خيارات بديلة عن المسكنات الأفيونية (Opioids)

أثار دور الأطبَّاء في أزمة المسكِّنات الأفيونية الحالية جدلاً واسعاً رغم وجود احتمال ضعيف لقدرتهم على الحدِّ منها؛ وذلك لأنَّهم يستطيعون اللجوء إلى طرائق بديلة في إدارة الألم عوضاً عن وصف الأدوية المسببة للإدمان الشديد.



يعدُّ وصف الأطباء لمسكِّنات الألم القوية أحد العوامل الرئيسة لأزمة المواد الأفيونية التي تتسبب في وفاة 115 مواطناً أمريكياً يوميَّاً؛ إذ أودت بحياة ما يقارب 200000 شخص بين عامي 1999 و2016، وتكلِّف 78.5 مليار دولار سنويَّاً عند وضع مسائل الرعاية الصحية وتطبيق القانون في الحسبان.

طُرِحَت معادلة على الشكل الآتي: يقوم الأطبَّاء بوصف مسكِّنات الألم، فيدمن عليها المرضى، لينتهي بهم المطاف بتعاطي المخدرات غير المشروعة.

يسعى الأطبَّاء في الواقع إلى مساعدة المرضى على إدارة الألم ويصفون الأدوية وفقاً لذلك، إلَّا أنَّ العديد من المرضى يسيئون استخدام الوصفات الطبية ويلجؤون للمخدرات في النهاية، إذ يُقدَّر أنَّ حوالي 21-29% من المرضى الذين يتناولون المسكنات الأفيونية في حالات الألم المزمن يسيئون استخدامها، وأنَّ 8-12% من هؤلاء يصابون باضطراب تعاطي المواد الأفيونية، كما بيَّنت الدراسات أنَّ 80% من مدمني المخدرات يبدؤون إدمانهم بتعاطي الوصفات الدوائية.

لا يمكن إنكار وجود أطبَّاء معدومي الضمير في العالم، ومع ذلك يجب وضع مسؤولية المريض بالحسبان عند النظر في الأسباب الجذرية لأزمة المسكِّنات الأفيونية، وكذلك دور شركات الأدوية التي سوَّقت لمسكِّنات الألم في منتصف التسعينيات مدَّعيةً أنَّها لا تسبِّب الإدمان، وعلى رأسها شركة بوردو فارما (Purdue Pharma) المصنِّعة لدواء أوكسيكونتين (OxyContin).

تم إطلاق الدواء عام 1995، وتمكَّنت الشركة بفضله من تحقيق أرباح تقارب 35 مليون دولار عام 2017 وفقاً لصحيفة واشنطن بوست (Washington Post).

أقرَّت الشركة بالتُّهم الجنائية المتعلِّقة بالترويج لدواء أوكسيكونتين عام 2007، وأقرَّ 3 من كبار المديرين التنفيذيين بالجرم، ويُقال أنَّ الشركة دفعت غرامات تزيد عن 634 مليون دولار، وأفادت صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) بأنَّ وثائق وزارة العدل (Justice Department) دحضت ادعاءات الشركة المتعلقة بعدم معرفتها بإساءة استخدام الدواء إلَّا بعد وقت طويل من إطلاقه.

ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنَّ الشركة أعادت تركيب دواء أوكسيكونتين عام 2010 بحيث يتعذَّر استنشاقه أو حقنه، ومع ذلك تمت مقاضاة الشركة عام 2015 من قبل ولاية كنتاكي (Kentucky) التي تضرَّرت بشدَّة من أزمة المسكِّنات الأفيونية، وتمَّت التسوية بين الأطراف خارج إطار المحكمة مقابل مبلغ 24 مليون دولار دون إقرار الشركة بارتكاب أي مخالفات.

إقرأ أيضاً: كيفية قراءة النشرة المرفقة مع الدواء بشكل صحيح

ما تزال الأزمة مستمرة؛ إذ تتزايد أعداد وفيات الأمريكيين نتيجة تناول جرعات زائدة من الوصفات الدوائية أكثر من أي سبب وفاة آخر، وتحتل الأزمة المركز الثاني بين الأسباب الرئيسة المسببة للوفاة ضمن الفئات العمرية 18-30.

يحاول الأطبَّاء في مجال الطب الطبيعي خصوصاً الحدَّ من تفاقم الأزمة عبر استخدام أساليب بديلة لإدارة الألم، وينطبق هذا الوصف بصورة خاصة على الخبراء بخيارات إدارة الألم غير الجراحية كالأدوية الخالية من المواد الأفيونية مثل الأسبيرين (aspirin)، والإيبوبروفين (ibuprofen)، والأسيتامينوفين (acetaminophen).

