شلل الأطفال: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

ما من أحدٍ منَّا سمع بمرض "شلل الأطفال"، إلا وانتابته مشاعر القلق والخوف تجاهه، خاصةً إذا ما كان قد رُزِق بمولود جديد؛ حيث تجده يُسارع بالبحث عن هذا المرض لمعرفة المعلومات حوله، واتخاذ التدابير اللازمة لوقاية طفله من الإصابة به.



سنتكلم في السطور الآتية عن مرض شلل الأطفال، فضلاً عن أسبابه وأعراضه، وسُبل علاجه والوقاية منه.

ما هو شلل الأطفال؟

  • شلل الأطفال أو التهاب سنجابية النخاع (بوليو): هو أحد الأمراض الفيروسية شديدة العدوى، ويُسببه فيروس شلل الأطفال (البوليو)، الذي يغزو الجهاز العصبي المركزي، مُسبباً الشلل التام في غضون ساعات من الزمن، وهذا الشلل لا يمكن علاجه، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.
  • يُصاب الطفل بعدوى شلل الأطفال، بانتقال الفيروس إلى جسمه عن طريق الفم، نتيجة تناول أطعمة أو مياه ملوثة بالفيروس بسبب فضلات (براز) طفل مصاب آخر؛ إذ يُعَدُّ البراز الناقل الأكبر للفيروس، فبعد أن يدخل الفيروس جسم الطفل، يتكاثر في الأمعاء، وينتقل عن طريق الدم إلى الدماغ والنخاع الشوكي، اللذين يتحكمان في عضلات الجسم؛ ممَّا قد يُسبب إصابتها بالشلل.
  • تكون فترة حضانة الفيروس (المدة الزمنية الفاصلة بين دخوله الجسم وبين بدء ظهور الأعراض)، تتراوح عادةً ما بين أسبوع إلى أسبوعين.
  • يُشخَّص المرض استناداً إلى الأعراض ونتائج زراعة البراز.

أهم الحقائق عن مرض شلل الأطفال:

  • يصيب المرض الأطفال في أيِّ عمر، وبنسبة أكبر، الأطفال الذين هم دون سن الخامسة.
  • نجد من خلال قراءة تاريخية عن مرض شلل الأطفال، أنَّ هناك تراجعاً كبيراً بنسبة 99% في حالات الإصابة بشلل الأطفال؛ حيث وصلت الحالات المسجلة عام 1988 إلى 350 حالة، في حين انخفضت إلى 33 حالة عام 2018، ويُعزى هذا التراجع إلى الجهود المبذولة على مستوى العالم، في سبيل القضاء على هذا المرض.
  • ليس بالضرورة أن يؤدي المرض إلى شلل حقيقي؛ إذ إنَّه بحسب الإحصائيات، فإنَّ حالة واحدة من كل 200 حالة، تؤدي إلى الشلل الحقيقي.
  • في بعض الحالات، قد تتوقف العضلات التنفسية عن عملها لدى المصاب بالشلل الحقيقي؛ ممَّا يُسبب الوفاة، وتتراوح نسبة الوفيات بين 5% و10% من المصابين بالشلل.
  • شهدت بداية القرن العشرين، انتشاراً لمرض شلل الأطفال في أمريكا وبلدان أخرى؛ حيث كانت آخر جائحة في أمريكا عام 1979، ومن ثم أخذ المرض بالتلاشي في البلدان المتقدمة؛ نتيجة انتشار التلقيح المضاد لشلل الأطفال فيها.
  • تشير إحصاءات الصحة العالمية أنَّه في عام 2012، تضاءل شلل الأطفال ليقتصر وجوده في ثلاث دول فحسب على مستوى العالم (باكستان، وأفغانستان، ونيجيريا)؛ ذلك لأنَّ الصراعات والحروب المنتشرة في هذه المناطق، تجعلها تفتقر إلى وسائل النظافة والرعاية الصحية.
  • قد يُصاب البالغون بشلل الأطفال بنسبة ضئيلة جداً، وتظهر عليهم الأعراض نفسها التي تظهر على الأطفال؛ لذا يجب على الشخص الكبير الذي لم يتلقَّ لقاح الفيروس خلال مرحلة الطفولة، أن يُسارع ويحصل على ثلاث جرعات على الأقل من اللقاح.
إقرأ أيضاً: 10 أمراض شائعة بين الأطفال وطرق علاجها

أسباب مرض شلل الأطفال:

تُعَدُّ الإصابة بفيروس "بوليو" السبب المباشر للإصابة بمرض شلل الأطفال، وهو من الفيروسات المعوية التي تهاجم الجهاز العصبي؛ حيث ينتقل هذا الفيروس إلى الطفل بالطرائق الآتية:

ينتقل الفيروس من طفل مصاب إلى آخر، وتُعَدُّ فضلات الطفل المصاب (البراز) من أكثر عوامل انتشار الفيروس؛ حيث ينتقل عن طريق تناول المياه أو الطعام الملوثين ببراز الطفل المصاب بالعدوى، أو لمس سطح ملوث ثم لمس الفم، أو عن طريق الرذاذ الناتج عن سعال وعطاس الطفل المصاب.

ولهذا يكثر انتشار المرض في المجتمعات الفقيرة، التي تفتقر إلى الحصول على الخدمات الأساسية كالمياه والطعام النظيفين والرعاية الصحية، وتعاني من الإهمال البيئي ومشكلات عدم النظافة، والصرف الصحي، وعدم الاهتمام بغسل اليدين، وتناول الأطعمة أو شرب المياه الملوثة.

أعراض مرض شلل الأطفال:

على الرغم من عدم ظهور علامات المرض على المصابين، ولكنَّهم يكونون حاملين للفيروس في أمعائهم، وناقلين للعدوى إلى غيرهم، ويُعرَف هذا النوع بالعدوى المستترة أو غير الواضحة؛ لذلك تَعُدُّ منظمة الصحة العالمية (WHO)، أنَّ وجود حالة واحدة مؤكَّدة من الإصابة بشلل الأطفال، هي دليل على وجود الوباء.

تختلف الأعراض باختلاف نوع مرض شلل الأطفال ومن هذه الأنواع:

1. النوع المُجهَض:

يكون النوع المجهض خفيفاً ولا يستمر فترة طويلة، وتتمثل أعراضه في: الحمى، والتهاب الحلق، والصداع المزمن، والشعور بالتعب والإرهاق، والقيء، والإمساك، وانخفاض الشهية.

2. النوع غير الشللي:

تتشابه أعراض النوع غير الشللي مع أعراض النوع المجهض، وتشبه أعراض النوع غير الشللي أعراض الأنفلونزا، ولا يُسبب أيَّ شلل، وتستمر أعراض النوع غير الشللي من يوم إلى 10 أيام، ويُمكن أن تظهر أعراض إضافية، مثل: تصلُّب الرقبة وعلى امتداد العمود الفقري، ألم في العضلات والجذع والذراعين والساقين، ويستعيد الأطفال المصابون بالنوع المجهض والنوع غير الشللي، عافيتهم بشكل كامل.

3. النوع الشللي:

يُعَدُّ النوع الشللي أكثر الأنواع خطورة، ولكنَّه نادر الحدوث (بنسبة 1%)؛ إذ يؤدي إلى شلل في النخاع الشوكي أو جذع الدماغ أو كليهما، وتشبه أعراضه في البداية أعراض شلل الأطفال غير الشللي، ولكنَّها تتطور بعد أسبوع لتصبح خطيرة جداً، مثل: تصلُّب العضلات والرقبة، والشعور بألم مزمن في الأطراف، وضمور العضلات، وصعوبة في التنفس أو البلع، واضطرابات النوم المرتبطة بالتنفس كحالات انقطاع النفس اليومي، وفقدان ردود الفعل، وشلل مفاجئ يكون مؤقتاً أو دائماً، وتشوه في الأطراف خاصةً الوركين والكاحلين والقدمين، ويتعذر الشفاء من النوع الشللي.

4. متلازمة ما بعد شلل الأطفال:

قد يُصاب الفرد بمتلازمة ما بعد شلل الأطفال، بعد 15 إلى 40 عاماً من التعافي منه، وتتمثل أعراضها بالآتي: ضعف في عضلات الجسم، والشعور بالإرهاق والتعب، ومشكلات في التنفس والبلع، وضعف الذاكرة، وعدم القدرة على تحمُّل درجات الحرارة المنخفضة.

هل يوجد علاج لمرض شلل الأطفال؟

كما قلنا آنفاً، يمكن التعافي من نوع شلل الأطفال المجهض، ومن النوع غير الشللي، أمَّا النوع الشللي الذي يُسبب الشلل فلا يوجد علاج له؛ وإنَّما تُتَّبع بعض الطرائق للحد من الأعراض والمضاعفات المرافقة له، مثل:

  1. تناول مسكنات الألم، وأدوية الحرارة.
  2. إخضاع المصاب لأجهزة التنفس الاصطناعي لمساعدته على التنفس.
  3. إخضاع المصاب للعلاج الفيزيائي، للوقاية من التشوه، وفقد الوظائف العضلية.

لقاح مرض شلل الأطفال:

يمكن القضاء على مرض شلل الأطفال كلياً من خلال التطعيم، كيف ذلك؟ لا يعيش فيروس شلل الأطفال خارج الجسم فترة طويلة، وعندما يُلقَّح جميع الأطفال ضده، وعندما لا يعثر الفيروس على جسم يستقبله، فإنَّه سيموت، ومن هنا تأتي أهمية تلقيح كل طفل ضد فيروس شلل الأطفال، حتى لا يجد الفيروس أيَّ جسم طفل قابل للإصابة به، فتكون النتيجة اختفاء المرض.

يقي اللقاح الطفل من المرض مدى الحياة، وهو السبب الرئيس في استئصال المرض من جميع أنحاء العالم؛ إذ يُعطَى على دفعات متتالية من خلال 7 جرعات: جرعة في عمر الشهرين، وجرعة في عمر 4 أشهر، وجرعة من عمر 6-8 أشهر، وجرعة منشطة في عمر 4-6 سنوات.

يتم توفير هذه التطعيمات حصراً من قِبل مكاتب الصحة، والمراكز الصحية الموجودة في كل دولة، وتحرص منظمة الصحة العالمية على أن تكون هذه التطعيمات تحت الرقابة، ومجانية، ومتوفرة دائماً.

إقرأ أيضاً: 10 أسئلة شائعة حول تلقيح الأطفال

أنواع تطعيم شلل الأطفال:

هناك نوعان من تطعيم شلل الأطفال، هما:

1. التطعيم عن طريق الفم OPV:

يُعَدُّ الـ OPV التطعيم المستخدَم في الدول التي ما زال الفيروس منتشراً فيها، ولا تزال تعمل على القضاء عليه، كونه أثبت فاعليته في الحد من انتشار الفيروس؛ وذلك بسبب إعطائه الطفل مناعة قوية جداً ضد الفيروس.

يُستخدَم تطعيم OPV في الدول التي ما زالت تعاني من شلل الأطفال وتحاول مكافحته، كونه يُعَدُّ التطعيم الأقوى في منع انتقال الفيروس من طفل إلى آخر.

2. التطعيم عن طريق الحقن IPV:

تعطي الدول التي استطاعت القضاء على فيروس شلل الأطفال، تطعيم IPV لأطفالها، بهدف منحهم مناعة من المرض، في حال عاد بالظهور، كما أوصت منظمة الصحة العالمية واليونيسف، بأن تُدخِل جميع الدول التي قضت على الفيروس تطعيم IPV في نظامها الصحي، بحيث يُعطَى لكل طفل يولد، على الرغم من عدم وجود المرض فيها؛ وذلك لزيادة مناعته وانتفاء أيِّ احتمال لعودة انتشار المرض، وأن تتبع هذه الدول طرائق آمنة وفعَّالة في الحقن.

يعطي تطعيم IPV مناعة قوية للطفل نفسه؛ لذا يُستخدَم في الدول التي قضت بالفعل على شلل الأطفال، ويجب اتباع طرائق الحقن الآمن في أثناء التطعيم؛ حيث تُستخدَم حقنة واحد لكل لقاح.

وسائل الوقاية من مرض شلل الأطفال:

تتم الوقاية من شلل الأطفال باتباع الإرشادات الآتية:

  • الحرص على أخذ الطفل للقاح شلل الأطفال، سواءً عن طريق عقاقير الأدوية أم عن طريق الحقن، وتناول التطعيمات الروتينية.
  • اتباع الإجراءات الاحترازية من خلال التعقيم المستمر، والحرص على النظافة العامة.
  • متابعة الحملات القومية للتلقيح، التي تقوم بها وزارات الصحة على مستوى العالم، والاستفادة منها؛ إذ يمكن أن تُجرى الحملة عن طريق سيارات إسعاف تجوب الشوارع بفريق طبي متخصص، غايتها تلقيح الأطفال ضد مرض شلل الأطفال (من عمر يوم إلى عمر 5 سنوات).
  • تعليم الطفل ممارسات النظافة كغسل اليدين باستمرار، لتجنب تعرضه للأمراض الفيروسية.

هل مرض شلل الأطفال هو مرض وراثي؟

إن كان أحدهم يُعاني من شلل طفيف بسبب وباء شلل الأطفال، الذي كان منتشراً في القديم، ثم تزوج هذا الرجل وأنجب أطفالاً، فهل هناك أيُّ خطر على الأطفال من الناحية الوراثية؟

لا ينتقل مرض شلل الأطفال عن طريق الوراثة أبداً؛ وإنَّما سبب المرض هو الإصابة بفيروس "البوليو" الذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات المعوية؛ لذا فهو بالتأكيد ليس مرضاً وراثياً.

دور منظمة الصحة العالمية في استئصال مرض شلل الأطفال:

يتمثل دور منظمة الصحة العالمية في استئصال مرض شلل الأطفال، من خلال إطلاق المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال؛ حيث قررت "جمعية الصحة العالمية" الحادية والأربعون، في العام 1988، بدء العمل جدياً للقضاء على مرض شلل الأطفال من هذا العالم.

لذا أُطلِقَت مبادرة عالمية بهذا الخصوص، تهدف إلى تلقيح أطفال العالم كافة ضد فيروس شلل الأطفال، تحت إشراف منظمات عالمية كاليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، وتم دعم الحملة من كبار رجال الأعمال في العالم؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاض عدد الحالات المرضية المسجلة بنسبة تفوق 99% منذ إطلاق المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال.

في الختام، شلل الأطفال مرض فتَّاك:

يُعَدُّ مرض شلل الأطفال مرضاً فتاكاً بالبشرية؛ إذ إنَّ بإمكانه القضاء على أجيال بأكملها؛ لذا كان من غير الممكن التهاون معه على الإطلاق، سواءً على مستوى الدول أم على مستوى الأهل؛ حيث إنَّ مسؤولية الدولة تكون بتأمين اللقاح وتوفيره دائماً، ومسؤولية الأهل بالحرص على حصول طفلهم على اللقاح، وحتى نصل إلى عالم خالٍ من هذا المرض، فيجب أن يصل اللقاح إلى كل طفل يولَد في هذا العالم.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة