ظاهرة التسول في الشوارع وسبل علاجها

غَزَت ظاهرة التسول مجتمعاتنا العربية بأشكالها كلِّها، وفي السابق كانت هذه الظاهرة حكراً على أبناء الطبقة المعدومة التي لا تملك شيئاً ولا حتى قوت يومها، أو على بعض الفئات الاجتماعية الذين لا يملكون سبيلاً للإنتاج مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الأفراد الذين يعانون أمراضاً محددة تمنعهم من مزاولة أي عمل، لكن في الوقت الحالي أصبحت أشبه بالمهنة المنظمة، ويوجد من يعتمدها أساساً في عيشه؛ بل حتى إنَّه يبتكر الأساليب والطرائق الخاصة بالتسول، كما ضمت هذه الظاهرة أفراداً من الذكور والإناث والكبار والصغار، ومن الشرائح العمرية كلها.



مع أنَّ هذه الظاهرة منتشرة انتشاراً كبيراً في المجتمعات العربية عامة، فإنَّها تتزايد في المجتمعات التي تعاني أوضاعاً اقتصادية متردية ومن ارتفاع معدل البطالة فيها، ونستطيع القول إنَّ تفشي ظاهرة الفرد لا يتحمل الفرد بمفرده مسؤوليتها؛ بل النظام الاجتماعي القائم أيضاً الذي تنتشر فيه اللامبالاة وعدم الإحساس بالمسؤولية والتفاوت الطبقي وغياب الوعي؛ لذا يجب دراسة هذه الظاهرة بتمعن والوقوف على أسبابها الحقيقية من أجل وضع الحلول المناسبة للتخلص منها.

ظاهرة التسول:

ظاهرة التسول هي ظاهرة قديمة قدم الإنسان ولا شك في أنَّ هذه الظاهرة تعكس خللاً اجتماعياً واضحاً في المجتمع، وهي ظاهرة عالمية وإن اختلفت في أنماطها وآليات تشكلها وحدوثها ومعدل استمرارها من مجتمع إلى آخر.

التسول أو كما يسمى (طلب العون أو طلب المساعدة أو مد الكف طلباً للصدقة) هو ظاهرة سيئة ملازمة للمجتمع البشري، وهو صورة من صور التشرد، واستجداء المساعدة، ويرى المعالج النفسي والمرشد "حامد زهران" أنَّ التسول ظاهرة اجتماعية يمارسها الفرد هرباً من مسؤوليات الحياة الخاصة بالنسبة إلى مَن ليس لديه رغبة في مزاولة عمل شريف يدر عليه دخلاً يعيل أولاده ويحفظ له ماء وجهه من الاستجداء أو استدرار العطف.

التسول هو عادة يعتادها المتسول؛ إذ يقوم بسؤال الناس طلباً للمال وأي شيء ذي قيمة يستطيع الاستفادة منه أو تحويله إلى مال، والمتسول قد يسلك أي وسيلة في سبيل الحصول على المال، فقد يعرض مرضه أو آفاته أو يستخدم كلمات عاطفية لاستدرار عطف الناس عليه، فلكل واحد منهم أسلوبه الخاص والمختلف والذي يختلف باختلاف الزمان والمكان.

التسول هو وسيلة الكسب غير المشروع، وقد تحول إلى وسيلة لتحقيق فائض مادي؛ أي إلى مهنة؛ إذ لم يعد المتسول يرتضي تأمين حاجاته فقط؛ بل أصبح يبتغي توفير مزيد من الموارد المالية لنفسه بحثاً عن الثراء، وعبر أساليب ملتوية وغير أخلاقية.

شاهد بالفيديو: فوائد فعل الخير على الفرد والمجتمع

أسباب التسول:

1. الفقر:

من أبرز الأسباب التي قد تدفع بالفرد إلى التسول وطلب المال هو الفقر والعجز عن تأمين ما يسد الرمق؛ إذ يسعى الإنسان الفقير إلى استخدام التسول وسيلة للعيش، وتأمين طعام يومه وما يحتاج إليه من وسائل للعيش.

