سايكولوجيا أزمة منتصف العمر: أسبابها، وأعراضها

على الرغم من عدم وجود بروتوكول تشخيصي لأزمة منتصف العمر في مراجع الطب النفسي المعتمدة حول العالم أو حتى صفة تشخيصية مستخدمة في علم النفس، إلَّا أنَّ هناك الكثير من الملاحظات والتجارب والدلائل التي قد تصادف الأطباء النفسيين في عياداتهم أو حتى ضمن حياتهم الروتينية اليومية، التي تكفي لكي نستدل على وجود نسبة لا يمكن إهمالها من النساء والرجال تظهر لديهم علامات أو أعراض نفسية غير طبيعية عند وصولهم إلى المرحلة العمرية من الخامسة والثلاثين وحتى سن الخمسين.



وأَطلق عليها الأطباء والعلماء اسم "أزمة منتصف العمر"، مع التأكيد على أنَّ هذه المجموعة من الأعراض قد لا تأخذ شكل الأزمة أو المرض؛ أي في بعض الحالات قد لا تكون شديدة وقد لا تظهر عند كل الناس.

ما هي أعراض أزمة منتصف العمر عموماً؟

تتفاوت حدَّة الأعراض في أزمة منتصف العمر تفاوتاً كبيراً من حالة إلى أخرى، ويمكن أن نوجز أهمها من خلال البنود التالية:

  • زيادة في قابلية الفرد للقلق بشكل أكبر من الشخص العادي.
  • تموجات أو تباينات في مستوى المزاج، وقد ينخفض إلى درجة الاكتئاب في بعض الحالات.
  • ضعف ثقة الفرد بنفسه، وضعف شعوره بالأمان.
  • شعور الإنسان بحالة من عدم الرضى عما أنجزه في مسيرة حياته، وفي النواحي المهنية والعاطفية، وحتى في الأمور العائلية والشخصية.

ما هي أعراض أزمة منتصف العمر عند النساء؟

تتباين أعراض أزمة منتصف العمر بين النساء والرجال، ولكنَّها عند النساء موضوع معقد يتداخل مع عوامل عدَّة، وخصوصاً أنَّ المرحلة التي تبدأ الأعراض بالتظاهر فيها هي قريبة من مرحلة انقطاع الطمث، وما يرافقها من تبدلات هرمونية ترخي بظلالها على حالتها النفسية؛ وذلك بسبب ما تشعر به المرأة بأنَّها لم تَعُد تملك القدرة على الحمل والإنجاب، وتفقد المرأة ثقتها بنفسها بسبب الأمور المتعلقة بتغيرات في شكلها الخارجي، وفقدانها للنضارة والجمال الذي كانت تتمتع به، وكذلك ما يتعلق برغبة الشريك فيها.

مثل ما يُعبِّر الرجل عن قلق الموت الذي ينتابه في أزمة منتصف العمر بالخوف من الضعف الجنسي والجسدي، والخوف من الإصابة بالأمراض، فإنَّ المرأة تُعبِّر عن قلق الموت الخاص بها بخوفها من فقدان جمالها ورشاقتها وحيويتها، ويمكن القول إنَّ هذه الأعراض تشكل ما يُسمى بالتعبير الأنثوي عن قلق الموت.

كيف اكتُشِفَت أزمة منتصف العمر؟

إنَّ أول مَن وصَّف أزمة منتصف العمر هو عالم النفس الكندي "جاك إليوت"؛ إذ لاحظ أنَّ الرجال الذين يصلون إلى منتصف الثلاثينيات يُصابون بنوع من القلق أو الاكتئاب أو ضعف الثقة؛ فيدركون بأنَّهم أصبحوا في منتصف طريق الحياة، وما تبقَّى لهم في حياتهم من وقت، هو أقل من الوقت الذي أمضوه.

وصف "جاك إليوت" أزمة منتصف العمر عندما لاحظ أعراضها عند صديقه الرسام؛ إذ ظهرت عليه علامات توحي بارتباطه بأمور الدين، وأصبح كثير الانخراط في علاقات جنسية متعددة في الوقت نفسه وكأنَّه يحاول - ولو بشكل يغلب عليه اليأس - أن يثبت لنفسه أنَّه ما يزال شاباً وأن يُظهِر نفسه وكأنَّه بعمر أصغر، بالإضافة إلى ما سبق فقد لاحظ "جاك" على صديقه ملامح القلق والتوتر إزاء وضعه الصحي وسلامته الجسدية؛ إذ إنَّ هذه الهواجس تتردد إلى ذهنه بشكل متكرر.

شاهد: 7 نصائح للرجال لاستقبال سن الأربعين بنجاح

ما هي علاقة أزمة منتصف العمر بانكشاف الوهم وأزمة الهوية؟

يقول "جاك إليوت" إنَّ خوف الإنسان من الموت يأتي مع إحساسه بالشك حيال الأدوار التي وجد نفسه - وهو في منتصف حياته - عالقاً في حبالها، سواءً كانت هذه الأدوار عائلية أم مهنية أم عملية أم حتى من ناحية الهوايات والاهتمامات الشخصية؛ إذ يتوصل في تفكيره إلى قناعة مفادها أنَّ هذه الأدوار في طبيعة الحال قد وضعت حدوداً لإمكاناته وقدراته، وحجَّمت من الخيارات التي كان من الممكن أن يصل إليها لولا التزامه بهذه الأدوار سواءً العائلية أم المهنية.

ويفسر خبراء علم النفس ما يمر به الفرد في هذه المرحلة بحالة تسمى "انكشاف الوهم"، بما يتعلق بالزواج والأولاد والشريك والعمل والمسؤوليات والأدوار الرمزية المتعلقة بها.

يَعُدُّ المحللون النفسيون أزمة منتصف العمر هي أزمة هوية بالأساس؛ وذلك لأنَّها تنجم عن مواجهة الفرد لقوانين الحياة الملزمة والصارمة، وما يرافق ذلك من إحساس بعدم القدرة على إحداث تغيير في نفسه وحياته في ظل استحكام المسؤوليات والأدوار الرمزية على وقته وحياته، وفي ظل عجزه عن التحرر من القيود التي وضعها المجتمع ونظرته إلى شخص أربعيني بصفته قد تخطى مرحلة البحث والتجربة والنضج، وأصبح في مرحلة الإنتاج والثقة بالنفس ومساعدة الناس، ومن ثم يلاقي هذا الإنسان مشكلة في عملية تعريف ذاته وهويته.

تحدَّث الكثير من المحللين النفسيين عن أزمة منتصف العمر، التي يمكن عَدُّها أزمة هوية بسبب الضغوطات والتحديات النفسية التي تشكل عبئاً ثقيلاً على الذات، والنزاع المركزي الذي يشكِّل البيئة الحاضنة لأزمة منتصف العمر.

ما هي الأسباب السايكولوجية الكامنة وراء أزمة منتصف العمر؟

وصَّف "إريكسون" هذه المرحلة من العمر على أنَّها صراع واضح بين الركود والإنتاجية؛ إذ إنَّ الإنسان بعد ثلاثين سنة من القتال ضمن معارك الحياة يجد نفسه ميالاً أكثر إلى الركون والهدوء، فيما يظل في قرارة نفسه يبحث عن المعنى ولا يريد أن يكون وجوده بلا معنى، فيسعى إلى أن يكون عضواً مؤثراً في المجتمع.

قد يبدأ بعضهم بمساءلة أنفسهم عما حققوه في حياتهم، وهل كان ذلك كافياً؟ وهل كان هذا كل ما يريد تحقيقه؟ أم أنَّه كان يريد تحقيق أشياء أخرى؟ وفي المقابل، ينتابه شعور بأنَّ الوقت قد تأخر على إحداث التغيير على الصعيدين النفسي والجسدي، وتتملكه حالة فوات الأوان.

إنَّ أغلبية مدارس علم النفس اتفقت حول تفسير واحد لأزمة منتصف العمر؛ ألا وهو أنَّ الإنسان يواجه مشكلة كبرى في تقبُّل الدور الذي اختاره في الحياة؛ إذ إنَّه اختاره في مرحلة ما من حياته لم يكن قد وصل إلى النضج الذي وصل إليه الآن، أو أنَّ شخصيته واحتياجاته تغيرت من عمر العشرينيات الذي اختار فيه أدواره الرمزية التي سيكمل فيها حياته، وهو الآن على أعتاب سن الخمسين، يحمل أفكاراً جديدة ورغبات واحتياجات وشخصية جديدة، ولكنَّه مضطر إلى أن يواجه ما اختاره قبل ثلاثين عاماً.

قد لا يكون هذا الأمر مشكلة الإنسان؛ إذ إنَّ المهن التي اختارها لنفسه في بداية حياته سواءً كانت مهندساً أم طبيباً أم معلماً أم محامياً أم ضابطاً أم غيرها، هي لا تمثل هوية الإنسان وكليته؛ بل يبقى جزء من هوية الإنسان مختبئ خلف ما ينتظره المجتمع مع الإنسان.

هل يوجد سبب بيولوجي وراء أزمة منتصف العمر؟

في حقيقة الأمر لم يجد العلماء بعد أي ارتباط كيميائي أو فيزيولوجي أو بيولوجي محدَّد ومباشر مع أعراض أزمة منتصف العمر، إلَّا أنَّ هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أنَّ توقُّف الإنسان عن استخدام آليات عصبية جديدة - عند الأشخاص الذين لا يؤدون أدواراً أو تجارب جديدة في الحياة؛ بل يكتفون بالأدوار المحددة التي رُسِمَت لهم - يؤدي إلى توقُّف التطور النفسي والعاطفي والعصبي لديهم عند مرحلة محدَّدة؛ وهذا ما يجعل حدوث أي تغيير عصبي أو عاطفي أو حتى اكتساب مهارات جديدة جسدية أو عاطفية أو نفسية أكثر صعوبة بعد عمر معيَّن.

إقرأ أيضاً: نصائح لتتمتّع بالثقة والنجاح في العمل

متى بدأ الحديث عن أزمة منتصف العمر؟

بالنظر إلى ما سبق، فمن الطبيعي أنَّ اكتشاف أزمة منتصف العمر وملاحظتها لم تبدأ إلا في أواسط القرن العشرين؛ ففي ستينيات القرن الماضي ومع تصاعد النهضة الحضارية والصحية والتقنية والعلمية عموماً، أصبح الإنسان يعيش عمراً أطول، وأصبح يتزوج في العشرينيات، وقد أصبح الإنجاب أقل، ومن ثم أصبحت المهام التربوية الأساسية تنتهي في عمر الأربعين أو الخمسين.

هذا يزيد من احتمالية وقوع الأبوين في أزمة "العش الفارغ"؛ وهي حالة من الضياع والفراغ يعيشها الأب والأم بعد خروج أطفالهم من تحت رعايتهم إلى معترك الحياة؛ حيث ينتقل الأبناء إلى العيش على مسؤوليتهم الشخصية ويخوضون رحلة البحث عن الذات والمستقبل، ومن هنا تبدأ حياة الأهل بالتغيير وكأنَّهم يعيشون حياة جديدة بالكامل؛ لذا، يجب الانتباه جيداً خلال هذه المرحلة.

شاهد أيضاً: 10 مهارات بسيطة تجعلك محبوباً بين الناس

متلازمة "المنتحل" شكل آخر من أزمة منتصف العمر؟

إنَّ متلازمة المنتحل هي مجموعة من الأعراض التي تنتج عن خلل في العلاقة التي تربط بين الذات ودورها الرمزي في الحياة؛ إذ يشعر الإنسان المصاب بهذه المتلازمة بأنَّه لا يستحق المكانة أو المرتبة التي وصل إليها في مسيرة حياته، وأنَّ ما وصل إليه هذا الإنسان من مكاسب وإنجازات هو من قبيل الحظ أو المصادفة البحتة، أو بسبب وجود أشخاص بالغوا في تقدير مواهبه أو قدراته، ومن ثم وصل إلى ما وصل إليه من وظائف أو مناصب أو شهادات، وينكر على نفسه أيَّة أحقية فعلية فيما حققه.

المشكلة في متلازمة المنتحل هي أنَّ صاحبها ليست لديه القدرة على إقناع نفسه بأنَّه يستحق مهنته أو دوره الرمزي في الأسرة والمجتمع، وتشير أبحاث أُجرِيَت في ألمانيا إلى أنَّ نحو نصف الأشخاص الناجحين مروا بهذه المتلازمة ولو بشكل مؤقت أو عابر في حياتهم؛ إذ إنَّهم قد يمرون بمرحلة من الخوف من الفشل وضعف الإنتاجية وقد يصل بهم الأمر إلى فقدان المعنى والاكتئاب.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات توصلك إلى حياة سعيدة بعيداً عن الأحزان والهموم

في الختام:

قد تنشأ الكثير من الاضطرابات التي يكون سببها عدم وجود تطابق كلي أو انسجام كامل بين النفس وأدوارها الرمزية، وقد نكون فرحين بما لدينا من عمل وقد نبدو منسجمين معه بشكل كامل، ولكن لا يخلو الأمر من فترات اليأس والإحباط، فالحياة ليست خطاً مستقيماً؛ بل هي رحلة من الصعود والهبوط؛ ذلك لأنَّ أيَّة مهنة لم تُنشَأ من أجل أن تناسب الشخص؛ وإنَّما أُنشِئَت لتناسب تقدُّم المجتمع واستقراره وتدعم آلية استمراره، ولم تُفصَّل هذه المهن بما يناسب تفضيلات الناس وأذواقهم ورغباتهم.




مقالات مرتبطة