وفي كل الحالات نجد أنفسنا نقف أمام ظاهرة تحدث خارج نطاق القبول الاجتماعي وتتعارض مع كل قوانين العمل الدولية والمعايير الاجتماعية والإنسانية التي تحض على ضرورة حماية الطفولة؛ إنَّها ظاهرة عمالة الأطفال التي تُعَدُّ المشكلة الجوهرية في مختلف المجتمعات، وتؤثر سلباً في بنيانه.
تعريف عمالة الأطفال:
عرَّفَت منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنَّها "كل جهد جسدي يقوم به الطفل ويؤثر في صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية ويتعارض مع تعليمه الأساسي".
وعرَّفها الدكتور "عبد العظيم محمد" الباحث في "مركز الجيل للدراسات الشبابية في القاهرة" في كتابه (وصف أوضاع الأطفال العاملين في الصناعة) بأنَّها "مجموعة النشاطات التي يمارسها الأطفال في الشوارع من أجل استمرار بقائهم أو بقاء أسرهم".
وأشار كل من الباحثين "شادي جابر" و"ريما شويكي" في بحثهما (استغلال الأطفال اقتصادياً) إلى أنَّ مفهوم عمالة الأطفال ينقسم إلى قسمين:
- الأول: "عمالة الأطفال السلبية؛ وهو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل، ويهدد سلامته وصحته ورفاهيته، والذي يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته عن الدفاع عن حقوقه، ويستغل الأطفال كعمالة رخيصة، ولا يساهم في تنميتها".
- الثاني: "عمالة الأطفال الإيجابية، وتتضمن الأعمال التطوعية كافةً أو حتى المأجورة التي يقوم بها والمناسبة لعمره وقدراته، وتنعكس إيجاباً على نموه العقلي والجسمي والذهني، وخاصةً إذا قام بها الطفل باستمتاع للحفاظ على حقوقه الأساسية".
إذاً، يمكن القول بأنَّ عمالة الأطفال تشمل الأطفال تحت السن القانوني الذين يخرجون لممارسة أحد الأعمال نتيجة ظروفهم الاجتماعية أو الاقتصادية، وهي أعمال لا تتناسب وقدراتهم الجسدية أو العقلية، وتتسبب في إعاقة نموهم وحرمانهم من حقهم في التعليم وعيش حياة كريمة.
متى يكون عمل الأطفال استغلالاً؟
- السن: إذا كان الطفل صغير السن؛ أي تحت السن القانوني.
- ساعات العمل: إذا كان الطفل يعمل ساعات طويلة جداً لا تتناسب مع قدراته البدنية والعقلية.
- الأجور: إذا كانت الأجور التي تعطى للطفل العامل قليلة ولا تتناسب مع مجهوده المبذول.
- ظروف العمل الخطرة: قد يوكل إلى الأطفال أعمال خطرة؛ كالعمل في المناجم أو العمل خلف الآلات في المصانع أو حمل الأشياء، وكل هذه الأشياء تؤثر في صحة الطفل الجسدية.
- العبودية: مثل تجنيد الأطفال في النزاعات والحروب.
أسباب عمالة الأطفال:
يمكن تقسيم أسباب عمالة الأطفال إلى أربع فئات رئيسة هي:
- أسباب اقتصادية: يُعَدُّ الدخل المنخفض للأسر، والفقر، السببين الرئيسين لعمل الأطفال؛ إذإنَّ الكثير من الأسر يرون في إرسال أطفالهم للعمل طريقة للحصول على المال لتأمين متطلبات الحياة والتخلص من الفقر، كما تؤدي السياسات المالية والنقدية الحكومية، وما ينتج عنها من تضخم ومن ثمَّ فقدان القيمة الحقيقية للنقود وانخفاض قدرتها الشرائية، دوراً في توجيه الأسر لأطفالهم للعمل بغرض تحسين دخلهم. بالإضافة إلى اتجاه الحكومات للتخلي عن سياسة دعم الفئات الاجتماعية محدودة الدخل، ومن ثمَّ اضطرار هذه الفئات إلى البحث عن مصادر دخل جديدة لسد حاجاتهم، التي غالباً ما تتم عن طريق إجبار أطفالهم على العمل.