2. الرغبة في الثراء:

قد لا يكون المتسول محتاجاً إلى المال ليأكل؛ بل لأنَّه يرغب في الثراء السريع دون عناء، فلا يكون هنا السؤال بقصد الحصول على مال للطعام والمحافظة على الحياة؛ بل على النقيض من ذلك تماماً يكون هدف المتسول هو جمع المال وتكديسه.

3. البطالة:

قد لا يستطيع الفرد في سن العمل الحصول على عمل مناسب له، أو قد يكون العمل الذي حصل عليه مُجهِداً، ويرى أنَّ التسول والحصول على المال بيسر أفضل من ذلك العمل الشاق.

4. عدد أفراد الأسرة الكبير وضعف دخلها:

تُعدُّ الأسرة ذات عدد الأفراد الكبير والدخل الضعيف من أكثر الأسر عرضة لقيام أفرادها بالتسول نتيجة الشعور بالعوز والحاجة إلى تلبية متطلبات كثيرة لا تستطيع تأمينها بوسيلة أخرى.

5. التفكك الأسري:

 تشتت شمل العائلة وظهور المشكلات داخلها غالباً ما يجعل من الأطفال الضحية الأولى وعرضة للتشرد؛ ومن ثَمَّ مزاولة مهنة التسول، مثل طلاق الوالدين، أو سفر الأب، أو موت أحد الوالدين، أو ضعف الإمكانية المادية للأسرة، أو إهمال الوالدين لأبنائهم.

إقرأ أيضاً: مشكلة التشرد: أسبابها وعلاجها

6. الإدمان:

الإدمان بأنواعه، سواء على الكحول أم المخدرات له دور كبير ومتنامٍ في انتشار ظاهرة التسول؛ وذلك بسبب الوضع النفسي الذي يكون عليه الفرد وبعده عن الواقع وغرقه في الخيال والأحلام، وعدم وجود أية رغبة لديه في العمل وانحرافه عن القيم الأخلاقية في المجتمع؛ كل ذلك يفتح المجال أمامه للتسول.

7. امتهان التسول:

توجد فئة من أفراد المجتمع جعلت التسول حرفة لها، وتعتمد عليها ليس فقط في العيش لبناء الثروة؛ إذ يعلِّمون أطفالهم من الصغر عليه، وتقوم الأجيال بتوارث هذه المهنة من جيل إلى جيل.

8. سهولة التسول:

مع أنَّ مهنة التسول أكثر سهولة من العمل الجاد الذي ربما يكون صعباً في بعض الأحيان، ويحتاج إلى بذل الجهود، فإنَّ فئة من الأفراد تجد التسول أسهل من ذلك فتقوم بامتهانه.

9. عدم القدرة على الكسب:

توجد فئة من أفراد المجتمع عاجزة عن العمل بسبب المرض أو وجود عجز جسدي أو عقلي لديها؛ ومن ثَمَّ تضطر إلى التسول من أجل لقمة العيش.

10. التسامح الاجتماعي:

التعاطف الاجتماعي الكبير مع هذه الظاهرة والقيام بمساعدة أي متسول، وإن كان قادراً على العمل هو من أسباب تفشي هذه الظاهرة بكثرة؛ إذ يوجد أشخاص كثيرون أخلاقهم حميدة يرغبون في مساعدة الآخرين، ويظنون أنَّ ما يفعلونه صواب دون أن يمتلكوا وعياً بنتيجة ذلك على المجتمع.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تجعل الشفقة أفضل من التعاطف للإنسانية

11. عدم اتخاذ الإجراءات الرسمية:

يوجد ضعف واضح باتخاذ خطوات رسمية ضد المتسولين لمنعهم من ذلك؛ بسبب عدم وجود عنوان إقامة ثابت.

