حياتك تجربة فريدة

خلقنا الله عزَّ وجلَّ في أحسن تقويم، وهدانا النجدين، وأمدَّنا بنعم لا تعد ولا تحصى، فكان لزاماً علينا أن نسعى في تطوير هذه الفطرة البشرية التي فطرنا الله عليها، والتي لا بد من أن ترتكز على مبادئ أخلاقية وقيم.



وهنا نأتي إلى العنوان الرئيس في مقالنا اليوم؛ إنَّ حياتك تجربة فريدة فاجعلها تجربة تستحق أن تُحكى للناس من بعدك، افرض حضورك واترك بصمتك، فمن لم يُضِف إلى الدنيا جديداً عُدَّ زائداً فيها، ومن لم يتقدم يتقادم؛ فأنت فريد من نوعك في صفاتك وفي قدراتك، وإن لم تكتشف ذاتك الآن، فلن يحرص أحد على اكتشافك، وإن لم تُقدِّر ذاتك، فلن يُقدِّرك الآخرون، ولن ينتظرك المستقبل.

يتطلب هذا الأمر إتقان مجموعة من الفنون والمهارات المختلفة، من أهمها مهارة التغيير، والسيطرة على مختلف المتغيرات التي تحيط بك، وليس هذا فحسب، بل يتطلب الأمر مزيداً من التواصل الفعَّال، ولا أعني هنا التواصل مع الآخرين على أهميته، وإنَّما التواصل مع الذات؛ إذ ترجع أهمية هذا النوع من التواصل إلى النقلة النوعية التي يحققها من حالة تشعر فيها بعدم الإنجاز، إلى حالة أخرى من التحدي القائم على قفزات كبرى في الأداء.

ويرجع هذا كله إلى الرغبة في مزيد من الحضور وإثبات الذات، والتفاعل الجاد مع جميع المتغيرات والمستجدات التي تقابل الأشخاص في هذه الحياة.

أرجع عديد من الخبراء إشكاليات الإنجاز إلى مجموعة من الأسباب والمعوقات، وهي في معظمها أسباب داخلية؛ لذا سنتوقف خلال هذه الرحلة القصيرة مع إشارات سريعة تساعدك على فرض حضورك وشخصيتك الفريدة.

شاهد بالفيديو: 10 حقائق جوهرية ستغير حياتك

لا أمل في التغيير!

التغيير بمعناه البسيط هو التبديل من حال إلى حال، والتغيير في الأساس ينبع من الداخل، فقد قال الله عزَّ وجلَّ: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد: الآية 11]

وهذه إشارة من المولى عزَّ وجلَّ إلى أنَّ التغيير بيد الإنسان نفسه، وأنَّ قدرته على تبديل حاله من حال إلى حال، يتطلب إرادة وعزيمة قوية.

كما أنَّ التغيير له خصائص ومراحل كثيرة، فهنالك تغيير مخطط، وتغيير مرحلي، وتغيير تدريجي، حيث تختلف شخصية كل شخص ومدى ملائمة نوع التغيير ومناسبته له.

والتغيير أوسع وأشمل من مفاهيم كثيرة، فهو يشمل القدرة على الحضور والتواصل والتفاعل والتأثير القيادي، ويعتمد بشكل أو بآخر على كيفية فرض حضورك، وإثبات ذاتك، واستخراج قدراتك الكامنة، إذ إنَّ فرض الحضور وترك البصمة الشخصية الفريدة من نوعها، يحتاج إلى إرادة ورغبة حثيثة للوصول إلى الهدف المنشود، ممزوجة بشيء من الأصالة والشفافية والاعتداد بالنفس، ويحوطها التواضع وحب الآخرين.

إقرأ أيضاً: جدّد حياتك بثلاث خطوات بسيطة

معوقات التغيير:

1. شخصيتي لن تتغير:

هكذا ولدت، وهكذا تربيت، ولم أُفلح في شيء، بل يتعدى الأمر إلى قول بعضهم: "أنا جُبلت على ذلك، ولا أمل في التغيير أو السعي إلى التطوير، فدائماً ما أحاول ولكن أفشل في النهاية، فلا نتيجة إيجابية في هذا"؛ فيسود هذا الاعتقاد بداخل الشخص ذاته.

يكمن حل المشكلة تلك في فرض اعتقاد معاكس تماماً لما يشعر الشخص به، حيث بإمكانك التميز والانطلاق نحو آفاق جديدة، فالعلم بانتظارك، وقدراتك اللامحدودة تستطيع إنجاز المزيد؛ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إنَّما الحلم بالتحلُّم، وإنَّما العلم بالتعلُّم"؛ أي أنَّ كل شيء في هذا الكون تستطيع اكتسابه مع بذل الجهد والتحلي بالإرادة والعزيمة والأخذ بالأسباب.

2. التقليد:

يحرص كثير من الناس على اكتشاف قدراتهم الإبداعية وطاقتهم المتقدة بمحاكاتهم للآخرين، والعيش في نفقهم، ومحاكاة تجاربهم، هذا وإن كان مقبولاً جزئياً، إلا أنَّه مدمر على المدى البعيد. فكن أنت وافرض حضورك بشخصيتك وسماتك الفريدة، فكل تجاربك الخاصة فرصة لإيجاد شخص عظيم؛ إذا إنَّ تتبُّعك والتزامك ظلَّ غيرك، يُفقدك مع الوقت شخصيتك وأسلوبك الخاص، فتعيش في كنف شخصية وهمية نظرات وأسلوب واعتقاد الآخرين، فاقداً رؤيتك وأسلوبك المميز.

3. لا داعي للتغيير:

تخلَّص من هذه العادة البغيضة، فالشيء الثابت في هذه الحياة هو التغيير، تغيُّر الليل والنهار، والفرح والكدر، والجوع والشبع؛ طوِّر أساليبك وغير وجهاتك، لتنعم بآفاق رحبة. ينبغي عليك تطوير أساليبك والعمل على صقلها بمهارات مختلفة؛ فالحكمة تقول، كن مستعداً على كل حال، أن تأتي الفرصة وأنت مستعد، خير من أن تأتي وأنت غير مستعد؛ فحينها لن يسعفك الوقت، ولن تتملكك إلا الحسرة واللوم لضياع الفرص.

البصمات الشخصية:

  • البصمة المتراخية أو اللينة: يراك الآخرون متعاوناً ومتواضعاً وأهلاً للثقة، وهذا ما يجعلهم يلجأون إليك؛ فأنت قادر على استيعاب الأمور، وتقبل وجهات النظر المختلفة.
  • البصمة المتحكمة: ينبغي العمل بتوازن بين احتياجاتك واحتياجات الآخرين.
  • البصمة السلبية: تورث هذه السلبية والانعزال والتبعية.

كيف تبني بصمة قوية، وتنتقل بين البصمات الثلاث (المتراخية والمتحكمة والسلبية)؟

نقطة الانطلاق: ابتكار رؤية أولية لوجهتنا الشخصية.

1. استراتيجيات التواصل الذاتي والمعتقدات الذهنية:

المعتقدات الذهنية هي الأفكار والمشاعر عن ذاتك، وتفاعلاتها مع نجاحاتك وإخفاقاتك، والعمل على التركيز الإيجابي حولها؛ ولبناء معتقدات ذهنية قوية صالحة للاستثمار، وتحقيق تواصل ذاتي بنَّاء انطلاقاً من استراتيجيات نُجمِلها بالآتي:

1. 1. تعزيز الثقة بالنفس:

من خلال التقييم الموضوعي لإسهاماتك الشخصية:

  • ابحث عن مواطن قوَّتك: وذلك من خلال اكتشاف نقاط قوَّتك والبناء عليها، والعمل على بناء مهارات جديدة تفرض حضورك.
  • حدِّد دائرة التأثير: بتعيين الأشخاص المؤثرين في حياتك، وحجم دورهم فيها.
  • عرِّف النجاح: للنجاح تعاريف ومفاهيم كثيرة، فاقبل أياً منها ولا تحصره في شيء واحد، وابنِ عليه.
  • حدِّث سيرتك الذاتية باستمرار: لتقييم إسهاماتك الشخصية، حدِّث سيرتك الذاتية على الدوام، واستفد من الأسئلة التالية في مراجعة إنجازاتك:
    • ما هي قيمي الشخصية في ثلاث جمل؟
    • ما الإسهامات التي يجب أن أضعها في سيرتي الذاتي لتعكس خبرتي العميقة؟
    • ما المعلومات التي يجب أن تتضمنها سيرتي الذاتية لإظهار قدراتي الفريدة؟

1. 2. تبنِّي منظور فكري:

ما هي وجهة النظر التي تتبناها؟

  • ضع نفسك مكان الآخرين: وذلك لفهم المواقف والتخلي عن التحيز، والتأمل في توجهات وتطلعات الآخرين.
  • تبنَّ منهجاً استراتيجياً كاملاً: أي ما يسمى بالرؤية البانورامية، وهي الانفصال عن الآراء المتضاربة والفوضى، لرؤية الصورة الشاملة، فالرؤية في أبسط صورها هي ما تريد الوصول إليه، لتحقيق حلمك الذي تسعى فيه، ولا بد لذلك من تحديد استراتيجية فعَّالة تضمن الوصول إلى رؤيتك.

1. 3. التحلي بقيم إيجابية:

إنَّ قيمك هي المعتقدات والأفكار التي تسيطر عليك، ولذلك ينبغي التحلي بمجموعة من القيم الإيجابية التي تضيف لك في رؤيتك؛ فالقيم والمباديء تلعب الدور الأكبر في تحقيق التميز والنجاح في الحياة. كما ينبغي التركيز على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تمثِّل تطبيق الرؤية في صورة مرحلية، والسعي لتحقيقها، فإن لم يكن لك هدف تسعى لتحقيقه، ستكون أنت الهدف الذي يُستخدم لتحقيق رؤى الآخرين وطموحاتهم.

2. استراتيجيات التواصل مع الآخرين:

بعد معرفة استراتيجيات التواصل الذاتي والمعتقدات الذهنية، آن الآوان لننطلق إلى استراتيجيات التواصل والتفاعل مع الآخرين لبناء بصمة قوية:

  • حدد إطاراً مناسباً لرسالتك: توفير الدعم الكامل لرسالتك ووضعها في السياق المناسب وحشد الدعم لها.
  • حدد جمهورك: افهم الآخرين وحدد أنسب الطرق للوصول إليهم.
  • حدد هدفك من التواصل: باختيار الإطار الأنسب لبصمتك الشخصية:
  • الإطار الاستراتيجي: اربط رسالتك بأولويات ومتطلبات المؤسسة.
  • الإطار الهادف: اربط رسالتك بالأهداف والإنجازات.
  • الإطار المجازي: اربط رسالتك بتشبيهات واستعارات تحفيزية.
  • الإطار الموسيقي: لخِّص رسالتك بعبارات رنانة.
إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتعزيز مهارات التواصل مع الآخرين

نصائح على طريقة فرض شخصيتك الفريدة:

  1. استعد بدنياً لتكون جذاباً، وتعكس ذلك على الآخرين.
  2. اهتم بلغة جسدك: انتبه لردود أفعالك وإيماءاتك ونظراتك، فالشخص مخبوء وراء حركاته وسكناته؛ لذا يجب التنبه.
  3. أعد شحن طاقتك: استثمر طاقاتك وأعد شحنها وأبقها متوهجة، حتى تستطيع مواجهة تحديات الحياة، فتستطيع أن تعيد بوصلة حياتك بين الحين والآخر، وتعيد شحن ذاتك من خلال الاسترخاء ومكافأة نفسك.
  4. كن مرئياً: من خلال إدارة شبكة علاقات ناجحة مع من حولك، وإن لم تكن تمتلك شبكة من العلاقات، فاصنعها وأنشئ نوعاً من التوازن في العلاقة بينك وبينها.
  5. كن متعاونا: بادر بتقديم العون للآخرين، فاليد العليا خير من اليد السفلى؛ كن معطاءً كريماً، تجد ما أعطيته وقت حاجتك له.
  6. بادر بالطلب: لا تتوان في طلب مساعدة الآخرين؛ إن أنت قمت بالإحسان في البداية، فستجد من يحسن إليك في النهاية، فهذه سنة كونية. قال تعالى: "هلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ" [الرحمن: الآية 60].

في الختام:

احرص دائماً على النجاح فارضاً حضورك الشخصي وبصمتك في هذه الحياة، فحلمك ليس بعيد المنال، وتحقيقه لا يتطلب سوى العزيمة والإصرار، مع التزام رؤية واضحة لما تريد تحقيقه في المستقبل، وخطوات فعلية لتحقيقه.

وإلى لقاء آخر في مقال جديد متجدد بكم.




مقالات مرتبطة