سيكولوجية التنمر والعنف عند الأطفال

يوجد العديد من الأطفال في سن المدرسة ممن يراجعون العيادات النفسية بسبب شجارات أو نزاعات متعددة مع زملائهم، وبصرف النظر عن الأسباب المباشرة للخلاف أو المشاجرة، فإنَّ الأطفال يروون كل التفاصيل، ويسهبون إسهاباً طويلاً يحاولون من خلاله الدفاع عن موقفهم في مواجهة الطرف الآخر، أكثر من اهتمامهم بالوصول إلى الحقيقة أو السبب الفعلي أو حتى الوصول إلى حل.



هذا الإسهاب في ذكر التفاصيل مرده إلى أنَّ الطفل يبحث عن الاهتمام والإصغاء والاستماع لاشعورياً، مع ضعف مهارات التواصل والحديث مع الآخر ضعفاً واضحاً، أو ضعف الثقة بالنفس، أو نقص في تقدير الذات، أو بسبب تعرُّضهم للتنمر تعرُّضاً مستمراً ومتكرراً.

ولا نستطيع تجاهل حقيقة أنَّ طرف النزاع الآخر، هو أيضاً لا يُجيد الاهتمام والاستماع؛ وهذا ما يفاقم المشكلات بين الأقران، في جو مجتمعي تسود فيه مظاهر العنف الكلامي والجسدي؛ إذ تكون ثقافة العنف متأصلة في وجدان الكبار قبل الأطفال.

ما هي الخطوات للتقليل من ظاهرة العنف بين الأطفال؟

  1. يجب على الأهل والمعلمين التركيز على تطبيق الإصغاء التفاعلي، من خلال سؤالهم سؤال واضح عن تفاصيل الحدث، واستعمال العبارات التوكيدية التي توحي بالإصغاء، وإرفاق ما سبق بلغة جسد مهتمة.
  2. عدم مقاطعة الطفل خلال كلامه من أجل تقييم كلامه أو سلوكه عندما يستعرض مشكلته أو خلال تعامله مع زميله الآخر؛ بل يُفضَّل الانتظار حتى النهاية، واستعمال الخبرات الاجتماعية والحياتية، عبر طرح سلوكات بديلة.
  3. تفنيد كل الطرائق والأساليب العنيفة المستعملة في حل المشكلات، وإثبات عدم صحتها وشرح مخاطرها وعيوبها وسلبياتها التي لا يمكن تجاهلها شرحاً منطقياً وسهلاً يراعي المرحلة العمرية للطفل، ولا بأس بتعليم الطفل بعض القوة في لغة الجسد وفي التعابير اللفظيَّة من أجل ردع الأفكار العدوانية للقرين، وعدم السماح له بتهديده.
  4. من الهام تدريب الأهل والمعلمين الطفل على طلب المساعدة من الكبار، في البيت أو المدرسة أو الشارع، في حال لم يستطع أن يتعامل مع الموقف وحده، والتأكيد على أنَّ طلب العون ليس خوفاً ولا جبناً؛ بل يحميه ويجعله يحصل على كثيرٍ من الحلول الجديدة التي لم يتوقعها من قبل.

ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، طلب الأهل أو المعلمين من الطفلين المتنازعين أن يُقبِّلا بعضهما، ولكن في البداية يجب أن يشعر الطفل الضحية بأنَّه حصل على العدل أو خرج من دائرة الضحية، وأن يكون هذا الصلح هو رغبة نابعة عن إرادتهما، ومعبرة عن صفاء مشاعرهما بعد التوصُّل إلى تسوية، أو حل يُرضي كلا الطرفين، دون ترك أي شعور بالغبن أو التمييز.

التركيز على حل مشكلة العنف، والابتعاد عن تكرار الكلام على الحادثة:

في حال تعرُّض الطفل لمشاجرة أو تعرُّضه للضرب، يجب على الأهل أن يوجهوا تركيزه إلى حزمة من الخيارات والحلول التي من الممكن أن يتعامل بها مع الموقف أو المشكلة، عوضاً عن الإسهاب في الحديث عن الشجار وتفاصيله؛ ذلك لأنَّه يزيد من التأثير النفسي السلبي في الطفل، ويجعله يتذكرها لفترات أطول، ومن ثَمَّ قد تسبب ضعفاً في شخصيته في المستقبل.

ويجب الابتعاد كل البعد عن الحديث عن ضعف شخصيته وهشاشتها، وتقريعه بسبب عدم قدرته على التعامل مع المشكلات، وإشعاره بأنَّه ضحية تآمر الآخرين عليه، وهذا أفضل ما يمكن للأهل تقديمه لطفلهم من أجل الوصول به إلى منطقة أكثر سلامة في تعامله مع نفسه ومع أقرانه.

شاهد بالفديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه

طريقة الحديث مع الأطفال أثناء حل الخلافات:

  1. من أهم الأمور التي يجب أن نتَّبعها في أثناء الحديث مع الطفل، أن نستعمل جملاً واضحة وسهلة، ذات معنى مفهوم، لنضمن بذلك وصول الرسالة التي نريدها، ونبتعد قدر الإمكان عن الغموض، ويكفي أن يحمل كلامنا معنى واحداً فقط.
  2. يجب علينا أن ننتبه إلى أنَّ الأطفال يضجرون بسرعة، ويفضِّلون الحركة أكثر من السكون، والكلام على الإنصات؛ لذا حاول أن يكون كلامك مختصراً ويضمن توجيه رسالتك باستعمال جمل قصيرة؛ ذلك من أجل منع الملل أو الضجر خلال الحوار مع الطفل، ويُفضَّل أن يختص الحوار بموضوع واحد فقط؛ ذلك لأنَّ ذهن الطفل غالباً لن يتذكر سوى بنداً واحداً.
  3. إنَّ الواقعية في الكلام أمر ضروري، حتى لو كان مَن تتكلم معه هو طفل صغير؛ لذا من الهام أن ترفق كلامك بالتفسيرات والدلائل بما يتناسب مع عمره؛ ذلك من أجل كسب ثقته في كلامك ومعلوماتك.
  4. من الهام استعمال المفردات السليمة المعروفة لدى الطفل، والتي يستطيع فهمها، ومن الأفضل ألا نكثر من الكلمات العامية.
  5. حاول أن يكون كلامك مترابطاً، ومتناسقاً، ويحمل معنى واحداً واضحاً، وكل الكلمات تصب في فكرة واحدة.
  6. من الهام أن يكون كلامك مع الطفل يحمل رسالة كاملة غير منقوصة، ولا تنهِ الكلام قبل إيصال الرسالة كاملةً.
  7. إنَّ اللباقة واللطافة والكياسة هي من أساسيات الكلام مع الأطفال وبديهياته، التي من غير الممكن إيصال أيَّة معلومة إلى الطفل دونها؛ إذ إنَّ جو المودة الذي يسود الحديث، يشجع الطفل على أن يستوعب ومن ثم يطبق ما وُجِّه إليه من نصائح، ويلتزم بها بكل سرور وحب وقناعة.

هل يُولد التنمر مع الطفل أم أنَّه سلوك يُكتسب؟

إنَّ سلوك التنمر عند بعض الأطفال ليس وليد الموقف إطلاقاً؛ إذ أثبتت الكثير من الدراسات أنَّ التنمر يبدأ بعمر مبكر، وقد يبدأ قبل سن المدرسة في بعض الحالات، ثم يتابع هذا السلوك النمو عند الطفل رويداً رويداً، وقد يصل إلى مرحلة متقدمة في حال لم يُقوَّم ويُصحَّح في الوقت المناسب.

إنَّ الطفل الذي يقوم بفعل التنمر أو العنف لا يُولّد كذلك كما يظن بعض الأشخاص؛ بل هو المحصلة النهائية لمجموعة عوامل، كالجو الأسري، وطريقة التربية، والظروف المحيطة ببيئة الطفل، وقد أثبتت الأبحاث أنَّ أسلوب التربية الذي يقوم به الأهل مستعملين السخرية أو التوبيخ أو التهديد أو الضرب هو الذي يغرس في نفوسهم ويعلمهم أنَّ هذه الأساليب هي الفعالة في التعامل مع الآخرين.

إقرأ أيضاً: نظرية "اضرب مَن يضربك": أسلوب لاسترداد الحق أم منهج تدميري للطفل؟

ما هي الفائدة التي يجنيها الطفل من التنمر؟

إنَّ الطفل الذي يقوم بفعل التنمر، يظن طوال الوقت أنَّه يصنع جواً من المرح، ويُدخل السعادة إلى قلوب مَن حوله، ويلقى منهم الاستحسان والمديح، ومن ثَمَّ تكون صورته حيال محيطه الخارجي مشوَّهة؛ إذ إنَّ معظم مَن حوله لا يحبونه، ولكنَّهم لا يُظهرون ذلك خوفاً منه.

مشكلتان أساسيتان يعاني منهما الطفل المتنمر؟

إنَّ الطفل الذي يقوم بفعل التنمر لديه مشكلتان أساسيتان؛ الأولى هي أنَّه يمتلك إحساساً داخلياً بانعدام القيمة، وأنَّه غير مؤثر، وفي أعماق أعماقه يمتلك الكثير من الدونية، وقد تكون التربية في الغالب هي التي أدَّت إلى هذه المشكلة بما تحتوي من تعنيف أو ضرب، فأصبح يبحث عمَّن هو أضعف منه كي يمارس عليه السلطة والعنف، فيشعر بذلك بالقوة والقيمة.

والمشكلة الثانية هي أنَّه يمتلك هوساً بالسيطرة؛ ذلك لأنَّه في الماضي كان فاقداً لها تماماً، حين كان غير قادر على الدفاع عن نفسه أمام أقرب الأشخاص له؛ فأصبح التنمر هو وسيلته الدفاعية، لكيلا يتعرض للموقف ذاته من أحد، ولكي ينسى ما حصل.

إقرأ أيضاً: ظاهرة التنمر: أنواعها، أسبابها، وطرق علاجها

تحليل مشكلة التنمر عند الأطفال، وما هو الحل؟

عند الخوض في موضوع التنمر، يجب علينا أن نصنِّف المشاركين في هذه الحادثة؛ إذ يكون الطفل الذي يمارس فعل التنمر هو الشر الكامل، والطفل الضحية هو الذي يعاني من التنمر ويحتاج إلى الحماية والرعاية، والأطفال المشاهدون الذي يقفون موقفاً حيادياً، وهو حياد سلبي بكل تأكيد، ويوجد الطفل المساعد الذي يعمل على الدفاع عن الطفل الضحية وهو نادر الوجود.

يمثِّل الكلام السابق نظرة موضِّحة لشخصيات الحدث، ولكن لو أردنا معرفة العمق النفسي لحادثة التنمر، فإنَّنا سنرى الأمر رؤية مختلفة تماماً؛ إذ سنرى أطفالاً يحاولون الوصول إلى غاياتهم بأساليب خاطئة؛ فالطفل الذي يقوم بفعل التنمر، في الحقيقة هو الضحية في منزله وأسرته، فهو طفل مقهور ومعنَّف، ويريد من خلال التنمر أن يحصل على الانتباه ويستعرض القوة والسلطة.

والطفل الضحية من الوارد أن يكون صاحب مشكلات مع إخوته في المنزل، ومن الممكن أن يكون مسالماً، ويريد أن يعيش حياته بعيداً عن المشكلات، ولكنَّه في أغلب الحالات لا يعرف الطريقة الصحيحة في التعامل مع المشكلات والخلافات.

الأطفال المشاهدون، هم الأطفال الذين يبحثون عن الإثارة والمتعة والأكشن من أجل التسلية وتضييع وقتهم، أما الأطفال الذين يشاركون الفاعل في فعل التنمر، فهم يحاولون حماية أنفسهم منه، فهم يظنون أنَّ مشاركتهم في التنمر تحميهم من أن يكونوا الضحية.

إقرأ أيضاً: جذور التعاطف: برنامج لتعليم الأطفال التعاطف وطرق مواجهة التنمر

في الختام:

إنَّ ما نفهمه من كل هذا التحليل، هو أنَّ جميع الأطفال المشاركين في حادثة التنمر يحتاجون إلى المساعدة، ابتداءً من الطفل الفاعل والمشاهدين والمشاركين وانتهاءً بالضحية، أما الحل فيكون بتعليمهم كيفية الوصول إلى أهدافهم بطرائق صحيحة لا تؤدي إلى إيذاء الآخرين، ويجب التأكيد على فكرة ألا يكونوا سبباً في معاناة أو عذاب إنسان آخر.




مقالات مرتبطة