ضرورة الانسحاب

ألا تشعر بأنَّ الحياة غريبة في بعض الأحيان؟

خذ الانسحاب على سبيل المثال؛ إذ يعتقد معظمنا أنَّه من الخطأ الانسحاب، وأنَّه أمر يفعله الفاشلون فقط؛ إنَّ أسلوب "عدم الانسحاب" هو أمر جيد، خاصةً عندما نسعى إلى الأشياء الصعبة، ولا أعتقد أنَّك يجب أن تنسحب لمجرد أنَّك لا تستطيع التعامل مع شيء ما، ومع ذلك، فإنَّ الانسحاب هو استراتيجية ذكية أيضاً، وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون الخيار الأفضل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته مع الانسحاب.

كتب المؤلف الأمريكي سيث غودين (Seth Godin) في كتابه الذي يحمل عنوان "المنحدر" (The Dip) متحدثاً عن الانسحاب: "إنَّ الأشخاص المثابرين قادرون على تصوُّر "الضوء" الكامن في نهاية النفق عندما لا يتمكن الآخرون من رؤيته، وفي الوقت نفسه، إنَّ الأشخاص الأذكياء واقعيون بشأن عدم تخيل الضوء عندما لا يكون موجوداً".

في بعض الأحيان، قد تكون في نفق لا يوجد فيه ضوء على الإطلاق؛ لذلك مهما عملت بجد ومثابرة، لن تحقق أيَّ شيء أبداً، لقد شهدنا جميعاً وظائف وأعمال ومشاريع وعلاقات لا طائل منها.

الانسحاب ليس بالأمر السهل:

كن صريحاً، كم مرة تحليت بالشجاعة للانسحاب؟ لأنَّني سأخبرك بأنَّ الانسحاب هو أحد أصعب الأشياء التي قمت بها على الإطلاق.

عندما حصلت على وظيفة في شركة قبل بضع سنوات، كنت قد سئمت من امتلاك عمل تجاري خاص وشعرت بالاحتراق الوظيفي، ولم أرَ النتائج التي أردتها، وشعرت بالإرهاق أيضاً؛ لذلك قررت أن أترك عملي التجاري، وأن أحصل على وظيفة في شركة ما.

لكنَّني لم أستطع ترك ريادة الأعمال بالكامل؛ لذلك كنت عالقاً بين وظيفة الشركة وبين عملي التجاري، لقد عملت في وظيفة الشركة خلال فترة النهار، بينما كنت أعمل لحسابي الخاص في فترات المساء وعطلات نهاية الأسبوع، وهذا جعل حياتي أكثر إرهاقاً، وبعد عام شعرت بالشعور نفسه الذي شعرت به قبل أن أحصل على الوظيفة، وواجهت طريقاً مسدوداً.

لم أرغب في نيل ترقية في الشركة، ولم أملك الطاقة لتنمية عملي التجاري، وأدركت أنَّ المسار الذي كنت أسير فيه لن يؤدي إلى أيِّ مكان، وكنت أعرف ما يجب أن أفعله، وقد عانيت بسبب هذا الأمر يومياً، واستغرق ذلك أشهر حتى تمكنت من تقديم استقالتي، ولقد فعلت ذلك بصعوبة شديدة، فأنا أكره الانسحاب.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح لتحقيق التطور المهني

إذا لم تتمكن من التقدُّم في الطريق الذي تسلكه، فاختر طريقاً آخر:

ليس من السيئ أن تسعى إلى التقدم في عملك إذا كنت تعمل في شركةٍ ما، فكلُّ ما تحتاج إليه من أجل ذلك هو الالتزام؛ لكنَّني أعي أنَّ كثيراً من الناس يحجمون عن ذلك؛ لأنَّه بحاجة إلى اتباع حيل كثيرة؛ لكن هذا لا يعني أنَّ الشركات سيئة؛ بل إنَّها انعكاس للمجتمع فقط، فلا يمكن للجميع أن يصبحوا مديرين تنفيذيين أو أعضاء في مجلس الإدارة؛ إذ إنَّها ليست مسألة شخصية.

قال المحامي الأمريكي مارك ماكورماك (Mark McCormack)، ومؤلف كتاب "ما لا يعلمونك إيَّاه في كلية هارفارد لإدارة الأعمال" (What They Don't Teach You at Harvard Business School): "تؤثِّر المدرسة الداروينية في أيِّ تنظيم هرمي تقريباً، والشركات ليست استثناءً عن ذلك، ومن المرجح أنَّها أفضل مثال، ببساطة، لا يوجد رؤساء بقدر نواب الرؤساء، ولا يوجد نواب رؤساء بقدر المديرين، وهكذا دواليك"، لقد كُتب هذا الكتاب منذ عام 1984، ومع ذلك، لا يعي معظم الناس هذا المفهوم.

يذكر سيث في كتابه "المنحدر" أنَّك يجب أن تسعى إلى أن تصبح الأفضل فقط، ولا يوجد شيء آخر يستحق العناء؛ بمعنى آخر: حاول أن تتقدم في الشركات إذا كنت تريد النجاح فيها فقط، وإلا من الأفضل أن تنسحب.

إقرأ أيضاً: كيف تحقق النجاح الوظيفي وترتقي في عملك؟

سوف تُحدث تأثيراً أكبر عندما تكون الأفضل:

يقول سيث: "نحن نكافئ المنتَج أو الأغنية أو المؤسسة أو الموظف الأفضل؛ إذ إنَّ المكافآت متحيزة بشدة لدرجة أنَّه من الطبيعي أن يحصل الشخص الأفضل على عشرة أضعاف مكافأة الشخص المتوسط، ومئة ضعف مكافأة الشخص السيئ".

لا أحب الطريقة التي عبَّر بها سيث عن هذه الفكرة؛ إذ يمكنك تفسيرها بأنَّ الأمر يتعلق بالمكافآت، أو بمعنى آخر يتعلق بالنقود والشهرة والمكانة وما إلى ذلك، فأنا لا أهتم بهذه الترهات، وإن كنت كذلك، كنت سأفعل أشياء كثيرة أخرى بدلاً من كتابة مجموعة من المدونات المجانية؛ لكنَّني أتفق مع ما قاله سيث لسبب مختلف، فبالنسبة إلي، أن تكون الأفضل هو أمر جيد لسبب واحد فقط، وهو أنَّك ستتمكن من إحداث تأثير أكبر.

على سبيل المثال لاعب كرة السلة الأمريكي ليبرون جيمس (LeBron James)، ورائد الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون (Richard Branson)، ومضيفة البرامج الأمريكية أوبرا وينفري (Oprah Winfrey)، هم الأفضل في مجالاتهم، وقد أحدثوا التأثير الأكبر، فهم يساعدون ويلهمون معظم الناس، إضافة إلى ذلك، إنَّهم يتخطون حدود ما هو ممكن.

إقرأ أيضاً: 14 نصيحة لتصبح شخصاً أفضل

في الختام، لا ترضَ بالمتوسط:

عندما يتعلق الأمر بالانسحاب، توجد عدة أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك:

  • "هل هناك ضوء في نهاية النفق الذي أنا فيه؟".
  • "هل يستجيب الأشخاص لمدوناتي ومقاطع الفيديو والموسيقى الخاصة بي؟".
  • "هل يوجد احترام متبادل في علاقتي؟".
  • "هل يشتري الناس منتجاتي؟".
  • "هل يمكنني التقدم في مؤسستي دون حِيَل؟".

إذا كانت إجابتك لا، فقد حان وقت الانسحاب، وابحث عن أشخاص مختلفين، وانتقل إلى شركة جديدة، ابحث عن نفق مختلف واستمر في فعل ذلك حتى تجد واحداً يوجد في نهايته ضوء، وبمجرد أن ترى شعاعاً واحداً من الضوء، تشبث به ولا تتركه قبل أن تصل إلى النهاية (أو القمة).




مقالات مرتبطة