عملية اتخاذ القرارات: كيف تتخذ قرارات أفضل؟

عملية اتخاذ القرارات هي عملية جمع المعلومات ذات الصلة من أجل اختيار أفضل قرار بناءً على مجموعة من الخيارات المتاحة؛ إذ إنَّ عملية اتخاذ القرارات الجيدة هي نهج تدريجي يسمح للشخص باتِّخاذ قرارات أفضل باستمرار، لتكون نتيجة هذه القرارات الأفضل حياة أقل توتراً وأكثر سعادة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثُنا فيه عن عملية اتخاذ القرارات واتِّخاذ قرارات أفضل.

قليلون منا فقط يستخدمون عملية صنع قرار صائبة للأسف، فنحن نتَّخذ قراراتنا عوضاً عن ذلك بناءً على أهوائِنا، وفي كثير من الأحيان بحسب حدسنا؛ الأمر الذي من الممكن أن يُصعِّب الحياة أكثر عليك؛ وذلك لأنَّك كثيراً ما ستجد نفسك في مواقف لم تكن تريدها في الواقع؛ إذاً، كيف يمكننا استخدام العملية التي نتبعها في صنع القرار لاتِّخاذ قرارات أفضل؟ إنَّ الإجابة تكمن في العملية التي تستخدمها والمعلومات التي تجمعها.

ما هي أفضل عملية لاتِّخاذ القرارات؟

إنَّ أفضل عملية لاتِّخاذ القرارات هي تلك التي تبدأ بفرضية عامة وتنتهي بقرار حازم؛ إذ تساعدك العمليات الجيدة في اتِّخاذ القرار، على اتِّخاذ قرارات أفضل من خلال التقييم الدقيق لجميع المعلومات المُتاحة؛ وعادة ما تؤدِّي هذه العمليات إلى تقليل الألم النفسي وزيادة المستويات النسبية للسعادة.

قد يتعلَّق القرار الصائب بأي شيء في حياتك تقريباً، على سبيل المثال، حياتك المهنية أو حياتك العاطفية أو صداقاتك أو أي شيء آخر، وبصرف النظر عن ذلك، فإنَّ معظم ضغوطات حياتك ومتاعبك وسعادتك وفرحك تأتي جميعها نتيجةً مباشرةً للقرارات التي تتخذها؛ السبب الذي يجعلنا بحاجة إلى اتِّخاذ قرارات أفضل من خلال تحسين عملية اتخاذ القرارات لدينا.

إليك أفضل 5 نصائح لتنفيذ عملية اتِّخاذ القرارات خطوة بخطوة، والتي يمكنك استخدامها في أي سيناريو تقريباً:

1. كوِّن فرضيَّة:

يمكن القول إنَّ هذه هي أهم خطوة في عملية اتِّخاذ القرار، وربما يكون هذا سبباً في كونها الخطوة الأولى، فهي أساس قرارك وستجعل حياتك أسهل أو خلاف ذلك؛ فالفرضية هي تكوين فكرة لها سبب ونتيجة، وفي الحقيقة، يفشل معظمنا هنا عندما نحاول اتِّخاذ قرارات أفضل، فقد تمتلك في مخيِّلتك أفضل الأهداف لكن ستكون النتيجة النهائية غير مناسبة لحياتك في حال عملت وفقاً للاعتقادات والفرضيات الخاطئة.

إنَّ ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو حاجتي أو ربما رغبتي في الحصول على سيارة؛ إذ انتقلت من "سان فرانسيسكو" إلى "لوس أنجلوس"، ومع أنَّني بقيت دون سيارة لمدة ثلاث سنوات، إلَّا أنَّني ظننت أنَّني سأحتاج إلى واحدة في أرض الأحلام، ولكنَّني لم أكن أرغب في امتلاك واحدة؛ وذلك لأنَّني أحببت عدم اضطراري إلى دفع فواتير للسيارة وقلة التوتر الناتجة عن عدم القلق بشأن التكاليف الخفية لامتلاك سيارة.

