سر السعادة: فن التعامل مع الحزن بطريقة أفضل

نحن دائماً نفضل تجنُّب المشاعر السلبية، لكنَّ هذه المشاعر لها وظيفتها، فحتى البكاء يمكن أن يكون مهدئاً.



قد لا يكون الجلوس في إحدى زوايا المنزل والبكاء في بداية العام أمراً رائعاً، ولكن تعلَّم الشعور بمشاعر الحزن يمكن أن يكون طريقة تحقيق السعادة عام 2021، وعادة ما يعاني الأشخاص الذين يبكون من "مشاعر عدوانية سلبية"، مثل الغضب والاشمئزاز، معاناة أقل من الأشخاص الذين لا يبكون، وفقاً لبحث من جامعة كاسل (University of Kassel) في ألمانيا في عام 2009.

كذلك وجدت دراسة أجرتها عام 2010 جامعة إنديانا بلومنجتون (Indiana University Bloomington) أنَّ لاعبي كرة القدم الأمريكيين الذين يبكون، يشعرون بمستويات أعلى من احترام الذات، وكانوا أقل قلقاً بشأن الضغوطات التي يفرضها عليهم أقرانهم من نظرائهم الذين لا يبكون.

يقول آد فينجيرهويت (Ad Vingerhoets)، الأكاديمي المعروف باسم "الأستاذ المسيل للدموع" من جامعة تيلبرغ (Tilburg) في هولندا: "نحن نعلم الآن أنَّ البكاء شيء فطريٌّ عند جميع البشر، وأنَّ الدموع لها هدف؛ حيث تنخفض مستويات الكورتيزول لدى من يبكون؛ وذلك لأنَّ التعبير عن الحزن يهدئنا"؛ وهذا لأنَّ الحزن له وظيفة، ففي العديد من الدراسات منذ الثمانينيات، وجد باحثون من جامعة نيو ساوث ويلز (New South Wales) أنَّ قبول الحزن المؤقت والسماح به، يساعد على تحسين الانتباه إلى التفاصيل، ويزيد من المثابرة، ويعزز الكرم ويجعلنا أكثر امتناناً لما لدينا.

إقرأ أيضاً: هل البكاء مفيد لنا حقاً؟!

إنَّ محاولة تجنب الحزن أو قمع الأفكار السلبية يمكن أن يأتي بنتائج عكسية؛ حيث قاد عالم النفس الاجتماعي بجامعة هارفارد (Harvard University) دانيال ويجنر (Daniel Wegner) تجربة فكرية في عام 1987؛ حيث طُلب من الأشخاص ألا يفكروا في الدببة البيضاء، مستوحياً ذلك من الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي (Fyodor Dostoevsky)، الذي كتب: "حاول أن تطرح على نفسك هذه المهمة: ألا تفكر في دب قطبي، وسترى أنَّ هذا الحيوان الملعون سيتبادر إلى ذهنك كل دقيقة"، وجد ويغنر أنَّ المشاركين يفكرون روتينياً في الشيء الذي كانوا يحاولون تجنبه، وأكدت دراسات أخرى أنَّ كبت الفكر لا طائل من ورائه، كما أنَّه يؤدي إلى تفاقم المشاعر التي نأمل في تجنبها.

إذا بحثت عن السعادة في جميع أنحاء العالم، فستلاحظ أنَّ العديد من الأشخاص الذين تقابلهم مهووسون بالسعي وراءها، لدرجة أنَّهم يخافون من الشعور بالحزن، وقد تقابل أشخاصاً فقدوا أحباءَهم قبل وقتٍ قصير ويسألونك: "كيف أَكون سعيداً؟"، وستلتقي بأشخاصٍ طُردوا مؤخراً من أعمالهم أو تشردوا أو تعرضوا لحادث انفصال سيِّئ، وسيسألونك: "لماذا لسنا سعيدين؟".

يجب عليك أن تبين لهؤلاء أنَّنا في بعض الأحيان، يجب أن نكون حزينين، فيفترض بنا أن نشعر بالحزن بعد الخسارة، والحزن رد فعل منطقي عند حدوث أشياء حزينة؛ لذا فلا بأس بأن نشعر بالحزن على سبيل المثال بعد عام هزت فيه الجائحة العالمية حياة الجميع، لكنَّ الكثير منا تكيف ليكون كارهاً "للمشاعر السلبية" لدرجة أنَّنا لا نكتشفها، ناهيك عن الاعتراف بها أو السماح لأنفسنا بالشعور بها ومعالجتها، فيمكن أن يسبب هذا الانعزال لأولئك الذين يعانون من الحزن والحيرة أو لأولئك الذين يحاولون مساعدة أحبائهم على تجاوز الألم.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح للتخلص من الأفكار السلبية

لحسن الحظ، هناك استراتيجيات تساعد، مثل إتاحة الوقت وإدارة توقعاتنا والاطلاع على ثقافة ترك هواتفنا الذكية والجلوس في حزن عندما نضطر لذلك، لا يجب أن نعتذر عن مشاعرنا أو نتجاهلها بممارسة نشاطات غير مجدية، أو أيا كان الشيء الذي نفضل اللجوء إليه، أو بحرمان أنفسنا من بعض الأمور، كالامتناع عن تناول الطعام هي استراتيجية تأقلم غير صحية شائعة في أوقات الألم، ولكي نكون بحال أفضل حينما نحزن، نحتاج إلى ممارسة النشاطات في الهواء الطلق يومياً، ولو لمدة 20 دقيقة فقط سيراً على الأقدام.

هناك أيضاً الكثير لنتعلَّمه من الثقافات التي يكون فيها الناس أكثر اتصالاً بمشاعرهم "الإيجابية" منها و"السَّلبية"، ففي بوتان، على سبيل المثال، تقع محارق الجثث في مكان مركزي؛ لذلك يكبر الأطفال مع فكرة أنَّ الخسارة والموت أمران لا مفر منهما، ولدى البرتغاليين والبرازيليين مفهوم يدعى الساوداد (saudade) الذي يعني الحزن من أجل السعادة، أو من أجل الحياة التي  نأملها، وغالباً ما يُترجَم المفهوم الصيني تشينغ فو (xingfu) على أنَّه "السعادة" باللغة الإنجليزية ولكنَّه في الواقع لا يشير إلى مزاج جيد؛ وإنَّما إلى حياة جيدة: حياة كافية ومستدامة ولها هدف، وليس بالضرورة أن تكون الحياة سهلة وممتعة.

قد تكون الحياة صعبة، ولكن لها هدف، وهو أنَّها تجعلنا نشعر بمجموعة كاملة من العواطف؛ لذا لا بد أن تشعر بالحزن؛ ولذلك يُفضَّل أن تعرف كيف تحزن حزناً صحيحاً.

المصدر




مقالات مرتبطة