ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن كريس جيلبو (Chris Guillebeau)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية تغيير المستقبل من أجل تغيير الماضي.
إنَّ الوقت الحاضر هو "هنا والآن"، وهو ما يحدث حالياً، أمَّا المستقبل، فهو ما سيحدث لاحقاً، وفي هذين البعدين كليهما، ثمة احتمالات عديدة؛ إذ يمكننا القيام بكلِّ الأشياء في الوقت الحالي، ويمكننا اتخاذ جميع أنواع الخيارات في المستقبل. (تجاهل الجدل، في الوقت الحالي على الأقل عمَّا إذا كان لدينا إرادة حرة أو لا).
على عكس الحاضر والمستقبل، فإنَّ الماضي مغلق، ودون اختراع آلة للزمن، ليس لدينا كثير ممَّا يمكننا فعله لتغيير الماضي؛ أي علينا قبوله ببساطة والمُضي قُدماً، والفكرة هي أنَّ الطريقة التي نختبر بها المستقبل تؤثِّر في الماضي، لكن في بعض الحالات، يمكننا تغيير الماضي بالفعل.
يعيش الماضي في ذاكرتنا، وهذه الذكريات غير موثوقة، ونحن الراوي غير الموثوق الذي يروي قصتنا الخاصة، قد نبالغ في نجاحاتنا أو نضخم من إخفاقاتنا تضخيماً غير متناسب، وهذين الأمرين غير متعارضين، فقد نفعل كليهما في الوقت ذاته.
توجد ثلاثة طرائق على الأقل يمكن للمستقبل أن يغير بها الماضي، أعتقد أنَّك ستوافق على واحدة منها، إن لم تكن ثلاثتها:
1. تأثير التجربة الجديدة:
فكِّر في الوقت الذي كنت ترغب فيه بشيء ما بشدة ولم تحصل عليه، على سبيل المثال كنت ترغب في الحصول على القبول أو الموافقة من شخص ما، أو كنت ترغب في أن تنجح علاقتك العاطفية، أو أن تُعرَض عليك وظيفة ما، أو أن تُقبَل في برنامج النخبة، مهما كان الأمر، كنت ترغب فيه بشدة؛ لكنَّك لم تحصل عليه.
عندما فشلت في تحقيق هدفك، شعرت باليأس، ولفترة طويلة بعد ذلك، كان يسبب لك التفكير في الأمر ألماً شديداً، لقد تساءلت عمَّا إذا كان يجب عليك بذل جهد أكبر أو القيام بشيء مختلف، (جميعنا مررنا بهذه الحالة).
على الرَّغم من أنَّه أمر مؤلم، إلا أنَّك وصلت في النهاية إلى نقطة تحوُّلٍ، وقد حدث شيء آخر لم يكن من الممكن حدوثه في العالم البديل الذي رغبت فيه، لكن من الواضح أنَّ هذا الشيء الجديد قد كان أفضل بكثير.
بالنظر إلى الماضي لاحقاً، سترى الوضع الأصلي بطريقة مختلفة تماماً، لقد أصبحت تدرك الآن أنَّه بدلاً من أن يكون هذا الموقف بمنزلة ضربة مؤلمة في حياتك، فقد تحوَّل الشيء الذي لطالما تمنيته إلى شيء مختلف، وأخذ دوراً آخر تماماً.
فكِّر في ذلك قليلاً، إنَّ الشيء الذي رغبت فيه بشدة هو الشيء ذاته الذي لم تكن بحاجة إليه، القضية قضية تفسير؛ ومن ثَمَّ سيختلف الماضي في هذه المواقف اختلافاً كلياً بسبب شيء قد حدث في المستقبل.
شاهد بالفيديو: كيف تصنع التغيير في حياتك من خلال تغيير عاداتك؟
2. تأثير المعلومات الجديدة:
تخيل الآن أنَّ عائلتك ستجري اختباراً للحمض النووي، وستكتشف أنَّ أخاك ليس أخاك فعلاً، لقد حدث هذا فعلاً مع صديقٍ لي اكتشف أنَّ أبواه عثرا على أخيه، حينما كان صغيراً وربياه ولم يخبرا أحداً من العائلة بأنَّه ليس أخاهم الحقيقي؛ إذ علمت عائلته بأكملها بالنتائج في الوقت نفسه، ولقد أخبرني بعد ذلك أنَّه شعر وكأنَّها حبكة مسلسل تلفزيوني سيئة، إلا أنَّها كانت تحدث في غرفة الجلوس.
هل ستغير هذه المعلومات الجديدة من الماضي الخاص بصديقي؟ حسناً، سواء كنت تعتقد أنَّه ينبغي تغيره أو ينبغي ألا تغيره، الجواب هو أنَّها ستغيره فعلاً، فقد تسبب الكشف عن النتائج، بسنوات من الاضطراب في عائلته، ولو لم يجروا الاختبار، لاستمرت ديناميكيات الأسرة والشعور بالتاريخ المشترك بينهم (بصرف النظر عن دقته).
يمكنك المجادلة بأنَّ المعلومات الجديدة ينبغي ألا يكون لها كثير من القوة، فقد كانت عائلة صديقي سعيدة، أو على الأقل مستقرة، قبل أن تعلم أنَّه يوجد سر قد احتُفظ به لأكثر من ثلاثين عاماً، فلماذا لا يتقبَّل الجميع فكرة أنَّ "شيئاً ما قد اختلف، لكن معظم الأمور ما تزال على حالها؟".
لقد كان الوضع الراهن عبارة عن نتيجة من المستحيل أن تحصل، فلم يعد بإمكان الأسرة رؤية الماضي بالطريقة نفسها مرة أخرى، وقد غيرت هذه المعلومات الجديدة الهامة من الماضي.
3. تأثير الأحداث الكبيرة:
تخيل أنَّ حدثاً كبيراً يحدث في حياتك، يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً، لكن دعنا نفترض أنَّه إيجابي، على سبيل المثال قد ربحت جائزة؛ إذ إنَّها جائزة كبيرة حقاً، واحدة من تلك التي تتصدر عناوين الصحف وتمنحك مبلغاً مذهلاً من المال، وقبل أسبوع من فوزك بالجائزة، فاتك سداد دين، وقد كان هذا الأمر يشغل بالك كثيراً، ممَّا أشعرك بالقلق كلَّما تذكرته.
أمَّا الآن، بوصفك فائزاً لجائزة بقيمة 100 مليون دولار، ما هو رأيك في التأخر في سداد الدين؟ ثمة احتمال بأنَّك أصبحت لا تفكر في الأمر على الإطلاق، أيَّاً كان الشعور بالذنب الذي كنت تشعر به، فستتخلص منه لأنَّه أصبح بإمكانك تسديد الدين بالكامل؛ ومن ثَمَّ سوف تتغير روايتك الداخلية كلياً.
لقد كنت تفكر قبل الجائزة: إنَّ هذا الدين يزعجني حقاً، إنَّني أشعر بالحرج والخجل، أمَّا بعد الجائزة فسوف تقول: هل تذكُر ذلك الوقت الذي نسيت فيه تسديد الدين قبل فوزي بالجائزة؟ يا له من فرق يُحدِثه يوم واحد.
يمكنك حتى تخطي التحليل تماماً، وفي هذه الحالة سيُمحى الماضي بشكل فعال، وكذلك ستتغير معظم الأشياء الأخرى المتعلقة بحياتك، ولن تشغل الديون بالك بعد الآن، فعند حدوث حدث كبير، يمكن أن يكون التحول في الماضي مفاجئاً وشاملاً، وستبدو المواقف التي حدثت معك في الماضي والتي كانت تسبب لك الإزعاج سابقاً، بعيدة جداً وأقل صلة بحياتك الآن.
أفضل من آلة الزمن؟
فكِّر في السفر عبر الزمن من خلال تغيير المستقبل بوصفه أداة يمكنك استخدامها في التعامل مع قلق الوقت، لا ينجح هذا الأمر دائماً، فكِّر فقط في الاقتباس القديم الذي يقول: "إذا كان لديك عقلية ثابتة، فسترى الأمور بالطريقة نفسها دائماً"؛ لكنَّه قد يكون منقذاً لك في بعض الأحيان.
إنَّنا نحتاج إلى الكثير للعودة وتغيير الأشياء التي حدثت منذ زمن طويل، أو حتى شيء قد حدث بالأمس، لكنَّ الطريقة التي نتذكر بها الماضي تتأثر تأثُّراً كبيراً بما نفعله في المستقبل.
في الختام:
في المرة القادمة التي يقول فيها أحدهم: "لا يمكنك تغيير الماضي"، فلن تصدقه، فأنت تغير الماضي كلَّ يوم، وكذلك يتغير الماضي من تلقاء نفسه أيضاً، بمجرد مرور الوقت والأحداث الخارجة عن إرادتك، ومن خلال التحكم بمستقبلك - ومن خلال الانتباه جيداً - ستلاحظ أنَّ الماضي قابل للتغيير.
أضف تعليقاً