الأمر الذي قادني إلى مفترق طرق؛ ألا وهو "هل يجب أن أشتري سيارة؟ أم أستأجرها؟ أم أستمر في عدم امتلاك سيارة على الإطلاق؟" بكل الأحوال عندما اقتربت من اتِّخاذ هذا القرار بالتحديد، شكَّلت فرضيَّة بسيطة وهي: "إنَّ امتلاك سيارة سيجعل حياتي أسهل في مدينة "لوس أنجلوس"، ولقد جاء تعريفي لكلمة "أسهل" من الراحة والفوائد والتكاليف الإجمالية التي ستترافق مع شرائي للسيارة"، وبعد أن وضعت فرضيتي، كانت الخطوة التالية هي تقييم خياراتي.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

2. قيِّم خياراتك:

إنَّ عدم امتلاك خيارات كافية هو واحد من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الناس عندما يحاولون جعل حياتهم أسهل من خلال اتِّخاذ قرارات أفضل، وغالباً ما يمتلك الأشخاص الذين يتمتعون بحياة أفضل العدد الأكبر من الخيارات المُتاحة؛ وذلك لأنَّ مزيداً من الخيارات يعني مزيداً من الفُرص، كما أنَّه عندما تتدهور الأمور، فإنَّ الأشخاص الذين يملكون خيارات أكثر، قادرون على التكيُّف بسرعة والاستمرار في الانتقال بسعادة نحو حياة أسهل.

دائماً ما ينبغي عليك التأكُّد من أنَّك حددت جميع الخيارات المُتاحة أمامك عند اتِّخاذك قرار ما، ويمكنك من خلال هذه الطريقة التأكُّد من أنَّك تنتقي الخيار الذي يؤثر تأثيراً أكبر في حياتك؛ أي الخيار الأقدر على تقليل التوتر وزيادة السعادة.

وهنا يكمن مكان فشلي، فعندما كنتُ أقرر ما إذا كنتُ سأشتري سيارة أم لا، ظننتُ حينها أنَّ الخيارين الوحيدين الموجودَين بحوزتي هما شراء سيارة أو استئجار واحدة، ولكنَّني فشلتُ في تحديد الخيار الثالث، الذي كان وبشكل محرج بما فيه الكفاية هو حالتي آنذاك، التي تمثَّلت في عدم امتلاك سيارة على الإطلاق.

لكن إن فكرنا في الأمر، فإنَّ تكلفة امتلاك سيارة تبلغ نحو 4500 دولار سنوياً، وإذا كنتَ لا تستخدم سيارتك كثيراً "مثلي"، فتوجد احتمالية كبيرة بأنَّك تنفق أقل من 4500 دولار سنوياً مُستخدِماً سيارات الأجرة الخاصة؛ الأمر الذي يعني أنَّني كنت قادراً على توفير المال وسطياً​ لو لم أشترِ سيارة؛ لكن انتهى بي الأمر حينها بشراء سيارة، وبالنسبة إليَّ، يُعَدُّ توفير المال بمنزلة تقليل التوتر وإعطاء نفسك مزيد من الخيارات المالية؛ وهذا هو بيت القصيد من هذه القصة.

أرجو أن تتعلَّم من قراري الأحمق ضرورة تقييم جميع خياراتك، ويمكن أن يؤدي وجود مزيدٍ من الخيارات إلى قرارات أفضل؛ وهذا ما يؤدي إلى حياة أفضل.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لاتخاذ خيارات جيدة تتماشى مع أهداف حياتك

3. حدِّد المقايضات:

مع أنَّك تريد أكبر عدد ممكن من الخيارات، إلَّا أنَّه عادةً ما تكون هذه الخيارات مرتبطة ببعضها بعضاً؛ وهذا يعني أنَّك في حال فضَّلت خياراً على الآخر، فستتخلى حكماً عن أحدهما؛ وهذا ما يُعرف باسم "المقايضة".

الحياة مليئة بالمقايضات، وعادة ما يكون السبب وراء اتِّخاذنا لقرار سيئ هو أنَّنا لا نُقيِّم بدقة ما نتخلى عنه عند اختيارنا لشيء آخر، وقد يبدو القرار رائعاً للوهلة الأولى، لكن إذا كان الخيار المُتنازَل عنه عظيماً، فستتعثَّر عملية اتِّخاذ القرار.

لتستمر باستخدام مثالنا المذكور آنفاً؛ يوجد أمامك ثلاثة خيارات لتقرِّر ما إذا كنتَ ستمتلك سيارة أم لا:

  1. شراء سيارة "قرض أو نقدي".
  2. استئجار سيارة.
  3. ألَّا تمتلك سيارة، فتعتمد عندها على المواصلات العامة.

أصبحنا نعلم - بفضل الخطوة السابقة - أنَّ هذه هي خياراتنا الثلاثة القابلة للتطبيق؛ لتأتي الخطوة التالية وهي تحديد المقايضات لكل منها، فعلى سبيل المثال عندما تقرِّر شراء سيارة، عادةً ما تكون المقايضة مالية؛ إذ إنَّه عادةً ما سيكون المقابل لامتلاكك سيارة أن تُلزِم نفسك بدفعة شهرية ودفع تأمين للسيارة، وعلى العكس من ذلك، فإنَّ اختيارك بألَّا تمتلك سيارة، سيحرمك من التمتُّع بالحرية أو الرفاهية التي تجعلك تقفز في سيارتك لتقوم برحلة على الطريق في غضون لحظات.

أمَّا مع عقد الإيجار، فالمقايضة هي أنَّك لن تكون قادراً على سدادها أبداً؛ إذ ستكون لديك دائماً دفعة إيجار طالما لديك عقد إيجار، ومع ذلك، فإنَّ الجانب الإيجابي هو أنَّك ستتمكن من الحصول على سيارة جديدة كل عامين، ومع ذلك، فإنَّ هذا الجانب الإيجابي يتمثَّل في أنَّك لن تضطرَّ إلى شراء أصل متناقص القيمة ولن تبقى بلا سيارة أيضاً، فلا توجد إجابة صحيحة أو خاطئة هنا؛ إذ إنَّ الشيء الهام هو تحديد ما تتخلى عنه من خلال اختيار أحد الخيارات على الآخر.

شاهد بالفديو: كيف تتخذ قراراتك بسرعة؟

4. احسب المخاطر:

أنا أعلمُ أنَّني أقول إنَّ كل خطوة هي الأهم، ولكنَّ هذه الخطوة هي الأكثر أهمية بالنسبة إليَّ، فالناس سيئون في تقييم المخاطر؛ ويرجع ذلك أساساً إلى أنَّهم يفكرون في المخاطرة من الناحية الجسدية أو المالية، ولكنَّهم نادراً ما يفكرون في الجانب النوعي؛ وهذا السبب الذي يجعلنا نرى معظم الأشخاص يكسبون كثيراً من المال ولكنَّهم يعملون لساعات طويلة ويكرهون وظائفهم.

وبالنسبة إليَّ، غالباً ما أنظر إلى المخاطرة على أنَّها الخطر المتمثِّل في ضياع الوقت أو السعادة، وبالإضافة إلى المقايضات، ستكون هناك قيود على الوقت والسعادة كلَّما تتخذ قراراً، التي تكون في بعض الأحيان إيجابية؛ أي إنَّها تزيد من وقت فراغك ومن سعادتك، وأحياناً تكون سلبية؛ أي إنَّها تستهلك كثيراً من وقتك وتقلل من سعادتك.

إنَّ اتِّخاذ القرارات الجيدة ينمي عملية اتخاذ القرارات، التي تساعدك على تقليل المخاطر الكمية والنوعية؛ إذ إنَّ وقتي وسعادتي هما أهم شيئين بالنسبة إليَّ؛ إذاً، ألا يُعَدُّ من المنطقي أن تأخذ عملية اتخاذ القرارات هذه العوامل في الحسبان؟

لنتحول عن المثال الخاص بالسيارة ونتحدَّث عن ملكية المنازل؛ أنا أبحث حالياً عن عقارات استثمارية في مدينة "أوستن" بولاية "تكساس"، ويجدر بي اتِّخاذ القرار الصائب؛ إذ إنَّ إمكانية الإيجار موجودة، وسأكون قادراً على العثور على مستأجرين لتأجير شقتي لغالبية العام، لكن ماذا عن التكاليف غير المُتوقَّعة؟ وماذا لو كان معدَّل إشغال الغرف أقل مما أتوقع؟ وماذا لو اضطررت إلى السفر إلى "أوستن" عدَّة مرات للكشف على شقتي؟

بالتأكيد قد أحقق عائداً مالياً إثر استثماري، لكن ما هي التكلفة المقابلة لذلك؟ يبدو أنَّ التكلفة قد تكون مجرد وقتي وسعادتي، أو ربما لا يكون الأمر كذلك، ولكنَّ الشيء الهام هو تحديد جميع المخاطر الكمية والنوعية التي تنطوي عليها عملية اتِّخاذ القرار التي ستقوم بها.

وإذا حددتَها، فلن تأخذ قراراتك مدفوعاً بأسباب خارجية أو أحكام الناس وحدها؛ بل ستكون قادراً عوضاً عن ذلك على اتِّخاذ قرارات بناءً على فهمك الداخلي للأمور الهامة إلى درجة لا تستطيع المخاطرة بها.

الوقت قيِّم وإنَّ قدرتك على تحقيق عائد إيجابي نتيجة لقرار ما لا تعني بالضرورة أنَّه القرار الصحيح؛ لذلك تأكَّد من أنَّك تُقدِّر وقتك وسعادتك بالطريقة نفسها، ففي حال كان العائد المالي إيجابياً ولكنَّ الوقت الذي تتخلى عنه سلبياً، فقد يكون من الأفضل عدم اتِّخاذ القرار إلى أن يصبح العائد الإيجابي المُتوقع كبيراً بما يكفي، أو يقل تقييد الوقت بدرجة كافية، فعندها سيكون الأمر منطقياً.

إقرأ أيضاً: قراراتك منطقية أم عاطفية!

5. اتَّخذ قراراً ولا تنظر إلى الوراء:

بعد أن أصبحت لديك فرضية سليمة وقيَّمتَ خياراتك وحدَّدت النتائج المرافقة لكل خيار وحسبتَ مخاطرك، فإنَّ الخطوة التالية هي اتِّخاذ القرار.

عليك أن تكون مطمئناً كونك طوَّرت أفضل عملية لصنع القرار ولديك المعلومات اللازمة لاتِّخاذ قرارات أفضل، والشيء الوحيد المتبقِّي هو اتِّخاذ القرار، ولكنَّ الشيء الهام هنا هو عدم النظر إلى الوراء، وتوجد دائماً خيارات متعددة في أثناء عملية اتِّخاذ القرار، وغالباً ما سيرافقك شعور بالقليل من الندم الذي يصاحب صانعي القرار، ولكنَّ أفضل شيء عليك فعله هو التطلُّع إلى الأمام وليس إلى الخلف؛ وذلك لأنَّك اتَّخذت القرار وانتهى الأمر.

من حسن حظك أنَّ البشر لديهم قدرة خارقة على التكيُّف مع المواقف الجديدة؛ لذلك بصرف النظر عن القرار الذي ستتخذه، توجد احتمالات كبيرة أنَّك ستكون سعيداً لأنَّك اتَّخذت هذا القرار؛ إذ إنَّ تكوينك الفيزيولوجي سوف يجعلك سعيداً.

إن سألتني: "لو اخترت الانتقال إلى "لوس أنجلوس" دون سيارة هل سيكون الأمر أكثر فاعلية من حيث التكلفة؟" أو "هل أخطأت في عدم أخذ خيار العيش دون سيارة في الحسبان في أثناء النظر بخيارات المواصلات المتاحة أمامي؟" ربما، لكن لا بأس الآن؛ إذ إنَّني أحب سيارتي ذات الدفع الرباعي الجديدة متعددة الاستخدامات.

الخلاصة:

يمكن أن تساعدك العملية الصحيحة في اتخاذ القرارات على اتِّخاذ قرارات أفضل، وتنتج عن القرارات الأفضل حياة أفضل، وإذا اتَّبعت عملية اتخاذ القرار وخطواتها المذكورة آنفاً، فستتمكن من صنع حياة مليئة بكل الأشياء التي تريدها والتخلُّص من كل الأشياء التي لا تريدها.

المصدر




مقالات مرتبطة