خطر المبالغة في الطموح

نحن نعيش في زمن عجيب، فقد جعلت التكنولوجيا كثيراً من الأشياء ممكنة، مع أنَّنا لم نكن نتصوَّر أنَّها ممكنة أبداً؛ إذ نتوق جميعنا إلى الابتكار والتغيير والتحسين، وهذا هو السبب في أنَّ الأفكار والإبداع والمعرفة تمثِّل أهم الموارد في العالم.



تظهر التطبيقات والخدمات الجديدة كل يوم، وكلها تطبيقات ناجحة على ما يبدو، فكثيراً ما أسمع أشخاصاً لديهم أفكاراً كبيرة يقولون: "ما هو مقدار صعوبة ابتكار تطبيق جديد؟ تحتاج فقط إلى بعض الطموح والتفكير المبدع وستتكوَّن لديك فكرة رائعة".

ثمَّ يواصلون: "وظِّف مطوراً مستقلاً، أطلق التطبيق، قم ببيعه، ثمَّ استرخِ على الشاطئ"، لكن، من الصعب تحقيق النجاح، ومع ذلك يظنُّ الناس أنَّهم إذا كان لديهم فكرة رائعة، يمكنهم تحقيق أي شيء يريدونه.

هذا ليس مجرد كلام، فنحن نؤمن أنَّنا إذا استطعنا أن نصل إلى ما نريد ونحقِّق أي شيء نسعى إليه، متخذين من بعض الأشخاص المشهورين مثالاً واضحاً عن ذلك، كمؤسِّس "فيسبوك" (Facebook) "مارك زوكربيرج" (Mark Zuckerberg)، كونه كما تعلم "بدأ بتأسيس فيسبوك من غرفة سكنه، وهو الآن ملياردير"، أو مؤسِّس تطبيق الدردشة "سناب تشات" (Snapchat)، "إيفان شبيغل" (Evan Spiegel)، فقد أصبح مليارديراً في سن 24، إذاً لا بُدَّ أنَّ ذلك بسيط.

الأفكار العظيمة لا تضمن النجاح:

لن أخبرك في هذا المقال أنَّه ليس في إمكانك تحقيق أي شيء، فلدينا ما يكفي من الأشخاص الذين يفعلون ذلك، لكن على الجانب الآخر من ذلك لدينا "المبالغة في الطموح"، والذي من الممكن أيضاً أن يعود عليك بنتائج عكسية، فمن الوهم الاعتقاد بأنَّه يمكنك تغيير العالم قبل أن توفِّر الشروط المناسبة لك لإحداث هذا التغيير.

إذ نخطِّط غالباً لتحقيق أشياء كبيرة فريدة من نوعها، أشياء مثل: "أريد أن أكون أول شخص فعل كذا"، أو "أريد أن أكون أصغر شخص حقَّق كذا".

إقرأ أيضاً: كيف تكون طموحاً لتعانق القمم؟

هل نحن "عباقرة" الآن لأنَّ لدينا هذه الأفكار العظيمة؟

لقد كتب "ريان هوليداي" (Ryan Holiday) في كتابه الجديد "الأنا هي العدو" (Ego Is The Enemy) عن مخاطر المبالغة في الطموح: "من الخطر أن يصدِّق الناس أنَّهم عباقرة، بل إنَّه أكثر خطورة عندما ندع غرورنا يوحي بأنَّنا كذلك، وينطبق الشيء نفسه على أي تسمية تترافق مع مهنة: فهل تصبح فجأة صانع أفلام، أو كاتباً، أو مستثمراً، أو رائد أعمال، أو مديراً تنفيذياً؛ لأنَّك حققت إنجازاً واحداً؟ إذ تتعارض هذه التسميات ليس مع الواقع فحسب، بل مع الاستراتيجية الحقيقية التي جعلتك ناجحاً في المقام الأول، ومن هذا المنطلق، قد نعتقد أنَّ النجاح في المستقبل هو مجرد الجزء الطبيعي التالي من القصة، في حين هو في الحقيقة متجذِّر في العمل والإبداع والمثابرة والحظ".

  • هل تصبح رائد أعمال فقط لأنَّك تملك فكرة واحدة جيدة؟
  • هل تصبح كاتباً فقط لأنَّك نشرت مقالين؟
  • هل تصبح صانع أفلام عند إنشاء مقطع فيديو على موقع "يوتيوب" (YouTube)؟

عندما تبدأ في التفكير بهذه الطريقة، قد تشعر وكأنَّك حقَّقت النجاح بالفعل، فأكبر مكافأة لمعظم الناس هي أنَّهم يستطيعون تسمية أنفسهم "مؤسِساً" أو "مالكاً" أو "كاتباً" أو أي لقب آخر يبدو جميلاً.

لكن أنت لست ما تكتبه في سيرتك الذاتية على موقع "تويتر" (Twitter)، أو "لينكد إن" (LinkedIn)، فلا أحد يهتم بذلك، ولكنَّنا نتَّبع المظاهر غالباً لأنَّ "الأنا" هي مَن تتحدَّث نيابةً عنَّا.

فبالنسبة إليَّ، أنا أفكِّر بطموح، لكنَّني أيضاً أفكِّر في أن أكون عملياً، فما زال هناك فرق بين العمل والحلم، ومهما كان حجم أحلامك، فإن لم تسعَ جاهداً إلى تحقيقها، فلن تحققها أبداً.

شاهد بالفديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل

ابدأ بخطواتٍ صغيرة:

نحن نعيش في عالمٍ لا يؤدي فيه ربح أحدهم إلى خسارة شخص آخر؛ لذلك من مصلحة الجميع أن يكون لدينا أشخاصاً شرعوا في تغيير العالم، لكن لماذا لا يمكنك تغيير العالم؟ فالأمر لا يتطلَّب أي موهبة خاصة لتغيير العالم، بل يتطلَّب العمل الجاد والتصميم، وقد عبَّر المخترع الأمريكي "توماس أديسون" (Thomas Edison) عن ذلك بطريقة جيدة: "لا يوجد بديل للعمل الجاد".

لكنَّ النجاح لا يتعلَّق بامتلاك رؤية عظيمة، بل يتعلَّق بك، وبالعمل على تحقيق هدفك، حتى عندما لا يشاهدك أحد، مع التركيز على العمل لأنَّ الحلم وحده لن ينفعك.

لقد كتب "ريان هوليداي" (Ryan Holiday) في كتاب "الأنا هي العدو" (Ego Is The Enemy)، عن الأسباب التي تجعلنا في الغالب أسوأ عدو لأنفسنا عندما نبالغ في طموحاتنا، فإنَّه يستخلص دروساً من أشخاص ناجحين مختلفين نجحوا نجاحاً باهراً مع أنَّهم لم يغالوا في طموحاتهم قبل تحقيق إنجازاتهم: "ألقى قبل بضع سنوات أحد مؤسسي موقع "غوغل" (Google) محاضرة قال فيها إنَّ الطريقة التي يحكم بها على الشركات ورجال الأعمال المحتملين هي من خلال سؤالهم "عمَّا إذا كانوا سيغيرون العالم"، وهو أمر جيد، إلا أنَّ هذه ليست الطريقة التي بدأت بها غوغل.

فقد كان "لاري بيج" (Larry Page) و"سيرجي برين" (Sergey Brin) اثنين من حملة الدكتوراه من جامعة "ستانفورد" (Stanford) يعملان على أطروحتيهما، كما أنَّ هذه ليست الطريقة التي بدأ بها "يوتيوب" (YouTube)، - لم يكن مؤسسوه يحاولون إعادة اختراع التلفزيون، كانوا يحاولون مشاركة مقاطع فيديو مضحكة - فإنَّها ليست الطريقة التي أُنشئت بها معظم الثروة الحقيقية في الواقع".

يقول المستثمر "بول جراهام" (Paul Graham): "يبدو أنَّ الطريق إلى تحقيق إنجازات عظيمة يبدأ بتحقيق إنجازات صغيرة".

لذا؛ إذا لم تكن الطموحات الكبيرة استراتيجية جيدة، فما هي الاستراتيجية الجيدة؟

عندما أدرس أشخاصاً يطلق عليهم "ناجحون"، لا أرى الكبرياء، بل أرى عملاً شاقاً؛ إذ يتعلَّق الأمر دائماً بالقيام بالعمل وليس بامتلاك أحلام كبيرة، فالأشخاص الذين يقولون إنَّ الحلم الكبير، والتخيُّل والأمل في تحقيق إنجازات عظيمة هي استراتيجية جيدة، دائماً ما يكون لديهم شيء للترويج له، لكن لو كانت هذه الأمور ناجعة، لكان الجميع عظماء، لكن لا يمكنك تحقيق أي شيء بناءً على نواياك الحسنة.

إقرأ أيضاً: كيف تحقق أهدافاً كبيرة في وقت محدود؟

في الختام:

كما قال الصناعي الأمريكي "هنري فورد" (Henry Ford) ذات مرة: "لا يمكنك اكتساب سمعة طيبة بناءً على ما ستفعله لاحقاً"، ولا يمكنك أيضاً الحصول على أي نتائج من خلال الطموحات الكبيرة دون بذل الجهد المطلوب يومياً، ففي نهاية المطاف النتائج هي الأكثر أهمية، وليست الكلمات.

المصدر




مقالات مرتبطة