صفات الطفل الانطوائي وكيفية التعامل معه

الإنسان هو المخلوق الأكثر اكتمالاً من خلق الله تعالى، وقد أبدع سبحانه في خلقه وتكوينه، فجعله جسداً وروحاً. وجعل الناس مختلفين في الشكل واللون والبنية الجسدية، كما جعلهم مختلفين في المضمون؛ إذ نرى قويَّ الشخصية ونرى الضعيف، ونميِّز المقدام والجبان، والسيِّئ والجيد، وكذلك نرى العصبيَّ والهادئ والاجتماعي والانطوائي.



وهذا الأخير هو مدار حديثنا في هذا المقال، وتحديداً سنتحدث عن الطفل الانطوائي.

الطفل الانطوائي:

الطفل الانطوائي، هو طفل يتمتع باستقلاليته التامة، ويحب دائماً أن يستمتع بالبقاء وحيداً. وبخلاف الطفل الاجتماعي الذي يستمد قوَّته من التفاعل مع الآخرين، فهو يستمد قوَّته من عزلته الاختيارية.

دائماً ما يملأ الأطفال الانطوائيون أوقاتهم بأفكارهم الذاتية؛ لذا فهم يحبون أن تكون لديهم فسحة شخصية يُمنع الاقتراب منها؛ حيث يستمتعون بشخصيتهم وأفكارهم وهم في داخل فسحتهم الشخصية التي يصنعونها لأنفسهم، مفضلين النشاطات الفردية كالرسم والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة التلفاز.

يمتاز الأطفال الانطوائيون بالذكاء، والقدرة على الإبداع، ونرى أنَّهم ينصتون أكثر ممَّا يتكلمون، ويفكرون أكثر من مرةٍ قبل أن يبدؤوا بالحديث.

ويمكننا إذا أمعنَّا التدقيق أن نلمس خوفاً لدى الطفل الانطوائي من الآخرين، وقلَّة مهارة في إنشاء الصداقات الجديدة، ولكن في حال إنشاء صداقة ما، فغالباً ما تكون قويةً وطويلة الأمد. لا يحبذ الطفل الانطوائي التغيير؛ لذلك نجد عنده خوفاً من تغيير المكان أو البيئة أو العادات.

الانطوائية ليست مشكلة عظيمة بكل أبعاد المشكلة، فالطفل الانطوائي يحبذ الهدوء أكثر من الزحام، ويحب أن يقضي أوقاته وحيداً مع تخيلاته الشخصية، أكثر من حبه قضاء وقته في الجلسات المتعددة الأشخاص.

صفات الطفل الانطوائي:

  • يستطيع الطفل الانطوائي أن يصنع علاقات صداقة، ولكنَّها تملك اختلافاً عن العلاقات المعروفة، فهو يفضل تكوين علاقة صداقة واحدة أو اثنتين على الأكثر، وتكون هذه العلاقة عميقة، بحيث يفضلها كثيراً عن العلاقات الكثيرة التي لا تملك هذا العمق.
  • يشعر الطفل الانطوائي دائماً بعدم الرغبة في الوجود بين مجموعة كبيرة من الناس.
  • للطفل الانطوائي ميزة في عينيه، فهو إذا أراد التحدث إليك، قام بإبعاد عينيه عنك كي يستطيع تجميع أفكاره وتكوينها على شكل جملة. بينما إن كنت أنت المتحدث وهو المستمع فهو غالباً ما يضع عينيه في عينيك مباشرةً.
  • كذلك فإنَّ الطفل الانطوائي مستمعٌ جيد، ويتمتع بذاكرة جيدة، ويستمع باهتمامٍ كبير إذا كان المتكلِّم أكبر منه سناً.
  • دائماً ما يحاول الطفل الانطوائي إخفاء شخصيته عن شخص ما تعرَّف إليه للتو، فلا يستطيع أحد أن يتعرف إلى شخصية الطفل الانطوائي بسهولة.
  • دائماً ما يكون للطفل الذي يحمل الشخصية الانطوائية رأيه الخاص وأفكاره الذاتية، التي تكون بعيدةً كل البعد عن رأي المجموع العام، على عكس الطفل ذي الشخصية الاجتماعية، الذي دائماً ما تكون أفكاره نابعة من فكر الجماعة.
  • نرى دائماً أنَّ الانطوائية تزيد عند الطفل وهو خارج المنزل، بينما في منزله وبين أفراد أسرته الذين اعتاد عليهم، نجد أنَّ شخصيته أقرب إلى أن تكون اجتماعية فاعلة.
  • الطفل الانطوائي حذر في المجمل، ولا تكون ردود أفعاله نابعة من العفوية التي يشتهر بها الأطفال، فهو يحب الترقب والانتظار قبل أن يعطي رأيه أو يعبِّر عن أفكاره.
  • يتميز بالعمق والابتعاد عن السطحية، ودائماً ما يوجِّه أسئلةً لا يفكر فيها الأطفال في مثل سنه، وهذا ما يجعلك تظن أنَّه أكبر من عمره الحقيقي دائماً.
  • يتمتع الطفل الانطوائي بالخيال الخصب، فهو دائماً ما يمتلك تخيُّلاتٍ تجعله في غنىً عن اللعب مع أقرانه، فهو يحب أن يلعب وحده، وإذا ما قرَّر أن يلعب مع أحد، فيكتفي بطفل أو اثنين لا أكثر.
إقرأ أيضاً: 8 طرق لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل

كيف تتعامل مع الطفل الانطوائي؟

دائماً ما يميل خبيرو العلاقات الاجتماعية والأطباء النفسيون إلى فكرة أنَّ تشجيع الطفل الانطوائي على القيام بمهام معيَّنة يساعده على التخلص من حالته؛ لذلك ينصحون الأهالي أن يوكلوا إليه بعضاً من المهام الصغيرة في المنزل، ويحفزوه أيضاً على القيام بعمل ما من دون طلب، وباختياره الذاتي.

وينصح خبراء علم النفس الأهالي بدفع أطفالهم الانطوائيين إلى القيام بالنشاطات الرياضية، وممارسة الألعاب الرياضية الجماعية، فذلك يفرغ طاقاتهم السلبية، ويدفعهم إلى تكوين صداقات جديدة، ويخرجهم نوعاً ما من عزلتهم المفترضة.

يجب أيضاً النظر في رغبات الطفل الانطوائي بشيء من الاحترام، وعدم إبداء النفور أو التذمر من متطلباته، وكذلك الابتعاد ابتعاداً كلياً عن التعنيف الجسدي والعقاب عن طريق الضرب، وكذلك يجب عدم الاستهزاء من عواطفه أبداً.

ثم إنَّ فتح الحوارات مع الطفل ومجاذبته أطراف الحديث، تُعدُّ أيضاً من الأمور الهامة النافعة في حياته، وكذلك إدخاله بطريقة لطيفة في الاجتماعات العائلية ليتعلم طريقة الحياة المشتركة.

يجب إبعاد الطفل الانطوائي عن جميع مصادر التوتر والقلق ما أمكن، وذلك عامل هام في بناء الشخصية الصحية للطفل الانطوائي. ويجب على الأهل غمر طفلهم بفيض من العاطفة والحنان، والابتعاد بشكل قطعي عن تعنيفه أو توبيخه أمام أخوته أو عائلته أو أصحابه.

تقدير الطفل ومدحه ومكافأته على الأمور التي يقوم بها حتى ولو كانت بسيطة هو أمرٌ هامٌّ للغاية؛ إذ إنَّ هذا السلوك يشجع الطفل كثيراً وينمِّي شخصيته الإيجابية، ويشجع دائرة الأطفال كالأخوة أو الأصدقاء من حوله على اتِّباع السلوك نفسه معه. يجب الانتباه أيضاً إلى عدم التدخل في الشجارات والخلافات التي تحدث بينه وبين رفاقه، إلا في حال خروج الموقف عن السيطرة.

وكنَّا قد نوهنا آنفاً إلى ضرورة إشراك الأهل للطفل في الحياة الاجتماعية، ولكن يجب التنبُّه إلى عدم إكراهه أو زجِّه في الاجتماعات زجَّاً قسرياً، لأنَّ لهذا الفعل ردُّ فعل غير مناسب أبداً. من هنا كان يجب تنمية ثقته بنفسه ليختار هو طائعاً الانخراط في هذه الاجتماعات.

وهنالك أيضاً ملحوظة هامة، وهي أنَّه يجب ألَّا تكون حالة طفلك الانطوائية حديث الساعة مع الأهل والأقارب والأصدقاء، وإنَّما يجب مناقشة هذه الحالات مع المختصين فحسب ما أمكن.

