زواج القاصرات في المجتمع العربي

تنتشر في المجتمعات العربية العديد من الظواهر التي تمثِّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفولة، ولعلَّ أبرزها ظاهرة زواج القاصرات؛ فكثيراً ما نرى في مجتمعنا العربي حالات زواج القاصرات من رجال أكبر منهنَّ سنَّاً، لا بل في بعض الحالات يمكن القول أكبر بعقود، وتختلف النظرة المجتمعية تجاه هذه الظاهرة؛ ففي حين ترى فئة من المجتمع أنَّ هذا أمر طبيعي متذرِِّعة بحجج مختلفة غايتها الأخيرة تحقيق المصالح الشخصية، يحاول الحقوقيون جريم هذه الظاهرة في كل زمان ومكان، كما يرى علماء النفس والاجتماع أنَّ هذه الظاهرة هي نوع من أنواع الشذوذ.



هذه الظاهرة التي لا يخفى على أحد المشكلات التي تسببها في المجتمع، لا سيَّما بالنسبة إلى الفتيات في ريعان عمرهنَّ سواء من ناحية تأثيرها في حصولهنَّ على التعليم المناسب أم في اختيار العمل المناسب أم غير ذلك من المشكلات، ناهيك عن الضغوطات النفسية والفيزولوجية التي يتعرضن لها في هذا العمر، وبالمجمل إنَّ ظاهرة الزواج الباكر التي تظنُّ بعض الأسر أنَّه في صالح الفتيات هو انتهاك لحقوق الإنسان وسبب مباشر في تدني أوضاع المجتمع الإنسانية التي بدورها تعوق التنمية في المجتمع.

زواج القاصرات:

الزواج لدى الإنسان هو ركيزة اجتماعية لا غنى عنها، كما يعدُّ نظاماً اجتماعياً يرتبط بعدة أمور مثل الدين والعادات والتقاليد والقيم السائدة في المجتمع، والمتابع للمجتمع العربي يلاحظ أنَّ الثقافة السائدة في معظم دوله تشجع ثقافة الزواج الباكر للفتاة، فيُعِدُّونَه صيانة الأفراد من الانحراف واستكمالاً للدين.

لكن في الحقيقة يُعَدُّ الزواج الباكر أكبر عائق يواجه المجتمع عامة والمرأة على وجه الخصوص، فلا توجد مشكلة اجتماعية إلا ويكون الزواج الباكر أحد أسبابها.

في عام 1995 عُقد في الصين مؤتمراً كانت نتيجته خطة لإلزام العالم بتحقيق المساواة بين الجنسين، وصدرت أول وثيقة تعترف بانتهاكات حقوق الطفلة وتعرف هذه الوثيقة بـ "إعلان عمل بيجين ومنهجه".

لكن على الرغم ممَّا جاء في نص ذلك الإعلان وتبني قادة العالم للعديد من المطالب التي تضمن تمكين المرأة، لك ما يزال تهديد الزواج الباكر يواجه ملايين الفتيات حول العالم، والذي سوف يقضي على الطفولة الموجودة بداخلهن ويغير مستقبلهن، وفي الواقع لا يوجد انتهاك أكبر من التحكم في مصير الفتاة دون علمها، ووفقاً لاتفاقية حقوق الطفل فإنَّ الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه، وبالنسبة إلى الزواج القسري فهو أيُّ زواج يتم دون موافقة أحد الطرفين أو كلاهما موافقة حرة وتامة، أما الزواج الباكر فالمقصود به الزواج الذي يتم قبل اكتمال النمو والنضج الجسدي والنفسي للفتاة.

ما هي أسباب الزواج المبكر؟

1. الفقر:

تؤدي الحالة الاقتصادية للأسرة السبب الرئيس في تزويج القاصرات، حيث يسعى ولي الفتاة من خلال تزويجها ابنته القاصر إلى محاولة التخفيف عن نفسه من العبء المادي المرتبط بها، كما قد يكون السبب الطمع بالمهر الذي يقدمه العريس في بعض المجتمعات؛ فبعض الأسر تُعِدُّ زواج بناتهم مصدر رزق لهم.

2. الجهل والتخلف:

العديد من أولياء أمور البنات جاهلين بأنَّ فتاة في عمر صغير غير قادرة عن تحمل أعباء الأسرة ومسؤوليات الزواج من رعاية الزوج ورعاية الأطفال، ولا يفكرون في الآثار النفسية والجسدية التي تنشأ عند القاصرة نتيجة لهذا الزواج.

3. الخوف:

بعض الأهالي غير مقتنعين بالزواج الباكر للفتاة؛ لكنَّ الخوف من عنوسة الفتاة يدفعهم إلى تزويجها في عمر باكر.

4. العادات والتقاليد السائدة في المجتمع:

مهما كانت نظرة الفتاة أو نظرة أسرتها معارضة لفكرة الزواج الباكر ومهما عارضتها المسائل القانونية تبقى نظرة المجتمع وعاداته حولها هي السائدة؛ فالعديد من المجتمعات، لا سيَّما الريفية منها تساند هذا النوع من الزواج وترى أنَّ ولي الفتاة هو الذي يقرر مصيرها أولاً، ومن ثمَّ فإنَّ زوجها هو الذي يتحمل هذه المسؤولية دون أدنى اعتبار لشخصية المرأة وحريتها وحقها في الاختيار وتقرير مصيرها سواء قبل الزواج أم بعده.

5. زواج الأقارب:

بعض المجتمعات العربية ترتفع فيها نسبة زواج الأقارب بنسبة كبيرة؛ ففي دراسة أُجريَت على المجتمع الفلسطيني وجدت أنَّ غالبية الزيجات الباكرة كانت بين الأقارب وبنسبة 72.5% أو من الجيران بنسبة 25.7%.

إقرأ أيضاً: 6 أمراض خطيرة تحدث نتيجة زواج الأقارب

6. مشكلة اتخاذ القرار عند المرأة:

عادة ما تكون المرأة مترددة في اتخاذ القرارات واختيار ما يناسبها؛ لذا فقد يتولى ولي أمرها اتخاذ القرارات عنها، ومن جملة تلك القرارات تزويجها.

7. التسرب المدرسي:

في الدراسات التي تجريها وزارات التربية العربية تبين فيها أنَّ الأعداد الكبيرة من المتسربين هم من الإناث، وإنَّ ذلك يحدث غالباً بعد مرحلة التعليم الأساسية، فتقل نسبة الإناث الملتحقات بالتعليم الثانوي، ومن بين أهم أسباب هذا التسرب الزواج الباكر.

شاهد بالفيديو: 6 إشارات تدل على فشل الزواج مبكراً

مشكلات الزواج الباكر والآثار الناتجة عنه:

في الزواج الباكر تجد الفتيات الصغيرات اللواتي في عمر الزهور أنفسهنَّ أمام مسؤولية تحمل أعباء الأسرة التي لا تستطيع تحملها في أغلب الأحيان، الأمر الذي يسبب العديد من المشكلات سواء لها أم لأسرتها، وكذلك للمجتمع نفسه، ومن تلك المشكلات:

1. مشكلات تعليمية:

يمثل التعليم عاملاً حاسماً في التنمية البشرية المستدامة، كما أنَّه وسيلة الفرد لنيل المعرفة والخبرات اللازمة للحياة، ووسيلة المجتمع للارتقاء إلى المستويات المتقدمة، لا سيَّما من ناحية تعليم الإناث؛ فالتعليم لا يعني فقط تعليم الفرد القراءة والكتابة؛ بل إنمائه من كافة الجوانب، وعلى الرَّغم من أهمية التعليم، لكن توجد بعض العادات والتقاليد مثل الزواج الباكر التي تمنع فرصة إكمال التعليم والحرمان منه.

هذه العادات والتقاليد غرست في فكر أولياء الأمور من آباء وأمهات أنَّ الفتاة مهما كان وضعها ومستواها التعليمي ومستوى ذكائها، فإنَّ المكان المناسب لها يبقى بيت زوجها فقط، الأمر الذي يدفع الأهل إلى تزويج بناتها، ومن ثمَّ بقائهنَّ أُمِّياتٍ وبمستوى قليل من الوعي؛ ممَّا ينعكس على نمط تربيتهنَّ للأطفال؛ فالنظرة الدونية للمرأة تمنعها من استكمال تعليمها الذي ينعكس سلباً على مختلف مناحي الحياة لديها؛ فالاتجاه الحديث لتعليم المرأة يؤكد باستمرار على أهمية تعليم المرأة وإعدادها كي تستطيع تأدية دورها في التنشئة السليمة للأبناء.

2. مشكلات الصحية:

من الأمور التي تؤثر في صحة المرأة هو الزواج الباكر؛ فالفتاة في السن الباكر تكون غير مؤهلة جنسياً أو اجتماعياً أو نفسياً للحمل وتحمُّل مسؤولية زوج وعائلة، إضافة إلى حدوث العديد من المشكلات الصحية، منها:

  • اضطرابات في الهرمونات والدورة الشهرية، ومن ثمَّ مشكلات في الحمل.
  • زيادة احتمال الإصابة بهشاشة العظام نتيجة نقص الكالسيوم في سن باكر.
  • زيادة احتمال الإصابة بفقر الدم نتيجة تبدد مخزون الحديد بسبب الحمل.
  • زيادة احتمال الإجهاض والعمليات القيصرية نتيجة عدم اكتمال نمو الحوض ورفض الجسم للجنين.
  • الضغط النفسي المضاعف على المرأة بسبب عدم حدوث حمل فوري نتيجة عدم اكتمال نمو الحوض.
  • الشيخوخة الباكرة وترهل جسم المرأة، لا سيَّما مع وجود عدة ولادات.
  • مخاطر الولادة الباكرة على الأطفال مثل ولادة أطفال قليلي الوزن، وأطفال معرضين لأمراض مختلفة، وولادة أطفال لديهم نوع من أنواع الإعاقة، وقصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين.
  • ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة مضاعفات الحمل.

3. مشكلات اقتصادية:

تمثل المرأة نصف المجتمع، ومن ثمَّ نصف الموارد البشرية التي تسهم في إعمار هذا المجتمع، لكن بسبب الترويج لزواج القاصرات والقناعة لدى شريحة واسعة من المجتمع العربي بمنع المرأة من العمل خارج المنزل، وهذا يؤدي إلى محدودية استغلال نشاطها في العمل الاقتصادي، إضافة إلى عدم تمكين المرأة مالياً واستمرارها باعتماد غيرها في تأمين سبل عيشها.

إقرأ أيضاً: الوضع الاقتصادي الصعب وتأثيره في صحة الإنسان النفسية والجسدية

4. مشكلات اجتماعية ونفسية:

من المشكلات التي يسببها زواج القاصرات الحرمان بأشكاله؛ الحرمان العاطفي للفتاة من حب والديها وحنانهما، والحرمان من حقها في اختيار الشريك المناسب التي ترغب به، والحرمان من الاستمتاع بمرحلة الطفولة والأمراض النفسية التي يمكن أن تصيبها نتيجة لذلك مثل الفصام والهستريا ومختلف اضطرابات الشخصية.

إضافة إلى ذلك تعاني القاصر عدمَ التكيف في العلاقة الزوجية؛ لعدم وعيها بطبيعة هذه العلاقة، إضافة إلى أنَّ نقص تعليمها وعدم اكتمال وعيها سوف يجعل منها شخصاً غير قادر على تربية أبنائها، وغير قادرة على اتخاذ قرارات صحيحة واعية.

ومن المشكلات الاجتماعية الأخرى التي تعانيها المرأة نتيجة للزواج الباكر هي التبعية والعبودية للزوج، بحيث يُمحى أي وجود لشخصيتها، وتصبح مجرد تابع للرجل في كل مناحي حياتها ولا تستطيع فعل أي شيء دون أن يكون هو صاحب القرار فيه الأمر؛ الذي يدفعها للشعور بعقدة النقص والدونية وفقدان الثقة بنفسها وبأنَّها مصدر إزعاج لأسرتها التي فضلت تزويجها في عمر باكر للتخلص منها.

شاهد بالفيديو: 7 أشياء أتمنى لو أنَّني عرفتُها قبل الزواج

سبل علاج زواج القاصرات ومنعه:

  1. وضع الحكومات خطة متكاملة لحل المشكلات الاقتصادية التي غالباً ما تكون السبب الأول في رغبة الأهل بتزويج بناتها الباكر.
  2. تسليط الضوء من خلال الإعلام على مخاطر هذا الزواج، وتسليط الضوء على حالات عانت فيها محاولة لتغيير اتجاهات المجتمع نحوه، والسير باتجاه منعه.
  3. عقد جلسات حوار بين مؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني للاطلاع على أوضاع الفتيات في حالات الزواج الباكر ومحاولة مساعدتهم على تجاوز مشكلاتهم.
  4. قيام الحكومات بسن القوانين التي تجرِّم الزواج الباكر، والتأكيد على السن القانوني للزواج المناسب في الثامنة عشرة من العمر.
  5. إجراء الدراسات المستمرة على أسباب الزواج الباكر ووضع الحلول لها.

في الختام:

إنَّ تحقيق المساواة بين الجنسين في المجتمع هو هدف طموح يحتاج إلى قرارات وقوانين جريئة والتزام واضح، فيجب على القانون أن ينصف الفتيات ويقف إلى جانبهنَّ لإنهاء حالات الزواج الباكر والسعي إلى تأمين حياة أفضل لهنَّ من خلال المساهمة في حصولهنَّ على التعليم الجيد وصولهنَّ إلى السن القانوني المناسب الذي يؤهلنَّ لاتخاذ القرارات المختلفة بأنفسهنَّ، ومن ثمَّ حصولهنَّ على حقوقهنَّ والتمتع بنمط حياة اجتماعية وصحية واقتصادية سليم ومناسب.




مقالات مرتبطة