سيكولوجيا الانتظار والخذلان

صحيح أنَّك قد تكون منهكاً ومتعباً إلى حدٍ كبير، ولكن لا يمكن أن ننكر أهمية تعلُّم مهارة الانتظار؛ ورغم كونها تصنَّف من ضمن المهارات، ولكنَّها تحتاج إلى تدريب. سنتعرَّف معاً في هذا المقال إلى أهم النقاط النفسية في الانتظار، من أجل تجنُّب الوقوع في الخذلان.



ما هي أول خطوة في التدريب على مهارة الانتظار؟

إنَّ التدريب على الانتظار، يبدأ بخطوة أولى أساسية وهامة للبدء، ويمكن القول إنَّ المهارة لا تُكتَسب من دونها؛ ألا وهي كسر حالة الإنكار التي تشعر بها تجاه عجلتك أو تسرعك أو اندفاعك المبالغ به تجاه أمر ما، ومن ثم يجب على الإنسان أن يعترف أمام ذاته بحجم الخسارة التي تكبَّدها بسبب اندفاعه المفرط.

ما هو دور تقبُّل الخسارة في تعلُّم مهارة الانتظار؟

إنَّ أفضل ما يمكن للإنسان أن يفعله إزاء أيِّ خسارة يتعرَّض لها، هو أن يتقبلها بروح رياضية ولا يهرب منها، وتقبُّل الخسارة لا يعني أبداً الاستسلام، ولا يعني أبداً القول أنا خسرت وانتهى الأمر؛ بل يعني بالضبط جرد الخسارة بشكل دقيق لتعرُّف أسبابها وتفاصيلها ومعطياتها ومناقشة العيوب والنقائص من أجل تلافيها في الحرب القادمة، وهنا تكمن مهارة الانتظار في الانتظار وعدم الهروب إلى الأمام.

هل توجد خطوات تفيدك في إتقان مهارة الانتظار؟

بعد أن تقبل خسارتك وتحللها، ابدأ بمرحلة الصبر وأَعلِن أمام نفسك أنَّك بحاجة إليه بشدة، ويجب عليك الدخول في تدريبات تعلُّم الصبر، التي من الممكن تلخيصها بما يأتي:

  1. يمكن أن تبدأ تعلُّمك هذا من خلال تدريب سهل لا يكلفك أي وقت أو جهد، مثل تدريب نفسك على أن تأكل ببطء.
  2. في حال شعورك بالغضب أو الانفعال تجاه موقف أو شخص أو فكرة، خُذ نفساً عميقاً ودرِّب نفسك على الصمت في مثل هذه المواقف؛ إذ يمكنك أن تلجأ إلى إشغال نفسك بشيء ما - يحولُ بينك وبين انفعالك - حتى يعود إليك الهدوء رويداً رويداً.
  3. حتى ولو كنت في حال جوع أو عطش عاطفي، تحلَّ بالصبر وأجِّل الدخول في أيَّة علاقة عاطفية، من خلال إقناع نفسك بأنَّ فترة العطش هذه ستمر وتنقضي وكأنَّها لم تكن؛ لذا لا تسمح لعطشك أو احتياجك هذا أن يجبرك على الدخول في علاقة سامة تضر بك أكثر مما تنفعك.
  4. لا يمكن لأحد إنكار أنَّ رأي الإنسان تجاه فكرة أو حدث أو قضية ما، هو جزء أساسي من شخصيته وتعبير صادق عن جوهره وقيمته؛ لذا في حال سُئِلتَ عن رأيك، فإنَّه من الأفضل أن تنتظر وتتريث في إجابتك؛ وذلك لأنَّها في الواقع ستساهم في تشكيل انطباع حقيقي حولك.
  5. في أيَّة مشكلة تحدث بين اثنين، فإنَّ كل طرف من أطراف المشكلة يعمل على تبرئة نفسه من كل ذنب أو التقليل من أهمية أخطائه ووضع الذنب كله على الطرف الآخر؛ وذلك من خلال تضخيم أخطائه؛ لذا في حال سُئِلتَ عن رأيك في خلاف بين شخصين، فلا تبدِ رأيك إلاَّ بعد الاستماع لكلا الرأيين، وعملية الانتظار هذه تساعد على تكوين رأي موضوعي متأنٍّ، ويمكنك تطبيق هذه الطريقة على الكثير من الأمور الأخرى.
  6. في بداية أيَّة علاقة، فإنَّ المشاعر تكون في حالة من الاندفاع أو الهيجان؛ إذ إنَّ مشاعر الإنسان تحمل درجة كبير من الولع تجاه الأشياء الجديدة؛ لذا فإنَّها ستؤثر تأثيراً حتمياً في قرارك الصائب، وهنا يجب عليك أن تنتظر بعض الوقت ريثما تعود هذه العواطف إلى وضعها الطبيعي، وتنقشع غمامتها حتى تتمكن من تحديد ماهية مشاعرك تجاه الطرف الآخر.
  7. إنَّ مهارة الهدوء والحفاظ عليه هي حجر الأساس في مهارة الانتظار؛ إذ إنَّ الهدوء يساعد مساعدةً كبيرةً على رصد الأفكار وتصنيفها إلى مفيدة أو غير مفيدة، ومناسبة أو غير مناسبة، ومن ثم انتقاء الكلمات أو العبارات أو الأفكار المناسبة التي تخدم الموقف.
  8. من الهام جداً أن تقنع نفسك بفكرة هامة؛ وهي أنَّ الصبر المقترن بالوعي لا يعني أبداً أن تستسلم للواقع؛ بل هو مهارة تتطلب إصراراً وشجاعة.
  9. توجد خدعة يتعيَّن عليك تجاوزها من أجل إتقان مهارة الانتظار، وهذه الخدعة لا يقوم بها عامل خارجي؛ وإنَّما يقوم بها عقلك، وتتمثل هذه الحيلة العقلية بالانطباع الأول، التي تجعلك تقفز إلى مجموعة من الاستنتاجات المتتالية التي تقودك واحدة تلو الأخرى مثل أحجار الدومينو.
  10. اقرأ جيداً، توجد الكثير من الكتب المفيدة التي تتكلم حول مهارة ضبط النفس، التي تستطيع أن تطبقها في تفاصيل حياتك اليومية.
إقرأ أيضاً: التعامل مع خيبات الأمل في الحياة

ما هي العلاقة بين الانتظار والخذلان؟

قد يرتبط الخذلان في كثير من الأحيان بأسباب ناجمة عن ضعف في مهارة الانتظار؛ إذ إنَّ انتظارك لشخص ما على موعد متفق عليه مسبقاً وعدم قدومه إلى الموعد، سيوقعك في خضم مشاعر الخذلان البشعة على سبيل المثال، ولكن في حال قضيت وقت انتظاره وأنت تستمع لموسيقاك المفضلة أو تراجع دفترك الصغير الذي تحمله معك أينما ذهبت في جيبك أو حقيبتك؛ حيث تكون قد دوَّنت على دفتر الجيب هذا بعض الملاحظات التي قد يكون لها علاقة بدراستك أو ما تخطط للقيام به أو الكلمات الجديدة في اللغة التي تنوي إتقانها.

من الممكن أن يكون هذا النوع من الانتظار مخففاً لحدة مشاعر الخذلان التي قد تصيبك؛ إذ يمكن أن نلخِّص هذه العلاقة في أنَّ الخذلان قد ينجم عن ضعف مهارات الانتظار، وإنَّ تعلُّم مهارات الانتظار قد يساعد على تخطي أو تخفيف مشاعر الخذلان.

ما هي سيكولوجيا الخذلان؟

يحدث الشعور بالخذلان نتيجة وجود حالة صد أو رفض تسبب نوعاً قاسياً من إحساس الإهانة، وتُعَدُّ من أكثر المشاعر العميقة التي تؤذي الذات.

إنَّ من تأذى كثيراً من الرفض وما لاقاه من مشاعر الخذلان، قد يصل إلى قناعة نهائية بأنَّ الطريقة الوحيدة من أجل الهروب من رصاص الرفض ولهيب الخذلان هي بقاؤه جالساً في صمت مطبق، في مكان بعيدٍ بشكل كامل عن أيَّة مجازفات قد تجلب له الخذلان أو الصد.

لكنَّ هذا التصرف الانعزالي أو الانطوائي الذي يُبقي الشخص في زاوية باردة ومظلمة، سيقوي تأثير مشاعر الخذلان الناجمة عن الصد أو الرفض؛ بسبب الأفكار السلبية التي تنهش الإنسان من الداخل، وتستفرد به عندما يكون وحيداً.

كيف نتجنَّب الخذلان أو نقلل من تأثيره فينا؟

إنَّ إقناع ذواتنا بأنَّ الصد أو الرفض الذي قد نختبره في أكثر من مرة ليس تهمة لكياننا الشخصي، وليس بسبب مشكلة في شخصيتنا؛ بل هو تجربة من التجارب التي سيمر بها أي إنسان يعيش الحياة ويتعارك مع مشكلاتها وظروفها، قد يساعدنا على تجنُّب تأثير الخذلان فينا.

عندما نقتنع بأنَّ تجارب الرفض والخذلان هي تجارب اعتيادية ويومية علينا أن نواجهها في كل مرة نواجه فيها الحياة، فسنكون أكثر قدرة على تقبُّل الرفض وتحمُّله، ومن ثم نصل إلى أقل شعور ممكن بالخذلان وشفاء أسرع وعودة أسرع إلى سباق الحياة اليومية.

وتوجد نقطة أخرى لا يمكن إغفالها في التعامل مع الرفض والخذلان، وهي طبيعة الشخص الذي يمارس فعل الرفض، فقد يكون غير متوازن نفسياً، أو قد يكون رفضه ناجماً عن أسباب غير منطقية؛ وهذا يساعد على تحديد ردة فعلنا تجاه الرفض، ومدى تأثيره في مشاعرنا وحياتنا.

إنَّ أنسب طريقة تُستَعمَل في التعامل مع حادثة الرفض، هي أن تقنع عقلك أنَّ ما حدث هو سوء توافق، وليس أنَّك شخص سيِّئ أو قليل القيمة.

إنَّ خوف الإنسان من رفض الآخرين له أو حذره الدائم من انتقاداتهم، يجعله يظهر بكل الأشكال والوجوه التي تناسب أذواق الناس، ويحمله خوفه من الرفض إلى إخفاء ذاته الحقيقية وعدم إظهار شخصيته الحقيقية؛ وهذا يؤذي نفسيته وقد يؤدي ذلك إلى تحريض الاضطرابات النفسية الكامنة لديه.

قد يتعرَّض الإنسان إلى الخذلان من طرف الأشخاص الذين اعتقدَ طوال الوقت أنَّهم يحبونه أو يدعمونه، والذين قدَّم لهم كل مشاعر الإخلاص وبالغَ في سخائه تجاههم؛ لذا من الأفضل لأيِّ إنسان ألَّا يبالغ في العطاء أو يتسرع فيه؛ لذا لا تفرط في العشم - لأنَّ المشاعر قد تتبدل في أي وقت حتى دون إرادة أصحابها - لكيلا تقع في حفرة الخذلان.

من الممكن أن تحصل على كفالة لهاتفك الذكي أو سيارتك أو أدواتك الكهربائية، ولكنَّ هذا الأمر لا ينطبق أبداً على العلاقات بين البشر، واستيعاب هذه الحقيقة يجعلنا نخفض سقف توقعاتنا ويقلل من تأثير الخذلان.

لا بد لنا أن ندرك أنَّ لكل إنسان عذاباته الخاصة ومعاناته في هذه الحياة؛ لذا لا تفرط في الحديث عن معاناتك أمام الآخرين؛ لأنَّ كل واحد منهم لديه ما يكفيه من الهموم؛ بل يمكنك أن تتكلم عن الطرائق التي تغلبت من خلالها على مرضك أو مشكلتك أو معاناتك، وتتكلم حول ما تود فعله في المستقبل؛ إذ إنَّ هذا يخفف احتمالية رفضك من قِبل الآخر، فالأشخاص دوماً يتمسكون بمن يعطيهم الأمل ويرفضون من يبيعهم اليأس.

إنَّ الناس يحبون الإنسان القوي ولا يرفضونه إطلاقاً، وأهم خطوة في طريق القوة هي أن ترسم خطاً أحمر عريضاً حول حدودك النفسية مع الآخرين، وألَّا تسمح لأي شخص تجاوز هذه الحدود، فهو صمام الأمان الذي يحمي كيانك الداخلي ويجعلك منيعاً تجاه الخذلان أو الرفض.

إقرأ أيضاً: بعض الاستراتيجيات لتحرير نفسك من الماضي

في الختام:

لا يمكن إنكار أنَّ اختبارنا لمجموعة المشاعر السلبية يضرب أعماقنا ويؤثر سلباً في نوعية حياتنا ويجعل الطريق أكثر صعوبة، ولكنَّ الشعور بالنجاة منها وتجاوزها هو نصر عظيم بحد ذاته، والنصر يجعلنا أكثر شجاعة لما بعد ذلك.




مقالات مرتبطة