علاج الخوف عند الأطفال

الخوف هو تلك الحالة الطبيعيَّة التي يشعر بها عامة البشر عند وجود محفِّزات للخوف، مثل الوجود في الأماكن المغلقة كالمصاعد، أو الأماكن المرتفعة، أو عند المرور بجانب بناء مهجور ومظلم، أو عند سماع أصوات مخيفة، وغير ذلك من الأشياء التي تحفِّز دماغ الإنسان ليرسل مؤشرات تحفِّز مشاعر الخوف التي تُنبِّئ باقتراب الخطر، فتجعله يبحث عن مكان آمن.



إنَّ هذا الأمر طبيعي جداً؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى فطرنا على الخوف الطبيعي والذي يبقى طبيعياً حتى إن رافق الخوف قلقاً، لكن يصبح الأمر غير طبيعي إن رافق الخوف أعراضاً غير طبيعية، كالرجفة، أو التعرُّق، أو البكاء، والصراخ؛ إذ يصبح الفرد بحاجة إلى علاج معيَّن ليستطيع تخطِّي الحالة التي لم تعد تسمَّى خوفاً؛ بل أصبحت رهاباً، والشخص البالغ يكون قادراً على اتخاذ الإجراءات والتصرف بأسلوب يخفِّف من خوفه، لكن عندما يعاني الطفل من الخوف، يصبح الأمر موتراً للأهل.

مع أنَّنا جميعاً مررنا في طفولتنا بمخاوف كثيرة، ومعظم الأشياء التي كانت تخيفنا متخيلة وليست واقعية؛ فإنَّ توتر الأهل من هذا الأمر طبيعي، نتيجة خوفهم من توابع الخوف مستقبلاً، فما هي الأسباب وراء خوف الأطفال، وكيف يمكننا مساعدة الطفل حتى يتخلَّص من خوفه كي لا يتسبَّب ذلك الخوف باضطراب نفسي يستمر معه طيلة حياته؟

الخوف عند الأطفال:

يظهر الخوف عند الأطفال بوصفه ردَّ فعل عند تعرضه لتغيير معين أو حدث مفاجئ، وهو أمر طبيعي، إلا أنَّ الخوف عند الأطفال قد يتطوَّر ويؤثِّر في سلوك الطفل في المنزل، ومن ثمَّ في المدرسة، وبعدها في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، وقد يترافق الخوف مع أعراض جسدية كثيرة، منها ما يأتي:

إقرأ أيضاً: الخوف الفطري والخوف المرضي: أسبابه، مجالاته، وطرق التغلب عليه

أسباب الخوف عند الأطفال:

قبل معرفة كيفية علاج الخوف عند الأطفال، يجب التعرف أولاً إلى الأسباب التي تسبِّب الخوف عندهم؛ لأنَّ معرفة السبب هي نصف العلاج:

1. أسباب بيولوجية:

دماغ الإنسان يحتوي على مواد كيميائية مسؤولة عن إرسال الإشارات في الدماغ، ومن ثمَّ التحكم في الطريقة التي يشعر بها الإنسان بالخوف، وتسمَّى الناقلات العصبية.

2. أسباب وراثية:

قد يرث الطفل الخوف من والديه أو أحد أفراد الأسرة كما يرث لون بشرته ولون شعره وطوله، فنجد طفلاً يخاف كثيراً من الحيوانات أو الظلام، ثمَّ يتبيَّن أنَّ والده كان يعاني من نفس الخوف والأعراض في طفولته.

3. أسباب بيئية:

يعود خوف الطفل في هذه الحالة إلى البيئة التي يعيش فيها، فقد يكون السبب في خوفه حدثاً أو تغيراً مفاجئاً وصادماً في الأسرة، كطلاق الوالدين، وتشتُّت الطفل بين والديه، أو موت أحد أفراد العائلة فجأة، وربما يكون الحدث عادياً بنظر الكبار، لكنَّه تغيُّر كبير جداً بالنسبة إلى الطفل، كالذهاب إلى المدرسة لأول مرة، أو الانتقال إلى منزل جديد.

أحياناً يكون السبب الرئيس وراء الخوف عند الأطفال هو أسلوب التربية الخاطئ، فمثلاً خوف الأم أو الأب الشديد على الطفل، وعدم السماح له بالاعتماد على نفسه حتى في إنجاز أبسط الأعمال، فيؤدي إلى انتقال مشاعر الخوف إليه، فيعاني منه، وتنعدم ثقته بنفسه، فلا يستطيع البقاء وحده أو إنجاز أي عمل.

قد يكون تعرُّض الطفل للعنف بأشكاله المختلفة، كالإهانة أو التوبيخ أو العقاب والضرب، هو السبب بخوفه وشعوره بعدم الأمان، وغالباً تترك المعاملة السيئة أثراً بالغاً في نفس الطفل طيلة حياته، فيصعب تخلُّصه من تلك المشاعر، فمثلاً يطبِّق ما تعرض له في طفولته على الآخرين، وهذا الأمر خطير لا يُستهان به.

ربما يكون الخوف مكتسباً من الآخرين، فمثلاً إظهار أحد الوالدين أو المقربين لمشاعر الخوف من أمرٍ ما يتسبَّب بتعلم الطفل الخوف من نفس الشيء، كإظهار الأم خوفها الكبير من الحشرات يتسبَّب بإظهار الطفل خوفه منها أيضاً.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

أنواع الخوف عند الأطفال:

الخوف عند الأطفال له نوعان أساسيان، وهما كالآتي:

1. خوف موضوعي:

هو الخوف من أشياء محسوسة، كالخوف من الحيوانات، أو البحر، أو المرتفعات، أو النار، أو الرعد، وفي هذا النوع من السهل التعرف إلى مصدر خوف الطفل.

2. خوف ذاتي:

هو شعور بالخوف دون وجود أسباب واضحة لذلك، وغالباً يكون السبب هو خيال الطفل وما يفكِّر به نتيجة ما يسمعه من قصص، فمثلاً يخاف من خروج العفريت أو الشبح في الظلام.

علاج الخوف عند الأطفال:

لا يجب صرف النظر عن خوف الطفل والاعتقاد بأنَّه يعتاد مع مرور الوقت؛ لأنَّه غالباً سيتحول الخوف إلى عقدة نفسية ترافقه طيلة حياته؛ لذلك يجب اتِّباع ما يأتي لمساعدة الطفل على التخلص من خوفه:

1. اكتشاف مخاوف الطفل:

يعرف الطفل ما الذي يُخيفه، لكن ربما لا يجد ما يحفِّزه على التحدث عن مخاوفه، وربما لم يجد الكلمات التي تساعده على شرح ما بداخله؛ لذلك واجب الأهل في هذا الموقف هو الجلوس مع الطفل، وإظهار الاهتمام فيه، وطرح الأسئلة عمَّا يدور في ذهنه، ليصل الأهل إلى السبب الرئيس للخوف.

2. أخذ مخاوف الطفل على محمل الجد:

بعد التعرف إلى أسباب الخوف إيَّاك والاستهزاء به مهما بدا الأمر سخيفاً بنظرك؛ بل حاول التحدث إليه وطمأنته بأنَّه سيتخلص من تلك المشاعر السلبية في أقرب وقت، وأنَّ عليه الصبر ريثما يتجاوز هذه الفترة، ومن الخطأ محاولة إسكات الطفل اعتقاداً بأنَّه سينسى بتلك الحالة مخاوفه.

الخوف عند الأطفال

3. الصبر:

لا تستعجل في محاولة تخليص طفلك من الخوف؛ بل خذ وقتك في التفكير، وضع خطة ملائمة، وخلال تلك المرحلة يمكن الاكتفاء بالدعم النفسي للطفل.

4. مواجهة المخاوف تدريجياً:

بعض المخاوف لا يجب مواجهتها ولا ضرر في الخوف منها، كخوف الطفل من أفلام الرعب، أمَّا المخاوف التي تعوق الطفل من أن يعيش حياة طبيعية، فيجب مواجهتها تدريجياً، فمثلاً إن كان الطفل يخاف من الحيوانات الأليفة كالقطط أو الكلاب، يمكن في البداية جعله ينظر إلى الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر فيها الكلاب والقطط الودودة، ومن ثمَّ اصطحابه كل فترة إلى أماكن وجودهم، وجعله ينظر إليها من خلف النافذة، ومن ثمَّ يخرج ويقترب منها بهدوء، وفي كل مرة يقترب أكثر من المرة السابقة حتى يستطيع كسر حاجز الخوف.

في حال كان الطفل خائفاً من الناس وخاصة الغرباء منهم، فهنا لا يجب إهمال الأمر أبداً كي لا يتطور إلى انطواء وعزلة، وحل هذا الأمر هو تشجيع الطفل على مقابلة الضيوف دون إجباره على ذلك؛ بل بابتسامة عريضة، كما يمكن اصطحاب الطفل إلى المناسبات الأسرية وإلى أماكن يمكن فيها الاجتماع مع عدد كبير من الأطفال ليتعلم الانخراط في المجتمع، كمدينة ألعاب الأطفال وما شابه ذلك.

في حال كان الطفل خائفاً من الظلام ولا يستطيع النوم براحة، يمكن في البداية قراءة عدة قصص له قبل النوم، وإطفاء الضوء القوي، وترك ضوء خافت فقط، والجلوس إلى جانبه حتى ينام، وفي اليوم التالي يمكن قراءة قصتين، ومن ثمَّ ترك الضوء خافتاً، وإخباره أنَّك في الغرفة المجاورة، ويمكنك سماع صوته عندما ينادي لك، وترك الباب مفتوحاً، وفي اليوم الذي يليه يمكن قراءة قصة قبل النوم، وترك الأضواء خافته، والخروج من الغرفة عند الانتهاء، وإغلاق الباب، وهكذا عدة أيام، ومن ثمَّ قراءة قصة، ثمَّ إطفاء الأنوار، وإغلاق الباب، فينام تلقائياً.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

علاج الخوف عند الأطفال الرضع:

يظنُّ معظم الناس بأنَّ الأطفال الرضع لا يشعرون بالخوف، وأنَّ الخوف يقتصر على الأطفال الأكبر سناً، لكن أكدت عدة دراسات أنَّ الطفل الرضيع يعاني أيضاً من الخوف، فيبكي تعبيراً عن ذلك، ويمكن ملاحظة ذلك عند اقتراب شخص غريب منه أو محاولة احتضانه نتيجة عدم شعوره بالأمان؛ لذلك يجب الحفاظ على الهدوء عند التعامل مع الرضيع، وعدم تشتيته في العلاقات الاجتماعية الكثيرة؛ إذ يُفضَّل التدرُّج في تعريضه للعالم الخارجي والغرباء، ويفيد أيضاً التحدث للطفل حتى يشعر بالأمان والثقة بالآخرين ومحاولة لمسه واحتضانه بلطف شديد.

في الختام:

الشعور بالخوف عند الأطفال أمر طبيعي كما هو لدى جميع البشر، ويحدث نتيجة التعرض لحدث مفاجئ، ويترافق ذلك مع أعراض تدل على معاناة الطفل من الخوف، كالتعرق والبكاء واضطرابات في النوم، ولكن عندما يؤثر الخوف في سلوك الطفل وحياته، يصبح أمراً خطيراً؛ لذلك يجب علاجه حتى لا يتطور الأمر ويصبح عقدة نفسية لديه.

الأسباب وراء الخوف عند الأطفال قد تكون بيولوجية أو وراثية أو نتيجة البيئة التي يعيش فيها الطفل، ويُعالج الخوف عند الأطفال بعد اكتشاف أسبابه والتعامل معها باحترام كي يكتسب الأهل ثقة طفلهم، ومن ثمَّ مواجهة تلك المخاوف تدريجياً؛ لأنَّ دفعه لمواجهة تلك المخاوف دفعة واحدة قد يزيد الأمر سوءاً، وبالنسبة إلى الأطفال الرضع، فهم أيضاً قد يعانون من الخوف؛ لذلك يُفضَّل التدرج في تعريضهم للعالم الخارجي كي يحافظوا على شعورهم بالأمان.




مقالات مرتبطة