أنواع التسول:

  1. التسول الظاهر: هو التسول الصريح؛ إذ يقوم المتسول بطلب ما يريد مباشرة من الناس.
  2. التسول غير الظاهر: هي الطريقة غير المباشرة في طلب المتسول للمال، مثل طلب أحدهم أن يغسل زجاج سيارتك دون أن تطلب، أو أن يرغب في بيعك إحدى الأشياء الرخيصة التي لا تساوي شيئاً في حقيقتها.
  3. التسول الطارئ: هو الذي يحدث فجأة ولمرة واحدة نتيجة حاجة طارئة دون أن تستمر بعدها مثل ضياع حقيبتك في أثناء سفرك؛ ومن ثَمَّ حاجتك إلى المال لتكمل طريقك، فتضطر إلى طلب المال من أحد ما.
  4. التسول الموسمي: هو التسول الذي يُمارس خلال أوقات معينة مثل الأعياد.
  5. التسول الإجباري: هو إجبار الفرد على التسول مثل إجبار الأطفال على التسول.
  6. تسول القادر: هو الشخص الذي يستطيع العمل؛ لكنَّه لا يريد ويفضِّل التسول بدلاً من ذلك.
  7. تسول العاجز: هو الشخص الذي لا يستطيع العمل، سواء بسبب عجز ما أم مرض ما.
  8. تسول الجانح: ويترافق هذا التسول مع استخدام الفرد لجناية ما مثل السرقة.

طرائق علاج ظاهرة التسول:

  1. وضع استراتيجية متكاملة على الصعيد الرسمي لكل دولة، توضح الخطوات اللازم اتخاذها في سبيل مكافحة التسول وتخصيص ما يكفي لذلك من ميزانية.
  2. وضع قانون صارم يخص التسول ويجرِّمه ويضع العقوبات المناسبة الخاصة به، مع التأكيد على عدم التهاون في تطبيقه.
  3. اتخاذ العقوبات الرادعة بحق كل مستغل للطفولة والأطفال لا سيما الفرد الذي يدفع بالأطفال إلى التسول.
  4. استخدام وسائل الإعلام لتسليط الضوء على هذه الظاهرة وما تحمله معها من مساوئ على الفرد والمجتمع.
  5. التوسع في الضمان الاجتماعي ليشمل الفئات الاجتماعية كلها في المجتمع.
  6. التوسع في إيجاد الجمعيات الخيرية التي تتبنى الأفراد العاجزين وغير القادرين على إعالة أنفسهم أو إعالة أسرهم.
  7. إيجاد مكاتب خاصة قانونية تكون مهمتها مكافحة المتسولين.
  8. تركيز مهام مكافحة التسول في المناطق السياحية داخل البلد من أجل المحافظة على الصورة الخارجية للدولة.
  9. العمل على توفير الوظائف الخاصة بذوي الاحتياجات من أجل مساعدتهم على حفظ كرامتهم وتأمين لقمة عيشهم.
  10. وضع الدول خطة محكمة من أجل تخفيض معدلات البطالة، وتحسين دخل الفرد من أجل تجنيب أفرادها الانحراف وامتهان التسول.
  11. تعزيز القيم الاجتماعية في المجتمع مثل حث الأغنياء على التبرع للفقراء وزيادة الصدقة وقيام المقتدين منهم بتكفل الأسر الفقيرة.

في الختام:

توجد ظواهر عدة تظل بسيطة ما دامت محدودة وقليلة الانتشار؛ ومن ثَمَّ تستطيع علاجها ببساطة، لكن إن انتشرت تلك الظواهر وأصبحت حالة عامة في المجتمع، فإنَّها لا بدَّ أن تمثل خطراً على المجتمع وتماسكه، وتهدِّد أمنه واستقراره، وظاهرة التسول واحدة منها، هذه الظاهرة البغيضة والمقيتة، التي تمثل فئة يحاولون كسب المال بأبسط الطرائق، وتكون هذه الفئة عالة على المجتمع وتمنع تقدمه؛ بل يسهمون في ضعفه وتدهور أوضاعه، ناهيك عن الصورة السيئة التي يعكسونها عن المجتمع.

هذه الظاهرة منتشرة في جميع مجتمعات العالم ولا سيما مجتمعنا العربي؛ وذلك بسبب ما شهده مجتمعنا من تغيرات اجتماعية نتيجة لما مر به من ظروف الصراعات والحروب المختلفة، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يمر بها العالم عامة والعالم العربي خاصة؛ إذ أصبحت هذه الظاهرة آفة اجتماعية كبيرة وخطيرة يجب التصدي لها وإيجاد الحلول العاجلة لها للتخلص منها، وإعادة الصورة المشرقة للمجتمع العربي وسكانه.




مقالات مرتبطة