سايكولوجيا التربية الصارمة: آثار كارثية وحلول موجودة

تعدُّ التربية الصارمة من الأساليب السيئة في التربية، ولكنَّها منتشرة للأسف في كثيرٍ من المجتمعات، فلا يسمح الآباء لأطفالهم بالتعبير عن آرائهم أو التشكيك في قرارات الوالدين، وهؤلاء الآباء الذين يمارسون أسلوب الأبوة الاستبدادي، المعروف أيضاً باسم أسلوب الأبوة القاسية، يُخلِّفون أجيالاً تعاني من كثيرٍ من المشكلات.



الآباء الصارمون مقابل الآباء الموثوقين:

عندما يقرن الآباء المعايير العالية بالدعم الدافئ والمتجاوب لأطفالهم، فإنَّهم يكونون آباء موثوقين، وعلى الرغم من وضع معايير عالية، فإنَّ الآباء الموثوقين يقدِّرون التفكير المستقل، فيسمحون للأطفال بتحدي قواعدهم أو تقديم ملاحظات، ولسوء الحظ، فإنَّ معظم الآباء الصارمين ليسوا موثوقين عند أطفالهم؛ إنَّهم آباء قساة.

يتسم الآباء الصارمون بالبرود وعدم الاستجابة ولا يكونون داعمين لأطفالهم؛ وذلك لأنَّ قواعدهم صارمة للغاية وتعسفية، بينما ينتج أسلوب الأبوة الصارم المستجيب (الموثوق) أفضل النتائج عند الأطفال، ينتج عن أسلوب الأبوة الصارم وغير المستجيب (الاستبدادي) نتائج سلبية مثل مشكلات السلوك وتدني احترام الذات ومشكلات الصحة العقلية.

ما هي علامات صرامة الوالدين؟

الآباء الصارمون هم الذين:

  • لديهم العديد من القواعد الصارمة.
  • مطالبة طفلهم بالالتزام الأعمى بتوقعاتهم.
  • لا يسمحون لأطفالهم بالاعتراض على السلطة الأبوية.
  • يعاقبون بشدة على انتهاك أي قواعد.
  • باردون، لا يستجيبون لأطفالهم.
  • يستخدمون الكلمات القاسية.
  • لا يدعون طفلهم يشارك في صنع القرار.
  • لديهم توقعات عالية بشكل غير واقعي.
  • لا يتسامحون مع الأخطاء.
  • لديهم موقف ثابت "هم دائماً على حق".

ماذا يحدث عندما يكون الوالدان صارمَين جداً؟

ينظر هؤلاء الآباء إلى النجاح الأكاديمي بوصفه أولوية، ويحكمون على نجاح الأبوة والأمومة من خلال أداء أطفالهم في المدرسة، ويمكن أن يؤدي هذا النوع من التربية القاسية إلى أداء أكاديمي مرتفع في بعض الثقافات، كما هو الحال في العديد من البلدان الآسيوية.

مع ذلك، على الرغم من النجاح الأكاديمي الواضح في بعض الثقافات، إلا أنَّ أسلوب التربية القاسية يتسبب أيضاً في كثيرٍ من الضرر للأطفال، والأطفال الذين يتربوا تربية صارمة أو تربية قاسية هم أكثر عرضة لأن يكونوا غير سعداء ويعانوا من الاكتئاب.

تشير الدراسات إلى أنَّ الأطفال الذين نشؤوا في منزل صارم يميلون إلى أن يكونوا غير سعداء، وتظهر لديهم المزيد من أعراض الاكتئاب، وفي بعض البلدان، مثل هونج كونج وأستراليا، الأطفال الذين يتربوا في أسر صارمة هم أكثر عرضة لمحاولات الانتحار.

يميل الأطفال الذين يتربوا في ظل انضباط صارم إلى التعرض لمشكلات سلوكيَّة معادية للمجتمع، مثل التمرد والغضب والعدوان والانحراف، وعلى الرغم من أنَّ بعض الآباء يعتقدون أنَّ الأبوة والأمومة الصارمة تنتج أطفالاً يتصرفون بشكل أفضل، إلا أنَّ الدراسات تظهر أنَّ مثل هذا الأسلوب الأبوي ينتج في الواقع أطفالاً يعانون من مشكلات سلوكية أكثر.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات أساسية لتربية الأطفال على المسؤولية

آباء صارمون، أطفال عدوانيون:

يتعلَّم الأطفال بحسب ما يعيشونه ويرونه، فعندما يؤدب الآباء القساة أطفالهم بالإجراءات العقابية والقوة والتهديدات والعقوبات اللفظية، فإنَّهم يتعلمون كيفية التصرف عند الانزعاج، ويمارسون هذه الأساليب على أنفسهم في المستقبل؛ نتيجة لذلك، يتعلَّم الأطفال أن يصبحوا أكثر تمرداً وغضباً، ويتَّسمون بالاندفاعية والعدوانية عندما لا تسير الأمور بالطريقة الصحيحة.

الأسرة الصارمة تحوِّل أطفالها إلى ممثلين وكاذبين:

يتوقع الآباء الصارمون طاعة لا جدال فيها، واحترام السلطة، والتي يتم الوصول إليها عادةً من خلال الانضباط القاسي؛ نتيجة لذلك، ينشئ الآباء الصارمون طفلاً خائفاً من أن يفصح عن الحقيقة، ويتعلَّم هؤلاء الأطفال أن يصبحوا ممثلين جيدين، ويتصرفون جيداً في المنزل؛ لكنَّهم يتصرفون بشكل مختلف عندما لا يكون والداهم في الجوار.

نظراً لأنَّ الآباء لا يوفرون بيئة آمنة للأطفال لقول الحقيقة؛ فإنَّ الأطفال الذين يتربوا بقواعد صارمة يجيدون الكذب وإخفاء الأشياء حتى لا يقعوا في مشكلات.

إقرأ أيضاً: نصائح يجب أن يلتزم بها الآباء في تربية أطفالهم

الأبوة الصارمة تحدُّ من الدافع لدى الأطفال:

يختار الآباء والأمهات الصارمون النشاطات والجداول الزمنية للفصول والأحداث الاجتماعية لأطفالهم دون أخذ رأيهم على الإطلاق، ومع ذلك، فإنَّ الاستقلالية هي رغبة بشرية فطرية، ويؤدي تجريد الآباء الصارمين للأطفال من استقلاليتهم إلى أن يصبح هؤلاء الأطفال أكثر تمرداً وفقداناً للحافز في عمر المراهقة والشباب، إنَّ فرض القواعد الخارجية، مثل التهديد بالعقاب، يختلق دافعاً خارجياً يقمع الدافع الداخلي.

الآباء الاستبداديون يُنجبون أطفالاً متنمرين:

الأبوة الاستبدادية تفرض الطاعة باستخدام المخاوف، وعندما يفعل الأطفال ما يريده الآخرون بدافع الخوف، فإنَّهم يتعلمون استخدام القوة والسلطة على الآخرين للحصول على ما يريدون، وأظهرت الدراسات أنَّ أطفال الآباء المستبدين هم أكثر عرضة لأن يصبحوا متنمرين أو أصدقاء للمتنمر.

تربية صارمة أطفال أقل ثقة:

الأطفال الذين يتربوا بقواعد صارمة يفتقرون إلى احترام الذات والثقة في اتخاذ القرارات، فتظهر الأبحاث أنَّ المراهقات اللواتي لديهن آباء مستبدين أقل قدرة على اتخاذ القرار عند إعطائهم الفرصة.

إنَّ وجود آباء صارمين يعني أنَّ هؤلاء الأطفال معتادون على إخبارهم بما يجب عليهم فعله؛ لذا يفتقرون إلى احترام الذات والثقة بالنفس لاتخاذ القرار، ويقلقون بشدة بشأن اتخاذ القرار الخاطئ.

إقرأ أيضاً: 5 قواعد مهمة في التربية لزيادة ثقة الطفل بنفسه

التربية الصارمة والأمراض العقلية:

يكتسب الأطفال الذين نشؤوا في الأسر الصارمة نمطاً من التفكير غير المرن، ما يؤدي إلى تدهور الحالة العقلية، فالمرونة النفسية ضرورية للرفاهية اليومية والصحة النفسية الدائمة، ولكي يصبح الأطفال بالغين أكفاء وأصحاء، يحتاجون إلى تطوير المهارات التي تسمح بالتفكير المرن وخاصةً في البيئات الاجتماعية المعقدة.

يفرض الآباء ذوو القواعد الصارمة مستويات عالية من السيطرة النفسية والسلوكية التدخلية على أطفالهم، وهؤلاء الأطفال لديهم مرونة نفسية أقل وتنظيم ذاتي غير قادر على التكيف في سن المراهقة المتأخرة.

يرتبط الافتقار إلى المرونة النفسية ومهارات التنظيم العاطفي ارتباطاً وثيقاً بتطور الاضطرابات النفسية، فإلى جانب الاكتئاب، يرتبط هذا النوع من الأبوة القاسية باضطراب القلق العام (GED)، واضطراب الوسواس القهري (OCD)، وإيذاء النفس وتعاطي المخدرات والكحول.

الأسرة الصارمة ومفهوم السلطة:

الآباء المسيطرون الذين يتصرفون مثل الديكتاتوريين يغرسون في الأطفال مفهوماً ملتوياً عن السلطة، فهم يستخدمون التواصل من جانب واحد ويضعون القواعد دون تفسير، ويتوقعون أن يطيعهم أطفالهم دون شكوى أو سؤال.

من ناحية أخرى، يتعلم بعض الأطفال أنَّ القوة دائماً على حق، فعليهم أن يطيعوا ولا يشككوا في السلطة، ويستوعبوا الحاجة إلى "اتباع القواعد بأي ثمن"، وهذا الاعتقاد يمكن أن يهيئهم لمواقف خطيرة، فيمكن استغلالهم من قبل شخصيات السلطة التي تسيء استخدام القوة.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

كيف تحافظ على السلطة دون أن تؤذي طفلك؟

عندما يصر ابنك على شيء ما أو لا يرغب في الامتثال لرغباتك، فقد يكون من المغري الاستسلام، خاصة إذا كان ذلك يعني تجنب نوبة غضب، لكنَّ الأطفال الصغار يحتاجون إلى وضع حدود، وأفضل شيء يمكنك القيام به للحصول على سلوك جيد عندما يميل طفلك إلى التمرد، هو أن تكون صارماً بشأن وضع الحدود وفرضها.

كيف أقوم بذلك بشكل صحيح؟ بالنسبة إلى المبتدئين، يمكنك المساعدة على تجنُّب معركة الإرادات قبل أن تبدأ بإعطاء طفلك دائماً تحذيرات لمدة دقيقة واحدة قبل القرارات، التي تعد مصدراً لصراعات السلطة، ويقول الخبراء: "كل لحظة من اللعب هامة جداً لطفلك؛ لذا عليك تحذيره مسبقاً بالتغيير".

إذا اقترب موعد النوم وكنت تخشى إقناع طفلك بالابتعاد عن الألعاب الخاصة به، جرب أن تقول له: "يمكنك بناء برجين آخرين، وبعد ذلك سنرتدي بيجاماتك ونقرأ قصة"، وبمجرد أن يكمل مهندسك المعماري الصغير الأبراج الخاصة به، أخبره أنَّ وقت اللعب قد انتهى، ثم انتقل مباشرة للاستعداد للنوم، وإذا سمحت لطفلك ببناء "واحدة أخرى"، فقد يتعلم أنَّك لا تعني دائماً ما تقوله.

طريقة ذكية أخرى لدرء المواجهة، وهي أن تقدِّم كثيراً من الخيارات، والتي ستجذب رغبة طفلك في الحصول على بعض السيطرة على الموقف؛ لذا إذا كنت على وشك التوجه إلى المنتزه، وطفلك يخوض معركة مع ألعابه، عندها اطلب منه الاستعداد للذهاب عن طريق سؤاله: "هل تريد ارتداء حذائك أولاً أم سترتك؟".

قبول حقيقة سلوك طفلك:

حتى عندما تعطي كثيراً من التحذيرات وتقدِّم خيارات بشكل متكرر، لن يكون الأطفال الصغار دائماً على استعداد لفعل ما تطلبه منهم بالضبط، فيمكن أن يختبر هذا صبر أحد الوالدين، لكن حاول ألا تفقد أعصابك في الوقت الحالي، فيحذر الباحثون من أنَّ "التصرف الناقد من المرجح أن يجعل الأطفال الصغار غير متعاونين".

بدلاً من رفع صوتك عندما يكون طفلك صريحاً في رفض الامتثال للأوامر، حاول أن تحافظ على نبرة صوت ودودة في أثناء التعامل معه؛ يمكنك أن تعترف بقدرته على تحديد كيفية التصرف، على سبيل المثال، إذا كان طفلك يتصرف بتحدٍّ عندما تطلب منه وضع الألعاب بعيداً، فقل: "أنت على حق؛ لا يمكنني أن أجعلك تلتقط أغراضك، لكنَّني حقاً بحاجة إلى مساعدتك، فهل ترغب في تسليم شاحناتك لوضعها في السلة أو وضعها هناك بنفسك؟

يؤكد شيفر أنَّ هذا النهج يمكن أن يساعد طفلك على إدراك أنَّك بحاجة إلى مساعدته؛ لذلك سيكونون أكثر استعداداً لتقديمها.

في الختام:

تبقى تربية الأطفال إحدى الأشياء الأكثر صعوبة في الحياة، ومن الصعب الإلمام بكافة جوانبها؛ لذا يبقى لزاماً على الأهل تعلُّم مزيدٍ من المهارات في تربية أطفالهم سواء من خلال القراءة والمطالعة أم من خلال استشارة المتخصصين في هذا المجال.




مقالات مرتبطة