هذا الموقف ربما حدث في كل بيت، وهو بالتأكيد لا يدل على أنَّ الأم لا تبذل جهداً عظيماً في تربية أبنائها؛ إنَّما له دلالات وتفسيرات تربوية عديدة سنقوم بشرحها والتطرق إلى سبل حلها والتعامل معها في هذا المقال، فإذا كنتِ من النساء اللواتي يعتقدن أنَّ طفلهن يتحدث بوقاحة أو يتصرف بطريقة غير مهذبة، فهذا المقال لك عزيزتي.
طفلي يتحدث بوقاحة:
لنتفق في بداية الأمر على نقطة هامة، هي أنَّ الأطفال أنقى وأبرأ من أن تُطلق عليهم صفات الوقاحة وقلة الأدب، ولو كانت هذه التسمية الوحيدة المُعبِّرة عن تصرفاتهم؛ لكنَّهم بالتأكيد لا يدركون أبعاد أفعالهم، فإذا تعكَّر مزاجك يوماً ما، وجادلك طفلك ذو العامين، وقلتِ له: "اخرس"، فأجاب: "اخرسي أنت"، فهذا لا يعني أبداً أنَّ طفلك يتحدث بوقاحة أو قلة أدب، إنَّه أصغر من أن يدرك بأنَّ قول عبارات من هذا النوع لوالديه ليس شيئاً لطيفاً، كما أنَّه سمعَكِ تواً تقولين هذه الكلمة، فكيف تريدين منه ألا يتلفظ بها، ويوجهها لك أو لإخوانه وجيرانه وأصدقائه؟
إنَّ الطفل الذي يشتم رفاقه ويضربهم ويصرخ في وجه أبويه ليس طفلاً سيئاً؛ إنَّما هو طفل يتصرف بطريقة سيئة، يجب أن نعي ذلك جيداً؛ فالأطفال أنقياء بالفطرة، وصفحات بيضاء كما يقول الحكماء، وإنَّ تصرفاتنا التي يستخدمونها بالقدوة، وطريقة تعاملنا معهم هي التي ستصبح طريقة تعاملهم معنا أو مع أنفسهم أو مع المحيط في المستقبل.
لا يستطيع الطفل أن يختلق كلمة بذيئة من تلقاء ذاته بالتأكيد، فإنَّه سمعها وشاهد الموقف الذي قيلت فيه ليعرف موضع استخدامها، لن يقول طفل لأخيه في أثناء العِراك: "أنت أحمق" لو لم يقلها أحد أمامه في موقف مشابه؛ لذا فإنَّه من واجب الأبوين والمربين أن يعوا أنَّ الأطفال هم مرايا أفعالهم وأقوالهم، فإذا ما أرادوا رؤية أنفسهم فلينظروا إلى سلوكات الأبناء وأقوالهم.
شاهد بالفيديو: 8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال
لماذا يتحدث طفلي بوقاحة؟
إذا ما أردت معرفة إجابة سؤال "لماذا يتصرف طفلي بوقاحة؟" وأسباب ذلك يجب أن تدركي أنَّ طفلك ليس سوى مرآة تعكس أقوالك وأقوال المحيطين، فهو يتحدث إليك بالطريقة نفسها التي تتحدثون إليه بها، فإذا ما استخدمت الكلمات النابية في حديثك معه أنت أو أي أحد آخر من أفراد العائلة مثل "أعطني منديلاً أيها الغبي"، "ضع أغراضك في غرفتك أيها الأحمق"، فسوف يعتاد طفلك على سماع هذه الكلمات، وسوف تنتقل تلقائياً إلى مخزونه اللغوي، وبالتأكيد فإنَّه سيستخدمها في المواقف التي يختبرها في البيت أو المدرسة أو الاجتماعات العائلية، وسيكون هذا الفعل من أهم أسباب تحدُّث الطفل بوقاحة.
في الجانب الآخر قد تكونين ممن يبذلون جهداً عظيماً لتربية أطفالهم بطريقة مثالية؛ لكنَّ طفلك سمع كلمة نابية في الشارع، أو تعلَّم من رفاقه في اللعب أسلوب كلام غير مهذب، وعندما عاد إلى المنزل فخوراً بالعبارة الجديدة التي حفظها، قابلْته باللجم والكبت والتهديد بالعقاب إذا ما أعاد التلفظ بها مرة ثانية دون أن تشرحي له أسباب هذا الرفض.
في مثل هذه الحالات سيكون طفلك أمام خيارين؛ أن يتوقف عن التلفظ بها خوفاً منك، ومن عقابك فقط؛ لكنَّه في غيابك وبعيداً عن أنظارك سيقولها بالتأكيد، أو أنَّها ستصبح سلاحه في إغاظتك واستفزازك، سيقوم بالتلفظ بمثل هذه الكلمات بقصد إحراجك وإزعاجك عند عدم قبولك بتلبية متطلباته، وهذا سبب آخر من أسباب تحدث الطفل بوقاحة.
كيف أتعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة؟
بعد أن اتفقنا على أنَّ التحدث بوقاحة هو سلوك سيئ يقوم به الطفل، وليس سلوكاً يقوم به الطفل السيئ، نقدم لك مجموعة نصائح في التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة، لتعديل سلوكه وإعادته إلى شكله القويم، وهذه النصائح هي ما يأتي:
1. كن قدوة في سلوكك:
يتعلم الأطفال بالقدوة من والديهم ومن المحيطين بهم جميعهم، سواء كانوا إخوة أم جداً أم جدة أم أي أحد يعيش في محيطهم العائلي، وكما يتعلمون لكنتهم بالقدوة تنتقل إليهم أيضاً تصرفاتهم وردود أفعالهم؛ فيتبنونها بصفتها سلوكات شخصية، فإذا ما كنت من الذين يرمون الأغراض عند الغضب فتوقع أن يتصرف طفلك بهذه الطريقة، وإذا صرخت في وجه طفلك أو شتمته إذا ما غضبت منه، فاعلمي أنَّ سلوكَي الصراخ والشتيمة سيكونان رد فعل طفلك في لحظات غضبه.
في الوقت ذاته إذا كنتِ ممن يعتذرون عند الخطأ أو يقولون عبارات لطيفة مثل: "شكراً لك، أحبك، وفقك الله"، ستجد طفلك يقولها تلقائياً في المواقف المناسبة، ومن الضروري أن تتعلم مهارات الذكاء العاطفي، وأن تكون لطيفاً مهذباً في تعاملك مع أطفالك؛ لأنَّهم ضيوفك المؤقتون في رحلة الحياة أولاً ومن أجل أن تنقل هذه الصفات إليهم ثانياً.
لا بدَّ من التنويه إلى أنَّ الأوان لم يفت بعد؛ إذ تستطيع في أي وقت أن تعيد التوازن إلى علاقتك بطفلك، وهنا نجيب على تساؤلك: "كيف أتعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة؟"، بقول: كن لطيفاً وانقل له بالقدوة هذا السلوك.
2. كن وفياً بوعدك له:
إذا أردت أن تجيب عن تساؤل: "كيف أتعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة؟"، يجب أن تعرف الأسباب التي تجعله يتصرف على هذا النحو؛ ففي أحيان كثيرة يكون الأطفال لطفاء وادعين، وعندما يغضبون من شيء يخرجون عن طورهم مثل البالغين تماماً، ومن أبرز الأسباب التي تثير غضب الأطفال هي عدم الوفاء بالوعود، فإذا ما وعدت طفلك بأنَّك ستحضر له دمية مثلاً، وعدت خالي الوفاض، فمن الطبيعي جداً أن يغضب منك ويتصرف بطريقة فظة عكس لطافته المعهودة، ومن الضروري جداً أن تفي بوعودك لأطفالك ليس من أجل إيجاد طريقة جيدة للتعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة؛ إنَّما من أجل تعزيز الثقة بينك وبينه، وبناء علاقة متينة مبنية على المصداقية.
3. لا تشع سلوكات طفلك السيئة:
إذا ما أردت أن تعرف كيفية التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة يجب أن تقلِّل من المسببات التي تدفعه إلى التصرف على هذا النحو، ومن الجدير بالذكر أنَّ الأطفال يتصرفون تصرفاً فظاً أو وقحاً عندما يشعرون بالإحراج، فإذا ما وضعت طفلك في موقف مُحرج فمن الطبيعي أن يتصرف بوقاحة، أذكر في هذا الصدد موقفاً حدث أمامي:
زرت صديقتي ذات يوم، وقد عانى طفلها سلساً بولياً، وعندما دخلت جدته قالت الأم: "هل أخبر الجدة بما حدث ليلة البارحة؟" فصرخ الطفل: "لا"، فقالت الأم: "سأخبرها"، والطفل يرفض ويرفع صوته في كل مرة لأنَّه يشعر بالإحراج والقلق من أن يُفتضح سره الصغير.
إنَّ مناداة الطفل بألقاب لا يحبها أو الحديث للآخرين أمامه عن تصرفاته السيئة من شأنه أن يشعره بالإحراج ويدفعه إلى التصرف بطريقة غير مهذبة، وعلى العكس تماماً، فإنَّ الحديث للآخرين عن تصرفات الأطفال الإيجابية أمامهم، يزيد من ثقتهم بأنفسهم ويدفعهم إلى التصرف بطريقة جيدة لإثبات ذلك.
4. تعلَّم قواعد التوجيه الصحيح:
إنَّ تعلم قواعد التوجيه الصحيح هو نصيحة ذهبية ضمن نصائح التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة؛ فغالباً ما يلجأ الأطفال إلى السلوكات السيئة بسبب الطريقة الخاطئة في توجيههم، فإذا ما أردت من طفلك أن يرتب غرفته مثلاً، فلا تقل له: "اذهب ورتِّب الغرفة حالاً أيها الفوضوي"؛ بل يجب أن تختار كلماتك بعناية، فتقول مثلاً: "متى تحب أن تبدأ بترتيب غرفتك، الآن أم بعد ربع ساعة؟"؛ فإنَّ تخيير الطفل يجعله يشعر بأنَّه صاحب القرار والمسؤولية، فيقرر ويتحمل تبعات قراره، أما فرض الوقت والمهمة على الطفل فيجعله يشعر بالنفور، فيرفض ويتحدث بطريقة غير لبقة كأن يقول: "لا أريد ترتيب غرفتي، لا أحب الترتيب"، وغيرها من الكلمات التي قد يقولها بنبرة فظة وغاضبة، ومن الضروري الثناء على أفعال الطفل وليس شخصه بعد الانتهاء من العمل، كأن تقول له: "انظر كم أصبحت غرفتك مرتبة ونظيفة، تستطيع الآن إيجاد ألعابك بسهولة".
5. اتَّبِع التعليم المباشر:
من ضمن نصائح التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة لا بد أن نرشده بطريقة مباشرة إلى قواعد التحدث اللبق مع الآخرين ومع نفسه أيضاً؛ فنحن يجب أن نخبر الطفل أنَّ الحديث مع الجدين والأبوين والمعلمين يكون بصوت منخفض وخالٍ من الصراخ وبكلمات لبقة، بخلاف الحديث مع الإخوة والأصدقاء الذي يكون أقل رسمية وأكثر مرونة وأريحية، كما يجب الصبر على الطفل حتى يكتسب هذا السلوك الذي سيترسخ لديه مرة بعد مرة.
شاهد بالفيديو: 8 طرق لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل
6. قدِّم الحب غير المشروط:
لمعرفة التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة لا بدَّ من تقديم الحب غير المشروط له؛ فالأطفال يتصرفون بفظاظة عادة للفت الانتباه، فإذا ما كان الطفل مشبعاً بالحب والاهتمام فلن يضطر إلى التحدث بطريقة غير مهذبة لتحصيل اهتمام الآخرين؛ لذا عبِّر لطفلك عن حبك له بأقوالك وأفعالك، احتضنه كثيراً وقبِّله، ولا تشترط حبك له بتصرفاته الجيدة أو تهدده بأنَّه إذا ما فعل شيئاً سيئاً ستتوقف عن حبه؛ لأنَّ ذلك يفقده الأمان العاطفي، أظهر تقبُّلك له مهما فعل، وتفهَّم قلة خبرته، ووجَّه سلوكه بكل حب.
في الختام:
إنَّ الأطفال صفحات بيضاء، أبرياء وأنقياء كمياه النبع؛ لكنَّهم سريعو التأثُّر فيمن حولهم؛ لذا فإذا ما أردت تنشئة طفل مهذب لا يتحدث بوقاحة أو بطريقة فظة يجب أن تكون له خير قدوة، وأن تقدم له حبك الخالص غير المشروط، وتحرص على بناء علاقة متينة معه أساسها الاحترام والتقبل لتكون نموذجاً يحتذيه في بناء علاقاته مع الآخرين.
أضف تعليقاً