دور القانون الدولي في حماية المرأة من العنف الجنسي

العنف الجنسي ضد المرأة ظاهرة خطيرة ليست وليدة العصر الحالي؛ بل هي ظاهرة ضاربة في التاريخ الإنساني وقديمة قِدَم البشرية، تهدِّد حياة المرأة ووجودها الإنساني، وما زال الحديث عن قضية العنف الج نسي ضد المرأة تشغل الرأي العام العالمي، فلم ينفك الإعلام يوماً عن الحديث والتذكير بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة، حتى يخيل للسامعين أنَّ معاناة المرأة في طريقها إلى الزوال؛ لكنَّ ما يجري في العالم من أحداث لا سيما النزاعات المسلحة التي حملت معها آثاراً مدمرة على الإنسان عامة وعلى النساء خاصة؛ تبقي النساء المتضرر الأكبر فيها لا سيما إن كانت تلك النزاعات في المجتمعات التي لا تتمتع المرأة فيها بمكانة مساوية للرجل.



في الواقع أضحى العنف الجنسي ضد النساء وسيلة حرب تمارس في النزاعات المسلحة خاصة لقهر الطرف الآخر وإذلاله وإجباره على الخضوع، فأصبح العنف الجنسي ضد المرأة من الخصائص المميزة للنزاعات المسلحة في العصر الحالي، نظراً لتلك الحالة التي يندى لها الجبين سعت الجهات المعنية بحقوق الإنسان إلى الدفاع عن المرأة وحقوقها وتوفير الحماية القانونية الدولية لها؛ إذ أقرت مجموعة من القوانين والتشريعات لإبعاد النساء عن الأخطار المحدقة بهنَّ وحمايتهنَّ من الأعمال العدائية، وتركِّز تلك القوانين خاصة على حمايتهم من العنف الجنسي.

أولاً: مفهوم العنف الجنسي ضد المرأة:

العنف الجنسي هو فعل ذو طبيعة جنسية يمارس ضد شخص خاضع لظروف إجبارية وقسرية وكلمة "ذو طبيعة جنسية" تحمل دلالات متنوعة فقد يتراوح بين التلفظ بألفاظ ذات إيحاءات جنسية وإكراه إلى الإيلاج، فهو لا يقتصر على العنف الجسدي؛ بل يمكن أن يكون أيضاً عنفاً شفوياً ونفسياً؛ فالعنف الجنسي يشمل الممارسات الجنسية كلها التي تحدث ضرراً لطرف العلاقة الآخر.

ترى "منال محمود المشني" في كتابها (حقوق المرأة بين المواثيق الدولية وأصالة التشريع الإسلامي) أنَّ العنف الجنسي يُقصد به: بأنَّه أي علاقة جنسية أو محاولة للحصول على علاقة جنسية أو تمهيدات جنسية أو أية أعمال موجهة ضد جنسه باستخدام الإكراه، يقترفها شخص آخر مهما كانت العلاقة القائمة بينهما وفي أي مكان، ويشمل العنف الجنسي الاغتصاب.

في تقرير خاص عن العبودية الجنسية والاغتصاب المنهجي والممارسات الشبيهة بالرق خلال فترة النزاع المسلح 1998 عُرِّف العنف الجنسي بأنَّه (أي عنف بدني أو نفسي ينفذ بوسائل جنسية أو باستهداف الجنسانية، ويغطي العنف الجنسي الاعتداءات البدنية والنفسية الموجهة إلى الخواص الجنسية للشخص، مثل حمل الشخص على التجرد من ملابسه علناً أو تشويه الأعضاء التناسلية للشخص أو تقطيع ثدي المرأة).

جاء في الإعلان العالمي لمناهضة أشكال العنف ضد المرأة في عام 1963م بأنَّه (أي فعل أو اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي ينجم عنه أو يتسبَّب في إحداث إيذاء أو معاناة وألم جسدي أو جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء في إطار الحياة العامة أم الخاصة.

