دليلك إلى اليقظة الذهنية

لا يدعم العالم الذي نعيش فيه اليوم الصحة الذهنية أو العافية، حيث نتعامل باستمرار مع الكثير من الصور والمعلومات من خلال أجهزتنا المتعددة، ويبدو أنَّ فصل الحياة المهنية عن الحياة الشخصية أصبح من الماضي، وفي الوقت الذي اعتقدنا فيه أنَّه لم يَعُد بإمكاننا التعامل مع مزيد من التوتر، أو القيام بمزيد من المهام، وجدنا أنفسنا وسط جائحة عالمية.



كان من المتوقع أن نُعدِّل معظم حياتنا التي نقضيها في حالة اليقظة -أي كيف كنا نعمل، ونربِّي أطفالنا ونعلِّمهم، ونعتني بصحتنا الجسدية، ونتواصل اجتماعياً مع أحبائنا- والتكيف بين عشية وضحاها. عانى الكثير من الناس من مشاعر صعبة بسبب عدم اليقين وعدم الاستقرار على مستوى العالم، وبدا أنَّ الاستقرار أمر غير قابل للتحقيق على المدى المنظور.

ماذا لو علمتَ أنَّه من خلال التلويح بعصا سحرية لمدة لا تزيد عن خمس دقائق في اليوم، قد تشعر بانخفاض في الأعراض المرتبطة بالاكتئاب والقلق والألم والأرق، حيث يمكِنك تعزيز قدرتك على الانتباه، وتكوين ذكريات طويلة الأمد، وحماية نفسك من التدهور المعرفي، وزيادة قدرتك على تبنِّي وجهات نظر، وزيادة المادة الرمادية في دماغك التي ترتبط بالوعي الذاتي والحنان، وتقليص المادة الرمادية المرتبطة باجترار الأفكار والقلق والشرود الذهني، والتفاعل بإيجابية، وامتلاك حرية الاختيار، وتخفيض هوسك بنفسك وماضيك، وزيادة شعورك في اللحظة الحالية؟

فهل توافق على التلويح بتلك العصا باهتمام كل يوم؟ لا بُدَّ أنَّك ستوافق، فالمقصود بالضبط هنا هو تأمُّل اليقظة الذهنية، التي لديها القدرة على القيام بكل ذلك وأكثر إذا مارستَها كل يوم. وفي الوقت الحاضر، يجب أن نفكر في العام الماضي، مع التركيز على العام المقبل؛ إذ سيكون من الأهمية بمكان أن نُحدِّد المهارات الأساسية التي نفتقر إليها، ونؤكد على حاجتنا إلى التعلم لنكون ناجحين في عام 2021.

بالنظر إلى أنَّ عقولنا تؤدي دوراً رئيساً في تحديد حالة صحتنا العقلية والبدنية، بالإضافة إلى جودة حياتنا، سيكون من الضروري أن نبدأ بها، وقبل البدء في إعداد قائمة "مهام" تضم الأساليب السلوكية المعرفية أو التفكير الإيجابي، يجب أن تعلم أنَّ المهارة الأساسية للصحة العقلية الجيدة هي القدرة على تهدئة العقل، وأن تعيش الحاضر. ومن هنا تأتي أهمية "تدريب العقل"، والذي يشار إليه أيضاً باسم "تأمُّل اليقظة الذهنية".

شاهد بالفيديو: 8 خطوات بسيطة لتعزيز قدراتك الذهنية

ما هو تأمُّل اليقظة الذهنية؟

يخلط معظم الناس بين تأمُّل اليقظة الذهنية وحالة الاسترخاء التام، وعدم وجود أفكار في أثناء الجلوس على وسادة وممارسة التأمل، ويعتقد بعضهم الآخر أنَّها ممارسة دينية مرتبطة بالديانات الشرقية، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ تأمُّل اليقظة الذهنية لا يمت بصلة لأي مما سبق.

فكِّر في تأمُّل اليقظة الذهنية بكونها نادٍ للدماغ، مما يعني تدريب عقلك على أن يكون في اللحظة الراهنة من خلال التركيز على نقطة الارتكاز، والتي هي بالنسبة إلى معظم الناس، أنفاسهم، وعندما تظهر الأفكار -كما هو الحال مع أكثر المتأملين مهارةً- تكون المهارة حينئذ هي قدرتك على إعادة توجيه نفسك إلى أنفاسك برفق ولطف.

كما يجب الإشارة إلى أنَّ العيش اليقظ يختلف عن التأمل اليقظ؛ فالعيش اليقظ هو في الواقع المشاركة في نشاط واحد في كل مرة، وتركيز انتباهك كله على هذا النشاط بعقلك وحواسك الخمس، مثل: المشي اليقظ أو الأكل اليقظ أو التحدث اليقظ، أما اليقظة الذهنية، فهي الممارسة الرسمية لتركيز انتباهك على جزء واحد من الجسم أو التنفس، وممارسة تركيز انتباهك على شيء واحد في كل مرة، تقوي أجزاء الدماغ المرتبطة، مما يؤدي إلى العديد من الفوائد للعقل والجسم.

إقرأ أيضاً: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

ما أهمية تأمُّل اليقظة الذهنية؟

  1. يساعد على تنمية مراقبة الذات: من خلال التركيز على شيء واحد، وهو أنفاسك، ومعرفة كيفية إعادة توجيه أفكارك عندما تظهر، ستصبح مدركاً تماماً لحقيقة أنَّك لستَ أفكارك، وكلما أصبحَت مراقبة الذات هذه أقوى من خلال الممارسة اليومية، تصبح جزءاً منك يساعدك على معرفة الأفكار اليومية التي تريد التخلي عنها، والأفكار التي تريد تعزيزها.
  2. يساعدك على عيش حياة تتفق مع قيمك: من خلال ممارسة اليقظة الذهنية، أنت تقوي المراكز المسؤولة عن التنفيذ في عقلك، وتتعلم كيفية تهدئة العقل، وعند القيام بذلك، يصبح من السهل عليك ألا تتأثر بصوتك الداخلي أو الظروف الخارجية، فممارسة تأمُّل اليقظة الذهنية هي أن يكون لديك شخصية قوية تُمكِّنك من اختيار الأفكار التي تتفق مع قيمك والاستجابة لها، بدلاً من أن تكون ضحيةً لظروفك الداخلية والخارجية.
  3. يزيل المخاطر من الأمراض كلها: تُوضِّح أحدث الأبحاث أنَّه لا يوجد فرق بين العقل والجسم، حيث يؤكد الباحثون في مجال علم الغدد الصماء النفسي والعصبي المناعي هذه الفكرة بالضبط: العقل السليم في الجسم السليم والعكس بالعكس؛ ونظراً لأنَّنا نعيش في عالم يُمكِّننا ويشجعنا على أن نكون في حالة يقظة باستمرار، فإنَّ عقولنا وأجسادنا في حالة نشاط شديد، ومن الناحية البيولوجية، يعني هذا أنَّ أجسامنا لا تتعافى أو تستريح أبداً، مما يزيد من الالتهاب في عقولنا وأجسادنا، أما من الناحية العقلية، فهذا يعني أنَّنا نعيش دائماً على حافة الإنهاك، وهذه الحالة المستمرة من الالتهاب تُسبب فوضىً في أجسامنا مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض، مثل: أمراض المناعة الذاتية وأمراض القلب، وأمراض الجهاز الهضمي والسرطان، فكل مرض هو التهاب في جوهره، ومن خلال ممارسة تأمُّل اليقظة الذهنية، وتعطيل نظام "الكر أو الفر" بفاعلية، وتشغيل نظام "الراحة والاسترخاء"، فأنت بذلك تحمي نفسك من مخاطر الأمراض العقلية والجسدية الرئيسة.
إقرأ أيضاً: 7 خطوات لممارسة اليقظة الذهنية والتخلص من القلق والتوتر

كيف يمكِنك أن تبدأ رحلة تأمُّل اليقظة الذهنية؟

قد تتخذ نشاطات اليقظة الذهنية أشكالاً متعددة، ولكن بشكل عام، يتضمن تمرينات التنفس وإدراك الجسد والعقل، والهدف هنا هو التركيز على شيء واحد بنجاح، مثل: التنفس أو الصوت أو الإحساس أو أي شيء آخر.

  1. تقسيم الخطوات الصغيرة إلى خطوات أصغر: ابدأ بأصغر خطوة نحو هذا الهدف، وابنِ الزخم بدءاً منها، فلن يبدأ معظم الناس في التأمل لمدة 10-15 دقيقة يومياً؛ لذا ابدأ بدقيقة واحدة مرات عدَّة في اليوم، واستمِر بفعل ذلك، فالهدف هو التمرن في الوقت نفسه كل يوم، وزيادة الوقت تدريجياً.
  2. فحص الجسم: عندما يبدأ الناس لأول مرة، يجدون صعوبةً في التركيز على التنفس؛ لذا حاوِل مشاهدة مقطع فيديو على "يوتيوب" (YouTube) يشرح لك طريقة فحص الجسم، حيث يُعَدُّ فحص الجسم طريقةً بسيطةً ومنظمةً للتواصل مع الأجزاء المختلفة من جسمك، ويتضمن الفحص مسحاً منهجياً للجسم بواسطة العقل، مما يؤدي إلى التركيز باهتمام وحنان على أجزاء الجسم المختلفة.
  3. التحلي بالصبر: لن ترى نتائج تأمُّل اليقظة الذهنية على صحتك العقلية والجسدية على الفور، تماماً كما لو بدأتَ ارتياد صالة الألعاب الرياضية، ومارستَ رفع أثقال بوزن 2 كجم، فلن ترى نتائج فورية في كتلة عضلاتك؛ بل ستحتاج إلى التمرن باستمرار، وزيادة الكثافة حتى ترى النتائج بمرور الوقت.
  4. ممارسة نشاطات أحادية التفكير: مثل: الشطرنج والألغاز والتلوين والخياطة واليوغا، وما إلى ذلك، مما يساعد على تعزيز اليقظة الذهنية من خلال الأنشطة اليومية.

من خلال المواظبة والتفاني في التأمل اليقظ، نحصل على فوائد لا حصر لها. ومع انتهاء عام 2020، نعلم جيداً مقدار الضغط والتوتر اللذان يُثقلان كاهلنا، فنحن كبشر نميل إلى الاستسلام لهذه الضغوطات، ولكن مع نظرة واعية للحياة وممارسة التأمل بانتظام، يمكِنك تثبيت نفسك في اللحظة الحالية، واستعادة التركيز على المستقبل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة