رسومات الأطفال ودلالاتها النفسية

يلجأ معظم الأهالي إلى إعطاء أطفالهم أقلاماً وأوراقاً بيضاء وألواناً للرسم بهدف إلهائهم أو ضبطهم، ونجد أنَّ الأطفال يستمتعون وهم يمسكون الأقلام ويرسمون أشكالاً مختلفة ومتعددة، لكن هل يتوقف الأمر هنا، قليلٌ من المتعة والتسلية أم أنَّ ثمة شيئاً أهم وأعمق من ذلك؟



في الحقيقة، غالباً ما تحمل رسومات الأطفال دلالات نفسية هامة وخاصةً عند الأطفال الصغار الذين لم يتعلموا الكلام بعد، فهؤلاء يستخدمون الرسم بوصفه طريقة لقول ما يرغبون وما يريدون التعبير عنه وما يخافون منه، فالرسم إذاً يُعَدُّ وسيلة من وسائل تعبير الطفل عما يختلج داخله وما يجول في خاطره؛ إذ ترتبط رسومات الأطفال ارتباطاً وثيقاً بحالة الأطفال النفسية وبحاجاتهم ومخاوفهم؛ لذلك خصصنا هذا المقال للحديث عن الدلالات النفسية التي تحملها رسومات الأطفال.

1. لماذا يرسم الأطفال؟

الرسم لغة الطفل المصوَّرة، يعبِّر بها عن نفسه وعن العالم المحيط به وعلاقته به، فلا يرسم الأطفال بقصد تصوير الواقع ونقله كما هو؛ بل يرسمون في كثير من الأحيان الأشياء كما يرونها أو كما يحبون أن يروها، حتى إنَّ الرسم بالنسبة إلى معظم الأطفال وسيلة دفاعية يلجؤون إليها عندما يعانون من الضغط والتوتر والتعب والقلق.

لذلك يلجأ علماء النفس إلى رسومات الأطفال عندما يريدون فهم شخصياتهم وتحليل حالتهم النفسية، وهذا ما أكَّده "كارلوس باجويلو" المتخصص في علم النفس عندما قال: إنَّ الطفل يُعلِمنا بشخصيته بشكل رئيس من خلال سلوكه، لكنَّ الرسم مؤشر آخر يمكن أن يقدم لنا أدلة بالإضافة إلى ذلك على الكثير من مكنونات الطفل.

تعتقد منظمة "زيرو ثري" المتخصصة بالعناية بالأطفال أنَّ الرسم موهبة موجودة لدى جميع الأطفال وأنَّ هذه الموهبة كامنة تحتاج فقط إلى من يوجهها ويشجعها على الظهور.

توجد ثلاث مراحل يمكن تمييز قدرات الطفل على الرسم من خلالها:

  1. مرحلة الشخبطة: وفي هذه المرحلة لا تتجاوز رسومات الطفل بعض الخطوط والأشكال العشوائية التي لا يمكن فهمها وتمييزها.
  2. المرحلة الثانية: يبدأ الطفل في هذه المرحلة التعبير عن المحيط من خلال الرسم؛ فيرسم عناصر من هذا المحيط كالعصافير والأشجار والأزهار وفي أغلب الأحيان تكون هذه العناصر غير واضحة تماماً ويصعب فهمها.
  3. المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة تبدأ رسومات الأطفال تأخذ خطاً وشكلاً واضحاً، ويمكن فهمها وتمييز عناصرها بسهولة.

من الهام الإشارة وقبل خوض الحديث عن الدلالات النفسية لرسومات الأطفال أنَّه ليس بالضرورة أن تحمل هذه الرسومات معانٍ كبيرة ودلالات نفسية عميقة؛ لذلك لا يجب المبالغة في تحميلها أشياء غير موجودة، ولا يجب إسقاط الكثير من التفسيرات والتأويلات عليها إلا في حال ملاحظة الأهل لسلوكات وتصرفات يقوم بها الطفل وتدعم الدلالات النفسية التي تحملها تلك الرسومات.

