طرق تجعل منك شخصاً مسؤولاً

هل ترى أنَّ والديك أو أحدهما هم السبب في شخصيتك الآن التي لا تُعجبك، فتُلقي اللوم عليهما، وتسأل نفسك "لماذا جعلوا مني تلك الشخصية المهزوزة والضعيفة؟" هل قمت بشراء منتج ولم يعجبك؟ ومن ثمَّ ألقيت اللوم على البائع الذي باعك هذا المنتج؟ هل تتأخر غالباً عن عملك؟ ويكون السبب غالباً أبناؤك؟ فتُلقي اللوم عليهم، إن كنت كذلك فأنت لا تتحمَّل مسؤولية حياتك، وتبرر أنَّ كل ما يحدث لك في حياتك سببه الآخرين والأحداث؛ تُرى ما سبب هذا السلوك؟ وهل هو صحيح أم خاطئ؟ وهل نستطيع تغييره للأفضل؟



إنَّ 80% من الأشخاص لا يتحمَّلون مسؤولية حياتهم كاملة، فهُم بصورة مستمرة، يشتكون ويتذمرون ويختلقون الأعذار، ويلقون اللوم على الآخرين في الأمور التي تحدث في حياتهم، والذين هم غير راضين عنها، وقد تكون عواقب طريقة التفكير تلك كارثية؛ ففي إمكانها تدمير كل آمال النجاح والسعادة في حياتهم.

عندما تقوم بإلقاء اللوم على الآخرين فإنَّك تخسر الكثير من التحسينات التي قد تقوم بها في حياتك، والعكس صحيح، فعندما تتحمَّل مسؤولية حياتك فإنَّك تخطو خطوةً هائلةً من الطفولة إلى النضج، ولكن للأسف الشديد إنَّ أغلب الناس -وإن كانوا في عمر الأربعين والخمسين- لا يزالون يتذمَّرون ويشتكون من تجاربهم السيئة في الماضي، ويلقون اللوم على الآخرين أو على الظروف، ولا يزال معظمهم غاضبين بشأن أحداث حدثت لهم في الماضي -منذ عشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين عاماً- مازالوا محاصرين فيها ولا يمكنهم التحرر منها.

إنَّ الأشخاص الذين اكتسبوا عادة اللوم تلقائياً، عادةَّ ما يستشيطون غضباً تجاه الجمادات، ويعدُّ إلقاء اللوم على الجمادات أمراً في غاية السخافة لدرجة أنَّه يصبح شكلاً بسيطاً من أشكال الجنون، فالناس يغضبون من الأبواب التي تغلق، ويسبون الأدوات التي يستخدمونها حينما يرتكبون هم أنفسهم خطأً بها.

شاهد بالفيديو: نصائح كي تصبح ملك التذمر في العالم

أسباب عدم تحمُّل المسؤولية:

1. التبرير واختلاق الأعذار:

إنَّ التبرير من أهم أسباب المشاعر السلبية، وسوف تظل سلبياً طالما تبرر أمام نفسك والآخرين أنَّه من حقك أن تغضب لسبب ما؛ لهذا تجد الأشخاص الغاضبين يفسِّرون ويوضِّحون باستمرار أسباب مشاعرهم السلبية.

على سبيل المثال: إن كان شخص متوجهاً لموعد عمل هام، وفي الطريق تعرَّض لحادث سير بسيط فقد كان هو المتسبِّب فيه، فيغصب غضباً شديداً من الشخص الذي اصطدم به، فيبقي طوال اليوم غاضباً ويعتقد أنَّ من حقه أن يكون غاضباً لاعتقاده أنَّه تعرض لموقف سيئ، ولو أنَّه تقبَّل الموقف الذي حدث له، لشعر بالراحة.

فعندما تُبرِّر، فأنت غالباً تحاول أن تعطي "تفسيراً منطقياً ومقبولاً اجتماعياً لتصرُّفك غير المقبول اجتماعياً"، فأنت تبرِّر تصرُّفك من خلال خلق تفسير يبدو جيداً، على سبيل المثال: عندما تدخل في مشادة كلامية مع شريك الحياة، ومن ثمَّ تغلق الباب بشدة، ومن ثمَّ تفسِّر تصرُّفك أنَّه صحيح؛ وذلك لأنَّك كنت غاضباً فهذه ردة فعل طبيعة بالنسبة إليك.

أو إذا كانت شخصيتك ضعيفة ولا تستطيع الحوار مع الأشخاص الغرباء، فإنَّك تعود باللوم على الوالدين، وعلى طريقة تربيتهم لك في الطفولة.

أو أنَّ الراتب الشهري لا يكفي، والسبب هو أنَّ المؤسسة تقدِّم رواتب قليلة ولا تقدِّم أي حوافز، وتشتكي من وضعك المادي وتلقى باللوم على الشركة.

إنَّ الأعذار والتبرير يتطلَّبان دائماً أن تجعل شخصاً ما أو شيئاً ما يكون مصدر مشكلتك أو سببها؛ فأنت تختار لنفسك دور الضحية، وتضع الشخص الآخر أو المنظمة في دور الظالمة أو الشخص الشرير.

والكثير من الموافق التي نتعرَّض لها باستمرار؛ لذا راقب يومك ولاحظ ردة فعلك تجاه المواقف التي تزعجك، وقيِّم نفسك إن كنت تبرر ردة فعلك في المواقف أم تتحمَّل مسؤولية ما حدث.

إقرأ أيضاً: كيف تميز الفارق بين اللوم والمسؤولية؟

2. عدم القدرة على اتخاذ خطوات جادة نحو التغيير:

أغلب الناس لا يرغبون في التغيير، وغالباً يكون السبب إما الخوف مما هو جديد، أو لا يرغبون في بذل الجهود نحو ذلك التغيير، ومن ثمَّ تبقى حياتهم كما هي عليه إلى أن يقرروا التغيير أو أن تنتهي حياتهم.

فإن كنت ترغب في تغيير حياتك، فعليك تغيير سلوكاتك، وهناك طريقة فعَّالة لتحقيق ذلك، وهي أن تُقرَن بالسلوك القديم مشاعر فورية لا تُحتمل من الألم، ومشاعر فورية لا تُصدَّق من المتعة والسرور للسلوك الجديد.

كيف يمكننا الوصول إلى هذا المستوى من التغيير؟ إنَّ أحد الأمور الذي يمكن له أن يحوِّل اتجاه أي شخص هو الوصول إلى درجة (الألم)، وهذا يعني التعرُّض لألمٍ يصل إلى مستوى من الشدة بحيث تعرف أنَّ عليك التغيير الآن دون شك؛ أي إلى مستوى يقول لك عقلك: "كفى، لا أستطيع أن أقضي يوماً آخر ولا لحظة واحدة وأنا أشعر أو أعيش على هذا المنوال".

هل تعرَّضت لهذا الشعور في علاقة شخصية مثلاً؟ لقد تمسَّكت بتلك العلاقة التي كانت مؤلمة ولم تكن سعيداً، ولكنَّك حافظت عليها على أية حال، لماذا؟ لقد كنت تفكِّر في أنَّ الأمور ستتحسَّن دون أن تقوم بأيِّ مجهود لتحسينها، فإن كنت تعاني من كل هذا الألم، فلماذا تمسَّكت بتلك العلاقة؟ على الرغم من أنَّك لم تكن سعيداً فإنَّ خوفك من المجهول كان قوة حافزة أكثر تأثيراً؛ حيث ستقول لنفسك: "أجل إنِّني سعيد الآن، ولكن ما يحدث إن تخلَّيت عن هذا الوضع ولم أجد وضعاً أفضل؟ لقد أصبحت أعرف على الأقل كيف أتعامل مع الألم الذي أواجهه الآن".

ويكون شعاره: "اصبر على مجنونك، لا يأتيك أجن منه"؛ أي اصبر على حالك الآن فلربما يصبح حالك بعد ذلك أسوأ.

مثل هذا التفكير هو الذي يمنع الناس من إجراء التغييرات المطلوبة، غير أنَّ الألم الناجم عن هذا الوضع يبلغ مستوى أعلى من الخوف من المجهول في يوم من الأيام.

لماذا إذاً لا يتغير الإنسان على الرغم من أنَّه يشعر ويعرف بأنَّ عليه أن يفعل ذلك؟ لأنَّه يربط ألماً أكبر بإحداث التغيير مما سيشعر به إن لم يتغير، ولكن نحن نحدث التغيير في أي شخص، بما في ذلك أنفسنا، علينا بكل بساطة أن نعكس هذه المعادلة بحيث يصبح عدم التغيير مؤلماً ألماً لا يُحتمل، بينما يصبح التغيير جذاباً وباعثاً على السعادة والمتعة؛ أي أن أذكر ما هي السلبيات التي ستحدث لي من عدم التغيير؟ وما هي إيجابيات التغيير؟

ولكي تحصل على قوة الدفع الحقيقية اسأل نفسك أسئلة تبعث على الشعور بالألم: "ما هي كلفة عدم التغيير؟"، "ما الذي سأخسره في حياتي في نهاية المطاف إن لم ألجأ إلى التغيير؟" "ما هي الكلفة الذهنية والعاطفية والبدنية والمالية والروحية التي أتحمَّلها الآن نتيجة لعدم التغيير؟"؛ اجعل الألم الناتج عن عدم التغيير يتغلغل في شعورك فعلياً وبشدة، فإن لم تجد تلك القوة الكافية للتغيير فعليك التركيز على تأثير ذلك فيمَن تحبهم، في أبنائك وغيرهم من الناس العزيزين عندك، فالكثيرون منا سيبذلون جهداً من أجل الآخرين أكثر مما يبذلونه من أجل أنفسهم؛ لذا حاول أن تتصوَّر مدى التأثير السلبي لإخفاقك في الأشخاص الذين تحبهم.

والآن اسأل الأسئلة المرتبطة بالمتعة:

  • "إذا تغيَّرت فكيف سأشعر؟".
  • "ما هي قوة الدفع التي سأتمتَّع بها في حياتي إن استحدثت هذا التغيير؟ ماذا يمكنني أن أحقِّق إذا أحدثتُ هذا التغيير؟ كيف سيشعر أفراد عائلتي وأصدقائي؟ ما مدى السعادة التي سأشعر بها عندئذٍ؟".

والآن بعد أن ربطت الألم بعدم التغيير، والمتعة بالتغيير، فهذا سيدفع إليك الرغبة في التغيير والاستمتاع به.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لإحداث تغيير مذهل في حياتك بشكلٍ فوري

كيف أتحمَّل مسؤولية حياتي؟

إنَّ ترياق المشاعر السلبية هو أن تتقبَّل المسؤولية الكاملة عن وضعك، ولا يمكن أن تقول: "أنا مسؤول" ولا زلت تشعر بالغضب؛ حيث إنَّ تقبُّل المسؤولية يختصر الطريق، ويحبط أي مشاعر سلبية قد تختبرها.

عليك أن تتخيَّل وأنت تتحكَّم بحياتك، عن طريق قولك: "أنا المسؤول"، عندما تشعر بالغضب أو الانزعاج لأي سبب.

1. التوقف عن لوم الآخرين والأحداث:

من الآن فصاعداً يجب عليك أن تتوقف عن لوم الآخرين على أي شيء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وارفض أن تختلق أي أعذار أو تبرير لتصرفاتك، فإذا ارتكبت خطأ قل: "آسف" وابدأ بتصحيح الوضع، وفي كل مرة تلقي باللوم على شخص آخر أو تخلق أعذاراً فإنَّك تتخلى عن قوَّتك، وتشعر بالضعف، وتشعر بالسلبية والغضب في داخلك.

2. تحكَّم بمشاعرك:

هناك علاقة مباشرة بين تحمُّل المسؤولية ومقدار السيطرة الشخصية الذي تشعر بأنَّك تمارسه في حياتك؛ وهذا يعني أنَّه كلما زاد تحمُّلك المسؤولية، ازداد لديك الشعور بالسيطرة.

وهناك أيضاً علاقة مباشرة بين مقدار التحكُّم الذي تشعر بأنَّك تملكه، وبين مدى شعورك بالإيجابية؛ فكلما شعرتَ بالتحكُّم بمشاعرك ازداد لديك الشعور بالإيجابية والسعادة في كل ما تقوم به، فعندما تتحمَّل المسؤولية سوف تشعر بالقوة والنفوذ والقدرة على تحديد الأهداف، ومن ثمَّ تتخلَّص من المشاعر السلبية التي تسرق منك السعادة والارتياح.

بعد أن عرفت ما هي الأسباب لبعض المشاعر السلبية التي قد تشعر بها، وما هي الأسباب التي قد تدفعك لعدم تحمُّل مسؤولية حياتك، والطرائق التي قد تساعدك على تحمُّل مسؤولية حياتك، إنِّي أراك الآن في بداية طريق النجاح مع الذات، وذلك بأن تتحكَّم بنفسك وتسيطر عليها.

 

المراجع:




مقالات مرتبطة