يستطيع الأطفال الانطوائيون خلق نشاطات ممتعة وحدهم، نشاطات غير صاخبة ربَّما تدفع الأهل إلى القلق، في حين أنَّ عليهم الابتعاد عن تخريب متعتهم الانعزالية التي يقضونها بمراقبة الحائط أو الجلوس على الأرض أو ممارسة نشاطات فردية في حديقة المنزل؛ لذا فإنَّ الصحيح هو أن يحاول الأهل استيعاب هذه النشاطات، فضلاً عن محاولة اختراع نشاطات جديدة من دون الاقتراب من نشاطاته الشخصية.

يحتاج الطفل الانطوائي إلى منحه الوقت، والجلوس معه وتلقينه بعضاً من البديهيات والأفكار التي تساعده في حياته، ومن المفترض أن تكون عملية التلقين محببة، كحضور مقطع فيديو تعليمي بسيط، أو قراءة بعض الأقاصيص التي تحتوي مدحاً للصفات والخصال الجيدة، كالحق والخير والجمال.

بعض مسببات الشخصية الانطوائية:

قد تكون لشخصية الطفل الانطوائية مسببات متعلقة بعامل الوراثة، إذا كان أحد الأبوين يحمل الصفة الانطوائية ولا يحبذ التعارف إلى أناسٍ جدد، أو كانت هنالك قصة مرضية نفسية مثل الاكتئاب أو انفصام الشخصية.

وقد تكون هنالك مسببات نفسية، مثل عدم حب الأشخاص الآخرين والريبة منهم، فضلاً عن الأسباب التي تتعلق بالتربية أيضاً؛ إذ قد يكون الأسلوب التربوي في العائلة لا يحبذ التشارك مع الآخرين، وهذا يدفع الطفل إلى عدم مشاركة الآخرين في الألعاب مثلاً، وعدم الرغبة في التعرف إلى مجهولين.

ومن المحتمل أن تكون البيئة التي ترعرع فيها الطفل معزولةً مثل العيش في البوادي، وقمم الجبال والأرياف النائية، وهذا بلا شك يخلق أفكاراً لا يمكن أن تكون منفتحة أو قابلة للتشارك مع العالم الخارجي.

يمكن لسببٍ واحد من هذه الأسباب الآنفة الذكر، أن يجعل الطفل يميل إلى الانطواء؛ إذ إنَّه ليس من الضروري أن تجتمع هذه المسببات جميعها لولادة الشخصية الانطوائية.

إقرأ أيضاً: 6 طرق فعّالة للتعامل مع الشخص الإنطوائي

محاولات لعلاج الشخصية الانطوائية:

يرى معظم المطلعين على هذه القضية، أنَّ الاتجاه إلى طبيب متخصص بالطب النفسي هو الحل الأنجع.

ويستطيع الأهالي التوجه أيضاً إلى المراكز المتخصصة بالدعم والإرشاد النفسيين؛ إذ يستطيع الطبيب النفسي القيام بعمل جلسات إفرادية مع الطفل في البداية، وبعد ذلك يمكن أن يُلحق الطفل بجلسات علاجٍ جماعية، مع أطفال يمتلكون الحالة الانطوائية نفسها.

يساعد الطبيب على اكتشاف ما وراء ردود فعل الطفل، فيقدم له العلاج النفسي من دون دواء، لتخليصه من الحساسية المفرطة في الأمور الاجتماعية، ويزيد من ثقته بنفسه وقدرته على إبداء الرأي، وذلك من خلال تمرينات تدعم التأقلم عند الطفل، وتزيد قدرته على تقدير ذاته.

كما يساعد الطبيب المختص، من خلال معرفته ببواطن النفسية الانطوائية، على التصرف في المواقف المحتملة التي قد يواجهها الأهل مع الطفل. وقد يرى الطبيب أنَّ إعطاء بعض الأدوية قد يكون مفيداً، وهي مضادات للقلق والاكتئاب للتخلص من النوبات التشخيصية التي ترافق العلاجات المسلكية.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

في الختام:

يجب أن نعرف وندرك هذه الحقيقة التي قد تكون مؤلمة، وهي أنَّ أطفالنا ليسوا ملكاً لنا، بل نحن ملكٌ لهم، يملكوننا حتى يصبحوا أقوياء بنا. والطفل الانطوائي ليس مشكلة للأهل بتاتاً، إنَّما يجب أن يكون نعمةً لهم، ليعلمهم كيفية التصرف السليم، وكيفية العيش المشترك من دون منغصات أو مشكلات.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة