سرقة الوقت في العمل: الفوائد، والأضرار، وكيفية العلاج

يشير مصطلح "سرقة الوقت" (Time Theft) إلى إساءة استخدام الوقت في أثناء العمل. ويحدث ذلك - بدقَّةٍ أكثر- حين يتقاضى الموظفون أجورهم، في حين لا يقومون بإنجاز المهام المُوكَلة إليهم في أثناء وقت عملهم.



يمكن أن يتَّخذ ذلك أشكالاً مختلفةً، مثل: أحلام اليقظة، وتصفُّح الإنترنت والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، أو القيام بمهام شخصية في أثناء ساعات العمل. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تحدث سرقة وقت العمل في أثناء الحضور في المكان الذي تعمل فيه، وفي أثناء العمل عن بعد من المنزل. وبينما يقوم بعض الموظَّفين بهذا الأمر عن عمدٍ أحياناً، إلَّا أنَّه غالباً ما يحدث ذلك بشكلٍ غير مقصود.

وَفقاً لإحدى الدراسات التي يُستشهد بها استشهاداً شائعاً، فإنَّ الموظف يسرق قُرابة 4.5 ساعة من ربِّ العمل أسبوعياً؛ ما يكلِّف - تكليفاً تراكمياً - الشركات مئات المليارات من الدولارات سنوياً؛ لذا توضع سرقة الوقت عادةً في إطار السلوك المهنيِّ المنحرف، أو السلوك الذي يفضي إلى نتائج عكسية، ويحاول العديد من أرباب العمل التعامل معها - بالنظر إلى كيفية تقليلها - من خلال السيطرة أو التدابير التأديبية؛ بالاستخدام الإلزامي لتقنية تتبُّع الوقت، أو عن طريق تخفيض الأجر، أو الراتب الذي يُدفَع لهم مثلاً.

يمكن أن تكون سرقة الوقت بشكل مفرط ضارَّة للشركات ولا بُدَّ من معالجتها. ومع ذلك، فإنَّ الأمر الذي لم يُناقش، أو يُفهم على نطاقٍ واسعٍ، هو أنَّ سرقة الوقت من الممكن أن يكون لها وظائف إنتاجية، تعود بالنفع على كل من العمال والشركات؛ لذلك، من الهام مراعاة وفهم الأسباب العميقة لحدوث سرقة الوقت، واعتماد نهج شامل لإدارتها، بدلاً من تطبيق إجراءات الإصلاح السريع، التي لن تؤدي إلَّا إلى تحسيناتٍ ونتائج إيجابية محدودة وقصيرة الأمد.

يصبح هذا الأمر أكثر إلحاحاً في أثناء الجائحة؛ لأنَّ هناك مجموعة واسعة من الاضطرابات التي تخلُق فرصاً ومخاطر جديدةً، تشجِّع وتساعد على سرقة الوقت.

ما الذي يُسبِّب سرقة الوقت في أثناء العمل؟

أحد الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى سرقة الوقت، هو الإجهاد المرتبط بالوظيفة؛ إذ وُجِد أنَّ ضغوطات العمل تحثُّ على سلوكاتِ سرقة الوقت.

وتتمثَّل هذه الضغوطات بغموض المهام مثلاً؛ كعدم وضوح التوقُّعات الخاصة بالمهام أو الأدوار التي يجب تأديتها، وتعارض المهام؛ عندما يكون لها توقعات أو مواعيد تسليم نهائية، أو محتوى متضارب. كما يمكن أن يتسبَّب كل من التضارب والغموض الذي يحيط بالمهام بالقلق، أو الإحباط، أو الغضب لدى الموظفين كونهم لا يجدون معياراً واضحاً لتقييم أدائهم تقييماً عادلاً.

هناك عوامل أُخرى تؤدي إلى سرقة الوقت، لكنَّها متأصِّلة في الموظَّف، وغالباً ما تكون من سمات شخصية الموظفين؛ فمثلاً يكون الموظفون الذين لديهم مستوى عالٍ من الضمير، أقلَّ ميلاً لسرقة الوقت، في حين أنَّ المستوى العالي من العصاب (اضطراب عصبي)، يجعل المرء أكثر عرضة للانخراط فيها. كما أنَّ الأشخاص الأكثر سعادة هم أيضاً أقل ميلاً لممارسة السلوكات التي تتضمَّن سرقة وقت العمل. وبالمثل، يميل العمال الذين يشعرون بالرضى عن وظائفهم إلى أن يكونوا أكثر سعادة.

متى يشعر الموظَّفون بالرضى في وظائفهم؟ من المرجَّح أن يحصل ذلك عندما تتمكَّن الشركات التي يعملون لديها من توفير ما يكفي من التنوُّع، والاستقلالية، والتغذية الراجعة.

يرتبط الرضى الوظيفي أيضاً بالعدالة التنظيمية، أو آراء العمال عن مستوى العدالة في مكان عملهم. فعندما يشعر الناس أنَّهم يُعامَلون معاملة عادلة، فمن غير المرجَّح أن يسرقوا الوقت في أثناء الدوام.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتقليل إجهادك في يوم العمل

كيف تخدم سرقة الوقت أغراض منتجة؟

وَفقاً لـ "نظرية الأحداث العاطفية" (Affective events theory)، يواجه الموظَّفون مجموعة من الضغوطات المحتملة في العمل بانتظام؛ ما تؤدي إلى تفاقم المشاعر السلبية، التي بدورها تؤثِّر في سلوكاتهم، وأفعالهم، وأدائهم في مكان العمل.

بالإضافة إلى ذلك، إنَّ هناك افتراضاً أساسياً في نظرية إدارة، وضبط الحالة المزاجية (Mood Management Theory)، وهو أنَّ الناس لا يُحبُّون المشاعر السلبية، ولديهم دافع قويٌّ إمَّا لتغييرها إلى مشاعر إيجابيةٍ، أو على الأقلِّ تخفيفها إلى مستويات يمكن التحكم فيها.

تتمثَّل إحدى طرائق تغيير أو تخفيف هذه المشاعر، في تحويل الانتباه بعيداً عن مصدر الضغوط، وهو العمل في حالتنا هذه؛ لأنَّ الاستمرار في التركيز على العامل المُسبِّب للضغط سيستمرُّ في إثارة التوتر. ونظراً للأشكال الأكثر شيوعاً لسرقة الوقت في أثناء العمل، هي طرائق لتحويل الانتباه بعيداً عن ضغوط العمل؛ كتصفُّح الإنترنت، والتواصل الاجتماعي مع الزملاء في مكان العمل، والتغيُّب المستمر.

 إذاً، يمكننا عَدُّ سرقة الوقت في العمل بمنزلة آلية تأقلُم دفاعية ذات تركيز عاطفيٍّ، يستخدمها الموظفون لإدارة حالاتهم العاطفية في الاستجابة لضغوط يوم العمل.

أضِف إلى ذلك، أنَّ الفكرة القائلة إنَّ العمال الكسالى، أو غير المنتجين، أو عديمي الضمير، هم من ينخرطون في سرقة وقت العمل، هي فكرة غير دقيقة أبداً؛ إذ تختلف سرقة الوقت عن الأشكال الأخرى لسلوكات العمل غير المنتجة، من حيث إنَّها لا تتمُّ بنوايا سيئة.

قد ينخرط العمال المنتجون ذوو النوايا الحسنة، الذين يشعرون بالرضى عن وظائفهم، والذين هم النوع المثالي من العمال - بانتظام وإلى حدٍّ معيَّن - في سرقة الوقت كطريقة لاستعادة التوازن العاطفي؛ وهذا يساعدهم من ثم على الحفاظ على مستوى عالٍ من الإنتاجية.

هذا ما يجعل من الصعب النظر إلى سرقة وقت العمل على أنَّها سلوك جيِّد أو سيِّئ بالمطلق. فعوضاً عن ذلك، إنَّه نشاط لا مفرَّ منه يقوم به كل من الموظفين المنتجين وغير المنتجين؛ إذ إنَّهم يستمرون بالقيام به على الأقل لبعض الوقت في أثناء العمل، وهو مفيد في وظائف التأقلم والتعافي العاطفي.

علاوةً على ذلك، ليس الموظفون من يستفيدون من سرقة الوقت، والشركات أيضاً، فكما يُعرَف أنَّ التوتر غير المُدار، والمشاعر السلبية، يقلِّلان من إنتاجية العمال، بالإضافة إلى أنَّهما يؤديان إلى الاحتراق الوظيفي، وأشكال أكثر ضرراً من سلوكات العمل غير المنتجة، عندما تُترك دون معالجة.

إقرأ أيضاً: 5 طرائق للتخلص من ضغط العمل

كيف يمكن معالجة سرقة الوقت؟

على الرَّغم من كلِّ ما ذُكِر آنفاً، فإنَّ سرقة الوقت بشكل مفرط، يمكن أن يُشكِّل مشكلة خطيرة لأصحاب العمل بلا شكٍّ.

إنَّ أفضل طريقة لمعالجة هذه المشكلة، هي الاعتراف أولاً بأنَّه حتى مع الأضرار التي قد تُسبِّبها على الأمد القصير؛ إلَّا أنَّ سرقة الوقت في العمل توفِّر بعض الفوائد طويلة الأمد، من خلال اتِّباع الطرائق التي نُوقِشَت للتو.

 إنَّ النظَرة إلى الأمر من هذا الجانب، تُشجِّع على تقديم حلول أعمق وأكثر شمولية، بدلاً من تطبيق الإجراءات التأديبية القاسية، التي تخلقُ في الواقع مزيداً من الضغط على العمال؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات التفكير رسمياً في السماح بفترات راحة وإلهاء - بصرف النظر عن أوقات الوجبات المطلوبة قانوناً - كما ويمكنهم توفير منافذ للتنفيس والتخلص من التوتر؛ كغرف اللياقة البدنية والاستجمام.

يمكن أن يؤدي تخصيص مثل هذه الأوقات أو المساحات للنشاطات التي كانت تُعَدُّ سرقةً للوقت، إلى تجديد الموارد والإمكانات المسؤولة عن تنظيم عواطف الناس، ومن ثمَّ أدائهم وإنتاجيتهم أيضاً.

ونظراً لأنَّ الغموض والتعارض في المهام والأدوار يؤدِّي إلى التوتر، والمشاعر السلبية التي يمكن أن تُسبِّب سرقة الوقت، فإنَّ إجراء تحليلاتٍ خاصةٍ بالوظائف والمهام بانتظام، إلى جانب مراجعة سياسات وقواعد العمل، يمكن أن يقلِّل من الغموض والتعارض الذي يسبب هذا الضغط.

 يجب على الشركات إعطاء الأولوية لضمان العدالة التنظيمية، والمعاملة العادلة للعمال؛ إذ إنَّه - وكما ذكرنا آنفاً - يكون الأشخاص أكثر عرضةً للانخراط في سرقة الوقت، إذا شعروا أنَّ شركاتهم ليست عادلةً.

أخيراً، يجب على كل من أرباب العمل، والموظفين على حدٍّ سواء، أن يفهموا أنَّه بينما يجب على الأول أن يبذل جهوداً لخلق بيئة عمل إيجابية، لكن من المحتمل ألَّا تكون هذه البيئة مثاليةً تماماً، ولا يمكن التخلُّص من ضغوط يوم العمل بشكلٍ كاملٍ؛ كونه لا يمكن التنبُّؤ بالعديد منها؛ لذلك، يمكن للمنظمات توفير برامج التدخل التي تُعلِّم الموظفين كيفية إدارة وتنظيم عواطفهم.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك ليصبح جو العمل السّلبي أكثر إيجابية

لقد أثبتت المبادرات التي تعمل على إدارة الإجهاد والضغط في مكان العمل، أنَّها مفيدة عموماً؛ لا سيَّما إذا كانت تستند إلى مبادئ وتقنياتٍ قائمة على الأدلَّة. ومن خلال معالجة العوامل الخارجية؛ (كالخصائص الوظيفية ومناخ العمل)، وتزويد الموظفين بالموارد لمساعدتهم على إدارة العوامل الداخلية؛ (كالإجهاد والمشاعر السلبية)، يمكن للشركات أن تساعد على تقليل المزيد من الحالات غير المبررة لسرقة الوقت. كما أنَّ امتلاك فهم أعمق للأسباب التي تكمن وراء حدوث سرقة الوقت وفوائده المحتملة، يساعد المؤسسات على تقبُّل بعض الحالات التي يضطر فيها الموظفون إلى سرقة الوقت.

المصدر




مقالات مرتبطة