ففي أحيان كثيرة يكون رسم الطفل مجرد تسلية وملء للوقت ليس أكثر، وقد يرسم أشكالاً غريبة لأنَّه شاهدها في أفلام الكرتون مثلاً أو لأنَّ خياله واسع لا أكثر؛ لذلك وقبل خوض رحلة البحث عن دلالات هذه الرسوم، كن حريصاً على مراقبة ومتابعة تصرفات طفلك عموماً، واسأله عن غايته من الرسومات التي يرسمها وقصده من ورائها، وقد يكون هذا سبيلاً لفتح نقاش وحوار مع الطفل يساعدك أكثر على فهمه ومعرفة مقصده وغايته.

شاهد بالفديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

الصحة النفسية للطفل: أهميتها، وطرق الاهتمام بها

2. الدلالات النفسية لرسومات الأطفال:

يستخدم بعض الاختصاصيين النفسيين رسومات الأطفال للبحث عن مخاوفهم والمشكلات التي يعانون منها، فكل خط وكل انحناءة وكل شكل له دلالة معينة علينا فهمها لنكوِّن صورة واضحة عما يريد أطفالنا قوله.

فيما يأتي بعضٌ من هذه الدلالات:

1. نلاحظ أحياناً في رسومات أطفالنا تكبير بعض الأعضاء دون غيرها كرأس كبير أو يد كبيرة أو جسم شخص كبير على خلاف بقية شخصيات رسوماته، فقيام الطفل بتكبير هذه الأعضاء دليلٌ على تعرضه لاعتداء أو أذى جسدي أو نفسي، فقد يكون الطفل معنَّفاً من قِبل أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة أو حتى أحد رفاقه في المدرسة.

في حال رسم الطفل الأب صغيراً والأم كبيرة فهذا يدل على أنَّ الطفل يَعُدُّ الأم الشخصية المحورية والمسيطرة في المنزل، أو يدل على غياب الأب وعدم ممارسته لدوره في التربية بشكل صحيح، ويمكن أن تأخذ هذه الرسومات منحىً آخر لتدل على تكبُّر الطفل وعجرفته وأنانيته، وفي كلتا الحالتين يجب متابعته لمعرفة السبب الحقيقي الذي يدفعه للرسم بهذه الطريقة.

2. إنَّ رسم الطفل لأشكال صغيرة يدل غالباً على شعوره بالظلم والإهمال والاضطهاد والتجاهل، فالطفل السَّوي يميل إلى رسم الأشخاص والأشياء والأشكال المختلفة بشكلها الحقيقي وحجمها الطبيعي، فإذا رسم الطفل نفسه صغيراً مقارنةً مع غيره فهذا يدل على أنَّ الطفل غير واثق بنفسه.

3. فيما يخص ملامح الوجه سنذكر الدلالة التي يحملها رسم كل جزء على حدة؛ فرسم وجهٍ خالٍ من الملامح يدل على شخصية انطوائية، ورسم وجوه قبيحة يدل على أنَّ الطفل يعاني من كثرة الخلافات داخل منزله وبين والديه؛ وهذا ما جعله يشعر بالكره والحقد تجاه كل شيء حوله ويظهر هذا الكره من خلال رؤية القبح والبشاعة دائماً.

رسم الجسم دون رقبة قد يدل على كون الطفل يشعر بوجود عقبات وصعوبات أمامه، وأنَّ الأهداف التي يسعى إليها صعبة المنال، وعلى النقيض من ذلك فرسم الرقبة الطويلة يدل على الطموح الكبير، والعيون الكبيرة تعني أنَّ الطفل مستاء لأنَّه يشعر أنَّه مراقب أغلب الوقت.

رسم الوجوه الحزينة دليلٌ مباشرٌ على حزن الطفل ورغبته بالتعبير بشكل صريح عن حزنه، ورسم الوجه دون عيون دليل على خوف الطفل من الآخر ومن التعامل مع الناس الجدد، أما رسم الفم الكبير ينتشر كثيراً في رسومات الأطفال العدوانيين فهو يدل على رغبة الطفل الكبيرة بالصراخ ولفت الانتباه وقد يدل أيضاً على شعوره بالحاجة إلى الكلام والحاجة إلى من يستمع له.

رسوم الأطفال

4. رسم الأيدي قصيرة دليل على الانطوائية ورسمها طويلة يدل على حاجة الطفل لعائلته، ورغبته في مزيد من التواصل مع المحيطين به، وعموماً فإنَّ وجود الأيدي والأذرع في رسومات الأطفال يعبِّر عن مكنونات الشخصية من طموح وثقة وعدوانية أو شعور بالخجل أو الضعف أو الذنب، وعندما يرسم الجسم دون أيدٍ أو أرجل فهو دليل على إحساسه بالعجز وعدم معرفة كيف يتصرف.

5. أيضاً لطريقة مسك الطفل للقلم دلات مختلفة؛ فالضغط بصورة مستمرة وشديدة تعني أنَّ الطفل عدواني أو انفعالي، وإذا كان الضغط خفيفاً يدل على خوف الطفل من التعبير بشكل صريح عما يجول في خاطره.

6. الرسم من اليسار إلى اليمين يدل على حاجة الطفل إلى الرعاية والاهتمام وإلى الحنان والحب من أهله، والرسم في الجزء الأيمن يدل على أنَّ الطفل بحاجة إلى التواصل ويتطلع إلى المستقبل، والرسم في أسفل الصفحة يدل على عدم شعور الطفل بالأمان.

7. استخدام الألوان يعكس نفسية الطفل، فاستخدام ألوان هادئة مثل الأخضر والأزرق وغيرها يدل على التوازن النفسي، في حين التركيز دائماً على اللون الأسود فيدل على حزن الطفل، أما الإفراط في استخدام اللون الأحمر إنَّما يدل على العدوانية، ويُعَدُّ اللون الأحمر أكثر الألوان المستخدَمة في رسومات الأطفال؛ وذلك لأنَّه دليلٌ أيضاً على الابتهاج والحركة والطاقة الكبيرة التي يمتلكها الطفل، فاستخدام الطفل للألوان الزاهية في تلوين أشخاص معينين دليل على حبه لهم، أما استخدامه للألوان القاتمة دليل على كرهه لهم.

إقرأ أيضاً: الألوان وتأثيرها على الحالة النفسية والمزاجية للأطفال

8. رسم الطفل للحيوانات يعني أنَّه يحب الآخرين ويحب تقديم المساعدة لهم، وتكرار رسمه للسلالم دليل على أنَّه متفائل، وعندما يكرر رسم نفسه في حضن أمه فهذا دليل على شعوره بالحاجة إلى أمه ونقص الحنان.

9. من الجدير بالذكر أيضاً أنَّ رسومات الأطفال قد تدل أيضاً على وجود بعض المشكلات المعرفية عند الطفل، كرسم الأشكال بالمقلوب أو استخدام الممحاة بشكل مستمر ومبالغ فيه.

توجد بعض الاختبارات التي يتم فيها استخدام الرسوم للبحث عن مشكلات الطفل النفسية، مثل اختبار (H T P)؛ ويعني اختبار منزل شجرة شخص؛ إذ يُطلب من الطفل رسم العناصر الثلاثة السابقة وكل عنصر منها يحمل دلالات معينة، فالشجرة مثلاً تدل على مدى شعوره بالفرح ومقدار إقباله على الحياة، في حين رسم البيت يساعد على التعرُّف إلى شخصية الطفل أكثر.

لأنَّ الرسم أداة الطفل في التعبير عن مشاعره وعلاقته بالأشياء المحيطة به، لا يجب التدخل فيما يرسمه أو إملاء الأوامر عليه أو السخرية من رسوماته مهما بدت مضحكة بالنسبة إليكم أو غير منطقية؛ لأنَّ مثل هذه التصرفات كفيلة بجعله يكره الرسم، وبذلك تحرمه من فرصة التعبير عن نفسه وعن مشاعره.

إقرأ أيضاً: كيف تؤثر الألوان على المزاج والعواطف؟

في الختام:

يجب أن نتفق على أنَّ الرسم هام جداً في نمو أطفالنا وتطورهم وتكوين شخصياتهم؛ لذلك يجب إعطاء هذا الجانب الأهمية التي يحتاجها وعدم إهمالها أو تجاهلها أو حرمان الطفل منها؛ لأنَّ ذلك قد يكون سبباً في بعض المشكلات النفسية للطفل أولها الكبت، كما أنَّ إفساح المجال للطفل ليرسم قد يكشف عن موهبته وقدراته الإبداعية.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة