علم النفس التحفيزي: سر قوة الدافع

الحافز هو قوة دافعة هامة في الحياة، كما أنَّه يؤثر في كل جانب من جوانب حياتك الرئيسة منها والثانوية، وغالباً، فإنَّ درجة دافع الفرد أو عدمه، تحدد مستوى نجاحه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلف "بات سوليفان" (Pat Sullivan)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته مع قوة الدافع وعلم النفس التحفيزي.

سنناقش في هذا المقال مفاهيم التحفيز وعلم النفس، ونقدِّم ستة دوافع نفسية تحفز الناس، وبعض النصائح التي تخصُّ كيفية تحفيزك ومناقشة الأسباب التي تجعل التحفيز قوياً جداً، وسأضيف أيضاً بعض الأفكار من تجربتي في عالمي؛ حيث يؤدي الدافع دوراً هاماً: عالم الرياضة.

ما هو الحافز؟

تشير الأبحاث إلى أنَّ الدافع يعرَّف بطرائق عدة، يعرِّفه قاموس "أكسفورد للغة الإنجليزية" بأكثر من طريقة:

  • "السبب أو الأسباب التي تدفع الشخص للتصرف تصرُّفاً معيناً".
  • "الرغبة العامة أو الإرادة التي تدفع الشخص للقيام بأمر ما".
  • "الدافع هو العملية التي تبدأ، وتقود، وتديم تصرفاً مدفوعاً بهدف".

يمكننا أن نستنتج من هذه التعريفات أنَّ الحافز هو القوة الدافعة وراء ما نقوم به، والسر لتحقيق الأهداف.

وتقسم المحفزات إلى نوعين: خارجي وداخلي، فالحافز الخارجي هو أن تقوم بفعل من أجل تحقيق نتيجة ما، وتكون عادة مكافأة من نوع ما، أما الحافز الداخلي فهو دافع داخلي من أجل النجاح أو تحقيق الهدف، تَذكُر الأبحاث أنَّ المحفز الداخلي هو الأقوى عادة؛ بمعنى أنَّه يأتي بنتائج أفضل.

ويؤكد عالِم التاريخ الأمريكي "كيفين كروس" (Kevin Kruse) على قيمة الحافز الداخلي بقوله: "تُقاس الحياة بالتأثير لا بالدخل"، ويعبِّر عن ذلك الكاتب ورائد الأعمال "ستيفن كوفي" (Stephen Covey) بقوله: "الحافز هو شعلة تتَّقد من الداخل، وإن حاول شخص إيقاد تلك الشعلة، فسوف تُخمَد بعد وقت وجيز".

ما هو علم النفس؟

تُعَرِّف منظمة "أمريكان سايكولوجي" (American Psychology) علم النفس على أنَّه "العلم الذي يدرس الذهن والسلوك"، وهناك ست رؤى يقدِّمها لنا علم النفس فيما يتعلق بالقوة الكامنة وراء الحافز:

  1. المال والمكافآت: يدفعان بعض الناس إلى جني أكبر قدر ممكن من المال حتى يتباهوا بثروتهم أمام مجتمعهم، بينما يرى آخرون المال على أنَّه ضرورة لرعاية أسرهم.
  2. الرغبة في أن تكون الأفضل: يبدو أنَّ العامل الرئيس في أن تكون الأفضل ينبع من القدرة على الاستعداد، ويُعَدُّ لاعب كرة السلة الشهير "مايكل جوردان" (Michael Jordan)، ولاعب كرة القدم الأمريكية "توم برادي" (Tom Brady) مثَلَين حيَّيْن على المثل القائل: "الاستعداد السليم يمنع الأداء الضعيف".
  3. مساعدة الآخرين: أفضل مَن عبَّر ذلك هو العالِم "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein) بقول: "أعجز عن إيجاد أيَّة حكمةٍ من وجودنا غير مساعدة الآخرين".
  4. النفوذ والشهرة: العديد ممَّن يحققون الشهرة لا يسعون وراءها؛ فهم يذهبون إلى العمل ويشمِّرون عن سواعدهم، وينالون الشهرة، ويتحلون بالتواضع.
  5. الانتباه: يمكن أن يختفي بسرعة وإلى الأبد.
  6. الشغف: أنا من بلدة المتحدِّث التحفيزي "رودي رويتيجر" (Rudy Ruettiger) نفسها، التي ظهرت في فيلم "رودي" (Rudy)؛ أعرف "رودي" جيداً، ويمكنني أن أقول دون تردد إنَّ شغفه هو الذي جعله يدخل نادي "نوتردام" (Notre Dame) ويلعب كرة القدم هناك ويخرج بهذا الفيلم الرائع للجمهور.
إقرأ أيضاً: كيف تصبح متحفزاً وسعيداً كلَّ يوم في الصباح

ما هو سر قوة الحافز؟

إنَّ الغرض من الحافز الداخلي هو جعل الناس يحققون ذلك الحافز الداخلي، وهو قوة دافعة جبارة، وإليك خمسة أسباب لقوة الحافز الداخلي:

1. تعزيز المثابرة:

لا أتذكَّر أنَّ تجربةً خضتُها كانت سهلة؛ حيث تعترض معظم الإنجازات عقبات وفشل طوال الرحلة المؤدية إليها، ولكنَّ المثابرين يتغلبون على كل ذلك؛ فهم يمتلكون قدرة قوية على التعامل بذكاءٍ مع الإخفاق؛ فالخسارة جزء - غالباً ما تكون جزءاً كبيراً - من موسم رياضي.

ووفقاً لما ذكره المؤلف "ستان كيلنر" (Stan Kellner) في كتابه "أخذ الأمر إلى الحد الأقصى مع علم التحكم الآلي بكرة السلة: برنامج تدريب عقلي ثوري للفوز بالأداء" (Taking it to the limit with basketball-cybernetics: A revolutionary mind-training program for winning performance) فإنَّ أولئك الذين ينجحون في تطوير نهج فعال للتعامل بذكاءٍ مع الإخفاق يتبعون إحدى طريقتين: التعلم منه أو التقدُّم، وقد تكون طريقة التقدُّم أصعب الطريقتين، لكنَّها أمر ضروري للنجاح في المستقبل.

ومن الأشياء الشائعة في ألعاب القوى أنَّك بحاجة إلى ذاكرة قصيرة؛ أي أن تنسى الفشل وتعاود البدء من حيث أنت.

2. تعزيز الحماسة:

وجد الباحثان "بارد كوفاس" (Bard Kuvaas) و"أندريس ديسفيك" (Anders Dysvik) في بحثهما أنَّ "الموظف ذا الحافز الداخلي، يكون على الأرجح أكثر تفاعلاً وأكثر انخراطاً في عمله، بالإضافة إلى إظهار استعداد أكبر للتطور وتحمُّل المسؤولية".

الرياضيون العظماء جميعاً لديهم الدافع للعمل وحدهم، وقلة قليلة من الناس يدركون كمية الوقت الذي يستثمرونه وحدهم؛ فعندما عاد "مايكل جوردان" (Michael Jordan) إلى فريق "شيكاغو بولز" (Chicago Bulls) بعد الفترة التي قضاها في لعبة البيسبول، خسر هو والفريق في التصفيات.

كان يعلم أنَّه يجب عليه أن يعاود التدريب في كرة السلة، لكنَّه وقَّع لصنع فيلم "سبيس جام" (Space Jam)؛ لذلك، كان لديه ملعب كرة سلة في الهواء الطلق، مبني ضمن مكان تصوير الفيلم؛ وذلك ليتمكَّن من التدرُّب بين المجموعات وبعدها، فحتى أعظم لاعب كرة سلة لا يزال بحاجة إلى التدرُّب وحده.

3. تعطي الحوافز الداخلية التعلُّمَ فاعليةً أكبر:

عبَّر الكاتب الأمريكي "هينتون زيجلر" (Hinton Zigler) بإيجازٍ عن قوة التعلم عندما كتب: "إذا لم تكن عازماً على التعلُّم، فلن يستطيع أحد مساعدتك، وإذا كنت مصمماً على التعلم، فلن يستطيع أحد إيقافك".

يتصف المعلِّمون العظماء بأربعة أشياء: مُلِمُّون باختصاصاتهم، ومنظَّمون، ويُعلِّمون بحماسة، ويهتمون بطلابهم داخل وخارج الفصل الدراسي، ومع ذلك، وبصرف النظر عن مقدار تميُّز المعلِّم، إذا لم يكن الطالب متحمساً للتعلم، فلن يتعلم، وفي النهاية، هناك شخص واحد فقط مسؤول عن مجموعة عملك، وهذا الشخص هو أنت.

شاهد بالفديو: 10 نصائح لتطوير الذات وتنميتها

4. الدافع الداخلي يولِّد أداءً أفضل:

عندما يكون لدينا دوافع جوهرية، فإنَّنا نسعى جاهدين إلى تحقيق الكمال في أيَّة مهمة نقوم بها؛ إذ أكَّد "فينس لومباردي" (Vince Lombardi)، المدرِّب الأسطوري في فريق "غرين باي بيكرز" (Green Bay Packers)، فاعليةَ الكمال عندما كتب: "لا يمكن بلوغ الكمال، ولكن إذا سعينا نحوه، يمكننا أن نحقق التميز"، فالأشخاص ذوو الحافز يجدون التميز في الكثير من الأحيان.

5. الأشخاص الذين لديهم دوافع داخلية هم أكثر ميلاً للصمود:

يظل الأشخاص ممَّن لديهم دافع داخلي بجانبك في ظل الأوقات الصعبة، لكنَّ الأشخاص الذين لا يملكون دافعاً يختفون عندما تضيق الظروف.

عندما يُعيَّن كوتش جديد لتولِّي برنامج، فغالباً ما يُعيَّن لأنَّ البرنامج يمر بظروف سيئة، ولأنَّ ثمَّة خسائر تترتب على ذلك، وهناك احتمال حقيقي بأنَّ الأمر سيستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات لتغيير البرنامج؛ ولهذا السبب غالباً ما يُمنَح المدربون الجدد عقوداً مدتها خمس سنوات.

وبالنظر إلى هذا الواقع، يجب على المدرِّب ضَم لاعبين موهوبين، وعلى أي حال هذا غير كافٍ؛ وذلك لأنَّهم سيرغبون أيضاً في جلب لاعبين أصحاب شخصيات قوية لأنَّهم يقفون إلى جانبك في الأوقات الصعبة.

خمس طرائق لاكتساب دافع:

تقول الكاتبة "كندرا تشيري" (Kendra Cherry) إنَّ هناك بعض العوامل النفسية المتعلقة بالدوافع التي يمكنك استخدامها لمصلحتك، وإنَّ هذه الأساليب النفسية يمكن أن تساعدك على التمتع بدافع أسمى في الحياة؛ لذلك سنقدِّم فيما يأتي خمس طرائق لاكتساب الدافع:

1. استخدام الحوافز بحذر:

كن حذراً من المكافآت؛ حيث أكَّدت "تشيري" أنَّه لا ينبغي أن نثني على شخصٍ ما لأنَّه ذكي أو رياضي؛ بل يجب أن نثني عليه بسبب الجهد الذي يبذله ليكون ذكياً أو رياضياً.

لقد اكتشفنا أنَّ ثمَّة ما هو أكبر من الثناء على جهود الشخص؛ حيث وجدنا أنَّ عدداً كبيراً من الأشخاص يمكنهم بذل مجهود كبير أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء، لكنَّهم لم يتمكنوا من بذل الجهد نفسه يومي الخميس والجمعة؛ لذلك، فنحن نقول للاعبين إنَّ الجهد وحده لا يكفي، والفارق بين الجيد والممتاز هو المثابرة.

يمكن للعظماء أن يبذلوا ما بوسعهم ويقدِّمونه يومياً؛ بينما لا أحد منا يستطيع أن يقدِّم أداءً مميَّزاً كل يوم، ولكنَّ العظماء يجدون أفضل ما لديهم باستمرار.

2. تقديم التحديات:

غالباً ما يبدو لي أنَّ التحديات التي كنتُ أكثر قلقاً بشأنها كانت أفضل الأشياء التي قمتُ بها على الإطلاق؛ لقد سافرت إلى الخارج لتقديم معسكرات كرة السلة والتحدث في المؤتمرات، بالتأكيد وجدت هذا العمل صعباً، فكنتُ أرغب في تقديم عروض تقديمية ستكون ذات قيمة للاعبين والمدربين، وكنت متوتراً، لكنَّ الشيء الوحيد الذي ساعدني على التغلب على التوتر هو الاستعداد؛ لقد قضيتُ وقتاً طويلاً في الاستعداد لهذه التحديات.

إقرأ أيضاً: امتلاك الشغف ومواجهة الشدائد سببان للنجاح

3. تخيُّل النجاح:

هذا يتعارض مع نظرية التصور الحديثة، فالمفهوم المعتاد هو أن ترى نفسك تقوم بالنشاط بنجاح، ولكن بدلاً من ذلك، تظن "تشيري" أنَّه يجب عليك تصوُّر الخطوات التي ستتخذها لتحقيق النجاح.

أنا لا أتفق معها بالضرورة على هذه الفرضية من أجل التحفيز، أنا أؤمن بالتخيُّل؛ فيجب أن ترى الهدف والنتيجة النهائية، ويُعَدُّ إطلاق الرميات الحرة في كرة السلة وقتاً رائعاً للتخيُّل، وأظن أنَّ رؤية الكرة تمرُّ عبر الشبكة أكثر أهمية من محاولة تحطيم جميع الخطوات للوصول إلى هذا الهدف؛ تصوَّر النجاح.

4. السيطرة:

لا تشجِّع "تشيري" محاولة السيطرة على المشروع، ومع ذلك، فهي تشجِّع على التأكد من كيفية المساهمة في نجاح المشروع.

تتطلب معظم المشاريع التي تقوم بها العملَ الجماعيَّ، ومن الهام أن تفهم أنَّك جزء من فريق، وأنَّ هدفك الرئيس هو المساهمة في نجاح الفريق؛ ففي ألعاب القوى، ننظر إلى هذا المفهوم نظرة مختلفة قليلاً، ونريد من الفريق تطوير "الاستعداد للسيطرة"، فلا يزال الأمر يتعلق بالفريق، لكنَّنا نريد أن يهيمن الفريق.

5. التركيز على الرحلة لا النتيجة:

في المنافسة الرياضية، تريد أن تكون منتصراً، لكن لا يمكن أن يكون تركيزك على النصر؛ بل يجب أن يكون تركيزك على الجهد التي تبذله للحصول على النتيجة التي تأملها، وإذا فشلت في التركيز على الأشياء التي يجب عليك القيام بها لتحقيق النجاح، فلن تصل أبداً إلى نتيجة ناجحة.

في الختام:

تعطينا سيكولوجية التحفيز نظرة ثاقبة عن نوع العقلية التي نحتاجها حتى نتفوق في الحياة، وأولئك الذين يسعون إلى الكمال المؤدي إلى التميز هم أقوى الأشخاص وأكثرهم إنتاجية في أيَّة مؤسسة؛ إذ إنَّهم لا يحتاجون إلى حافز خارجي؛ وذلك لأنَّ دافعهم داخلي، إنَّه يجري في عروقهم.

المصدر




مقالات مرتبطة