ثانياً: صور العنف الجنسي ضد المرأة:

  • الاغتصاب: الاغتصاب هو انتهاك لكرامة المرأة الضحية، ويقصد به مواقعة الأنثى دون رضاها.
  • الاستغلال الجنسي:  هو كل فعل جنسي يمارَس بحق الأطفال أو اليافعين أو أمامهم.
  • ختان الإناث: تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
  • عنف المهر: هي من العادات الشائعة في مناطق جنوب آسيا لا سيما في الهند؛ إذ تُحرق العروس ويقتلها زوجها أو عائلته بسبب الاستياء من المهر الذي قدمته لها عائلتها.
  • تسطيح الثدي: ويعرف أيضاً بـِ (كي الثدي)؛ فيُكوى ثدي الفتاة اليافعة ويُسحق لمنعه من النمو، وجعله يختفي تماماً من أجل جعل الفتاة أقل جاذبية للرجال، وغالباً ما تُمارس هذه العادة في وسط أفريقيا وجنوبها.
  •  سوء معاملة الأرامل والتضحية بهن: تتعرض النساء الأرامل في مناطق مختلفة من العالم لممارسات تقليدية خطيرة، مثل وراثتها والتضحية بهن، كما يحدث في مناطق عدة من الهند ضمن ما يعرف بطقس (الستي)؛ إذ تقوم فيه المرأة التي مات زوجها بحرق نفسها طوعاً أو كرهاً مع جثة زوجها.
  • العنف ضد اللاجئات والمهاجرات والنازحات: تتعرض هذه الفئات من النساء للعنف بأشكاله لا سيما الجنسي، ولا يتواصلن مع السلطات في البلدان الجديدة؛ بسبِّب الخوف من الترحيل أو لأنَّهم لا يعرفن قوانين البلد أو لغته.
  • جرائم الشرف: من أكثر أشكال العنف الشائعة ضد المرأة في مناطق كثيرة من العالم يرتكبها أحد أفراد أسرة المرأة (والداها أو أخيها أو زوجها أو عمها أو خالها)؛ بحجة أنَّ المرأة جلبت العار للعائلة ويجب تطهير هذا العار.
  • الزواج القسري: تزويج المرأة دون موافقتها تحت التهديد الجسدي والنفسي.
  • العنف الجنسي الإلكتروني: مثل تصوير العنف الجنسي ونشر الإباحية، وكذلك انتهاك الخصوصية ونشرها عبر الشبكة.
إقرأ أيضاً: معلومات هامة عن التحرش الجنسي عند الأطفال

ثالثاً: تجريم العنف الجنسي ضد المرأة في الاتفاقيات والإعلانات الدولية:

 يهدف المجتمع الدولي ويسعى جاهداً إلى توفير الحماية للمرأة من أشكال العنف الممارَس ضدها؛ إذ أقرَّ المجتمع الدولي تجريم العنف الجنسي من خلال:

1. اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907م:

نصت الاتفاقية في المادة 46 على احترام شرف الأسرة، وهذا يفرض الامتناع عن عمليات العنف الجنسي بحق النساء.

2. اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م:

تضمنت هذه الاتفاقيات حماية النساء في أوقات النزاعات المسلحة من اعتداءات محددة، فقد أرست اتفاقية جنيف الرابعة لحماية السكان المدنيين، والذي تضمن حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن، ولا سيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن.

3. لبروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف الصادرة في 1977م:

أكَّد البرتوكول الأول في مادتي (75 و76) على أن تكون النساء موضع رعاية واحترام خاص، وأن يتمتعن بالحماية ضد الاغتصاب والإكراه والدعارة وضد أي صورة من صور خدش الحياء.

نصَّ البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف على حظر انتهاك الكرامة الإنسانية والاغتصاب والإكراه على الدعارة بصورة شاملة مكاناً وزماناً، وكل ما من شأنه خدش الحياء.

4. اتفاقية سيداو CEDAW اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979م:

تُعدُّ هذه الاتفاقية بمنزلة إعلان عالمي لحقوق المرأة وخطوة جادة في طريق حماية المرأة من أشكال التمييز ضدها؛ إذ تضمنت موادها فرض التزامات على الدول لحماية المرأة، فقد نصت المادة السادسة من هذا الاتفاق على أن (تتخذ جميع الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، ومن ذلك التشريعية منها لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة).

5. الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب:

دخل هذا الميثاق حيز النفاذ في عام 1986م، وقد أكَّد سلامة المرأة الجسدية والمعنوية وعُدَّ ذلك من الحقوق الثابتة لها، والتي لا يجوز الإخلال بها، ولا يجوز الاعتداء عليها بأي شكل، وإلا عُدَّ ذلك إجراء تعسفياً، وهذا يدخله في نطاق العنف الجنسي.

6. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م:

أكَّد هذا الإعلان حق الإنسان بالتمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز من أي نوع، كما نصت المادة الرابعة من هذا الإعلان على (أنَّه لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما).

إقرأ أيضاً: اليوم العالمي للمرأة بين الورود والهواجس

7. إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1967م:

وضع هذا الإعلان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1967م، التزاماً على الدول باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الاتجار بالمرأة واستغلال بغائها.

8. إعلان القضاء على العنف ضد المرأة عام 1993م:

أكَّد هذا الإعلان في مواضع عدة أنَّ العنف الجنسي من أعمال العنف ضد المرأة، وجاء في المادة الثانية منه، يفهم بالعنف ضد المرأة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:

  • العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار الأسرة، مثل الضرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث واغتصاب الزوجة وخِتان الإناث، وغيره من الممارَسات التقليدية المُؤذية للمرأة، والعُنف غير الزوجي، والعُنف المرتبط بالاستغلال.
  • العُنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار المجتمع العام، مثل الاغتصاب والتعدي الجنسي والمُضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل، وفي المؤسسات التعليمية، وأي مكان آخر والاتجار بالنساء وإجبارهن على البغاء.
  • العنف البدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه أينما وقع.

9. إعلان فيينا 1993:

صدر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في عام 1993م، وعبَّر عن قلقه تجاه الانتهاكات بحق المدنيين، لا سيما النساء في زمن النزاعات المسلحة.

10. برنامج عمل بكين 1995:

صدر إعلان بكين عن المؤتمر العالمي لحماية المرأة المنعقد في بكين عام 1995م؛ إذ ركَّز على الحقوق التي يجب أن تتمتع بها المرأة، كما أشار إلى خطر النزاعات المسلحة على حقوق المرأة.

11. القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي لحماية المرأة من العنف الجنسي:

  • القرار 1325: صدر في 31 تشرين الثاني من عام 2000م، وتناول موضوع حماية النساء في أثناء النزاعات المسلحة.
  • القرار1820: صدر في عام 2008، وحثَّ على حماية المدنيين، بما فيهم النساء من أشكال العنف الجنسي جميعه.
  • القرار 1888: صدر في عام 2009م أُنشئ بموجبه مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع الذي يعزز من قدرات الحكومات على التصدي للعنف الجنسي.
  • القرار 1889: صدر في عام 2009م، طالب أطراف النزاع بإدانة جميع انتهاكات القانون الدولي بحق النساء والفتيات في حالات النزاعات المسلحة، ومحاكمة المسؤولين عن جميع أشكال العنف التي تُرتكب بحق النساء.
  • القرار 1920: صدر في عام 2010م، وقد اهتم بالمرأة والسلام والأمن وحثَّ على اللجوء إلى القضاء للحصول على تعويضات والإبلاغ عن العنف الجنسي.
  • القرار 2106: صدر في عام 2013م، وأكَّد تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ضد العنف الجنسي في النزاعات المسلحة.
  • القرار 2122: صدر في 2013م، وأكَّد أهمية المساءلة وإجراء تقييم لمعرفة التقدم المحرز في تنفيذ القرار 1325.
إقرأ أيضاً: سيكولوجية التحرش الجنسي

في الختام:

تعاني المرأة منذ الأزل جميع أشكال العنف والسلوكات الموجَّهة ضدها، ونظراً لتلك الحالة أخذ موضوع حماية المرأة بُعداً دولياً وأصبح من الموضوعات الرائجة على المستوى العالمي؛ إذ دأبت منظمة الأمم المتحدة على محاربة العنف ضد المرأة في أوقات الحرب والسلم، إضافة إلى تعزيز حقوقها والسير بها نحو المساواة مع الرجل؛ لأنَّ العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان وجريمة تستهدف الإنسانية؛ فالعنف هو من الأفعال المشينة التي تهدد حق المرأة في الحياة وتهدد أمن المجتمع وإنسانيته.




مقالات مرتبطة