توجد عدة خيارات أخرى ومنها ما يأتي:

1. الوخز بالإبر (ACUPUNCTURE):

يُعدُّ الوخز بالإبر أحد الفنون العلاجية الصينية التي ظهرت قبل 2000 عام، وتقوم على إدخال الإبر عبر الجلد في نقاط معيَّنة من جسم المريض، وقد أثبتت هذه الطريقة فاعليتها في تسكين الألم.

يعزو الخبراء فاعلية الوخز بالإبر إلى تحفيز الأعصاب والعضلات والنسيج الضام، وهو ما يؤدي بدوره إلى تنشيط مسكنات الألم الطبيعية في الجسم.

2. العلاج المائي (AQUATIC THERAPY):

العلاج المائي من أساليب العلاج الطبيعي التي تتم في حوض سباحة بمساعدة اختصاصي رعاية صحية متمرِّس، وتشمل فوائده إدارة الألم وزيادة المرونة والتوازن والتناسق والقوة والتحمُّل.

بيَّن أحد التقارير أنَّ الرومان والإغريق القدماء استحمُّوا في الينابيع الحارَّة، كما أشار إلى اكتشاف فوائد العلاج المائي بواسطة العديد من الحضارات الأخرى على مر التاريخ.

تسهم حرارة الماء في تخفيف آلام المفاصل، وتساعد مقاومته على تقوية الجسم، كما تستبعد خاصية الطفو فيه مخاطر السقوط.

شاهد بالفيديو: كيف تحافظ على صحتك مدى الحياة؟

3. كانابيديول (Cannabidiol) (CBD):

هو مركَّب كيميائي يُستَخرَج من نبات الماريجوانا أو القنب، وهو خالٍ من التأثيرات النفسية (على عكس مادة رباعي هيدرو كانابينول (TCH) ذات التأثيرات النفسية والمستخلصة من نفس النبات)، وقد أثبت قدرته على زيادة إنتاج الجسم من هذه المادة، ويُعتقد بقدرته على تسكين الآلام والالتهابات استناداً إلى دراسات أُجريَت على حيوانات مخبرية.

في عام 2018 وافقت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية (Food and Drug Administration) على اعتماد تركيبة حاوية على الكانابيديول تُعرف باسم إيبيديوليكس (Epidiolex)، وتستخدم في علاج نوعين من الصرع.

يخشى الخبراء ظهور آثار جانبية ناجمة عن استخدامها، كمشكلات الكبد والجهاز التنفسي والعصبية، كما أنَّ عدم اعتماد إدارة الغذاء والدواء لمركبات الكانابيديول (CBD) سيؤدي إلى انتشار منتجات تتفاوت في جودتها وتجانسها من حيث التركيز والنقاء، ومع ذلك ثمَّة مؤشرات تدعو للتفاؤل في هذا الصدد.

4. العلاج المعرفي السلوكي (CBT):

يعدُّ العلاج السلوكي المعرفي أحد أفرع علم نفس الألم (pain psychology)، وتقوم آلية عمله على افتراض أنَّ الألم يتألَّف من مركَّبة عاطفية وأخرى جسدية.

يساعد العلاج المعرفي السلوكي المرضى على تغيير طريقة التفكير والتخلص من شعور العجز المرافق للحالة المَرَضية المزمنة، ويتمُّ عبر جلسات منتظمة مع مستشار الصحة العقلية، وقد يطلب من المريض كتابة يومياته وتدوين الأفكار والمشاعر المصاحبة للألم.

إقرأ أيضاً: حبة دواء قد تلحق بك أضراراً ليست بالحسبان

5. حقن نقاط الزناد (TPI):

تستخدم هذه الطريقة في علاج أمراض من قبيل الألم الليفي العضلي وصداع التوتر، وتقوم على حقن المخدِّرات الموضعية أو المحاليل الملحية في العقد العضلية التي تتشكل تحت الجلد نتيجة تهيُّج هذه العضلات، ويُعتقد أنَّ هذه العقد تهيِّج الأعصاب المجاورة وتسبِّب الآلام، ويساهم الحقن بدوره في تثبيط نقاط الزناد وتخفيف الألم.

في الختام:

توجد عدة أساليب أخرى لإدارة الألم البديلة عن الأدوية والتي يمكن أن تسبب الإدمان كصندوق المرآة والتدليك مثلاً، ولا بدَّ أن نشير في الختام إلى قدرة أطبَّاء العلاج الطبيعي على المساهمة في الحدِّ من أزمة المواد الأفيونية رغم أنَّ الأسباب الجوهرية لهذه الأزمة تتجاوز صلاحياتهم.




مقالات مرتبطة