: يكون استئصال الطحال هو العلاج الأول في بعض الحالات مثل كثرة الكريات الحمراء الكروية، ويجب الانتباه إلى ضرورة التطعيم ضد أنواع العدوى بعد عملية استئصال الطحال؛ وذلك بسبب اختلال المناعة.
إقرأ أيضاً: أعراض وأنواع مرض لوكيميا الدّم أو سرطان الدّم

في الختام:

بعد أن تعرَّفنا إلى مفهوم فقر الدم الانحلالي، وأسبابه، وأعراضه، وكيفية علاجه، علينا الانتباه لأي أعراض قد تظهر على أجسامنا وعدم تجاهلها؛ بل علينا الأخذ بالأسباب، وطبعاً، يبقى الطبيب الموجِّه لنا والمشخِّص الرئيس لأي حالة كانت، وهو فقط القادر على اختيار العلاج المناسب.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة