رهاب الدم هيموفوبيا: أعراضه وكيفية التغلب عليه

كنا في رحلة مدرسية إلى الغابة عندما سقط واحد من رفاقنا وجُرحت ساقه، وبدأ الدم ينزف غزيراً منها، اندفعت المعلمة إليه عندما سمعت بكاءه، وما كادت تصل حتى صرخت صوتاً مدوياً وأُغمي عليها.



كانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أسمع فيها مصطلح "رهاب الدم هيموفوبيا" من مديرة المدرسة، والتي شرحت لنا يومها _نحن الطلاب_ عمَّا حدث لمعلمتنا التي نحبها، والتي أثار موقف إغمائها أمامنا نوبات بكاء وهلع شديدة.

رهاب الدم أو الخوف من الدم أو هيموفوبيا هو حالة شائعة من الفوبيا يعانيها بشر كثيرون بدرجات متفاوتة؛ لذا فإنَّه من الضروري أن نسلط الضوء على هذا الموضوع، ليتمحور مقالنا اليوم عن رهاب الدم هيموفوبيا وأعراضه وأسبابه وكيفية التغلب عليه.

ما هو رهاب الدم هيموفوبيا؟

يشير مصطلح رهاب الدم هيموفوبيا Hemophobia إلى الخوف الشديد وغير الطبيعي من الدم، وهو نوع من أنواع الرهاب المحددة ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية؛ إذ يتعارض رهاب الدم مع القدرة الفردية على العمل في الحياة اليومية لمدة ستة أشهر على الأقل، وفيه يرتبط منظر الدم بالخطر والألم بالنسبة إلى الشخص المصاب به، مما يسبب له مشاعر التوتر والخوف عند رؤيته.

كلمة Hemophobia مؤلفة من قسمين "Haima" وتعني في اللغة اليونانية "الدم"، وفي اللغة الإنجليزية اشتقت منها كلمات تعني "النزف" الذي هو خسارة الدم سريعاً وغزيراً أو "الهيموغلوبين" وهو الجزء من أجزاء الدم المعني بإيصال الأوكسجين من الرئتين إلى أنحاء الجسم أو "غسل الكلى" وهو الإجراء الذي يُتبع من أجل تخليص الدم من الشوائب، أما الجزء الآخر من الكلمة فهو "phobos" ويعني الخوف.

يُعدُّ رهاب الدم من أنواع الرهاب الشائعة، وفيه يشعر المصاب بالخوف من الدماء، سواء كانت دماءه أم دماء شخص آخر أم دماء حيوان أم صور دموية (المطبوعة منها والرقمية) أم حتى التفكير في موقف كان الدم جزءاً منه؛ لأنَّ كل هذه الحالات تذكرهم بالتعرض للإصابة أو باحتمال الموت.

أعراض رهاب الدم هيموفوبيا:

إنَّ أعراض رهاب الدم هيموفوبيا النفسية والجسدية قد تتشابه مع أعراض أنواع أخرى من الرهاب، وتظهر هذه الأعراض على الشخص المصاب برهاب الدم هيموفوبيا إذا ما تعرَّض لمنظر الدم في حياته الواقعية أو في الحياة الافتراضية على صفحات الإنترنت أو شاشة التلفاز، كما أنَّ التفكير في موقف كان فيه مشهد دموي سبب كافٍ لظهور أعراض فوبيا الدم على الشخص المصاب به، وكذلك بالنسبة إلى إجراء التحاليل المخبرية التي تحتاج إلى عينات _ وإن كانت بسيطة _ تُسحب من دم المريض.

إقرأ أيضاً: الرهاب من طبيب الأسنان، أسبابه، أعراضه، وأهم النصائح للتغلب عليه

أعراض رهاب الدم الجسدية عند البالغين:

عند التعرض لرؤية الدم أو استحضار موقف يتضمن مشاهد دموية، فإنَّ المصاب تظهر عليه أعراض فوبيا الدم الجسدية الآتية:

  • ضيق التنفس.
  • تسارع دقات القلب.
  • شعور بالضيق والألم في الصدر.
  • شعور بالدوار والدوخة.
  • الإحساس بالغثيان.
  • الارتعاش والرجفان.
  • البدء بالتعرق.
  • مشاعر متبدلة بين البرودة والسخونة.

تترافق الأعراض الجسدية لفوبيا الدم بمجموعة أعراض نفسية وعاطفية.

الأعراض النفسية لفوبيا الدم عند البالغين:

  • الشعور بالقلق والذعر الشديدَين.
  • الشعور بأنَّه غير واقعي ناتج عن الانفصال عن الذات.
  • الرغبة الملحة في الخروج من الموقف الذي يكون الدم جزءاً منه.
  • الافتقار إلى القدرة على التحكُّم بالذات.
  • يشعر المصاب بأنَّه يوشك على الموت.
  • الوعي إلى أنَّ مشاعر الخوف والذعر هذه مبالغ فيها وغير منطقية.

ملحوظة هامة: قد تسبب الإصابة بفوبيا الدم حالات الإغماء في الحالة التي يستجيب الجسم بها لمحفز رؤية الدم بما يسمى الاستجابة الوعائية المبهمة، وفيها يتناقص معدل ضربات القلب وينخفض مستوى ضغط الدم، مما يسبب الدوار والغياب عن الوعي.

أعراض رهاب الدم عند الأطفال:

تختلف أعراض رهاب الدم عند الأطفال عن أعراض رهاب الدم عند البالغين؛ إذ تكون استجابة الأطفال النفسية والجسدية لمحفز رؤية الدم مغايرة لاستجابة الشخص البالغ، فتكون الأعراض على الشكل الآتي:

  • الدخول في نوبات غضب شديدة.
  • التمسك والتشبث بأيِّ شخص بالغ يوجد بالقرب منهم.
  • البكاء الهستيري بصوت عال، والذي يصعب السيطرة عليه.
  • التواري عن الأنظار والانزواء بعيداً بسبب الدخول في صدمة بعد رؤية مشهد الدم.

شاهد بالفديو: 12 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف

أسباب رهاب الدم هيموفوبيا:

إنَّ أسباب رهاب الدم هيموفوبيا تكون عبارة عن مثيرات للجهاز العصبي الودي غير الإرادي؛ لذا فإنَّ رهاب الدم لا يكون واعياً ومرضياً، وإنَّ الأسباب التي تستثيره هي:

1. أسباب وراثية:

قد تكون الإصابة برهاب الدم هيموفوبيا نتيجة أسباب وراثية، يكون فيها أحد الوالدين أو كلاهما يعاني هذه الفوبيا، فتنتقل الصفة إلى الأبناء عبر الحمض النووي، الأمر الذي يجعل لدى الفرد حساسية مفرطة تجاه الدم واستعداداً لتشكل رهاب بسببه، كما يمكن أن يصاب الابن برهاب الدم على الرَّغم من سلامة أبويه منه بسبب طفرة جينية في مورثاته.

2. أسلوب التربية والتنشئة:

في حالات عديدة يكون سبب إصابة الفرد برهاب الدم هيموفوبيا ناتجاً عن الطريقة التي نشأ فيها؛ فالطفل الذي ينشأ بين أبوين يعانيان أو يعاني واحد منهما فوبيا الدم، ونجا من الإصابة المنتقلة عبر المادة الوراثية، قد تنتقل إليه الإصابة بطريقة الاكتساب؛ فالطفل يتبنى مواقف أبويه ومخاوفهما، فإذا ما رأى أحدهما يخاف ويذعر من رؤية الدم، فسيؤمن أنَّ فيه ما يثير الذعر والخوف، فيصاب برهابه.

قد يتربى الأطفال في بيئة يملؤها الحرص على السلامة وتهويل أي عارض صحي، فنرى الأهل يذعرون إذا ما سقط طفلهم في أثناء اللعب أو إذا ما أُصيب بجرح ما، مما يعزز فرصه في الإصابة بفوبيا الدم، كذلك الطفل الذي يتربى في وسط شديد الحذر يرى في منظر الدم والجرح تهديداً للحياة والصحة.

3. الصدمات النفسية:

إنَّ الصدمات النفسية تُعدُّ من أهم أسباب رهاب الدم هيموفوبيا؛ ففيها يتعرض الإنسان وخاصة في مراحل الطفولة المبكرة لموقف عنيف يكون الدم جزءاً من تفاصيله (كأن يفقد شخصاً عزيزاً في حادث مروري أمام عينيه)، فتتحول هذه الصدمة إلى رهاب حقيقي.

4. رائحة الدم:

قد تكون رائحة الدم سبباً من أسباب رهاب الدم هيموفوبيا؛ فللدم رائحة نافذة مميزة قد لا يسبق للإنسان أن تعرَّف عليها سابقاً في حياته، فإذا ما استنشقها للمرة الأولى أثارت حفيظة جهازه العصبي وخلقت لديه استجابة فيزيولوجية معينة، الأمر الذي غالباً ما نشاهده عند طلاب الطب والتمريض في بداية حياتهم الدراسية العملية.

علاج رهاب الدم هيموفوبيا:

إنَّ علاج رهاب الدم هيموفوبيا ممكن وغير مستحيل، وهو ضروري في الحالات التي يؤثِّر فيها سلباً في الحياة المهنية للفرد، ونقصد هنا المسعفين والأطباء والممرضين، أمَّا في الحالات التي تكون فيها احتمالات مواجهة الدماء قليلة فيمكن التغاضي عن فكرة العلاج، وفي حال قرر المريض التخلص من هذا الرهاب فيكون العلاج عبر الطرائق الآتية:

إقرأ أيضاً: أغرب 8 أنواع للفوبيا لم تسمع بها من قبل!

1. العلاج النفسي:

يمكن علاج رهاب الدم هيموفوبيا عبر جلسات العلاج النفسي مع الطبيب النفسي المتخصص؛ إذ يُفسح المجال للمريض في أثناء هذه الجلسات للحديث عن مشاعره والأحداث التي تعرض لها سابقاً، والتي من المحتمل أن تكون سبب الإصابة بهذه الفوبيا، فيقوم الطبيب النفسي بتقديم العون اللازم للمريض عن طريق ما يأتي:

  • إخبار المريض خلال الجلسات العلاجية التي يخضع لها ببعض الأفكار والاقتراحات والإرشادات التي من شأنها تخفيف رهاب الدم عنده، وأهمها يكون في تبسيط فكرة الخوف من الدم ومناقشتها منطقياً لإقناع المريض بالتخلي عن خوفه منه، وهذا ما يسمى العلاج المعرفي.
  • في مراحل متقدمة يقوم الطبيب بسبر استجابة المريض للنصائح التي قدَّمها له، ويقوم بتعريضه تعريضاً طفيفاً لصور أو مقاطع مرئية تحتوي دماً، ثم يقوم بالتصعيد تدريجياً من أجل مساعدة المريض على التغلب على هذه الفوبيا، وهذا ما يُسمى العلاج بالتعرض، ويُعدُّ هذا العلاج من أكثر أنواع علاج رهاب الدم فاعلية؛ إذ تظهر نتائجه الإيجابية منذ الجلسة الأولى.
  • في بعض الحالات في أثناء علاج رهاب الدم هيموفوبيا لا يكون من السديد اتباع طريقة المواجهة بوصفها علاجاً للمشكلة، كون هذا الأسلوب تحديداً في علاج رهاب الدم من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية، ويفاقم المشكلة، ويعقد السبيل نحو الحل في بعض الأحيان.

2. علاج رهاب الدم عن طريق الأدوية:

من أجل علاج رهاب الدم هيموفوبيا وتحديداً الحالات الشديدة منه، يلجأ المتخصصون إلى صرف أدوية للمريض من شأنها أن تخفف مشاعره بالتوتر والقلق، إذا لا علاج دوائي لفوبيا الدم تحديداً؛ إنَّما يكون العلاج الدوائي لتخفيف الأعراض والآثار من توتر وقلق.

3. علاج رهاب الدم بتقنيات الاسترخاء:

في صدد علاج رهاب الدم هيموفوبيا غالباً ما يلجأ المتخصصون لتدريب المرضى على الاسترخاء وتعويدهم على تقنياته، كما يقومون بمساعدتهم على التحكم بمشاعر التوتر والخوف التي تواجههم عند رؤية الدماء، ومن أشهر تمرينات الاسترخاء المستخدمة في علاج رهاب الدم نذكر رياضة اليوغا، وتمرينات التنفس العميق، وتمرينات التأمل التي تخفف من مشاعر القلق، وتساعد على تفريغها.

شاهد بالفديو: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

في الختام:

إنَّ رهاب الدم هيموفوبيا هو حالة شائعة من أنواع الرهاب، يعاني فيها الفرد خوفاً غير طبيعي من الدم سواء شاهده مباشرة أم فكَّر به أم رآه عبر الشاشات، ولا يعني هذا الرهاب خوف المريض من دمه فحسب؛ بل من أي دم يعود إلى إنسان أو حيوان، وإنَّ لهذا الرهاب أسباب عديدة منها ما هو وراثي أو نفسي أو مكتسب، ويمكن عند اللجوء إلى الطبيب المتخصص علاج هذا الرهاب والتخلص منه تدريجياً.




مقالات مرتبطة