- أسباب اجتماعية: مثل التفكك الأسري، وتدني المستوى الثقافي للوالدين، وانتشار الأمية في المجتمع، وكثرة عدد أفراد الأسرة مع قلة الإمكانات، بالإضافة إلى الموقف الاجتماعي من تعليم الأطفال، فقد تجد بعض المجتمعات أنَّه لا فائدة من التعليم لا سيما تعليم الإناث.
- أسباب تربوية: كالتسرب المدرسي وأسبابه الكثيرة التي تدفع الأطفال إلى ترك التعليم والاتجاه نحو العمل، ونذكر من هذه الأسباب:
- الفشل الدراسي: فقد لا يمتلك الطفل القدرة على تحقيق الإنجاز العلمي، ولا يملك المؤهلات العقلية والذهنية التي تقوده إلى النجاح، ومن ثمَّ يفقد الرغبة في إكمال تعليمه، فيترك الدراسة ويتوجه للعمل.
- الأساليب التربوية المُتبَعة في المدرسة والتي تكون غير ملائمة وغير مشجعة للطفل لإكمال تعليمه.
- تكاليف التعليم الباهظة التي قد تعجز الأسر عن تأمينها.
- أسباب قانونية: غياب التشريعات والقوانين الصارمة التي تحول دون عمالة الأطفال.
آثار ونتائج عمالة الأطفال:
- التأثير السلبي في صحة الطفل: فقد يتعرض الطفل لظروف عمل قاسية، بالإضافة إلى المخاطر التي من شأنها إعاقة نموه الجسدي ونموه العقلي والنفسي المتوازن.
- انخراط الطفل المبكر في العمل، وبعده عن مراقبة الأهل، وتأثره بغيره، قد يكسبه عادات سلبية مثل التدخين، وتعاطي المخدرات، وشرب الكحول.
- تدني المستوى التعليمي والمعرفي للطفل وانخفاض قدرته على القراءة والكتابة.
- الصراع النفسي الذي يعيشه الطفل بين الرغبة بأن يكون مع أصدقاء من عمره يشاركهم اللعب، وبين الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والاقتصادية تجاه أسرته، يؤدي إلى إصابته بالأمراض النفسية كالإحباط والاكتئاب.
- ضعف الترابط الأسري بسبب انشغال الطفل بالعمل وقضائه ساعات طويلة بعيداً عن عائلته وفقدانه الشعور بالأمان بسبب المخاطر الكثيرة التي يكون عرضة لها.
- التعرض للتحرش الجنسي لا سيما الإناث.
استراتيجيات لعلاج ظاهرة عمالة الأطفال:
- تحسين المستوى المعيشي للأسر؛ وذلك من خلال سعي الحكومات إلى تأمين العمل اللائق لهم، ومحاولة تأمين الدعم لا سيما لفئات الدخل المحدود.
- محاربة التسرب المدرسي، واعتماد سياسة التعليم المجاني للأطفال، وتأمين البيئة المدرسية الجاذبة للأطفال؛ حيث يستطيع المعلمون جعل التعلم تجربة ممتعة للأطفال من خلال ابتكار أساليب جديدة في التدريس، بالإضافة إلى إعادة النظر في المناهج التعليمية وتعديلها بالشكل الذي يشجع على التعليم.
- إصدار التشريعات والقوانين التي تجرم عمالة الأطفال والحرص على تطبيقها.
- نشر الوعي في المجتمعات لخطر هذه الظاهرة عن طريق الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، وإقامة الندوات؛ والهدف من ذلك تفعيل دور كل من المنظمات الحكومية، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات الثقافية، وكذلك الدينية في محاربة هذه الظاهرة.
- توفير الإعانات لأسر الأطفال العاملين لمساعدتهم على تربية أبنائهم والإنفاق عليهم، ومن ثمَّ الحد من إرسالهم للعمل المبكر.
- تحديث البيانات الخاصة بهذه الظاهرة بشكل دوري لوضع الاستراتيجيات المناسبة للتخلص منها.
- تفعيل قوانين الرعاية الاجتماعية وشبكة الحماية الاجتماعية لعائلات الأطفال المحتاجين.
المنظمات المعنية بمحاربة ظاهرة عمالة الأطفال:
المنظمات الدولية:
- منظمة العمل الدولية: تقوم المنظمة بالتنسيق مع حكومات الدول ليعملا معاً على محاربة عمالة الأطفال، وقد قامت بإنشاء البرنامج العالمي للقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال (IPEC).
- اليونيسف: قامت بوضع العديد من البرامج لمحاربة عمالة الأطفال.
- مؤسسة المسيرة العالمية ضد عمالة الأطفال: تقوم بتنظيم المسيرات في دول العالم، وإقامة ورش العمل بمشاركة الأطفال العاملين.
- مؤسسة إنقاذ الطفل: تروج لمقاطعة المنتجات التي يستخدم أصحابها الأطفال في العمل.
- البنك الدولي: يقوم على دعم الجهات التي تحارب هذه الظاهرة.
- الشبكة العالمية لحقوق الطفل (CRIN): تعمل على تبادل البرامج العلاجية والتأهيلية عبر شبكة الإنترنت.
- منظمة العمل العربية: تضع الاتفاقيات لحماية الأطفال.
- المجلس العربي للطفولة والتنمية: قام بوضع الخطط للتصدي لهذه الظاهرة.
المنظمات العربية:
- منظمة العمل العربية: تضع الاتفاقيات لحماية الأطفال.
- المجلس العربي للطفولة والتنمية: قام بوضع الخطط للتصدي لهذه الظاهرة.
- مكتب العمل العربي: قام بإعداد العديد من الأبحاث والدراسات حول ظاهرة عمالة الأطفال في الوطن العربي.
أهم الاتفاقيات الدولية والعربية التي حضت على محاربة عمالة الأطفال:
- أصدرت منظمة العمل العربية مواد عدة خاصة في محاربة عمالة الأطفال منها:
- اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 وتُعَدُّ هذه الاتفاقية أول اتفاقية شاملة لحقوق الطفل وأكثر اتفاقية تمت مصادقة الدول عليها، وتنص على حماية الدول لحقوق الأطفال المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- الإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- اتفاقية حقوق الطفل عام 1959 الصادرة عن الأمم المتحدة.
- المادة 52: تحدد تشريعات كل دولة الأعمال الخطرة التي لا يجوز تشغيل الأحداث بها.
- المادة 63: يجب إجراء الفحص الطبي للأطفال قبل التحاقهم بالعملللتأكد من مناسبتهم للعمل.
- اتفاقية الحد الأدنى من العمر رقم (138) عام 1973؛ حيث تتعهد الدول بالرفع التدريجي للحد الأدنى من العمر للعمل، وتفترض الاتفاقية أنَّه لا يجب أن يكون العمر أقل من 15 عاماً.
- اتفاقية أسوأ أشكال عمالة الأطفال رقم (182) عام 1999؛ حيث ركزت على إزالة هذه الأشكال، وتنطبق هذه الاتفاقية على كل مَن تحت سن 18 عاماً.
ما هي أسوأ أشكال عمالة الأطفال حسب اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (182) عام 1999؟
- كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق.
- بيع الأطفال والاتجار بهم.
- عبودية الدين.
- التجنيد القسري أو الإجباري لاستخدامهم في النزاعات المسلحة.
- استخدام الأطفال لأغراض الدعارة أو عروض إباحية أو إنتاج أعمال إباحية.
- استخدامهم في أعمال غير مشروعة مثل إنتاج المخدرات.
- الأعمال التي تؤدي إلى إحداث أضرار بصحة الأطفال، أو أخلاقهم أو سلوكهم.
في الختام:
إنَّ ظاهرة عمالة الأطفال هي نتيجة طبيعية لمشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى الرغم من تحقيق الطفل بعض المكاسب المادية، إلا يخسر مقابل ذلك حقه الإنساني في عيش طفولة سعيدة، بالإضافة إلى المخاطر العديدة التي تحيط به نتيجة صغر سنه؛ لذا، يجب أن تتضافر جميع الجهود الدولية والمحلية لمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها وتأمين الحماية لأطفالنا.
المصادر:
- مفيد الشامي، عمالة الأطفال في فلسطين، جامعة النجاح الوطنية، مدينة نابلس، فلسطين.
- إيمان عمار إبراهيم، العلاقة بين عمالة الأطفال وبعض المتغيرات النفسية والاجتماعية، جامعة عين شمس.
- حسين السيد، الآثار الاجتماعية والاقتصادية لظاهرة عمالة الأطفال في منطقة سحاب، الجامعة الأردنية.
- عبد الحسين كاظم، عمالة الأطفال في العراق (الأسباب والحلول)، جامعة بغداد.
- عبد الله تيسير، أسباب ظاهرة عمالة الأطفال في مدينة القدس، جامعة القدس، فلسطين.
أضف تعليقاً